الموعودون بالنار (1)

أحمد شريف النعسان

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ التحذير من الأماني الباطلة 2/ التخويف من النار والتحذير منها 3/ بعض أصناف الموعودين بالنار
اهداف الخطبة

اقتباس

هُنَاكَ شَرَائِحُ من النَّاسِ وَعَدَهُمُ اللهُ -تعالى- بِنَارِ جَهَنَّمَ -والعِيَاذُ باللهِ تعالى-، فالسَّعِيدُ من تَعَرَّفَ على صِفَاتِهِم ثمَّ اجتَنَبَهَا, والشَّقِيُّ من انطَبَقَتْ عَلَيهِ صِفَاتُ هؤلاءِ النَّاسِ, من الأَصنَافِ الذينَ وُعِدُوا بالنَّارِ: أولاً: قَتَلَةُ الأَبرِيَاءِ بَغَيرِ حَقٍّ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ الأَمَانِي أَهلَكَتْ كَثِيرَاً من النَّاسِ, فَتَرَى مِنهُم إِيمَانَاً بلا أَثَرٍ, وتَسمَعُ قَولاً ولا تَرَى عَمَلاً, تَرَى رِجَالاً مِنهُم ولا تَرَى فِيهِم عَقْلاً, عَرَفُوا ثمَّ انحَرَفُوا, حَرَّمُوا واستَحَلُّوا, يَقُولُ فِيهِم سَيِّدُنا الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "لَو أَنَّ بَعْضَ مَن مَضَى انتَشَرَ حَتَّى يُعَايِنَ خِيَارَكُمُ اليَومَ لَقَالَ: مَا لهؤلاءِ في الآخِرَةِ مَن حَاجَةٍ، وَلَو رَأَى شِرَارَكُم لَقَالَ: مَا يُؤمِنُ هَؤلاءِ بِيَومِ الحِسَابِ".

 

يَا عِبَادَ اللهِ: لا يَدخُلُ الجَنَّةَ إلا من يَرجُوهَا, لا من يَتَمَنَّاهَا, قَالَ تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) [النساء: 123].

 

وقَالَ تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].

 

ولا يَسْلَمُ من النَّارِ إلا من يَخَافُهَا, فَجَعَلَ بَينَهُ وبَينَهَا وِقَايَةً من تَقوَى اللهِ -عزَّ وجلَّ-, قَالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: وُرُودُنَا على النَّارِ يَقِينٌ, قَالَ تعالى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) [مريم: 71]، ولكنَّ الخُرُوجَ مِنهَا لَيسَ بِيَقِينٍ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "واللهِ مَا صَدَّقَ عَبْدٌ بالنَّارِ إلا ضَاقَتْ عَلَيهِ الأَرضُ بِمَا رَحُبَتْ، وإنَّ الُمنَافِقَ لَو كَانَتِ النَّارُ خَلْفَ ظَهْرِهِ مَا صَدَّقَ بِهَا حَتَّى يَتَجَهَّمَ -أي: يَقَعَ- في دَرَكِهَا".

 

واللهِ ما أُنذِرَ العِبَادُ بِشَيءٍ أَدْهَى مِنهَا, قَالَ تعالى: (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لاَ يَصْلَاهَا إِلاَّ الاْشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [الليل: 14- 16]. إنَّهَا نَارُ السَّعِيرِ, لا يَنَامُ هَارِبُهَا, وجَنَّةُ الفِردَوسِ لا يَنَامُ طَالِبُهَا.

 

الخَوفُ من النَّارِ فَلَقَ أَكبَادَ الصَّالِحِينَ, قَالَ تعالى: (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لّلْبَشَرِ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 35- 37].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ التَّخوِيفَ من النَّارِ نَالَ المَلائِكَةَ المُقَرَّبِينَ, والأَنبِيَاءَ والمُرسَلِينَ -عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ-, قَالَ تعالى في شَأنِ المَلائِكَةِ: (وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 29].

 

وقَالَ تعالى في حَقِّ الأَنبِيَاءِ: (وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا) [الإسراء: 39].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ شَرَائِحُ من النَّاسِ وَعَدَهُمُ اللهُ -تعالى- بِنَارِ جَهَنَّمَ -والعِيَاذُ باللهِ تعالى-، فالسَّعِيدُ من تَعَرَّفَ على صِفَاتِهِم ثمَّ اجتَنَبَهَا, والشَّقِيُّ من انطَبَقَتْ عَلَيهِ صِفَاتُ هؤلاءِ النَّاسِ, من الأَصنَافِ الذينَ وُعِدُوا بالنَّارِ:

 

أولاً: قَتَلَةُ الأَبرِيَاءِ بَغَيرِ حَقٍّ:

 

يَا عِبَادَ اللهِ: من النَّاسِ الذينَ وُعِدُوا بالنَّارِ قَتَلَةُ الأَبرِيَاءِ, ومن أَعَانَ على قَتْلِهِم, ولو بِشَطْرِ كَلِمَةٍ, قَالَ تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

 

ويَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ" [رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-]. ومن كَانَ آيِسَاً من رَحمَةِ اللهِ -تعالى- فإنَّ مَصِيرَهُ إلى نَارِ جَهَنَّمَ -والعِيَاذُ باللهِ تعالى-.

 

ثانياً: أَكَلَةُ أَموَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ:

 

يَا عِبَادَ اللهِ: من النَّاسِ الذينَ وُعِدُوا بالنَّارِ أَكَلَةُ أَموَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ, قَالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].

 

وقَالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 174].

 

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ, فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ, وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ".

 

وروى الإمام أحمد والترمذي عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ".

 

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْراً مِن الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا طَوَّقَهُ اللهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن اقْتَطَعَ شِبْراً مِن الْأَرْضِ ظُلْماً طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".

 

يَا عِبَادَ اللهِ: اِستَحْضِرُوا الآخِرَةَ بِقُلُوبِكُم, وتَصَوَّرُوا قَولَ اللهِ -تعالى-: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر: 23].

 

واستَحْضِرُوا مُنصَرَفَ العِبَادِ يَومَ القِيَامَةِ, فَرِيقٌ في الجَنَّةِ, وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ, واستَحْضِرُوا تَقَلُّبَ الظَّالِمِينَ بَينَ أَطبَاقِ النِّيرَانِ, قَالَ تعالى: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر: 16].

 

وقَالَ تعالى: (مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) [الإسراء: 97].

 

وقَالَ تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) [الحاقة: 30 - 32].

 

وقَالَ تعالى: (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) [الواقعة: 42 - 44].

 

هل استَحْضَرَ القَتَلَةُ هذهِ المَشَاهِدَ؟ وهل استَحْضَرَ أَكَلَةُ أَموَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ هذهِ المَشَاهِدَ؟

 

اللَّهُمَّ ارحَمْنَا بِتَرْكِ المَعَاصِي مَا أَحْيَيْتَنَا، آمين.

 

أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

المرفقات
الموعودون بالنار (1).doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life