عناصر الخطبة
1/الصيام عبادة قديمة 2/ علة وغاية الصيام 3/فضائل شهر رمضان 4/عواقب الغفلة عن فوائد شهر رمضان ومزاياه 5/وجوب الحذر من انتهاك محارم الله 6/تحذير ودعاء.اقتباس
إن هذا الشهر هو سيد الشهور، ففيه بزغ النور، وأُنزل القرآن، وفيه يتوب الكثيرون من بني الإنسان، وفيه تقل أسباب الرذائل والعصيان... ولهذا، فإن من أدرك شهر رمضان، فقد حصل على أغلى هدية من الرحمن....
الخطبةُ الأولَى:
بعد الحمد والثناء على الله -تعالى-، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه ومن سار على نهجهم.
أيها المسلمون والمسلمات: يقول الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
يتأكد من خلال هذه الآية الكريمة أن الصيام عبادة قديمة، وفريضة من الله -تعالى- على السابقين واللاحقين. كما بيَّن -سبحانه- علة وغاية هذه الفريضة، ألا وهي: "تحقيق التقوى" (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وبذلك يكون شهر رمضان: حمامًا ومدرسة ومستشفى... حمامًا يُزيل ما بالقلوب من الأدران، ومدرسة ترسّخ قِيَم الصبر والتكافل والإحسان، ومستشفى لتعافي الجوارح والأبدان.
إن رمضان شهر يتشوق له المسلمون التماسًا للرحمة والمغفرة والعتق من النيران. فهل نستقبل هذا الشهر الفضيل بالعادات وقتل الأوقات؟ ومن لم يتب في رمضان من الموبقات، فمتى يبدل الله سيئاته حسنات؟
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه"(رواه البخاري ومسلم).
فالمؤمنون يفرحون ويستبشرون بمجيء هذا الزائر المحبوب الذي تنشرح له الصدور وتتفتح له القلوب، وتمتلئ فيه النفوس بالغبطة والأمل، وتسقى فيه القلوب بمشاعر الرحمات، بعد جفافها وغلظتها.
ونتساءل: لماذا هذا الفضل؟ وما سر هذا الخير؟... يجيبنا الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ".
إلا أن من المسلمين من غاب عنه هذا السر، ولا يعلم بهذا الفضل لشهر رمضان، لانشغال منه أو نسيان، لذلك وجب تنبيه الوسنان الغافل عن فضائل رمضان، ونذكر بما ينفع فنقول:
إن هذا الشهر هو سيد الشهور، ففيه بزغ النور، وأُنزل القرآن، وفيه يتوب الكثيرون من بني الإنسان، وفيه تقل أسباب الرذائل والعصيان... ولهذا، فإن من أدرك شهر رمضان، فقد حصل على أغلى هدية من الرحمن.
ومن غفل عن فوائد رمضان ومزاياه فمآله الخسران بشهادة النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سَبْعِمائةِ ضِعفٍ، قال اللهُ -تعالى-: إِلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لِي، وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلِي، وللصائمِ فرْحتانِ: فرحةٌ عند فِطرِه، وفرحةٌ عند لقاءِ ربِّه، ولَخَلُوفُ فمِ الصائمِ، أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المِسكِ".
ورمضان مدرسة الصائمين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يَرفُثْ ولا يَجهلْ، فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ".
فهل بعد الخير من خير؟ فأقبلوا، رحمكم الله، على هذا الشهر الفضيل، واستقبلوه برضى وانشراح طاعةً لله في ما أمر، دون تردد أو سماع لنداء مثبّط أو مشكّك، أو حرج أو ضيق؛ قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب:36].
وهكذا، فإن صيام شهر رمضان أمرَ به الله -تعالى- عباده، وجعله ركنًا من أركان الإسلام، مفروض صيامه على مَن لا عذر له من مرض أو غيره.. والمؤمنون الصادقون في إيمانهم، إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وأذعنوا، وقالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 285].
وإذا صاموا صامت ألسنتهم وأبصارهم وأسماعهم، مشمّرين لمضاعفة الأعمال الصالحة، رجاء تواب الله ورضوانه، ولبلوغ درجة المتقين الأبرار والمقربين الأخيار. مع اتخاذ الحذر مما يُفْسِد عليهم صومهم، ويتسبب في انتهاك حرمة رمضان... وينبّه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى نموذج من هذه المفاسد فيقول: "من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ".
وبعد هذا فالحذر الحذر من انتهاك محارم الله فإن الله يغار على محارمه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يومَ القيامةِ بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تهامةَ بيضًا فيجعلُها اللهُ -عزَّ وجلَّ- هباءً منثورًا". قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا؛ أن لا نكونَ منهم ونحنُ لا نعلمُ. قال: "أما إنهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم، ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلْوا بمحارمِ اللهِ انتهكُوها"؛ فهل بعد هذا البلاغ بلاغ؟
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام الصادق الأمين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.
الخطبة الثانية:
بعد الحمد لله والصلاة على رسول الله وآله وصحبه.
عباد الله: إن رمضان مدرسة وحمام ومستشفى... وغاية الصيام فيه بلوغ مرتبة التقوى، فمن لم يجد في نفسه شوقًا لصيام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فليبادر لمراجعة هذه النفس حتى لا تضيع عليه فرصة نفحات رمضان وعطاياه؛ ليجني بعد ذلك الحسرة والندم والخسران.
واسمعوا؛ صعِد النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المنبرَ، فقال: "آمين، آمين، آمين"، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: "أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين".
وهكذا نرى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لم يترك بابًا من أبواب الخير إلا وأرشدنا إليه، والفائزون من بادروا قبل أن يغادروا...
الدعاء...
التعليقات
زائر
20-03-2024بارك الله فيك يا استاذنا و شخينا الفاضل و في عمرك و ونسأل الله أن لا يحرمنا من الانتفاع بمواعظك