عناصر الخطبة
1/ اختراع الكاميرا وبعض آثارها 2/ فوائد الكاميرا ودور الصورة 3/ مفاسد الصور وسلبيات الكاميرا 4/ ولع البعض بتصوير طاعاته وعباداته 5/ التحذير من بريق الفلاشات وحب الشهرة 6/ أعمال العباد مسطورة محفوظة عليهم.اهداف الخطبة
اقتباس
أصبحنا نرى من يصور نفسه، وهو عند الركن والمقام، ومنهم من يعرض بره بوالديه على رءوس ا?شهاد، ومنهم من يعرض صدقته على الفقراء وإحسانه للمساكين. بينما كان سلف ا?مة يجاهدون أنفسهم على ا?خلاص أعظم المجاهدة ويخفون أعمالهم عن أقرب الناس إليهم.. ومع ا?سف يربّي الناس على مثل هذا حتى ضعف ا?خلاص لله في نفوسهم.. بل على الكذب والتزييف فصار بعض المسئولين يبرز عمله، ويستدعي وسائل ا?علام لتنقل جولته أو متابعته، وإذا ذهبت الكاميرا ذهب العمل.. وكم عُقد من لقاءات ونفذ من برامج ?جل أن تُعرض في وسائل ا?علام!!
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي نصَب من كل كائن على وحدانيته برهانًا، وتصرف في خلقه كما شاء عزًّا وسلطانًا، أحمده حمدًا عابدًا لربه معتذرًا إليه من تقصيره وذنبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلصًا من قلبه.
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله المصطفى من حزبه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله.. ثورة تقنية يعيشها العالم اليوم ربما لم يُعرف لها في التاريخ مثيل.. هذه الثورة جاءت بمخترعات كثيرة منها ما هو نافع ولا ضرر منه، ومنها ما هو ضار ولا نفع فيه، وكثير منها نافع وضار؛ بحسب استخدام الإنسان له..
ومن هذه المخترعات التي صار لها أثر عظيم نفعًا وضررًا، بل فُتن كثير من الناس بها، وأصبح لا يستغني عنها، يأخذها معه كلما دخل وخرج، بل على طعامه وفي دار عبادته؛ الكاميرا، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين، ينقلون للناس من خلالها تفاصيل حياتهم حتى لكأن الآخرين يعيشون معهم..
فالكاميرا تنقل لهم كل شيء، والصور تحادثهم حديث صدق يعجز عنه اللسان، وأنا اليوم لا أريد الكلام عن التصوير حلاً وحرمة، لا أريد الحديث عن حكم التصوير لكني أود الكلام عن التصوير من باب المنافع والمضار، وما تنقله الصور للناس من خير أو شر، فالكاميرا جهاز ربما كان استخدامه نافعًا بل ضروريًّا، وربما كان استخدامه ضارًّا.
فمن منافع التصوير أنه يساعد على كشف المجرمين، بل على منع الجريمة، وكم تراجع كثير من الناس عن زلة أو خطأ أو جريمة؛ لأنه يعلم أن المكان مراقب بالكاميرات، وهنا أقف لأقول: كم هزت هذه العبارة من شخص (المكان مراقَب بالكاميرات)!! كم خاف من مسئول! من صيد الكاميرا! لكنهم لا يخافون من قول الله (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، لا يخافون من قول الله (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 9- 12]، لا يخافون من قول الله: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 47].
يخافون من فلاش الكاميرات، ولا يخافون من رب الأرض والسماوات، وهنا تظهر مرتبة الاحسان "أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
مصيبة!! لقد أصبح كثير من المسلمين كالكفار لا يفكرون إلإ في الكاميرا، ولا يخافون إلا منها؛ كأنه لا حياة بعد هذه الحياة كأنهم لا يُبعثون ولا يُحاسَبون.
والتصوير نفع في نقل العلم وتعليم الناس حتى أمور دينهم، فشرح الحج من خلال الصور يجعل الحاج كأنه في المشاعر.
كما أن التصوير نقل للعالم ما يعيشه المسلمون من مآسي وما يلاقون من قتل وتعذيب.. وكم حركت صور الهياكل العظمية في بعض البلاد الاسلامية مشاعر المسلمين واستخرجت ما عندهم من أموال.
بل كم حركت صور المضطهدين من المسلمين من ساكن الشعوب؛ حتى قامت ثورات وانتفاضات بسبب صورة، وما محمد الدرة عنا ببعيد! فقد فعلت تلك الصورة ما تعجز عنه آلآف الخطب والمحاضرات، فالصورة تجعلك ترى لحظات الخوف والرعب ترى الدمع في العينيين ترى الدماء والأشلاء، وهذا ما تقصر عنه عبارات المتحدثين..
وكم أثرت مقاطع صُممت لكلمات وخطب، ومحاضرات، مع صور تحاكي الموضوع في قلوب الكثيرين حتى عادوا إلى الله..
كما أن الصور فضحت الذين خانوا الأمانة، وأبانت حجم الفساد الذي يتقلب فيه بعض المسئولين..
وفي المقابل للتصوير مفاسد كثيرة، فقد حركت الشهوة ودعت للفاحشة وساعدت على انتشارها..
ولو نظرت إلى صحيفة من الصحف أو مجلة من المجلات أو قناة من القنوات لرأيت فيها من صور الممثلات والمغنيات والمتبرجات ما يحرّك الصخر، ويفتن العابد في محرابه.
كما أن الصور ساعدت على هتك الأعراض، وتدمير الأسر، ويكفي لتدمير فتاة، بل لتدمير أسرة أن تنشر صورة لإمرأة منها في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد فعل هذا من لا دين عنده ولا شرف، وصوّر نساء بكامل زينتهن في حفلة من الحفلات، ثم نشر الصور لينتقم من المرأة أو أهلها.
