عناصر الخطبة
1/ فضائل بر الوالدين 2/ ثمرات بر الوالدين 3/ التحذير من عقوق الوالدين 4/ سرد لبعض حقوق الوالدين في حياتهما وبعد مماتهما.
اهداف الخطبة

اقتباس

من أراد عظيم الأجر والثواب فليعلم أن الأم بابٌ من أبواب الجنة عريض، لا يفرط فيه إلا من حرم نفسه، وبخس من الخير حظه، وقد تردد معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات يسأله الجهاد، وفي كل مرة يقول له: "ويحك! أحية أمك؟!"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "ويحك، الزم رجلها فثم الجنة" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني). وفي رواية لأحمد قال: "الزمها؛ فإن الجنة عند رجلها".

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيه الأحبة: هما أكثر البشر حبًّا لك، وأكثر الناس خدمة لك وتفانيًا لأجلك، وقد جُبلت النفوس على حبّ مَن أحسن إليها، ومن أعظم إحساناً من الوالدين؟!

قرن الله حقهما بحقه، وشكرهما بشكره، وأوصى بهما إحساناً بعد الأمر بعبادته: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء: 36].

لله سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، وللوالدين بإذنه نعمة التربية والإيلاد.

 

معشر الكرام: نحن لا نذكر تلك الأيام التي كنا فيها في ظلمات الأرحام، ولا ما نزل بأمهاتنا في الولادة والرضاعة من المعاناة والآلام، لكن الله يذكرنا بتلك الأيام: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14].

 

حملتكَ في بطنها (وَهْناً عَلَى وَهْنٍ) تسعة أشهر، تفرح بحركتك وأنت تميل، وتُسر بزيادة وزنك وهو عليها حمل ثقيل. ثم حانت لحظة الولادة، ورأت فيها الأم الموت، فلما خرجتَ إلى الحياة، امتزجت دموعُ صراخك بدموع فرحها، وأزالت رؤيتُك آلامها وجراحها.

 

لِأُمِّكَ حَقٌّ لَوْ عَلِمْتَ كَثِيرُ *** كَثِيرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيرُ

فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ بِثِقْلِكَ تَشْتَكِي *** لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ

وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ *** فَمِنْ غُصَصٍ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ

وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْكَ الْأَذَى بِيَمِينِهَا **** وَمَا حِجْرُهَا إِلاَّ لَدَيْكَ سَرِيرُ

وَتَفْدِيكَ مِمَّا تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا *** وَمِنْ ثَدْيِهَا شِرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ

وَكَمْ مَرَّةٍ جَاعَتْ وَأَعْطَتْكَ قُوتَهَا *** حَنَانًا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ

فَآهًا لِذِي عَقْلٍ وَيَتَّبِعُ الْهَوَى *** وَآهًا لِأَعْمَى الْقَلْبِ وَهْوَ بَصِيرُ

فَدُونَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا *** فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَقِيرُ

 

كنت رضيعًا ضعيفًا، فأعطاك الله الحواس، وأحاطك بأرحم الناس، أمٍّ حنونٍ تسهر على راحتك، وأبٍ رحيمٍ يسعى لمصلحتك يكد ويسعى، ويدفع عنك صنوف الأذى، وربما ينتقل في الأسفار. ويتحمل المشقة والأخطار بحثاً عن لقمة العيش، ينفق عليك ويصلحك ويربيك، إذا دخلت عليه هش وإذا أقبلت إليه بش، وإذا خرج تعلقت به، وإذا حضر احتضنت حجره وصدره، هذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك، فإياك والتنكر للجميل!

 

 وبالذات عندما يشيخان تأمل قول ربك: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ) إن كلمة (عندك) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وجاءت مهمتك: (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) [الإسراء: 23]، ففي حال بلوغ الوالدين الكبر يكون الضعف البدني والعقلي منهما وربما وصلا إلى أرذل العمر الذي هو سبب للضجر والملل منهما.

