عناصر الخطبة
1/فضل المسك 2/المسك في الجنةاقتباس
والْصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ كَالْمِسْكِ في الرَّائِحَة؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الأَقْوَال، وَيُشَجِّعُونَ عَلى أَطْيَبِ الأَفْعَال...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَلِكُ أَنْوَاعِ الطِّيْب، وَأَشْرَفُهَا وَأَطْيَبُهَا، وَهُوَ الَّذِي تُضْرَبُ بِهِ الأَمْثَال: إِنَّهُ المِسْك.
والمِسْكُ: مِنْ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ الطِّيْب؛ بَلْ هُوَ أَفْضَلُهَا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الْمِسْكُ: أَطْيَبُ الطِّيبِ"(رواه مسلم).
والْصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ كَالْمِسْكِ في الرَّائِحَة؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَقُونَ أَطَايِبَ الأَقْوَال، وَيُشَجِّعُونَ عَلى أَطْيَبِ الأَفْعَال، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً"(أخرجه البخاري ومسلم).
وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الكَرِيْهَة عَوَّضَهُ اللهُ بِرِيْحِ المِسْكِ الجَمِيْلَة؛ فَفِي الحديث: "لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ؛ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"(أخرجه البخاري ومسلم).
قال ابْنُ عُثَيْمِيْن: "والخُلُوْفُ: تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الفَمِ عِنْدَ خُلُوِّ المَعِدَة، وَهِيَ رَائِحَةٌ مُسْتَكْرَهَةٌ، لَكِنَّها عِنْدَ اللهِ أَطْيَبُ مِن المِسْك؛ لِأَنَّها نَاشِئَةٌ عَنْ عِبَادَةِ الله، وَكُلُّ مَا نَشَأَ عَنْ عِبَادَتِهِ؛ فَهُوَ مَحْبُوْبٌ عِنْدَه!".
وَتَخْرُجُ رُوْحُ المُؤْمِن، وَتَسْتَقْبِلُهَا الملائِكَةُ بِأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ؛ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ، إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ؛ فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ"(رواه النسائي وصححه الألباني).
وَحَوْضُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-: "أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ"(رواه البخاري ومسلم).
وَسُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ الْكَوْثَرِ؛ فَقَالَ: "هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ، تُرَابُهُ مِسْكٌ"(رواه البيهقي وصححه الألباني). وقال عليه الصلاة والسلام: "أُدخِلْتُ الجَنَّةَ؛ فإذا فيها جَنابذُ اللُّؤلُؤِ، -أَيْ بُنْيَانُ اللّؤلؤ-، وإذا تُرابَها المِسْكُ"(أخرجه البخاري ومسلم).
وَرَائِحَةُ المِسْكِ الطّيّبَة تَبْعَثُ الشَّوْقَ إلى الدَّارِ الطَّيّبة، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ سُوْقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فِيهَا كُثْبَانُ الْمِسْكِ؛ فَإِذَا خَرَجُوا إِلَيْهَا: هَبَّتْ رِيحٌ؛ فَتَمْلَأُ وُجُوهَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ مِسْكًا؛ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا"(رواه ابن أبي شيبة وصححه الألباني). وسُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بِنَاءِ الجَنَّة؟ فقال: "لَبِنَةُ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ، وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ"(رواه أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط)، قال ابنُ رَجَب: "والمِلاطُ: التُّرابُ الَّذي يَختَلِطُ بالماءِ، فيَصيرُ كالطِّينِ؛ فلَونُه لَونُ الزَّعفَرانِ في بهجَتِهِ وَإِشْرَاقِهِ، وَرِيْحُهُ كَرِيْحِ المِسْكِ".
وَعَرَقُ أَهْلِ الجَنَّةِ؛ كَالمِسْكِ في طِيْبِ رَائِحَتِهِ، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ"، قَالُوا: "فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟"، قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ"(رواه مسلم).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: مِسْكُ الجَنَّةِ مَطْلَبٌ يَسْتَحِقُّ المُنَافَسَة والهِمَّة، قال تعالى: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين:26]. والرَّحِيْقُ: هُوَ الشَّرَابُ الخَالِصُ المُصَفَّى، وَيَجِدُ الشَّارِبُ عِندَ آخِرِ شُرْبِهِ: رَائِحةَ المِسْكِ وَلَذَّتَه، قال أَبُو الدَّرْدَاءِ: "شَرَابٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الْفِضَّةِ، يَخْتِمُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا: أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا؛ لَمْ يَبْقَ ذُو رُوحٍ إِلَّا وَجَدَ طِيبَهَا!". وَصَدَقَ القَائِل:
اِعْمَلْ لِدَارِ البَقَا رِضْوَانُ خَازنُهَا *** الجَارُ أَحْمدُ والرَّحمنُ بَانِيْهَا
أَرْضٌ لَهَا ذَهَبٌ والمِسْكُ طِيْنَتُهَا *** وَالزَّعْفَرانُ حَشِيْشٌ نَابِتٌ فِيْهَا
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات