عناصر الخطبة
1/ شدة عداوة الكفار والمنافقين للمسلمين 2/ خطورة النفاق والمنافقين على الإسلام وأهله 3/ وسائل المنافقين في إضعاف الإسلام والمسلمين 4/ خطورة مجالسة المنافقين والاستماع لآرائهم 5/ خوف الصحابة والسلف على أنفسهم من النفاق 6/ وجوب الحذر من برامج وصحف وأقلام النفاق.اهداف الخطبة
اقتباس
تظهر أخس صفات المنافقين وأشنعها في أقوالهم وخطبهم ومقالاتهم، وبرامجهم وحواراتهم؛ يتشدقون باسم الوطنية، ويدّعون الدفاع عن الوطن، ويزعمون حبَّه؛ لكنهم في حقيقة الأمر يرقصون على جراحاته ويضحكون على مصائبه، وفي الوقت ذاته تتهلل أساريرهم وتبتهج نفوسهم بكل نازلة تنزل بالمسلمين؛ يستبشرون ويفرحون بكل نصر يحققه أعداء المسلمين، وقد سمعنا –والله- مَن يفرح بغلبة اليهود على إخواننا في غزة وفلسطين، من نشر تلك المقالات التي تسخر من المجاهدين في فلسطين، وتفرح -عياذا بالله- بانتصارات اليهود عليهم. بل سمعنا من يتمنى انتصار الروس الملحدين على أهل الشام، وغير ذلك من النفاق الذي يروج في هذا الزمن في الصحف والبرامج والقنوات...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل-، وذلك بالحرص على أوامر الله بفعلها، والمواظبة عليها، والحذر من التفريط في أدائها وإضاعتها، والحذر من الوقوع في نواهيه وما حرمه -سبحانه وتعالى- من الأقوال والأفعال، فهذه حقيقة التقوى التي من لازمها، وتخلق بها على الحقيقة كان من عباد الله وخُلّص أوليائه الموعودين بالثواب الجزيل والنعيم المقيم من الرب الكريم -سبحانه وتعالى-؛ (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64]؛ منَّ الله علينا بتقواه وجنَّبنا جميع ما يغضبه ويسخطه؛ إن ربي سميع مجيب.
أيها الإخوة في الله: منذ أن خلق الله الخلق والصراع قائم بين الحق والباطل، وسيظل هذا الصراع مستمرًّا إلى قيام الساعة، يقف في أحد جانبي الصراع المسلمون والمؤمنون الذين آمنوا بالله ربًّا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً وقدوة، وبالإسلام كله بأصوله وفروعه وأخلاقه وآدابه ومعاملاته.
ويقف في الجانب الآخر من الضد على ذلك الكافرون على اختلاف مِلَلهم وعقائدهم وأديانهم، ومعهم المنافقون على اختلاف درجاتهم، وإذا كانت عداوة الكفار واضحةً جليةً في كتاب الله -عز وجل- والتحذير منها كما في قوله -سبحانه وتعالى- (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82]، وكقوله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء) [المائدة: 51]، وقوله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ) [الممتحنة: 1].
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المحذرة من عداوة النصارى واليهود وسائر أهل الكفر والشرك، إذا كانت عداوة أهل الكفار واضحة، ولا شك فيها ولا ارتياب فإن عداوة أهل النفاق لأهل الإسلام لا تقل خطورتها عن ذلك.
ولهذا جاء في القرآن الكريم التحذير الشديد من مكر المنافقين، والتنبيه على شدة عداوتهم، وكشف أساليبهم حتى يحذرهم المؤمنون، ويكونون على علم تام بمكرهم وباطلهم وزيفهم حتى سُميت سورة كاملة في كتاب الله -عز وجل- بسورة المنافقون؛ افتتحت هذه السورة بما ينبِّه المسلمين إلى عدم الانخداع بمعسول أقوال المنافقين وظاهر كلامهم (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1].
كاذبون في دعواهم بشهادتهم أن محمدًا رسول الله، كاذبون في دعواهم بأن دينهم الإسلام، كاذبون في دعواهم بأنهم منقادون لحكم الله وحكم رسوله.
حتى تأتي الآية الأخرى بعد ذلك (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)، لكن الله -عز وجل- بيَّن مع ذلك حقيقتهم، وأن منطقهم ولفظهم وكلامهم لا ينبغي أن يصرِف الناس ويصدَّهم عن حقيقتهم التي يبطنونها، قال الله -عز وجل- بعد ذلك (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].
