عناصر الخطبة
1/الحكمة من وجود المحرمات وتحريمها 2/مكانة أكل الحلال والسعي إليه والأمر به 3/أثر الكسب الحلال على صاحبه 4/تكفل الله بالأرزاق 5/بم يتفاضل الناس؟ 6/سنسأل يوم القيامة عن النعيم

اقتباس

الكسبُ الحلالُ من أعظمِ العباداتِ، وخُروجُ المرءِ لِكَسْبِ الحلالِ عِبادَةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى اللهِ -جلَّ وعلا-، ألَم تَرَ إلى الصحابةِ لما جَلَسوا معَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوماً، فرَأوا رَجُلاً مُجتَهِداً في كَسْبِ رِزْقِهِ يَعملُ بجَلَدٍ وقُوَّةٍ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمدُهُ ونَستعينُهُ ونَستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ -تعالى- من شُرورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له جَلَّ عن الشبيهِ والـمَثيلِ والكُفْءِ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وخليلُه وخيرَتُهُ من خلقِهِ وأمينُه على وَحْيهِ، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلهِ الطيِّبين وأصحابهِ الغُرِّ الـمَيامين ما اتَّصَلَتْ عَينٌ بِنَظَر، و وَعَتْ أُذُنٌ بِخَبَر، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيُّها الإخوةُ الكِرام: خلَقَ اللهُ آدَمَ -عليهِ السلامُ- وأكرَمَهُ، وأسْجَدَ لَهُ ملائِكَتَه، ثم أسكَنَهُ جَنَّتَه، وجعلَ بينَ يديهِ ما تَلَذُّ لَهُ عينُه وتشتاقُ إليهِ نفسُه؛ من ثَـمَراتِ الجنةِ وخَيراتِـها ومائِها وخَمرِها وعَسلِها؛ فأباحَ لهُ أنْ يأكُلَ منها حيثُ شاء، إلّا شَجَرَةً بِعَينِها مَنَعَهُ منها؛ ولو شاءَ رَبُّنا -سبحانَهُ- ما أوجَدَها، لكنَّهُ تَرَكَها اختِباراً وامتِحاناً؛ حتى كانَ من أبينا آدمَ ما كانَ ثم هَبَطَ بعدَ ذلك إلى الأرض.

 

ومن رحمتِهِ -سبحانَهُ- أن جعلَ في هذهِ الدنيا للناسِ أنواعَ المطعوماتِ والمشروباتِ من النباتات والحيوانات؛ لكنَّهُ -سبحانَهُ- أحلَّ لهم منها أشياءَ، وحرَّمَ عليهم أشياءَ بعينِها. فلعَلَّكَ تتساءَلُ: لماذا حرَّمَها اللهُ علينا؟ فلماذا خُلِقَ الخنزيرُ؟ ولماذا وُجِدَ الخمرُ، ولماذا حُرِّمَ تناوُلُهما؟ ولو شاءَ اللهُ لما أوجدَهما.

 

الجواب: أنَّ اللهَ خلَقَها اختباراً وامتحاناً لبني آدم؛ ليُعلَمَ من يخافُهُ بالغيبِ، مـمَّن هو في ضلالٍ مُبين.

 

وقد أمَرَ اللهُ عبادَهُ ألّا يأكلوا ولا يَشربوا ولا يَلبَسوا إلّا حلالاً، فقال تعالى -مخاطِباً الرُّسُلَ وهم أفضلُ الخلقِ وخيرَتُهم-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم)[المؤمنون:51].

 

وقالَ مُخاطِباً المؤمنين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون)[البقرة:172].

 

وقال -جَلَّ وعلا- مخاطباً الناسَ جميعاً من المؤمنين وغيرِهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين)[البقرة:168].

فحَذَّرَ سبحانَهُ من الشيطانِ وخُطُواتِه، ومن خطواته: أن يُوقِعَ الإنسانَ في المحرماتِ والخبائِث، فلَرُبَّما أمَرَهُ أن يأكلَ أو يَشرَبَ منها، مع أنَّ الحلالَ بَينَ يديهِ كثير؛ فعن أبي هُريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم)[المؤمنون:51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة:172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟"(رواه مسلم).