 

وفي حال كهذه نهى الله الولد أن يتضجر أقل تضجر من والديه وأمره أن يقول لهما قولاً كريمًا وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيخاطبهما مخاطبة من يستصغر نفسه أمامهما ويعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده رحمةً بهما وإحسانًا إليهما ويدعو الله لهما بالرحمة كما رحماه في صغره ووقت حاجته فربياه صغيرًا.

 

عباد الله: من أراد عظيم الأجر والثواب فليعلم أن الأم بابٌ من أبواب الجنة عريض، لا يفرط فيه إلا من حرم نفسه، وبخس من الخير حظه، وقد تردد معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات يسأله الجهاد، وفي كل مرة يقول له: "ويحك! أحية أمك؟!"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "ويحك، الزم رجلها فثم الجنة" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

وفي رواية لأحمد قال: "الزمها؛ فإن الجنة عند رجلها".

 

وأخذ منه بعض الصالحين تقبيل رجل الأم، فكان يقبل قدم أمه كل يوم، فأبطأ على إخوانه يومًا، فسألوه فقال: "كنت أتمرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات".

 

ومن أحب أن يوسع له رزقه وعمره فعليه بالبر، ففي الصحيح: "مَن سرَّهُ أن يُبسطَ لَه في رزقِهِ، وأن يُنسَأَ لَه في أثرِهِ، فليَصِلْ رَحِمَهُ"، والوالدان ألصق رحمك به.

 

نفعني الله وإياكم بالكتاب...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله... أما بعد:

 

أيها الأحبة: لعلي أذكر هنا نفسي وإياكم ببعض وجوه البر فخذ ما ناسب فهما باب عريض من أبواب الجنة:

 

فمن ذلك: عرض الخدمة على والديك قبل أن يطلبانها، والمسارعة في قضاء أمورهما قدر الاستطاعة!

 

ومن ذلك حسن علاقتك بأقربائكم وقوة ترابطكم فهذا يشرح صدرها ويسر خاطرها، ومن ذلك صلتك لأرحامك ومنهم أرحام أمك من أخوالها وخالاتها وأعمامها وعماتها.

 

ومن وجوه البر: الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة والهداية والثبات والعافية وصلاح ذريتهم وإن كانت ذا زوج أو زوجة بأن يكون بينهما المودة والرحمة، وإن كانا أو أحدهما متوفى فأكثر من الدعاء بالمغفرة والرحمة.

 

ومن وجوه البر الجليلة لمن تُوفي بالذات الصدقة عنهما استقلالا أو تشركهما معك في بعض صدقاتك، واحرص على المساهمة في أي مشروع وقفي ولو بمبلغ يسير، ولك بإذن الله أجر بر وأجر صدقة وبها تزكية لقلبك.

 

ومن وجوه البر: أخذهما في نزهة قريبة يكون فيها تغيير يجدد النشاط.

 

ومن ذلك: استضافتهما على وجبة أو قهوة فتشارك الجدة أو الجد ابنه وأحفاده ويثرون اللقاء ببعض أخبارهم وذكرياتهم.

 

ومن وجوه البر: كرم المشاعر بالبوح بالدعوات والثناء وطيب والكلام، أشعرهم أن نجاحك في الحياة ثمرة تربيتهم وجهدهم معك بعد توفيق الله، أشعرهم بذلك عندما تحصل على شهادة أو ترقية أو محبة وتقدير لشخصك وأخلاقك.

 

ومن ذلك: تقبيل الرأس أو اليد وتعويد ذريتك على هذا معهما، وإذا كان الإنسان يقبل رأس كبير السن والعالم فمن الحسن خص الوالدين بتقبيل اليد وفي التنزيل (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء: 24].

 

ومن وجوه البر: حسن الإصغاء إليهما والتفاعل معهما وعدم التشاغل عنهما بالأجهزة التي صارت باب عقوق لدى بعض المسلمين! وغني عن القول زيارتهم إن كانا في بلدك والاتصال بهما إن كانا خارج بلدك.

 

ومن وجوه البر: الإهداء لهما بل وتخصيص هدية نقدية شهرية إن لم يكونا في غنى.

ومن وجوه البر: اصطحاب ذريتك أو بعضهم للسلام عليهم والجلوس معهم.

 

ومن البر: أن تتحدث معهم بأخبارك وأن تستشيرهما ببعض شؤونك وأن تتحدث معهما فيما يحبان الحديث عنه وهما في كثير من الأحيان يحبون الكلام فيما يعرفون من الماضي.

 

ومن البر: عدم التشكي فهمومك تثقل كاهلهما حزنا.

ومن البر: إكرام صديقهما بما تستطيع ويناسب بل إن صلة أهل صديق والدك من البر، خرج ابن عمر إلى مكة وكان معه حمار يركبه إذا ضجر ركوب البعير فمر به أعرابي يوما فقال له ألست فلان بن فلان؟ قال بلى. فأعطاه الحمار ليركبه والعمامة ليشد بها رأسه فتعجب من ذلك بعض أصحاب ابن عمر واستكثروه فقال إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب وإن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صلةُ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه، بعد أن يُولِّيَ" (أخرجه مسلم).

فكيف بصديق الأب؟! ومن البر: جمع الوالد بأحبابه وترتيب اللقاء بهم.

 

وإن كانا ميتين فأحسن الله عزاءك وجمعك بهما في فردوس جنته، قال شاعر:

بكيتُ لفقْدِ الوالدينِ ومنْ يعشْ *** لفقدهما تصغُرْ لديه المصائبُ

 

زر قبرهما وادع الله لهما وما نظن إلا أنهما يأنسون بذلك، وينتفعون بدعائك، وقد ماتت أم النبي صلى لله علي وسلم على غير الإسلام، قال أبو هريرة زارَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- قبرَ أمِّهِ فبَكى وأبْكى من حولَهُ فقالَ: "استأذَنتُ ربِّي في أن أستغفرَ لَها فَلم يؤذَن لي واستأذَنتُ ربِّي في أن أزورَ قبرَها فأذنَ لي فزوروا القُبورَ فإنَّها تذَكِّرُكمُ الموتَ" (أخرجه مسلم).

 

أيه الأحبة: ولنحذر تكدير خواطر الوالدين فإن العقوق كبيرة من كبائر الذنوب، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال: يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال: "الإشراكُ باللهِ". قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوقُ الوالدَينِ". قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمينُ الغموسُ". قلتُ: وما اليمينُ الغموسُ؟ قال: "الذي يقتطعُ مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ" (أخرجه البخاري).

 

عباد الله: لنحذر العقوق وما يكدر خواطر والدينا، تجنب الجدال وحدة النقاش مع إخوتك وأخواتك وبالذات عند وجود والديك، أخي الشاب: لا تكن حملا ثقيلا على والديك عند إيقاظك للصلاة وللدراسة بل الأولى أن تكفيهم نفسك ومن استطعت من إخوتك.

 

أخي الشاب: لا تثقل والديك بالطلبات وإذا طلبت فاطلب بأدب واعتدال وبلا إلحاح فالمصروفات كثيرة وقد لا تعلم عن التزاماته الأخرى.

 

استشرهما في السفر إن أردت وإن كان يريدان بقاءك فلا تسافر.

لا تصادم رغبات والديك، وإن كنتَ ترى فيها خطئا فبينه بلطف، وما تراه وجهة نظر وما يرى والداك وجهة نظر، وإياك أن يكونا يحملان لك هما وتحسبا.

 

وختاما: لنحرص على أبواب البر ما استطعنا ولنحذر العقوق كله.

 

ثم صلوا وسلموا...

 

 

المرفقات
بر الوالدين1.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life