المُخدرات أمُّ المُكَدِّراتِ

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/العقل نعمة يستوجب الشكر 2/المخدرات أم المكدرات 3/محاربة المملكة للمخدرات 4/أسباب تعاطي المخدرات وانتشارها

اقتباس

أيُّها الْمُؤمِنُونَ: الْمُسكِراتُ والمخدِّراتُ هنَّ أُمُّ المُكَدِّرَاتِ، وَأَسَاسُ الجَرَائِمِ والمُفجِعاتِ، تَهتِكُ الأستارَ، وتظهرُ الأسرارَ، وتخرجُ من القلبِ تعظيمَ المحارمِ، وهي سَلابةُ النعمِ، وجَلابةُ النقمِ. وإِنَّ المُبتَلَينَ باستِعمالِ المُخَدِّرَاتِ خَطَرٌ على أهلِيْهِم ومجتمَعِهِم، خطرٌ مُحْدِقٌ منهمْ في جنايةٍ على نفسِ أو عِرضٍ أو مالٍ، ولذلِك...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

العقلُ نعمةٌ؛ نحمدُ اللهَ عليها، فإذا رأينا مجنونًا قلنا: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً"؛ لأن المجنونَ كالبهيمةِ، فقد يَقتُلُ، وقد يَسرقُ وقد يُجرِمُ. ولا عتبَ ولا عجَبَ!

ولكن العجَبُ كلُ العجب ممن يسعى في إذهاب نعمة عقلِه باختيارِه.

 

أيُّها الْمُؤمِنُونَ: الْمُسكِراتُ والمخدِّراتُ هنَّ أُمُّ المُكَدِّرَاتِ، وَأَسَاسُ الجَرَائِمِ والمُفجِعاتِ.  (تَهتِكُ الأستارَ، وتظهرُ الأسرارَ، وتخرجُ من القلبِ تعظيمَ المحارمِ، وهي سَلابةُ النعمِ، وجَلابةُ النقمِ. ولو لم يكن من رذائلِها إلَّا أنها لا تجتمعُ هي وخمرُ الجنةِ في جوفِ عبدٍ لكَفىَ، كما ثبتَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ".

وإِنَّ المُبتَلَينَ باستِعمالِ المُخَدِّرَاتِ خَطَرٌ على أهلِيْهِم ومجتمَعِهِم، خطرٌ مُحْدِقٌ منهمْ في جنايةٍ على نفسِ أو عِرضٍ أو مالٍ. ولذلِك وقعَتْ منهم جرائِمٌ فضيعةٌ مفجعةٌ، فمتى كنا نسمعُ عمَّن يقتُلُ أطفالَه، أو يزنِي بمحارِمِه، أو يسْرِقُ أثاثَ أهلِه؟!

وكما أنهم خطرٌ، فهم أيضًا مَرضَى وَغَرقَى وجَوْعَى، مَرضَى يَحتَاجُونَ إِلى عِلاجٍ، وَغَرقَى يَتَشَوَّفُونَ إِلى إِنقَاذٍ، وجَوْعَى يترَقَّبونَ نَصِيحَةً مُخلِصَةً، ودَعْوَةً صادِقَةً.

نسيَ المُتعاطِي ربَّه، فَظَلَمَ نفْسْه، وفزَّعَ أُسْرَتَه، وَفَضَحَ أَهْلَهُ، وضيَّع صلاتَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ)[المائدة: 90-91].

 

أيُّها الغيورونَ على أديانِهِم ووِلدانِهم وبُلدانِهِم: إنَّ المملكةَ العربيةَ السعُوديةَ تخوضُ حَربًا شرِسَةً ضَرُوسًا للقضاءِ على مجرِمينَ خوَنةٍ يتقصّدوننا، فيَجْلبونَ بدهاءٍ كَمِيَّاتٍ هَائِلَةً، وَأَنوَاعًا كَثِيرَةً، ثمَّ تُحبَطُ أكثرُها في الحدودِ والجماركِ، وبعضُها بعد دخولِها، وذلكَ -بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ثُمَّ بِجُهُودِ رِجَالِ الْأَمْنِ الْمُخْلِصِينَ-  وقد يتعَرَّضون للتهديدِ بل للموتِ، كلُّ هذا ذِيادًا منهم عن حِمى بلادِ الحرمينِ وساكِنِيهَا.

فأبشروا أيها الذائدونَ عن العقولِ بهذه البشارةِ من سماحةِ الشيخِ ابنِ بازٍ -رحمهُ اللهُ-، حيثُ يقولُ: "مكافحةُ المسكراتِ والمخدراتِ من أعظمِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، ومَن أعان على فضحِ هذهِ الأوكارِ، وبيانِها للمسؤولينَ فهو مأجورٌ، ويُعتبرُ مجاهداً".