كما أن من المفسدين من استطاع الحصول على صورة لفتاة؛ إما بسحبها من جهازها، أو بالضحك عليها حتى أرسلت صورها، ثم هددها بنشر الصور أو الخروج معه فاستجابت له فهتك عرضها ودمر حياتها.
كما أنه في مقابل أولئك الذين يخافون من الكاميرا ويهربون منها حتى لا تلتقط شيئًا من تقصيرهم وُجد أناس يعشقون ضوء الفلاشات.
يصورون كل ما يعملونه وينشرونه حبًّا في الظهور والبروز، وانظر إلى صور العرض لترى صورًا للشهادات وخطابات الشكر، والمشاركة في اللقاءات وتابع مواقع التواصل لترى كيف يلّمع البعض نفسه، بل وصل الأمر إلى العبادة حتى خطفت أضواء الكاميرات الإخلاص من القلوب أو أضعفته.
على أني لا أعمّ الجميع، وأعلم أن منهم له نية حسنة ..
فأصبحنا نرى من يصور نفسه، وهو عند الركن والمقام، ومنهم من يعرض بره بوالديه على رءوس ا?شهاد، ومنهم من يعرض صدقته على الفقراء وإحسانه للمساكين.
بينما كان سلف الأمة يجاهدون أنفسهم على الأخلاص أعظم المجاهدة ويخفون أعمالهم عن أقرب الناس إليهم..
ومع الأسف يربّي الناس على مثل هذا حتى ضعف الإخلاص لله في نفوسهم..
بل على الكذب والتزييف فصار بعض المسئولين يبرز عمله، ويستدعي وسائل الإعلام لتنقل جولته أو متابعته، وإذا ذهبت الكاميرا ذهب العمل.. وكم عُقد من لقاءات ونفذ من برامج لاجل أن تُعرض في وسائل الإعلام!!
كما أن بريق الفلاشات وحب الشهرة قاد بعضهم - وأحيانًا مع كبر سنه - ?ن يكون شخصية هزلية يتناقل الناس مقاطعه المضحكة .. هذه هي الكاميرا وهذه بعض آثارها..
عباد الله..
التقنية التي نراها اليوم نعمة من الله إذا استغلها العبد فيما يقرّب إلى الله، ونقمة إذا قادت العبد إلى ما يغضب الله..
وهذه ا?جهزة والبرامج إما أن تكون شاهدة للعبد يوم القيامة أو شاهدة عليه فاجعلوها طريقًا لما يرضي الله..
استغلوها في الدعوة إلى الله، وتصحيح أفكار المنحرفين، وتعليم الناس أمور دينهم..
اجعلوها ذكرى للخير ودعوة له، وتحذيرًا من الشر، ونهيًا عنه.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت: 40].
الخطبة الثانية:
معاشر المسلمين.. بالله عليكم ما حال أحدنا لو أن إنسانًا قال له: إن أعمالك التي عملت منذ بلغت الحلم إلى يومك هذا موثقة عندي، فلقد كنت أستنسخ ما كنت تعمل وسوف أنشرها على الانترنت.. هل يطيب له العيش؟ ألا يبذل كل سبب لمحو السيئ من عمله؟ ألا يسعى للخلاص من الفضيحة بكل ما يستطيع؟
إذًا استمعوا لقول الله تعالى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية: 29]، إن الملائكة تنسخ أعمالنا ليست الكاميرات تلتقط ما نعمل بالصوت والصورة بل لدى ملائكة الرحمن نسخة أخرى من أعمالنا في الصحف التي بأيدي الكرام الكاتبين، وسوف تُنشر هذه الأعمال؛ إلا من ستره الله يوم القيامة..
فقد جاءت هذه الآية بعد قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية: 27- 29].
الملائكة لديها نسخة من أعمالنا، وسوف تنشر ليس على الانترنت، بل على ساحة القيامة ليس أمام الملايين بل أمام المليارات..
لقد سمّى يوم القيامة يوم الفضائح، فاحذر أن تفصح ليس في مواقع التواصل، وإنما في يوم الفضائح.. ما عملت من القبائح لا سبيل لستره إلا بالتوبة فلا تتأخر ما دام في العمر فسحة..
عباد الله: لقد ابتلى الله الصحابة -رضي الله عنهم- بشيء من الصيد تناله أيديهم ورماحهم وهم مُحْرِمون؛ ليعلم الله من يخافه بالغيب.. وأحسب أن الناس اليوم ابتلوا بالصور والأجهزة التي تعرض ألوانًا منها بلمسة ليعلم الله من يخافه بالغيب.
سأل أحدهم عن شاب يحادث فتاة عبر الكاميرا، وهو يكشف لها عورته، وهي تعرض له كامل جسدها عارية، هو في غرفته ? يراه أحد، وهي في غرفتها لا يراها أحد، لا يراهم إلا الله.. وهنا يظهر من يخاف الله بالغيب ممن جعل الله وراء ظهره..
عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله امتثالا لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض الله عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أجمعين وعن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كن للمستضعفين في كل مكان اللهم كن لهم ناصرا فقد قل الناصر اللهم كن لهم معينا فقد ضعف المعين اللهم احقن دمائهم اللهم احفظ أعراضهم اللهم أطعم جائعهم، اللهم اكسوا عاريهم اللهم عجل لهم بالنصر والتمكين يا قوي يا قادر.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم يسرنا اليسرى، وجنبنا العسرى، واجمع لنا بين الدين والدنيا والأخرى.
اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ووفقنا للعمل بما فهمتنا.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم ارحمهما كما ربيانا صغارا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحانك ربي رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات