عناصر الخطبة
1/ ذم تبرج النساء والرجال 2/ حد عورة الرجل 3/ مظاهر تساهل بعض الرجال في ستر عوراتهم 4/ كثرة إظهار الفخذ ولبس لبس الثياب الشفافة 5/ ذم لبس الثياب الضيّقة التي تفصل الأعضاء وتحجمها 6/ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في اللباس.
اهداف الخطبة

اقتباس

إنّ من عجائب هذا الزّمن أن تعمَّد بعض شبابنا وأبنائنا إنزال السّروال عن الخصر ليظهرَ شيء من الجسد، وربّما شيء من العورة أو تظهر الملابس الدّاخلية في أحسن الأحوال! في هيئة منكرة تدعو للفتنة، وصورة مستهجنة تدعو للرّذيلة، زيّن الشيطان لهم سوء أعمالهم فرأوا إسقاط السّروال موضة عصرية بل هو فوضى فكرية، ونكسة خُلقية، اتبعوا فيها سَنن الكفّار وقلّدوا سُنن الفجّار وتركوا هدي النبي المختار، القائل -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم».. فرحماك رحماك يا غفّار..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة على رسول الله... وبعد:

 

عن أبى أذينة الصدفي أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "شرّ نسائكم المتبرّجات المتخيّلات، وهنّ المنافقات، لا يدخل الجنّة منهنّ إلّا مثل الغراب الأعصم" (أخرجه البيهقي في السنن وهو في السلسلة الصحيحة).

 

 حديثنا اليوم - عباد الله - عن التبرّج ، لكن اسمحوا لي فلن أتكلّم عن تبرّج النساء، دعوني اليوم أتكلم عن تبرج من نوع آخر: إنّه تبرُّج الرّجال، عفوًا، بل تبرُّج الذّكور؛ فإنّ الرّجولة وصفٌ شرعي في الوحي جاء، في معرض المدح والثناء، قرآنا وسنة، (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) [النور: 37]، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب: 23].

 

عباد الله: لئن كان للنّساء عورات أُمرن بسترها وسوءات نُهين عن كشفها؛ فللرّجال من ذلك نصيب سواء بسواء، وكما أمر الله النّساء بحفظ فروجهنّ فقال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور: 31]، قال قبل ذلك في حقّ الرجال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور: 30]، فكان لزامًا أن يكون للذّكور تبرجٌّ كما للنّساء!

 

واعلموا -عباد الله- أنّ الأمر بحفظ الفرج الوارد في نصوص القرآن كما سبق؛ يتناول حفظه ممن ارتكاب الفواحش وحفظه من انكشافه للنّاس، فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى).

 

عباد الله: لقد نصّ جماهير العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المشهور عندهم أنّ عورة الرّجل ما بين السّرة والرّكبة، فها هو العالم الفهّامة الحبرُ ابن قدامة -رحمه الله- يلخص لنا مذهب العلماء كما في المغني فيقول: "فالكلام في حدّ العورة والصّالح في المذهب؛ أنّها من الرّجل ما بين السّرة والركبة، نصّ عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء" ا.هـ.

 

وقال ابن غنيم النّفراوي المالكي في الفواكه الدواني: "اعْلَمْ أن عَوْرَةَ الرَّجُلِ الْوَاجِبُ عليه سَتْرُهَا عن الناس خَلَا زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ ما بين الرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةِ مع رَجُلٍ مِثْلِهِ أو امرأة مَحْرَمٍ له وَالسُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ خَارِجَتَانِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أن الْفَخِذَ من الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فَيَجِبُ سَتْرُهُ وَيَحْرُمُ عليه كَشْفُهُ وَالنَّظَرُ إليه" ا.هـ.

 

أخرج الدار قطني في سننه وحسنه الألباني في الإرواء من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: «ما بين السرة والركبة عورة»، وعند أحمد بلفظ: «إِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ عَوْرَتِهِ». فما أوضحه من دليل لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، في بيان حدّ العورة التي يجب علينا التعبد لله تعالى بسترها.

 

 وتنبهوا رحمني الله وإياكم أنّ: «ما بين السرة والركبة عورة»: لا يعني أنّه يجوز كشف الرّجل صدره أمام الرّجال فضلاً عن إظهاره أمام النّساء؛ إذ ذاك من خوارم المروءة، ومن فِعْلِ الفسَّاق، ومن دواعي الفتنة.

 

«ما بين السرة والركبة عورة»: لا يعني أنّه يجوز كشف الرّكبة؛ لأنّ كشفها يؤدي إلى ظهور شيء من عورة الفخذ، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب فيجب ستر ما يُؤمن معه انكشاف شيء من الفخذ.

