عناصر الخطبة
1/منزلة الإنكار بالقلب 2/معنى الإنكار بالقلب 3/آثار الإنكار بالقلب

اقتباس

وَالإِنْكَارُ بِالقَلْبِ هُوَ كَرَاهَةُ المُنْكَرِ وَبُغْضُهُ، وَتَمَنِّي زَوَالَهُ، قالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْبِ إِنْكَار مَا يَكْرَهُهُ اللهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيْمَان...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -جل جلاله-: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأعراف:35].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا حَرَارَةُ أَهْلِ الإِيْمَان، والغَيْرَةُ على مَحَارِمِ الرَّحْمَن، وَهُوَ العِلَاجُ الأَخْير في الإِصْلَاحِ والتَّغْيِير؛ إِنَّهُ إِنْكَارُ القَلْبِ.

 

وَإِنْكَارُ المُنْكَرِ بِالقَلْبِ هُوَ آخِرُ حُدُوْدِ الإِيْمان، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”(رواه مسلم).

 

وَالإِنْكَارُ بِالقَلْبِ هُوَ كَرَاهَةُ المُنْكَرِ وَبُغْضُهُ، وَتَمَنِّي زَوَالَهُ، قالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: “فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَلْبِ إِنْكَار مَا يَكْرَهُهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيْمَان!”؛ كَمَا قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ!”(رواه مسلم).

 

وَالإِنْكَارُ بِالقَلْبِ جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ”(رواه مسلم).

 

وَمَنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ سَلِمَ مِنْ الإِثْمِ، وَنَجَا مِنْ العُقُوْبَةِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ”(رواه مسلم). قالَ النَّوَوِيُّ: “مَنْ عَرَفَ الْمُنْكَرَ: صَارَتْ لَهُ الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ: بِأَنْ يُغَيِّرَهُ؛ فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ، ولَكِنَّ الْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ. وَمَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ: لَا يَأْثَمُ بِالسُّكُوْتِ، بَلْ يَأْثَمُ بِالرِّضَى بِهِ!”.

 

وَإِنْكَارُ القَلْبِ دَلِيْلٌ عَلَى حَيَاتِهِ، وَتَرْكُ الإِنْكَارِ بِالقَلْبِ دَلِيْلٌ على مَوْتِهِ. قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: مَنْ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ؟ فقال: “الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا!”. يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم: “أَيُّ دِينٍ فِيمَنْ يَرَى مَحَارِمَ اللهِ تُنْتَهَكُ، وَهُوَ بَارِدُ الْقَلْبِ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ كُلَّمَا كَانَتْ حَيَاتُهُ أَتَمَّ كَانَ غَضَبُهُ لِله أَقْوَى، وَانْتِصَارُهُ لِلدِّينِ أَكْمَلُ”.

 

وَلَمَّا كانَ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ لا يَتَسَنَّى لِلْكَثِيرِ؛ فَقَدْ بَقِيَتْ الوَرَقَةُ الأَخِيْرَةُ للتَّغْيِيرِ؛ وَهِيَ إِنْكَارُ القَلْبِ؛ فَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَرْكِهِ، قال ابْنُ رَجَبٍ: “الرِّضَا بِالْخَطَايَا: مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَفُوتُ بِهِ إِنْكَارُ الْخَطِيئَةِ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، لَا يَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ، وَأَمَّا الْإِنْكَارُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ: فَبِحَسَبِ الْقُدْرَةِ”.

 

وَعَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ وَإِجْلَالِهِ يَكُونُ إِنْكَارُ القَلْبِ، وكانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا رَأَى المُنْكَرَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ تَغْيِيْرَهُ تَقَطَّعَ قَلْبُهُ غَيْرَةً للهِ، يَقُوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِي: “إِنِّيْ لأَرَى الشَّيْءَ يَجبُ عَلَيَّ أَنْ أَتكلَّمَ فِيْهِ، فَلاَ أَفْعَلُ؛ فَأَبُولُ دَمًا!”.

 

وَإِنْكَارُ القَلْبِ يَقْتَضِي مُفَارَقَةَ المَكَانِ الَّذِي فِيهِ المُنْكَر، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ). قالَ القُرْطُبِيُّ: “دَلَّ هَذَا عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُمْ فَقَدْ رَضِيَ فِعْلَهُمْ”.

 

وَإِنْكَارُ المُنْكَرِ بِالقَلْبِ سَبَبٌ لِبَرَاءَةِ الذِمَّةِ، وَدَفْعِ المَذَمَّةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا: كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا! وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا: كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا!”(رواه أبو داود وحسنه الألباني).

 

وَمَحَبَّةُ المُنْكَرِ وَالرِّضَا بِهِ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، وجَالِبٌ لِلْعَذَاب، قَالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). قالَ السِّعْدِي: “فَإِذَا كانَ هَذَا الوَعِيْدُ، لِمُجَرَّدِ مَحَبَّة أَنْ تَشِيْعَ الفَاحِشَة بِالقَلْبِ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ؟!”.

 

وَإِنْكَارُ القَلْبِ سَبَبٌ لِإِشْرَاقِهِ وَبَيَاضِهِ. وَتَرْكُ الإِنْكَارِ بِالقَلْبِ سَبَبٌ لِظُلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا؛ فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاء!”(رواه مسلم).     

 

وَكَثْرَةُ مُشَاهَدَةِ المُنْكَرِ، وَسَمَاعُ أَخْبَارِهِ يُزْيْلُ اسْتِقْبَاحَهُ مِنْ القُلُوْبِ؛ حَتَّى ”لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا!” (رواه مسلم).

 

وَإِنْكَارُ القَلْبِ عَلَامَةٌ على تَعظِيمِ الرَّبِّ! (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ اللهِ: الإِنْكَارُ بِالقَلْبِ يَحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ الصَّادِقِ بِصَلَاحِ الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ، قالَ الفُضَيلُ بنُ عِيَاض: “لَوْ كَانَ لي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ؛ مَا جَعَلْتُهَا إلا في السُّلْطَان: فَإِنِّي إِذَا جَعَلْتُهَا في السُّلْطَانِ صَلَحَ؛ فَصَلُحَ بِصَلَاحِهِ العِبَاد والبِلاد!”.

 

وَيَبْقَى النَّاسُ بِخَيْرٍ ما بَقِيَ الإِيمانُ بِاللهِ، والغَيْرَةُ على مَحَارِمِ اللهِ، قال بَعضُ السَّلَف: “لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ؛ مَا تَعَجَّبُوا مِنْ العَجَبِ”. قال -عز وجل-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life