عناصر الخطبة
1/أعداء المسلمين مستمرون في العداء والمحاربة 2/الوصية بتمسك المسلمين بدينهم والوحدة فيما بينهم 3/بعض الأدلة على تربص أعداء المسلمين بهم 4/محاولة لتعريف الإرهاب وتحديد معناه 5/الأخلاق الإسلامية الحضارية 6/ثلاث رسائل بخصوص الشعوب العربية والاحتلال والأقصىاقتباس
إنَّ الْمُتتبِّعَ للأحداث الدامية عبر التاريخ لَيجِدُ بالدليل القاطع كيف أن أعداء الإسلام يبدؤون بالاعتداء على المسلمين، وعلى ديار المسلمين، فمنذ هجمات الفرنجة الصليبية، إلى هجمات التتار والمغول، ثم إلى الحرب العالميَّة الأولى، والحرب العالميَّة الثانية، ثم نكبة فلسطين، ونكسة حُزيران وغيرها من الاعتداءات. فمَنِ الإرهابيون يا تُرى؟...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.
الحمد لله إذ لم يَأتِنِي أَجَلِي *** حتى اكتسيتُ مِنَ الإسلامِ سِرْبَالَا
الحمد لله القائل في سورة الإخلاص: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1-4]، اللهم لا تكلنا إلى أحد، ولا تحوجنا إلى أحد، وأغننا يا رب عن كل أحد، يا من إليه المستند وعليه المعتمد، عاليًا على العلا فوق العلا فرد صمد، منزه في ملكه ليس له شريك ولا ولد، فأنتَ الواحدُ الأحدُ.
إلهي على صراطكَ قد يممتُ إقبالي *** فأنتَ مولاي في حِلِّي وترحالي
آمنتُ أنكَ ربي واحدٌ أحدٌ *** عليكَ معقودةٌ في العفو آمالي
ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، القائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39]، والقائل في سورة المجادَلة: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[الْمُجَادَلَةِ: 22]، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا، وقائدنا وقدوتنا، وشفيعنا محمدًا، عبد الله ونبيُّه ورسوله، القائل: "الظُّلمُ ظلماتٌ يومَ القيامة"، صدقتَ يا حبيبي يا رسول الله، فصلَّى اللهُ عليكَ، وها نحن نُصلِّي عليكَ، وعلى آلِكَ الطاهرينَ المبجَّلينَ، وصحابتِكَ الغُرِّ الميامينِ المحجَّلينَ، ومَنْ تَبِعَكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدِّين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة البقرة: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[الْبَقَرَةِ: 217]، صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون: إن هذه الآية الكريمة تشير إلى أن أعداء الإسلام مستمرون في قتالكم يا مسلمون، والاعتداء عليكم، بهدف إزالة الإسلام من نفوس المسلمين؛ فالحملات العدوانيَّة ضدَّ الإسلام مستمرَّة، لا هوادةَ فيها؛ لأن الآية الكريمة تقول: (وَلَا يَزَالُونَ)[الْبَقَرَةِ: 217]؛ فيتوجَّب على المسلمين في كل زمان ومكان أن يكونوا متمسِّكينَ بدينهم، مُحتَكِمِينَ إلى كتاب الله، وأن يكونوا متوحِّدين في مواقفهم، وأن يكونوا حذرين من المغامَرات التي تستهدفهم؛ فأعداء الإسلام يتربَّصون بالمسلمين، وبديار الإسلام الدوائر.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إنَّ الْمُتتبِّعَ للأحداث الدامية عبر التاريخ لَيجِدُ بالدليل القاطع كيف أن أعداء الإسلام يبدؤون بالاعتداء على المسلمين، وعلى ديار المسلمين، فمنذ هجمات الفرنجة الصليبية، إلى هجمات التتار والمغول، ثم إلى الحرب العالميَّة الأولى، والحرب العالميَّة الثانية، ثم نكبة فلسطين، ونكسة حُزيران وغيرها من الاعتداءات. فمَنِ الإرهابيون يا تُرى؟ ونعني بالإرهاب بالمفهوم والتفسير الغربي، الذي يُروِّجونه، إنهم الذين يسفكون الدماءَ، ويقتلون الأطفالَ والنساء، ويدمرون البيوت والمؤسَّسات، وينهبون الثروات، ويستبيحون المقدَّسات، ويفتعلون الصراعات، وصدق الله العظيم حيث يقول في سورة البقرة: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[الْبَقَرَةِ: 217]، لم يستطيعوا ولن يستطيعوا إن شاء الله؛ إنهم الإرهابيون.