 

«ما بين السرة والركبة عورة»: لا يعني أنه يرخي ثوبه إلى ما شاء من تحت ركبته بل ذلك مقيد إلى الكعبين ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري: "إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، مَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ" (رواه مالك في الموطأ وغيره).

 

عباد الله: لقد فرض الله على عباده فرائض وحدَّ لهم حدودًا، ومن تلكم الحدود حدّ عورة الرجل؛ ومن تلكم الفرائض فرض سترها وحفظها عن أعين الناس، قال ابن رشد -رحمه الله-: "اتفق العلماء على أنّ ستر العورة فرض بإطلاق" انتهى من بداية المجتهد.

 

 وقال ابن حجر -رحمه الله-: "ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة" انتهى من الفتح.

 

 وحال الناس مع فرائض الله وحدوده ما بين حافظ لها ومضيعٍ! وإنيّ تالٍ على مسامعكم - عباد الله - مظاهرَ تساهل النّاس في التلبس بها، وتهاونوا فكشفوا عوراتهم وحرصوا على إبدائها، ألا فليكن كلّ مظهر منها على سمع منك وإصغاء، فعسى أن تسمع شيئا فتصحّح خطأً وترجع عن ذنب أنت واقع فيه، أو تثبُتَ على حقٍّ وُفِّقت إليه فتحمد الربّ عليه.

 

عباد الله: ألا وإنّ من مظاهر تساهل النّاس في ستر عوراتهم ما نراه من بعض إخواننا في المساجد، وممن هو في البيت مصلٍّ وهاجد، من لبس القميص القصير - مع تلكم السّراويل الضيّقة - الذي ينحسر عن الظهر حال الرّكوع والسجود فيظهرَ شيء من العورة؛ يعرض العبد نفسه بهذا التهاون للآثام؛ وصلاته للبطلان، (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الأعلى: 3- 4]، والله المستعان.

 

 قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: "ستر العورة شرط لصحة الصلاة، فإن انكشف شيء من عورة المصلّي لم تصحّ صلاته سواء أكثر المنكشف أم قلّ وكان أدنى جزء وسواء في هذا الرّجل والمرأة" ا.هـ.

 

ويا ليتهم إذ لبسوا تلك السّراويل أن يلبسوا فوقها قميصًا طويلاً أو نحوَ رداءٍ حتىّ إذا ما نحسر السّروال تكفّل الرّداء بستر ما يمكن أن يظهر من العورة؛ ألا فيا عباد الله انتبهوا ونبّهوا؛ فقد أخرج أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: نهى رسول الله أن يصلي الرّجل في سراويل وليس عليه رداء. والرّداء: ما يُلبس على أعالي البدن كمثل ما يلبسه الحاج حال الإحرام، وسبب النّهي ما يُخشى من انكشاف العورة وعدم سترها.

 

وإنّ من عجائب هذا الزّمن أن تعمَّد بعض شبابنا وأبنائنا إنزال السّروال عن الخصر ليظهرَ شيء من الجسد وربّما شيء من العورة أو تظهر الملابس الدّاخلية في أحسن الأحوال! في هيئة منكرة تدعو للفتنة، وصورة مستهجنة تدعو للرّذيلة، زيّن الشيطان لهم سوء أعمالهم فرأوا إسقاط السّروال موضة عصرية بل هو فوضى فكرية، ونكسة خُلقية، اتبعوا فيها سَنن الكفّار وقلّدوا سُنن الفجّار وتركوا هدي النبي المختار، القائل -صلى الله عليه وسلم-: «من تشبه بقوم فهو منهم» فرحماك رحماك يا غفّار.

 

عباد الله: ألا وإنّ من مظاهر تساهل الناس في ستر عوراتهم، ما لا يغيب عن ناظرينا طوال الصيف من أولئك الشباب الذين تراهم غادين رائحين، ماشين وجالسين عن أفخاذهم كاشفين ومن ثوب الحياء منسلخين بلبس تلكم السراويل القصيرة التي يسمونه بالأعجمية "الشّورت" وهو "التّبان" في لغة العرب، تفنن الخياطون في إنتاجها أشكالاً وألوانًا، وتنافس الشباب وراءها شراء واقتناء.