 

وجعلَ سبحانهُ بينَ أيدينا حلالًا كثيراً، فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة:29]، وقال جل وعلا: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ)[غافر:64].

 

أيُّها الإخوةُ المؤمنون: الكسبُ الحلالُ من أعظمِ العباداتِ، وخُروجُ المرءِ لِكَسْبِ الحلالِ عِبادَةٌ يُتَقَرَّبُ بها إلى اللهِ -جلَّ وعلا-، ألَم تَرَ إلى الصحابةِ لما جَلَسوا معَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوماً، فرَأوا رَجُلاً مُجتَهِداً في كَسْبِ رِزْقِهِ يَعملُ بجَلَدٍ وقُوَّةٍ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ"(أخرجه الطبراني في المعجم).

 

فالرجلُ الذي عندهُ أولادٌ صغارٌ وقد خرجَ يشتغلُ ليَكسبَ المالَ ويُنفقَ عليهم فهذا في سبيلِ اللهِ ولهُ أجرُ الـمُجاهِد، ومثلُه من كانَ لهُ أبَوَينِ كبيرين يُنفِقُ عليهما، وكذلكَ من خرجَ يَسعى على نفسهِ فقط لِيُعِفَّها عن سؤالِ الناسِ فهو في سبيلِ الله؛ لذلكَ قَرَنَ اللهُ -تعالى- بينَ كسبِ الرِّزقِ وبينَ الجهادِ في سبيلِ الله، فقالَ سبحانَه: (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[المزمل:20]؛ فجعلَ رَبُّنا -جَلَّ في عُلاهُ- الضَّرْبَ في الأرضِ لكسبِ الرزقِ مُساوِياً أو مُقارِناً للجهادِ في سبيلِ الله.

قال الإمامُ المناوي في شرحهِ للحديث: "يعني أنهُ مُثابٌ مأجور، وذلكَ أنَّ كسبَ الإنسان للحلالِ هو تنفيذٌ لقولِ الله -جلَّ وعلا-: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)"[الملك:15].

 

لذلكَ لما رأى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- رجلاً جالساً في المسجدِ لوقتٍ طويلٍ ورَآهُ مِراراً قال: "ماذا يفعل هذا"؟ قالوا يتعبد. قال: "من ينفق عليه؟". قالوا: أخوه ينفق عليه. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أخوه خير منه"؛ فالأخ الذي يسعى في الأرض ويتكسب ليُنفق على نَفسِهِ وأخيه هو خير من أخيه؛ وإن كان أكثر قراءة أو صلاةً أو صوماً منه.

 

أيُّها الأحبَّةُ الكرام: أقبلَ بعضُ الناسِ وسألَ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- فأعطاهم، ثم جاؤوا من الغدِ فأعطاهم، ثم جاؤوا من الغدِ فأعطاهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ"؛ أي المالُ الذي يُعطى للسائلِ بدونِ تَعَبٍ أو مَشَقَّةٍ منهُ، ثم قال: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ؛ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى"(رواه البخاري ومسلم)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ"(رواه البخاري).

 

فالدِّينُ يـَحُثُّ على الكَسبِ عُموماً، لكنْ ضِمنَ إطارِ الحلالِ، فنحنُ مأمورونَ بأنْ نَتَكَسَّبَ سواءً أكانَ من تجارةٍ أو حِرفةٍ يدويةٍ أو تعليمٍ، أو غيرِها من صنائِعِ الناس، ولْيَحذَرْ المرءُ من أن يُدخِلَ إلى جيبهِ دِرهَمٌ من حرام؛ سواءً من رَشوةٍ أو سَرِقَةٍ أو احتيالٍ على الناسِ أو غيرِ ذلك مما حرَّمَهُ الله.

 

أيُّها المسلمون: كان الأنبياءُ -عليهم السلام- يَحرِصونَ على الكسبِ الحلال؛ فداودُ -عليه السلام- كان حَدَّاداً، وإدريسُ كان خيَّاطاً، ونوحٌ كان نجاراً، ونبينا -عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام- اشتغل راعياً، ثم بعد ذلك اشتغلَ في التجارة، وسافرَ لأجلها، وكان ينزِلُ إلى الأسواقِ يتكسَّبُ فيها؛ فليس عيباً أن يأكُلَ المرءُ من كسبِ يده، لكنَّ العيبَ أن يعملَ بشيءٍ من الحرام، أو يكونَ عالةً لا يَعتمِدُ على نفسهِ في كسبِ رزقهِ أو يِسألُ الناس.

