عناصر الخطبة
1/عناية الإسلام ببناء الأسرة 2/ الأسرة في الإسلام 3/ الأمر بالعشرة بالمعروف 4/ الرحمة والمودة في الأسرة 5/ الإيمان والعمل الصالح من دعائم الأسرة 6/ دعامة الإصلاح داخل الأسرة المسلمة .اهداف الخطبة
بيان عناية الإسلام بالأسرة / الإرشاد إلى دعائم الأسرة في الإسلام .اقتباس
إن الأسرة في الإسلام لوحةٌ مضيئةٌ ومرآةٌ عاكسةٌ لسمو تعاليم القرآن، وهي شاهدٌ ملموس على علو شأن الإسلام تعجز الأنظمة البشرية –مهما بلغت- أن تبلغ مبلغه، وأفلست الأديان القديمة والحضاراتُ المعاصرة أن تصل مستواه، والواقع يشهد بتفكك الأسر وضياع المجتمعات في مشرق الأرض ومغربها حين يغيب عنها الإسلام أو تضل عن توجيهات القرآن!
الحمد لله رب العالمين خلق فسوى وقدر فهدى، وخلق الزوجين الذكرَ والأنثى من نطفةٍ إذا تمنى، وأن عليه النشأة الأخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آلاؤه لا تُعدُّ ولا تحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34]، ومن آلائه جعل للناس من أنفسهم أزواجاً ليسكنوا إليها وجعل بينهم مودةً ورحمةً، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولهُ جاءت رسالتهُ بالخير والهدى وأقامت في المجتمع بناءً تقوم أواصرهُ على البرِّ والإحسان و المودة والتُّقى، اللهم صلَّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن آل بيته المؤمنين وصحابته الخيرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
فأما بعد فأوصي نفسي وإياكم – معاشر المسلمين- بتقوى الله، وتلك وصية الله للأولين والآخرين(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
أيها المسلمون! يُعني الإسلامُ عنايةً عظمى ببناءِ الأسرةِ وصونِها من أي سهام توجه إليها، ذلكم أن الأسرة قاعدة المجتمع، ومدرسة الأجيال، وسبيل العفة وصونٌ للشهوة، والطريقُ المشروعُ لإيجاد البنين والأحفاد وانتشارُ الأنسابِ والأصهار فبالزواج المشروع تنشأ الأسرة الكريمة وتنشأ معها المودة والرحمة، ويتوفر السكنُ واللباس، إنها آيةٌ من آيات الله يُذكرنا القرآن بها ويدعونا للتفكر في آثارها وما ينشأ عنها (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
وهي وما يتفرغ منها نعمةٌ ومنةٌ ينبغي أن نشكر الله عليها (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72].
عباد الله إن الأسرة في الإسلام لوحةٌ مضيئةٌ ومرآةٌ عاكسةٌ لسمو تعاليم القرآن، وهي شاهدٌ ملموس على علو شأن الإسلام تعجز الأنظمة البشرية –مهما بلغت- أن تبلغ مبلغه، وأفلست الأديان القديمة والحضاراتُ المعاصرة أن تصل مستواه، والواقع يشهد بتفكك الأسر وضياع المجتمعات في مشرق الأرض ومغربها حين يغيب عنها الإسلام أو تضل عن توجيهات القرآن!.
أجل إن من هدي الإسلام في بناء الأسرة الأمر بالعشرة بالمعروف (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
ويقول عز من قائل:(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة: 229].
وخلاصة العشرة بالمعروف: تطييب الأقوال وتحسين الأفعال والهيئات –حسب القدرة- واستدامة البشر ومداعبة الأهل وتوسيع النفقة دون إسراف وقيام كل من الزوجين بما يحب أن يقوم له الآخر فيؤثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إني أحبُ أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي.
يا أخا الإيمان لا يقف هدي الإسلام في العشرة بالمعروف عن حدود الأمر واعتبارها من المروءة والدين، بل يرتب عليها من الخيرية والجزاء ما يدعو للعناية بها والاهتمام، ويقول عليه الصلاة والسلام: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم".
وفي مقابل ذلك تقل خيرية من تشتكي منه النساء.
وفي الخبر "لقد أطاف بآل محمدٍ نساءٌ كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم".
وفي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة وهو القائل: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".