 

إنهم يلبسونها في مباريات كرة القدم الرّسمية، لأنّ قانون اللعبة يقتضي الكشف عن الفخذ، ولا يُسمح فيها بطويل السّروال، فما بالهم قدّموا أوامر الحكّام على أوامر أحكم الحاكمين، الذي منّ علينا إذ بعث فينا رسولا يتلو علينا الكتاب والحكمة ومن الحكمة التي جاء بها قوله -صلى الله عليه وسلم- لجرهد لما مرّ به وهو كاشف عن فخذه: «غط فخذك؛ فإنّها من العورة» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

إنهم يلبسونها في سباقات الجري ويلبسونها في مباريات كرة القدم غير الرسمية حتى يسهل عليهم الكرّ والفرّ، أما علموا أنّ النّبي والأصحاب، كانوا أحوج إلى الكرّ والفرّ في الجهاد، وما علمنا الرسول رخّص لأحد بكشف الأفخاذ, بل قال لمعمر لمّا مرّ عليه وفخذاه مكشوفتان: «يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة» (أخرجه أحمد وغيره).

 وقال الزيلعي في نصب الراية: "وَهَذَا مُسْنَد صَالِح.." (رواه الطحاوي وصححه) ا.هـ.

 

إنهم يلبسونها في الشواطئ السّاحلية، وفي المسابح البلديّة وما أدراك ما يلبسون في المسابح البلديّة! يلبسون التبّان الضيّق الذي لا يستر إلا السّوأتين، في منظر فاضح وعري واضح، أين الحياء أين الإيمان؟ أين الحجة على فعلتهم تلك وأين البرهان؟ أما علموا أن النبي الذي حثّ على تعلّم السباحة كما في الحديث الصحيح، هو ذاته النبي الذي قال: كما في حديث ابن عباس: «الفخذ عورة» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).

 

 إنهم يلبسونها في الحمامات، يشترك في ذلك الشباب والكهول والصبيان والشيوخ، إلا من رحم الله، ألا فمن تعوّد التساهل في كشف عورته في الحمام بلبس السروال القصير فوق الركبة فضلاً عن التعري؛ فليراجع إيمانه فإنّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال: فيما رواه الترمذي وصححه الألباني عن جَابِرٍ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ».

 

 والإزار: ما يُلبس أسافل البدن كمثل ما يلبسه الحاجّ حال الإحرام، والمقصود أن يستر المؤمن عورته ويحفظها من نظر الناس إليها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "احْذَرُوا بَيْتًا يُقَالُ لَهُ الْحَمَّامُ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ ويُنَقِّي الْوَسَخَ, قَالَ: " فَاسْتَتِرُوا" (رواه البزار والبيهقي في السنن الكبرى وصححه ابن القطّان الفاسي).

 

أيها الشباب: (لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)، فكشف العورات استجابةٌ لداعي الشيطان.

 

أيها الشباب: لا يفتننكم الشيطان فيلقي في عقولكم فلسفة إبليسية تجعلونها حجّة لكم على كشف عوراتكم وإصراركم على ذلك، أقصد أنّ ثلّة من القوم إذا أمرتهم أن غطوا أفخاذكم قالوا: نحن رجال والرّجل ليست له عورة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، أتُرى رجولةُ هؤلاء خيرٌ من رجولةِ معمرٍ وجَرهدٍ -رضي الله عنهما- وقد أمرهما بتغطية أفخاذهما ولا شكّ قد فعلا؟! فنقولها صريحة لئن كنت رجلا فأثبتها بامتثال أمر نبيك -صلى الله عليه وسلم- فهو القائل كما في بعض روايات حديث ابن عباس: «غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ» (رواه أحمد وهو في صحيح الجامع).

 

ألا وإن من مظاهر تساهل النّاس في ستر عوراتهم: لبس الثياب الشفافة، والحمد لله؛ ليس في مجتمعنا من يلبس ثيابا شفافة تُرى من خلالها السوأتان، ولكن سبحان الله من قوم خدعوا أنفسهم فلبسوا التبّان، ولبسوا فوق التّبّان قميصا غير أنّ القميص شفاف يبدو من ورائه لون البشرة وما أكثر ما تُرى هذه الظاهرة في أيّام الصّيف، فما بمثل هذا تستر العورات ولا به تصحّ الصلوات، قال ابن حاجب المالكي في جامع الأمهات: "والسّاتر الشفاف كالعدم" ا.هـ.

 

 وقال الشافعي في الأم: "وَإِنْ صلى في قَمِيصٍ يَشِفُّ عنه لم تُجْزِهِ الصَّلَاةُ" ا.هـ.

 وقال ابن قدامة في المغني: "والواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفًا يبيّن لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك" ا.هـ.