ولما كانت عداوة المنافقين خفيةً، ومكرهم عظيمًا، وكيدهم كبيرًا توالت نصوص القرآن الكريم في التحذير منهم؛ ذلك لأن المنافقين يعيشون بين ظهراني المسلمين يخالطونهم، وقد يشهدون الصلاة معهم في المساجد، ويحضرون مجالسهم، بل وقد يذهبون مع في الغزوات والجهاد، ونحو ذلك.
لما كانت عداوة المنافقين بهذه المثابة وكيدهم ومكرهم بهذه الخطورة بيَّن الله -عز وجل- ما ينتظر المنافقين من العذاب المهين حتى يرتدع الناس عن مشابهتهم أو يسلكوا مسالكهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145].
يُظهِرون الإسلام لكنهم في حقيقة الأمر كارهون له مبغضون له، يبطنون العداوة له ولأهله، ولا يترددون في انتهاز أيّ فرصة تلوح لهم لإيصال الضرر بالمسلمين أي كان الضرر.
ولهذا ترى المنافقين في كل زمان ومكان يولون الكافرين أعداء المؤمنين، ويناصرونهم ويتخذونهم أولياء من دون المؤمنين، وينفذون ما يعجز الكفار عن تنفيذه في بلاد المسلمين.
إن المنافقين عيون الكافرين في مجتمعات المسلمين، إن المنافقين أذرع الكافرين وأدواتهم التي ينفذون بها مكر الكفار وكيدهم، وكل ما يضعف المسلمين ويضرهم ولهذا جاء التحذير العظيم من المنافقين في آيات كثيرة يقول الله -عز وجل- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [النساء: 137- 139].
وتستمر آيات القرآن العظيم في التحذير من المنافقين ومكرهم، وضرورة التباعد عنهم، ومجانبة مجالسهم، وعدم السماع لبرامجهم وأقوالهم حماية لدين المسلم وعقيدته.
يقول الله -عز وجل-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء:140].
وما ذاك إلا أن بضاعتهم الكفر بآيات الله، والتشكيك في أحكامهم، بضاعتهم التي يروجونها ويدعون إليها في مقالاتهم ومجالسهم وبرامجهم ومنتدياتهم بضاعتهم الكاسدة التشكيك في أحكام الله، والطعن فيها، والسخرية والاستهزاء بأحكام الشرع تارة بالتصريح متى ما سنَحت لهم الفرصة، وتارة بالتلميح والتعريض (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد: 30].
وها هي مسيرة النفاق عبر التاريخ منذ زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى زماننا هذا، وهي كلها حافلة بالسخرية من المؤمنين واللمز بالصالحين من عباد الله والاستهزاء بهم، وقديمًا طعَن أسيادُهم في خيرة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين فاستهزؤوا بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا استهزاء وسخرية: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء! أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء"، فنزل القرآن العظيم ليعرِّي باطلهم ويكشف زيفهم (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 64- 66].
إنهم يظهرون في المجتمع بصورة الناصح المشفِق على المجتمع الحريص على مصالحه ومنافعه الخائف عليه وعلى مستقبله، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ فما يحركهم ويدفعهم إلى اتخاذ مواقف النفاق واللمز، والهمز والطعن، والتشكيك في أحكام الدين والاستهزاء بشرائعه، والتحذير من الدعاة، ولمز العلماء؛ ما يدفعهم إلى ذلك إنما هو النفاق المستقر في قلوبهم، إنما هو محبة الكافرين وحياتهم والإعجاب بأنماط معيشتهم الاجتماعية.
وقد يظهرون كلامهم ومكرهم بأسلوب فيه من الرقة والخفاء والالتواء ما قد ينطلي معه الأمر على بعض السُّذَّج من الناس، ولهذا جاء القرآن العظيم ليعرِّي أسلوبهم هذا ويكشف زيفه، ويبين حقيقته (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ)، مرض النفاق (فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ)، لا تفسدوا في الأرض بنشر مقولة النفاق بالاستهزاء بالدين وأحكام الشرع المطهر (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، إنما نقول هذا الكلام دفاعًا عن الدين دفاعًا عن الوطن؛ لئلا يظن الأعداء بنا ظن السوء (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة: 8-12].
ثم تستمر الآيات القرآنية في كشف باطلهم، وأن المنافقين يرون أن ما هم عليه من النفاق هو الحق والرشد، وما عليه غيرهم من المؤمنين هو السفه والطيش والإرهاب والتخلف والرجعية؛ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ) [البقرة:13].
وإذا ما قوي المجتمع في الإنكار عليهم والتضييق على تصرفاتهم والأخذ على أيديهم بحزم وعزم، ومنعهم من إظهار نفاقهم وترويج باطلهم أظهروا الإيمان، وأظهروا الخشوع والمسكنة والذلة، ولكن ما يلبس خشوعهم الكاذب ومسكنتهم الكاذبة ما تلبس أن تزول وتضمحل بمجرد استقوائهم بأسيادهم الكفار (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ *اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [البقرة: 14- 16].