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن تفسير الإرهاب بالمفهوم الإسلامي يختلف تمامًا عن تفسير الإرهاب بالمفهوم الغربي؛ فالغرب يُفسِّر الإرهابَ بأنَّه القتل والعدوان، في حين أن الإسلام يفسِّر الإرهاب بمنع القتل والعُدوان؛ وذلك لقوله -سبحانه وتعالى- في سورة الأنفال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ)[الْأَنْفَالِ: 60]، إنَّه أمرٌ من الله -سبحانه وتعالى- أن يَعُدُّوا العُدَّةَ، وما يستطيعونه من القوة، بهدف إيقاع الرعب والخوف في قلوب أعداء الإسلام؛ حتى لا يتجرؤوا على المسلمين ولا يعتدوا عليهم، والهدف أيضًا لتخويف المنافقينَ الذين لا تعلمونهم أيها المسلمون، إلا أن الله يعلمهم؛ لذا يُفهَم من الآية الكريمة هو منع الاعتداء على المسلمين، وعلى ديارهم، وبلادهم؛ وذلك حينما يحافظون على وحدتهم، وقوتهم وعزتهم، فالإسلام هو دين القوة والكرامة، والمنَعَة والعزة، هو دين أممي دولي، يرنو إلى نشر العدالة، ونهضة الشعوب، وإسعاد البشريَّة.
أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات، وكلنا مرابطون: أين نحن من وصايا رسولنا الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ستجدون فيها رجالًا في الصوامع معتزلينَ فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأةً ولا صغيرًا ولا بصيرًا فانيًا؛ -أي: كفيفًا-، ولا تقطعوا شجرة، ولا تهدموا بناء"، فهذه هي أخلاق الإسلام الحضارية السامية، في الحرب كما هي أخلاق الإسلام في السلم؛ فما نشاهد في هذه الأيام من اعتداءات وانتهاكات، وأين نحن من الوصايا العشر للخليفة الأول؛ سيدنا أبي بكر الصديق، -رضي الله عنه- حيث قال: "لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأةً، ولا تَعقِرُوا نخلًا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة"، فكيف بمن يقطع أشجار الزيتون أو يحرقها؟ هذه الشجرة المباركة التي تسبح بحمد الله؟!
أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها المرابطات وكلنا مرابطون: أين نحن من قول أمير المؤمنين، الخليفة العادل، سيدنا عمر بن الخطاب حيث يقول: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها"، ما معنى هذه العبارة الإيمانية الحضارية يا مسلمون؟ أي: لا خير في المواطنين إن لم يقولوا كلمة الحق والصدق، ولا خير في الحُكَّام إن لم يستمعوا لها، ومن أقواله أيضًا: "مَنْ رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فَليُقَوِّمْهُ"، فوقَف أعرابيٌّ قائلًا: "فوالله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمْنَاه بحدِّ سيوفِنا"، فلم يَغضَب عمرُ من موقف هذا الْمُواطِن؛ لأنَّ عُمَرَ كان واثقًا من نفسه، مطمئنًّا بعدله، فلم يعتقل هذا المواطنَ، ولم يُعذِّبه كما نسمع في هذه الأيام، بل قال عمر: "الحمد لله الذي وُجِدَ في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يُقَوِّم اعوجاجَ عُمَرَ"، نعم هذا هو موقف الحاكم العادل، الحاكم المستقل في قراره، الحاكم الذي لا يغش رعيتَه، فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسترعيه اللهُ رعيةً فيموت يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيته إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنةَ"، فلا شفاعةَ يومَ القيامة لمن يغشُّون رعيتَهم، إنما الشفاعة للمسلمين الصادقين المخلِصين المتوضئين.