 

ولما سُئِلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أطيبِ الكسب قال: "عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ"(رواه أحمد).

 

وكانَ نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- حريصاً على ألّا يأكلَ إلّا الحلالَ، ولا يَكسَبُ إلّا الحلال، ولِتُدْرِكَ هذا المعنى تأمَّلْ قولَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لَأَدْخُلُ بَيْتِي، وَأَجِدُ التَّمْرَةَ مُلْقَاةُ عَلَى فِرَاشِي، فَلَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا"(رواه البخاري ومسلم)؛ لأنَّ الصدقاتِ كانت تُجمَعُ في بيتهِ ضمنَ آنيةٍ، فربَّما أثناءَ وضعِها، أو رفعِها وقَعَت منها هذه التمرةُ، فهو غيرُ مُتأكِّدٍ هل هيَ من الصدقةِ أم لا؟ ومعَ ذلك يقول: أخشى أنَّها من تَمرِ الصدقةِ، فلم يأكُلْها.

 

ولما جُمعَ بينَ يديهِ -صلى الله عليه وسلم- تمرُ الصدقات، وأقبلَ الحسنُ وهو صبيٌّ صغيرٌ، وأخذَ تمرةً منها ووضعَها في فِيهِ، فقال -عليه الصلاة والسلام- له: "كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا" يعني أخرَجْها، ثم قام إليهِ وأدخلَ أصبُعَه في فمِهِ وأخرجَها، وقال: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ"(رواه البخاري ومسلم). ورَدَّها مع الصدقاتِ لأنَّه لا يجوزُ لأهلِ بيتِ النُـبُوَّةِ أن يأكلوا منها.

 

ولك أن تتخيَّلَ ولدَكَ الصغيرَ يُقبلُ إليك، ويأخذُ تمرةً من إناءٍ بينَ يديكَ ويضعُها في فمِه ثم تُخرجُها منه لا خوفاً عليهِ من مرضٍ أو أن يُغَصَّ بها كلّا! بل خوفاً عليه من الحرام. فتصوَّر كم من الألمِ سيعتصِرُكَ عند إخراجِكَ للتمرةِ من فيهِ مع علمِك برغبَتِه في أكلِها، ولربَّما يكونُ بين يديك -أحياناً- نوعٌ من الحلويات، ويدخلُ عليكَ بعضُ ولَدِكَ بعد أن تَفرغَ من أكلِها؛ فيقولُ لك: أما أبقيتَ لنا شيئاً؟ واللهِ إنَّك لتتألَّم! وتتمنَّى أن يَرجِعَ الزمانُ فَتُبْقِي لهُ شيئاً منها؛ لأنَّ أكلَ ولدِك وتلذُّذِه أحبُّ إليك من تلذذكَ بهذا الطعام.

 

ولك أن تتصوَّرَ شعورَ الصبيِّ، وهو ينظرُ إلى التمرِ ويرى الناسَ يحتَمِلون منه، وهو ممنوعٌ أن يأكلَ منه تمرةً؛ لكنه الحرصُ منهُ -صلى الله عليه وسلم- على ألَّا يأكلَ هو أو أهلُ بيتهِ إلّا الحلالَ الطيِّب.

 

أيُّها الأحبَّةُ في الله: الكسبُ الحلالُ إذا غَذَّى به المرءُ نفسَه وأولادَهُ بُورِكَ لهُ في جسدِهِ وفي ولدِه، لكنه إذا غذّاهم بحرامٍ، وأخذَ يجمعُ المالَ يميناً ويساراً، دونَ النظرِ إلى الحِلِّ والحرمَةِ؛ فأكلَ مالَ فلان، أو باعَ بيعاً محرماً كأن يبيعَ الدخانَ أو الآلاتِ الموسيقية أو المجلاتِ الفاسِدَةِ أو أخذ راتِبَهُ آخرَ الشهرِ كاملاً ولكنه لم يَقُمْ بالعملِ الموكَلِ إليه، فهذا لا شكَّ أنه من الكسبِ الحرام، فإذا غَذَّى بهِ المرءُ نفسَه وولدَه فارقَهُ التوفيقُ، ونُزِعَت البركةُ منه.