وتتوالى آيات القرآن العظيم في تعرية النفاق، وكشف أساليب المنافقين، وبيان صفاتهم فيذكر القرآن العظيم صفة للمنافقين هي من أخس صفاتهم وأشنعها؛ إنها في أقوالهم وخطبهم ومقالاتهم، وبرامجهم وحواراتهم؛ يتشدقون باسم الوطنية، ويدّعون الدفاع عن الوطن، ويزعمون حبَّه؛ لكنهم في حقيقة الأمر يرقصون على جراحاته ويضحكون على مصائبه، وفي الوقت ذاته تتهلل أساريرهم وتبتهج نفوسهم بكل نازلة تنزل بالمسلمين؛ يستبشرون ويفرحون بكل نصر يحققه أعداء المسلمين، وقد سمعنا –والله- مَن يفرح بغلبة اليهود على إخواننا في غزة وفلسطين، من نشر تلك المقالات التي تسخر من المجاهدين في فلسطين، وتفرح -عياذا بالله- بانتصارات اليهود عليهم.
بل وقبل أيام سمعنا من يتمنى انتصار الروس الملحدين على أهل الشام، وغير ذلك من النفاق الذي يروج في هذا الزمن في الصحف والبرامج والقنوات، وهذا ما أخبر الله سبحانه من وصف المنافقين (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء:141]، وفي آية أخرى (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ) [التوبة:50].
هذه حقيقة المنافقين كما بيَّنها الله في كتابه: إظهار الإسلام وإبطان للكفر، تشدق بحب الوطن وهم من أشد أعداء الوطن، هذه بعض صفاتهم وأساليبهم، ولكن ذلك كله لن يروج على المؤمنين مهما زخرفوا القول، وزينوا الباطل؛ فإن بضاعتهم -بمشيئة الله عز وجل- ستظل كاسدة إن شاء الله.
نسأل الله -عز وجل- أن يقي المسلمين شر النفاق والمنافقين، وأن يهتك أستارهم ويفضحهم على رؤوس الأشهاد ويعري باطلهم إن ربي على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء: 142- 143].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعدُ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- واحرصوا على إيمانكم وعقيدتكم، واحذروا الوقوع في النفاق؛ فإن عاقبته وخيمة خزي في الدنيا ونكال وعذاب أليم في الآخرة.
لقد كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- شديدي الحذر من الوقوع في النفاق؛ كلٌّ منه يخشى الوقوع فيه، فكان بعضهم يسأل حذيفة بن اليمان وقد أخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسماء المنافقين؛ كان بعضهم بل من كبار الصحابة كعمر -رضي الله عنه- يأتي إلى حذيفة، ويسأله هل عدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين، فيقول له حذيفة: "لا، ولن أخبر أحدًا بعدك".
يقول ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخشى على نفسه النفاق"، فإذا كان هذا حال أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحذر من النفاق والخشية من الوقوع فيه، فكيف من أتى بعدهم؟
ولهذا فإن لزامًا على كل مسلم حريص على دينه وإيمانه وعقيدته أن يتجنب مجالس النفاق، وبرامج النفاق ومسلسلات النفاق، يحذر من مشاهدتها وسماعها حتى لو قال: إنه يسمع ذلك ويشاهد ذلك من قبيل التعرف لا أقل ولا أكثر؛ فإن هذا والله من الخطأ؛ فإن كثرة مشاهدة أمثال هذه البرامج والمسلسلات والحوارات في القنوات الفضائية التي تروِّج لبضاعة النفاق وقنوات النفاق تؤثر على الإنسان ولا بد؛ فقد يجد من يشاهد ويستمع لهذه البرامج قد يجد بعد مدة في قلبه اقتناعات بمثل اقتراحات المنافقين، اقتناعًا بأطروحاتهم وميلاً لهم.
ولذلك جاء القرآن الكريم محذرًا من ذلك أشد التحذير (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68]، (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].
وأشنع من ذلك -والعياذ بالله- وأخطر من يتبنى أطروحات المنافقين، من يتبنى مقالات النفاق والمنافقين، وينشرها في المجتمع وعبر مواقع التواصل، ويتبناها سخرية بالصالحين واستهزاء بأحكام الدين، فهذا -والعياذ بالله- شريك للمنافقين في الذم والخسة والخسارة في الدنيا والآخرة.
أسأل الله -عز وجل- أن يحفظ علينا ديننا وإيماننا وعقيدتنا، وأن يكفينا شر النفاق وأهله؛ إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".. اللهم صل وسلم وبارك...
التعليقات