أيها المسلم والمسلمة بناء الأسرة في الإسلام متين القواعد عميق الجذور، لا ينبغي أن يُهدم كيانه لسبب يسير، حتى ولو شعرت النفس بالكره أحياناً فلربما كان فيما تكره النفوس خيراً، كثيراً، وتأمل هدي القرآن والله يقول: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].
يقول القرطبي رحمه الله: "فإن كرهتموهن أي لدمامةٍ أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فهذا يُندب فيه إلى الاحتمال فعسى أن يؤول الأمر إلى أن يرزق الله منها أولاداً صالحين".
وقال مكحول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إن الرجل ليستخير الله تعالى فيخار له، فيسخط على ربه عز وجل فلا يلبث أن ينظر في العاقبة، فإذا هو قد خير له.
وعقد الزوجية في الإسلام أكبر من النزوات العاطفية، وأجلُّ من ضغط الميل الحيواني المسعور، ولا يليق أن تعصف به الأمزجة الطارئة، فيتخلى الزوج عن زوجته لمجرد خلقٍ كرهه منها، أو ناحيةٍ من نواحي الجمال افتقدها فيها، فعساه أن يجد أخلاقاً أخرى يرضاها، ولن يعدم نوعاً من الجمال يتوفر فيها، وإلى هذا يرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو ينهى عن استدامةِ البغض الكلي للمرأة ويقول: "لا يفركْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقاً رضي منها آخر".
والمعنى: لا يبغضها بُغضا بغضاً كلياً يحمله على فراقها، بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يُحب.
أيها المسلمون! إذا كان هذا منطق الشرع، فمنطق العقل يقول: إن الواقع يشهد بالعواقب الحميدة لأسرٍ تجاوزت الخلافات في بداية حياتها، وتغلبت على المكاره والمصاعب أول نشأتها، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.
إخوة الإيمان! وإن في المسلم الحق من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال وسعة الصدر، وسمو الخلق ما يجعله يرتفع في تعامله مع زوجته التي يكرهها بعيداً عن نزوات البهيمة وطمع التاجر، وتفاهة الفارغ.
وإذا كانت المودة أحد دعائم الزوجية وسبباً كبيراً لبقائها، فإن الرحمة هي الأخرى دعامةٌ مهمة لبقاء الزوجين وارتباطهما، حتى وإن عدم الحب أو قلت المودة، هكذا يوجه القرآن ويدعو للتفكر (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
قال المفسرون: إن الرجل يُمسكُ المرأة لمحبته لها أو لرحمةٍ بها بأن يكون لها منه ولدٌ، أو محتاجةٌ إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
أيها المؤمنون! إذا كانت العشرة بالمعروف بين الزوجين من دعائم بناء الأسرة، فإن الإيمان بالله قمة المعروف وعمل الصالحات سبيل للوفاق بين الزوجين، فالإيمان وعمل الصالحات يشيعان في البيوت السكينة، وبهما تتحقق السعادة ويتطلع الزوجان بهما إلى منازل الآخرة، وتتوجه الهمم عندهما إلى رضوان الله والجنة، وهاكم نموذجاً لهذين الزوجين يترحم عليهما صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء".
وينبغي أن تستمر جذوة الإيمان، ولباسُ التقوى بين الزوجين حتى وإن وقع الطلاق وحصل الفراق، فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، وتأملوا قوله تعالى:(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق:2-3].
اللهم انفعنا بهدي القرآن ووفقنا للاقتداء بسيد الأنام، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن الإثم والعدوان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خيرُ الناس للناس، وخيرُ الأزواج للزوجات، اللهم صلّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
إخوة الإسلام، من دعائم بناء الأسرة المسلمة وقايتها من النار، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [التحريم: 6].
عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوا أنفسكم، وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيم الله بكم، ويروى عن عمر رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله: نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال: تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله. وقال بعض المفسرين –تعليقاً على هذه الآية: علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يُستغنى عنه من الأدب، وهو قوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) [طـه: 132]، ونحو قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214].
أيها الراعي مسؤوليتك في الرعاية عظيمة يعنيك منها قوله صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها".
