عناصر الخطبة
1/معالم دين الإسلام 2/معنى شهادة التوحيد 3/حقيقة الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم 4/التحذير من الابتداع في الدين 5/بدعة الاحتفال بيوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.

اقتباس

فكلّ مَن أحدث دينًا في دين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أو عبادةً أو شريعةً أو ذِكْرًا أو عملاً لم يأتِ به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فإنه مردودٌ عليه أولاً، وهو إعلام منه بتعقُّبه واستدراكه على نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ثانيًا.

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيه وخليله، فالعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد، عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أيها المؤمنون: قام دين الإسلام على كلمتين عظيمتين لا يدخل العبد الجنة، ولا يحقق هذا الدين إلا بتحقيقهما وتطبيقها؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فالشهادة بأن لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة، وهي من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، ومعناها: لا معبود يستحق أن يُعبَد إلا الله، لا معبود بحقٍّ إلا الله، وهي قائمةٌ على ركنين؛ نفي: "لا إله"، وإثباتٌ: إثبات العبودية لله -جَلَّ وَعَلا- "إلا الله".

 

 وشهادة أن محمدًا رسول الله وجماع القول فيها ما بيّنه الشيخ المجدد في ثلاثة الأصول، حيث قال: "ومعناها تصديقه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرع".

 

من حقق هذه المعاني الأربع، شهد حقًّا بأن هذا النبي العربي محمد بن عبد الله أنه رسولٌ من عند الله حقًّا وصدقًا وبرًّا، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله، وأصحابه، سلامًا وصلاةً دائمتين إلى قيام الدين.

 

 إن طاعة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لا بد منها في ديننا، فإن اليهود زعموا أنهم يحبون الله، وكذا زعمت النصارى ولا سيما نصارى نجران، فأنزل الله -جَلَّ وَعَلا- امتحانهم لما وفدوا عليه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في آياتٍ تقترب من أربعين آية في سورة آل عمران، وجاء فيها؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران: 31].

 

فمن لم يطع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فهو كاذبٌ بإيمانه بربه، ومن لم يطع رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فهو مُدَّعٍ أنه شهد بأنه رسول الله حقًّا، وطاعة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قوامها -يا عباد الله- بالاستقامة على دينه، والذَّبّ عن سنته، والتعلق بهديه وسيرته، حتى يكون ذلك أعظم ما عند الإنسان مما يقتدي به في هذه الدنيا.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * َإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[التوبة: 128- 129].

 

 نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، ورزقنا الاستقامة عليهما حتى الممات، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فعظِّموا دينكم، عظِّموا دين ربكم بطاعة نبيكم، واتباعه في أمره ونهيه.

 

واعلموا -عباد الله- أن من أشد ما حذَّر منه نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- البدع والمحدثات والمختلقات في أنواع العبادات، وإن أعظم البدع وأفظعها وأشنعها بدعة الشرك بالله -جَلَّ وَعَلا-، يليها وسائله مما يقرب إليه في الشركين الأكبر والأصغر؛ ولهذا عاب الله -جَلَّ وَعَلا- من ابتدعوا أيما عيبة، فقال -جَلَّ وَعَلا- مُقرِّعًا لهم، ومستنكرًا عليهم: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21].

 

 وفي الصحيحين من حديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالت: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظٍ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"؛ فكل مَن أحدث دينًا في دين النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أو عبادةً أو شريعةً أو ذِكْرًا أو عملاً لم يأتِ به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فإنه مردودٌ عليه أولاً، وهو إعلام منه بتعقُّبه واستدراكه على نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ثانيًا.

 

 ومما فشا ويفشو وينتشر في الأزمان المتأخرة ما أحدثه الباطنيون العبيديون في مصر في المائة الرابعة، لما تولى عليها هؤلاء المبتدعة بأمر الحاكم بأمر نفسه، في بدعته التي أذاعها وأشاعها، فنشأ عليها الصغار، وهرم عليها الكبار، وتتابعت عليها الأجيال، حتى ظنها الجهال دينًا يُتقرب به إلى الله؛ إنها بدعة الاحتفال بيوم ميلاده -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، مشابهةً لليهود والنصارى في احتفالهم بيوم ميلاد عيسى ابن مريم، والعُزير، والله -جَلَّ وَعَلا- نزه نبيه من ذلك.

 

 ولا غرو -يا عباد الله-؛ فإن اليوم الذي وُلد فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- هو اليوم الذي مات فيه، فبأيهما نفرح؟ بيوم ميلاده أم بيوم وفاته؟ ولهذا لم يشرع لنا فيها عبادةً أبدًا، ولم يفعلها صحابته -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، وهم أحب الناس له، ولم يفعلها التابعون ولا تابعوهم، ولا أصحاب القرون المفضلة في المائة الثالثة، وإنما أحدثه العبيديون في أوائل المائة الرابعة، كما قرر ذلك علّامة زمانه في مصر الشيخ علي محفوظ إمام الأزهر في كتابه "الإبداع في مضارّ الابتداع"؛ فاحذروا البدع يا عباد الله، احذروها وحذِّروا منها.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلّاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.

 

 اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life