 

 وصدق صاحب رسول -صلى الله عليه وسلم- جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- لما قال: «إنّ الرّجل ليلبس وهو عارٍ، يعني: الثّياب الرّقاق» (أورده الهيثمي في المجمع وعزاه للطبراني).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

عباد الله: ألا وإنّ من مظاهر تساهل الناس في كشف العورات ما انتشر أخيرًا بين الناشئة والشباب من لبس السّراويل الممزقة حتّى يبدو لحم الفخذ، ليبقى المسلم العاقل حيرانَ، في زمن انقلب فيه الميزان، فبعد أن كان الثّوب الممزق المخرَّق علامة على الفقر والحرمان، صار يباع من بين الثياب بأغلى الأثمان، ولا يشتريه إلا فلان وعلان.

 

 وبعد أن كان كشف العورة من علامات الجاهلية، صار اليوم تقدّما ومدنية، فسبحان ربّ البريّة، القائل: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31]، قال ابن عباس في تفسيرها: «كانوا [في الجاهلية] يطوفون عراة: الرجال بالنّهار والنّساء بالليل» ا.هـ.

 

وإنّ الحيرة لا تنقضي حين تعلم أن أقوامًا ممن هداهم الله لأداء الصّلاة لا يتحرّجون في الوقوف بين يدي الله بهذا النّوع من السّراويل، والصلاة به باطلة عند جمهور العلماء، وتلزم معها إعادة الأداء، فإن ستر العورة من شروط صحة الصلاة.

 

قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَكْشُوفَ الْفَخْذَيْنِ سَوَاءٌ قِيلَ هُمَا عَوْرَةٌ أَوْ لَا... وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّجُلِ بَادِيَ الْفَخْذَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِزَارِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ" انتهى من مجموع الفتاوى.

 

ألا فليتق الله شبابنا، وليدعوا التشبّه بأصحاب الحضارات الهابطة، وليتق الله آباؤنا في شراء هذه الموضات الساقطة، وليتق الله تجّارنا في ترويج هذه السلع الغالطة.

 

ألا وإن من مظاهر تساهل النّاس في إبداء سوآتهم وعدم الاعتناء بسترها، ما ابتلُوا من لبس الثياب الضيّقة التي تفصِّل الأعضاء وتحجمها، والسّراويل الضاغطة التي تحدّد العورة وتبرزها، والبناطيل الحازقة التي تصف السوأتين وتجسّمها، مما يؤثر على الصّلاة صحّةً أو كمالاً، قال ابن غنيم المالكي في الفواكه الدواني: "فَإِنْ سَتَرَ –أي: الثوبُ- الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ فَقَطْ أَوْ كَانَ مِمَّا يَصِفُ أَيْ: يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ أو يَشِفُّ بِأَنْ يُرَى منه لَوْنُهَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فيه مع الْإِعَادَةِ في الْوَقْتِ" ا.هـ.

 

ولا شكّ أنّ لُبسها محرّم إن تعذّر معها السّجود والرّكوع، أو كان عرضةً للانحسار فتنكشف العورة بين يدي الله بالخضوع، لذا روى الإمام أحمد والطّبراني بسند حسن عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قلنا: يا رسول الله، إنَّ أهلَ الكتَاب يتسرولون ولا يأتزرون؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تَسَرْوَلُوا، وَائْتَزِرُوا، وَخَالِفُوا أَهْلَ الكِتَابِ».

 

فعليكم عباد الله: "إذا أردتم الصّلاة والمثول بين يدي الله قيامًا وركوعًا وسجودًا وخضوعًا أن تلبسوا ثوبًا واسعًا فضفاضًا لتتقوا بذلك تحجيم العورة وتفصيلها".

 

وهذه فرصة اهتبلها للدّعوة إلى تعويد النّفس لبس القميص، فإنَّه أفضل من غيره بلا مَين، فهو أعمّ وأستر للبدن وأقرب للجمال والزّين، وأبعد عن التشبه بالكفّار، وأقرب للتأسّي بسيد الأبرار؛ فعن أم سلمة -رَضِيَ اللَّهُ عَنها-، قالت: "كان أحبّ الثّياب إلى رَسُول اللَّهِ القميص" (رواه أبو داود والترمذي، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ).

 

عباد الله: لم يبق في جعبتي إلا مظهرٌ واحد هو أهمّ مظاهر تساهل النّاس في كشف عوراتهم، ألا وهو ترك لباس التّقوى قال جل شأنه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26].

 

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فهو خير زاد وخير لباس، واعلموا أنّ ما نراه من شيوع المنكرات، ومنها كشف العورات إنما هو لضعف التّقوى في قلوبنا..

 

وأوصيكم ونفسي -ثانية- بتقوى الله، فإنّها مفتاح كل خير ومغلاق كل شرّ؛ قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].

 

وقال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

وقال -تعالى-: (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].

 

اللّهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا و....

 

 

المرفقات
تبرج الرجال.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life