أيها المسلمون! مع كل ما سبق من دعائم لبناء الأسرة المسلمة فثمة دعامة رابعة تحتاج إليها الأسرة لتماسكها وضمان مسيرتها، إنها الإصلاح حين نشوء الخلاف، ورأبُ الصدع قبل تصدع البنيان، وليس الناس ملائكة معصومين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فكل ابن آدم خطاء، ولو قدر لبيت أن يسلم من خلافٍ أو خطأ لسلم بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التحريم:1]، الآيات علم المسلمون أن الخطأ من طبع البشر، وأن التوبة تطلب من أزواجه صلى الله عليه وسلم، وأن الطلاق قد يقع منه صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]، ووقوعه من غيره من باب أولى.
ومع اعتبار ذلك كله فيندب إلى الإصلاح بين الزوجين المتخالفين:(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
ويؤمر الأزواج ممن يخافون نشوزهن بالموعظة والهجر في المضاجع والضرب غير مبرح:(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) [النساء: 34].
ولا بد للزوجين المريدين للإصلاح أن يصلحا ويوفق الله بينهما كما قال تعالى:(إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) [النساء:35].
ألا يا أيها الزوج المريد للفراق ترفق وتأمل في العواقب قبل أن تقدم على الفراق. ويا صاحب القرار رويدك حتى تهدأ النفس الثائرة، وتسكن العواطف المتأججة، وتنطفئ نيران الغضب المحرقة.. ويا أيتها النساء اتقين الله في طاعة أزواجكن، وإياكن أن تخرجن الأزواج عن أطوارهم بسلوك مشين أو منطق سقيم، وإياكن أن تفهمن حسن العشرة من الأزواج ضعفاً، والعفو عن الزلة غفلةً وبلهاً، والرفق بالقوارير جهلاً كلا..إنها أخلاق الكرماء، ومروءة النبلاء والحقوق الواجبة تؤدي.. وتضعها النساء العاقلات موضعها اللائق بها، والصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله.
أيها المسلمون! ليس من مستلزمات دعائم الأسرة أن تستنوق الجمال، ولا أن تترجل النساء، ولا أن تضيع قوامة الرجال على النساء، وكفى بالقرآن حكماً:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
ومصيبة أن تستلب النساء حقوق الرجال في الرعاية والتوجيه والأمر والنهي واتخاذ القرار، وتسترخي في حقوقها اللازمة لها من حسن العشرة أو واجباتها المنزلية، أو المساهمة في إصلاح الذرية.
وهنا يطيب عرض نموذجين للأسرة المسلمة فيهما عبرة وقدوة في الأسرة الأولى سيدة من سادات نساء العالمين وبنت سيد المرسلين وزوجها رابع الخلفاء الراشدين، أخرج ابنُ سعدٍ بسنده عن علي رضي الله عنه أنه قال يوماً لزوجته فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم: لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقد جاء الله بسبي فأذهبي فاستخدمي، فقالت فاطمة: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما جاء بك يا بنية؟" فقالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله، ورجعت، فأتياه جميعاً، فذكر له عليٌّ حالهما، قال: "لا والله لا أعطيكما وأدعُ أهل الصفة تتلوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيع وأنفق عليهم أثمانهم" فرجعا فأتاهما، وقد دخلا على قطيفتهما، إذا غطيا رؤوسهما بدت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما انكشفت رؤوسهما، فثارا، فقال: "مكانكما، ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟" فقالا: بلى، فقال: "كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان في دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين"، قال عليٌ. فوالله ما تركتهما منذ علمنيهن، قيل له: ولا ليلة صفين، قال ولا ليلة صفين.
أما النموذج الآخر ففيه بنتُ الصديق، ذات النطاقين، وزوجها حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين. أخرج ابن سعد أيضاً بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض مالٌ، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه وأدق لناضِحه، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير.... الحديث.
هذه نماذج لأسر كريمة عاشت سعيدة وماتت كريمة، عرف الأزواج واجباتهم فقاموا بها، وعلمت النساءُ ما عليهن فأدينها لم تلههم طغيان الدنيا عن الحياة الأخرى، ولم يستكبروا عن الخدمة وهم من خير البرية.
أيها المسلمون! هناك مخاطر تحيط بالأسرة المسلمة وتهدد بخلخلة البناء العظيم، منها مخاطر من ذوات أنفسنا، ومنها ما هو من كيد أعدائنا.. ولأهميتها وحاجتنا إلى الوعي بها أستبقي الحديث عنها في الجمعة القادمة بإذن الله..
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وأصلحنا وأصلح لنا، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.. هذا وصلّوا.
التعليقات