 

وكان بعضُ السلفِ إذا أرادَ أن يَخْرُجَ في الصباحِ قالت لهُ ابنتُه: "يا أبي اتَّقِ اللهَ فينا! فإننا نصبرُ على حَرِّ الجوعِ، ولا نصبرُ على حرِّ النار"؛ أي: لا تُطْعِمْنا حراماً.

 

كانَ والدُ أبي المعالي الجويني -إمام الحرمين- رجلاً عالماً، ويحرِصُ على الكسبِ الحلال، ويقولُ لزوجَتِه: أرضعي ولَدي ولا تَدَعي أحداً غيرَك يُرضِعُه، وأطعميهِ من البيتِ، ولا تُطعميهِ من خارجِ البيت؛ حرصاً على ألّا يأكلَ الولدُ إلّا حلالاً.

 

فدخلت امرأةٌ يوماً عليها، فذهبت أمُّه لتُحضِرَ ضيافةً لها، فبَكى الصبيُّ فأخذتهُ المرأةُ، وألقَمتهُ ثَديَها فرضَعَ منها، فأقبلت أمُّهُ بضيافَتِها فوضَعَت الطعامَ وجذبت الصبيَّ منها، وقالت: لمَ أرضَعْتِهِ؟! -وكان هذا الأمرُ عادياً ومما جرت به العادةُ عندَهم-. قالت: إنه بكى، فقالت: لو نادَيتِني، ولم تُرضعيه، ويلي من أبيه! ويلي من أبيه!. فلما أقبلَ الأبُ أخبرتهُ، فغضبَ وقال لها: "لماذا تركتيها ترضعه؟!" فلا نَدري عن كسبِ تلكَ المرأةِ وأكلِها أَمِنْ حلالٍ أو حرام.

ونشأَ أبو المعالي الجويني فأصبحَ عالماً من العُلَماء، ولكنهُ كان أحياناً أثناءَ المناظَرَةِ يَرتَجُّ عليهِ- أي: يَثقُلُ لسانُهُ ويلتبسُ عليه الكلام-، فكان يسكتُ ثم يقول: "أعوذُ باللهِ، تِلكَ من الشَّربَةِ المشؤومة! هذا من تلك الرضعةِ المشؤومة" فانظر كيف أثَّرَت فيه.

 

أيُّها الأحبَّةُ الكرام: قد تَكفَّلَ الله -سبحانَهُ- لكلِّ إنسانٍ وحيوانٍ بالرزق في أيِّ مكانٍ كان، قال تعالى: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)[هود:6].

 

ومِنْ عَجيب ما تَكفّل اللهُ بِه مِن الأرزاق ما نشاهدُهُ من اقترَب بعض الطيور من التمساحِ، فيفتحُ التمساحُ فمَهُ، إذا أوجعه ما تعلَّق بأسنانه مِن لحم الفريسة، فيدخلُ الطائرُ إلى داخلِ الفمِ ليأكلَ ما بينَ الأسنانِ رزقاً له، ثم يطيرُ والتمساحُ فاتِحٌ فمهُ لا يُؤذيهِ ينتظرُ أن ينتهيَ الطائرُ من رزقه، فيكون طعاماً للطائر، وراحةً للتمساح.

 

وقال حذيفة -رضي الله عنه-: قَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا النَّاسَ، فَقَالَ: "هَلُمُّوا إِلَيَّ"، فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَجَلَسُوا فَقَالَ: "هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جِبْرِيلُ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَأْخُذُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ"(رواه البزار).

 

ولا شَكَّ أنَّ الرزقَ مقسومٌ من الله -سبحانَهُ-؛ فعلى الإنسانِ أن يَقنَعَ بما آتاهُ الله، ولينظُرْ إلى من هو أسفلَ منهُ في النعمةِ والرِّزق، قال -صلى الله عليه وسلم-: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

فالرجلُ قد يسكنُ في شُقَّةٍ مُستأجرَةٍ فليَقُلْ في نفسهِ: الحمدُ للهِ أني أستطيعُ أن أدفعَ إيجارَها، فغيري لا يملكُ إيجارَ الشقة، وذاكَ الذي ليسَ لديه شقةٌ لكن عندَهُ غرفةٌ فليقل: اللهمَّ لك الحمدُ فغيري لا يملكُ إيجارَ غرفة، وربما باتَ في الشوارع، والذي عندهُ سيارةٌ قديمةٌ فليقل: ربِّ لك الحمدُ فغيري ليسَ عنده سيارة... فلا تَنظُرْ إلى من هو أرفعُ منكَ في أمرِ الدنيا بل انظرْ إلى من هو أسفلَ منك.

 

وقال صلى الله وعليه وسلم: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ"(رواه مسلم).

فقل: الحمد لله، فأنا قانعٌ بما آتاني الله، فلا تدفعني نفسي إلى كسبِ الحرام، وإياكَ أن تُسَوِّلَ لكَ نفسُكَ أن تكسِبَ حراماً بحجَّةِ: أنَّ الناسَ يُسافرون إلى الخارجِ ويتمتَّعون، وأنا أرقُبُهم فقط! فتبدأَ بجمعِ المالِ عن طريقِ الاحتيالِ أو بيعِ الحرامِ لأجلِ أن تستعملَه فيما حرمَ اللهُ أو فيما أحلَّه الله، قال تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه:131].

 

فمهما عاشَ الإنسانُ من عمرٍ أو عملَ من عملٍ فإنَّه سيحاسَبُ عليه. قال -صلى الله عليه وسلم-: " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ"(رواه الترمذي).

 

أسالُ اللهَ -تعالى- أن يَرزُقَنا رزقاً حلالاً طيِّباً، وأن يُبارِكَ لنا في أنفُسِنا وفي أموالِنا، اللهمَّ إنا نعوذُ بكَ من الفَقْرِ ومن الجوعِ ومن غَلَبَةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجال.

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على رسولِ الله.

 

أقولُ ما تَسمعون، وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ؛ إنَّهُ هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِه والشكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تَعظيماً لشأنه، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُه الداعي إلى رضوانِه صلى الله وسلم وبارَك عليه وعلى آلهِ وإخوانِهِ وخِلّانِه، ومن سارَ على نَهجِهِ، واقتفى أثرَهُ واستَنَّ بسنتهِ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

أيُّها الإخوةُ الكرام: إنَّ تفاضُلَ الناسِ ليسَ بمقدارِ أموالِهم أو مراكزِهم أو ألوانِ ثيابهم، أو أنواعِ سياراتِهم؛ إنما تفاضُل ُالناسِ بتقواهم وأخلاقِهم وحُسنِ تعامُلِهم.

 

والحاجةُ والفقرُ ليسا عيباً ولا نَقصاً؛ فكم مِن غَنِيّ ميسور لم يَستطِعْ أن يَشتريَ قلوبَ الناسِ فتُحِبَّه، ولم يَستطعْ أن يَستميلَ نفوسَهم إليه؟! وكم من إنسانٍ فقيرٍ استطاعَ بابتسامَتِه وطيبِ نفسهِ وصفاءِ قلبِه أن يَكسِبَ جميعَ الناس؟! ومَدارُ ذلك َكُلِّهِ التقوى، قال -جَلَّ وعلا-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات:13].

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"(أخرجه أحمد).

 

فالمالُ والولدُ لا يُقَرِّبا إلى اللهِ -تعالى- زُلفى، إنما يُقَرِّبُ المرءَ إلى ربِّه الإيمانُ والعملُ الصالح، قال جلَّ وعلا: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا)[سبأ:37].

 

ولا يَعني هذا ألّا يَكسِبَ الناسُ المالَ أو يجمعوه! بل من استطاعَ أن يجمعَ الأموالَ فليَفعَلْ ما دامَ أنه في حلال، والمؤمنُ الغَنِيُّ القَويُّ في مالهِ وفي جَسَدِهِ وفي إيمانهِ أحبُّ إلى اللهِ -تعالى- من المؤمنِ الضعيفِ وفي كُلٍّ خَير.

 

ولْيَحذَرِ المسلمُ من الكسبِ الحرامِ وازدِراءِ نِعمَةِ اللهِ عليهِ ولا يَقُلْ: ما عندي إلّا كذا، وغيري أحسنُ مني! كلّا بل يَحمدِ اللهَ -تعالى- على النعمةِ التي هو عليها.

 

ولْيَتَذَكَّرْ إنْ كان قد أصابَهُ الجوعُ؛ فقد أصابَ من هو خيرٌ منهُ حبيبَنا وسيِّدَنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟"، قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا"، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيْنَ فُلَانٌ؟ " قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ؛ إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ"، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ"(رواه مسلم).

 

وفي روايةٍ عند غير مسلم:- أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- لما أكلَ أخذَ قطعةَ خبزٍ، ووضعَ فيها شيئاً من اللحم، ثم لَفَّها، ودفعَها إلى رجلٍ منهم، وقال: "اذهبْ بهذا إلى فاطمةَ، فإنَّها لم تَذُقْ ذَوقاً منذُ ثلاثةِ أيام!" ثم جعلَ -صلى الله عليه وسلم- ينظرُ ويقول: "واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

نعم... واللهِ لَنُسْأَلَنَّ عن هذا النعيمِ يومَ القيامة.

 

إذا وقَفتَ عند بقالَةٍ واشترَيتَ حَلَوياتٍ وعصائِرَ لأبنائِكَ وأخذتُم تأكلونَ منها، فقل: واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.. إذا دخلتَ إلى مَحَلِّ خياطَة ملابِسَ، وقال لك العاملُ: هذا ثوبٌ بخمسين، وهذا ثوبٌ بمائة، فقلتَ: أعطِني الثوبَ الذي بمائة؛ لأنَّه أحسنُ فقل: واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.. وإذا كنتَ تتكلمُ بالهاتفِ الجوال، ولا تنظرُ كم يَصرفُ ثم تنتهي المكالمة، وتُسّدِّدُ آخرَ الشهرِ ألفاً وألفين والأمرُ عندكَ سهلٌ فقل: واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.. وإذا كنتَ تدخلُ إلى بيتِكَ والطقسُ حَارٌّ في الخارج، فتستخدمَ جهازَ التكييفِ البارد، وتجلسُ في جَوٍّ جميلٍ، فقل: واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.. إذا كنتَ تَصِلُ إلى بيتِك وترى زوجةً وولداً وطعاماً حاضراً، وأنتَ آمِنٌ على نفسِك ومالِك وولدِك من أن يُصيبَكَ مكروهٌ؛ كما يَقَعُ في عديدٍ من البُلدانِ، فقُلْ: واللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

 

أيُّها المؤمنون: إذا اتَّقى الإنسانُ رَبَّهُ -جَلَّ وعلا-، وعَلِمَ أنَّهُ مُحاسَبٌ على ما يَدخُلُ إلى بطنهِ، ومُحاسَبٌ على مالِهِ، سَعى في كسبِ الحلالِ وسألَ اللهَ -تعالى- أن يَرزُقَه إيَّاه، ولَأنْ يَجوعَ الإنسانُ ويَصبرَ ويدعو اللهَ بالرزق خيرٌ له من أن يَمتلِأَ حسابُهُ بالأموالِ التي أخذَها من الضُّعَفاءَ والمساكينَ بالحيلةِ والكسبِ الحرام.

 

أسألُ اللهَ -جلَّ وعلا- أن ينفعَنا وإيَّاكم بما سَمِعنا، ويَرزُقَنا حلالًا طيباً، اللهمَّ وَسِّعْ علينا في أرزاقِنا بالحلال، اللهمَّ بارِكْ لنا في صَفقَةِ يَـميننا.

 

اللهمَّ وفِقنا لفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحُبِّ المساكين.

 

اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان

 

اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين.

 

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

 

اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما صليتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ؛ كما باركتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، إنَّكَ حميدٌ مجيد، سبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

المرفقات
الكسب-الطيب.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life