 

فاللهم وفِّقْ واحفظْ رجالَ مكافحةِ المخدِّراتِ، وأطباءَ الإدمانِ، ورجالَ الجمَارِكِ، وأبطالَ الحدودِ.

 

عِبَادَ اللهِ: كثيراً ما تُطالِعُنا وسائلُ الإعلامِ عن إحباطِ رجالِ الأمنِ تَهريبَ كَميَّاتٍ مَهُولَةٍ من الْمُخدِّراتِ وآخرُها مطلعُ هذا الأسبوعِ إحباطُ محاولةِ تهريبِ اثنتا عشرةَ مليونِ حبةِ كِبتاجونَ، ونسمع عنِ القبضِ على عددٍ هائِلٍ ممن مُسختْ نفوسُهُم، فباعوا أديانَهُمْ وبُلدَانَهُمْ بثمنٍ بَخْسٍ وكانوا فيهَا من الزَّاهدين.

فَنَسأَلُ اللهَ أنْ يكيدَ كَيدًا لهؤلاء المُجْرِميْنَ المُرَوِّجِينَ والمُهرِّبينَ ومَن وَراءهمْ من عصاباتٍ ودُوَلٍ حاقدةٍ على بِلادِنا، وأنْ يَرُدَّ في نُحورِهم!

وَمَعَ مَا سَنَّتهُ هَذِهِ البِلادُ الْمُبَارَكَةُ مِن عُقُوبَاتٍ رَادِعَةٍ، وَجَزَاءَاتٍ زَاجِرَةٍ، إلا أن الحقدَ الأسودَ يجري في قلوبِهِمْ: (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)[آل عمران: 118]، وقد أفتتْ هيئةُ كبارِ العلماءِ بأن: المهربَ للمخدراتِ عقوبتُه القتلُ، ويُلحَق به الذي يَستورِدُها.

أما مروجُها تصنيعاً أو استيراداً، ففي المرةِ الأولى يعزَّرُ تعزيراً بليغاً حسبما يَقتضيهِ النظرُ القضائيُ، وإن تكررَ منه فيعزّرُ بما يقطعُ شرَه ولو بالقتلِ؛ لأنه بفعلهِ هذا يُعتبرُ من المفسدينَ في الأرضِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي كفَى ووقَى وهدَى، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ الهدى.

 

أما بعدُ: فيا أيُها الآباءُ والأولياءُ الذينَ استرعاهمُ اللهُ شباباً تتخطفهم فتنٌ وشهواتٌ: اعلموا أن أخطرَ العواملِ المؤديةِ إلى تعاطيْ الشبابِ للخمورِ أو المخدراتِ: هو نقصُ التربيةِ الشرعيةِ، إما بالقسوةِ، أو بالتدليلِ، أو الانشغالِ عن معرفةِ أحوالِ مراهقيكم، وقلةِ الجلوسِ إليهم، فيَبقَونَ نهباً للفراغِ القاتلِ، وللبطالةِ المقيتةِ، وإلى الرفقةِ الفاسقةِ الجالِبةِ للحبوبِ المنبهةِ، ثم المخدِّرةِ، ثم إلى ظلماتِ عالمٍ اسمهُ عالمُ الإدمانِ.

كما أن من أسبابِ انتشارِ المسكراتِ والمخدِّرات: بعضَ العمالةِ المتخلِّفةِ التي تريدُ الأموالِ بأيِّ طريقٍ كان!

يا فَلَذَاتِ أَكبادِنَا: أَيْقِنُوا أَنَّ طَرِيقَ المُخَدِّرَاتِ مُوحِشٌ ومظلمٍ وعالمٌ كَئِيبٌ، واحذرُوا الذئابَ أَيَّامَ الاِمْتِحَانَاتِ الذينَ يُهدُون حبوبًا يَزْعُمونَ كاذِبينَ أنها تُسَاعِدُ عَلَى التَّركِيزِ، واحذروا خوَنةً من بني جنسِكمْ؛ ربما كانوا جرّارين إلى خبثاءَ من شياطينِ الإنسِ.

 

فاللهم (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنا.

 

اللَّهُمَّ وفِّقْ واحفظْ رجالَ مكافحةِ المخدِّراتِ، وأطباءَ الإدمانِ، ورجالَ الجمَارِكِ، وأبطالَ الحدودِ.

 

اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.

 

اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.

 

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

المرفقات
nsvLomAyYe97l92L44CpjSyOyhZQhsrhKV6SrFq9.doc
Okmcrc67ZpUeHOR2uplxrz8hoWPaW2KVO82yCnA8.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life