جاء في الحديث النبوي الشريف: "إذا رأيتَ أُمَّتي تهاب الظالمَ أن تقول له: يا ظالمُ، فقد تُوُدِّعَ منها"، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، دعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبينا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أيها المصلون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل بإيجاز: أولًا: الرسالة الأولى نوجهها تحية احترام وإكبار، محبة للشعوب في العالَم العربيّ والإسلاميّ، بل للأمة الإسلاميَّة الكريمة جمعاء؛ لماذا؟ لأن المسلمين قد أعلنوا بوضوح للعالم أجمع موقفهم الإيماني الإستراتيجي بمحبتهم لفلسطين وللقدس وللأقصى، لقد قالوا قولتهم الإيمانية الموحدة، والموحدة، والسؤال: أين كان ذلك؟ إنَّه كان ذلك في بلاد قطر الشقيقة، التي تضم ممثلي العالم، فقد تبخر التطبيع، وظهر فشله، وأعلن المسلمون موقفهم الصحيح، ثم لماذا تهوى قلوب العرب والمسلمين إلى فلسطين؟ والجواب: لأن المسجد الأقصى المبارَك في قلب فلسطين. وهو أيضًا في قلب كل مسلم، ولولا الأقصى لما وجدت قضية اسمها فلسطين أصلًا؛ لذلك ستبقى فلسطين حاضرة في العالم ما دام الأقصى في قلوب المسلمين؛ فتحية احترام ومحبة مرة تلو الأخرى، للشعوب العربيَّة والإسلاميَّة لمواقفهم الإيمانية، نوجه هذه التحية من على منبر المسجد الأقصى المبارَك، والحمد لله.
أيها المصلون: الرسالة الثانية بشأن إزالة الاحتلال لقُبَّة وهلال مئذنة قلعة القدس الإسلاميَّة التاريخيَّة هذه القلعة التي تقع في البلدة القديمة، من مدينة القدس، ويعود تاريخها إلى عام (1635م)؛ لذا فإن إزالة القُبَّة والهلال من المئذنة هو عبث بالآثار الإسلاميَّة، وهو اعتداء صارخ على الأوقاف، يهدف إلى طمس الفترة الإسلاميَّة التاريخيَّة، ورغم الاحتجاجات على هذا الإجراء التجاوزي إلَّا أن الاحتلال ماضٍ في اعتداءاته على الآثار الإسلاميَّة، ونحن إذ نستنكر هذا الاعتداء ونَعُدُّه باطلًا وغيرَ شرعيّ، وغيرَ قانونيّ، وغيرَ حضاريّ، وأن الغطرسة الاحتلالية لن تُكسِبَهم أيَّ حقٍّ في هذه القلعة، وفي غيرها.
أيها المصلون: الرسالة الثالثة والأخيرة بشأن المسجد الأقصى المبارَك، الذي لا تزال الأخطارُ مُحدِقَةً به، وأنَّ تقَلُّبَ الحكومات لدى سلطات الاحتلال لن يُغيِّر من سياسة الاقتحامات، ولن يُغيِّر سياسةَ تهويد مدينة القدس، ولن يُغيِّر من سياسة قوميَّة الدولة؛ لذا من الخطأ المراهَنة على أي حكومة تأتي أو تروح؛ لذا علينا ويتوجَّب على المسلمين أن يشدُّوا الرحالَ إلى المسجد الأقصى المبارَك وبشكل مستمر؛ للصلاة فيه وإعماره والدفاع عنه، وتحية احترام ومحبة للمرابطين فيه، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول: "حماكَ اللهُ يا أقصى". قولوا: آمين.
أيها المصلون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بَعديّ: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهم يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعَفين، ندعوك بكل اليقين، إعلاء شأن المسلمين بالنصر والعز والتمكين.
اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم إنا نسألك توبة نصوحًا، توبة قبل الممات، وراحة عن الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات