عناصر الخطبة
1/الحمد لله على انقضاء الحج 2/توجيهات للحجاج بعد انقضاء الحج 3/الإجازة ترفيه وترويح 4/التحذير من ضياع الأوقات بلا فائدة 5/كيفية الاستفادة من الإجازةاقتباس
وَالزَّمَانُ في مَسيرِهِ لا يَقِفُ لأَحَدٍ, وَلا يَنتَظِرُ نَائِمًا حتى يَصحُوَ, وَلا غَافِلاً حتى يَنتَبِهَ, وَلا هَازِلاً حتى يَجِدَّ, وَلا خَامِلاً حتى يَستَعِدَّ, أَلا فَانتَبِهُوا وَاستَيقِظُوا, وَانبُذُوا النَّومَ وَالكَسَلَ, وَمَن أَرَادَ النَّجَاحَ والفلاحَ, فَلْيَجعَلِ النَّاجِحِينَ نُصبَ عَينَيه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
يا ربنا لك الحمد مبدؤه ومنتهاه, وأشهد أن لا إله إلا هو في السماء إله وفي الأرض إله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه, اللهم صل وسلم عليه وعلى من والاه واتبع هداه.
وبعد: فقد فاز من عظَّمه وكبَّره واتقاه, فاللهم اجعلنا ممن حقاً اتقاه.
انقضى الحج وانقضت العشر ومضت بأعمال العاملين, فهنيئاً لمن فيها حج وللشعائر أظهر, وهنيئاً لمن فيها ضحى وكبر, وهنيئاً لمن فيها بنى صالحاً ومن الحسنات أعمَر.
لك الحمد يا الله تتابع برُّك, وعظم عطاؤُك, وجلَّ ثناؤك, وتقدست أسماؤك, وتوالت آلاؤك, وتتابعت هباتك, وعمت فواضلك, وكملت نوافلك, لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى.
أمِن الحجاج في أبدانهم فلا وباء, وفي أموالهم فلا اعتداء, وفي أديانهم فلا شركيات ولا خرافات, ولا ابتداع ولا مظاهر جوفاء, مضت على هذه مائة حجة في مائة سنة, فلك الحمد ربنا أتمَّه وأعمَّه, ثم الشكر وافراً لدولة الإسلام المملكة العربية السعودية التي قامت بالحج طيلة عقودها على أمنٍ وسُنَّة.
أيها الحاج: الفأل بربك أن فُزت بحديث نبيك؛ "من حج فلم يرفث ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه", فالصحيفة بيضاء, فعاهد النفس أن لا تلطخها من الذنوب بسوداء, ابدأ حياة جديدة مع الله, تورع أن تعصي الله كما كنت في إحرامك تتورع من شعرة تسقط منكو أو ظفرٍ تُقلِّمه, وتسأل عنه حفياً أن لا تكون في محظور الإحرام وقعت.
أيها الحاج: لا تكن كما كنت قبل الحج بل كن لله أقرب, ومن معاصيه أبعد؛ فالعمر قصير, وفجأةُ الموت تأتي بلا نذير, أُعيذُك من الغفلات بعد الحياة, ومن القسوة بعد الخشوع والدموع.
عباد الله: لأن انقضت مناسك الحج والعشر وما فيها من التلبية والتكبير, فإن ذكر الله باقٍ به أوصاكم؛ (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)[البقرة: 200], فلا زمان في الشرع للغفلة والتقصير بل منهج الحياة؛ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
عباد الله: وقد وافق انتهاء الحج والعشر بدايات الإجازة الصيفية وللناس في قضاءها مآربُ ومشارب, والإجازةَ نعمةٌ ومنَّةٌ مِنَ اللهِ بعدَ طولِ دراسةٍ وبذلٍ وعملٍ، والنفسُ تحتاجُ إلى ترويحٍ بالمباحِ؛ (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف: 32], قال حنظلة: "يَا رَسُولَ اللهِ! نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا", فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ -يَا حَنْظَلَةُ- سَاعَةً وَسَاعَةً"(أخرجه مسلم).
هذه هي ميزان الحياة، وهذه مندوحة الترفيه والانبساط في الشريعة سَاعَةً وَسَاعَةً, ساعة في الترويح والترفيه، لكن لا تكون أسيرة له، ولا مكبلة بأبوابه، ولا حديث أيامه وكل اهتمامه, وإنما ساعة لتفرغ لساعة الآخرة, قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أجموا هذه القلوب, والتمسوا لها طرق الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان", وكان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يمازح أصحابه، ويسابق عائشة.
عباد الله: الاستجمام والتنزه والترويح لا يعني السير بلا هدف، وإهدار زهرة العمر في الترف والترفيه, وإنما ساعة وساعة, اجعل لنفسك ساعات ترتقى بها في منازل الأبرار, وأوقات ترفع من قيمة نفسك.
بالله عليكم ما قيمة الإجازة التي تقرب من ستين يوماً إذا مضت ما بين سهر ليل, ونوم نهار, تضيع معه صلاة الظهر والعصر؟! وفرائض الله خط أحمر لمن له كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
بالله عليكم ما قيمة الإجازة إذا مضت كلها ما بين لعب ثم لعب ثم لعب, وعكوف على الجوالات في مقاطع تافهات, وبرامج ساذجات وضياع أوقات.
تهيَّب من سؤال عصيب, يقال يوم القيامة: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115], أما -وربي- إنك موقوف بين يدي الله مسؤول عن العمر: فيم أفنيته؟ وعن الوقت فيم أبليته؟ فأعدَّ للسؤال جواباً, وللجواب صواباً.
بالله عليكم ما قيمة الإجازة إذا لم تتورع الأسرة عن السفر للبيئات التي تعج بالشبهات وتظهر فيها الفتن والشهوات والعورات؟! حذار -أيها الأب- أن تملأ عيون وأسماع أهلك وصغارك مما حرم الله أو تفتنهم.
في نهاية كل إجازة صيفية هناك كاسبون في دنياهم وأخراهم, يستذكرون إجازتهم ويحسبون المكاسب, فإذا بهم قد وصلوا رحماً, وأخذوا من القرآن مغنماً, وابتنوا لدنياهم عملاً ,قضوا به فيما ينفعهم وقتاً وهمَّا، كان لهم من البرامج والدورات لتطوير النفس والرقي بها سهماً, إني سائلك ولنفسك فاسأل: لم لا تكون من هؤلاء؟!.
يا سامعي: إن قيمة الإنسان بما ينجزه من عمل الدنيا والآخرة, فلتكن حياتك حياة إنجاز, أعيذك من حياة البطالين العاجزين الكسالى النوَّامين الفارغين, وأهيبُ بك أن ترقى الهمة لحياة العازمين الجازمين المنجزين, وإنك على ذلك قادر, وإنك على ذلك قادر, وإنك على ذلك قادر.
استعن بالله ولا تعجز, نظِّم وقتك, رتِّب برامجَك, ادعُ ربك, لو ضعفت يوماً, أو مضى من إجازتك ما عنه كسلت؛ فلا تيأس, عُد ثم عُد والعودُ أحمد, والمجاهدة من سبيل المهتدين.
أقول ما قلت ولي ولكم, أستغفر الله رب العالمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
إِنَّ الوَقتَ يَمضِي, وَالأَيَّامَ تَجرِي, وَالزَّمَانُ في مَسيرِهِ لا يَقِفُ لأَحَدٍ, وَلا يَنتَظِرُ نَائِمًا حتى يَصحُوَ, وَلا غَافِلاً حتى يَنتَبِهَ, وَلا هَازِلاً حتى يَجِدَّ, وَلا خَامِلاً حتى يَستَعِدَّ, أَلا فَانتَبِهُوا وَاستَيقِظُوا, وَانبُذُوا النَّومَ وَالكَسَلَ, وَمَن أَرَادَ النَّجَاحَ والفلاحَ, فَلْيَجعَلِ النَّاجِحِينَ نُصبَ عَينَيه، وَلْيَقرَأْ في أَخبَارِهِم, وَلْيَتَأَمَّلْ سِيَرَهُم, وَلْيَتَفَكَّرْ في صَبرِهِم وَجَلَدِهِم, وَهِمَّتِهِم وَنَشَاطِهِم, وَمَجِيئِهِم دَائِمًا في المُقَدمةِ, وَعَدَمِ تَأَخُّرِهِم عَمَّا فيهِ مَصلَحَةٌ لَهُم أَو لأُمَّتِهِم, وَعَلَيكُم بِصُحبَةِ ذَوِي الهِمَمِ العَالِيَةِ, وَاحذَرُوا الخَامِلِينَ وَالكُسَالى؛ فَإِنَّما المَرءُ صُورةٌ مِمَّن يُصَاحِبُهُ وَيُماشِيهِ.
أَنتَ في النَّاسِ تُقَاسُ *** بِالَّذِي اختَرتَ خَلِيلا
فَاصحَبِ الأَخيَارَ تَعلُ *** وَتَنَلْ ذِكرًا جَمِيلا
صُحبَةُ الخَامِلِ تَكسُو*** مَن يُؤَاخِيهِ خُمُولا
التعليقات