الفرق بين أخلاق المؤمنين وأخلاق المنافقين

عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ أقسام الناس حيال الشريعة 2/ أخلاق المؤمنين وما يضادّها من أخلاق المنافقين 3/ خوف السلف الصالح على أنفسهم من النفاق 4/ التحذير من الدعوة للضلال 5/ هجومُ إعلامِ مُنْتَظِرِي الإمامِ الغائبِ المتوهَّم على الإسلام
اهداف الخطبة

اقتباس

عندما ينظرون إلى مناهج الأمة يزعمون أن مناهج تعليمها إذا ارتبطت بالإسلام والعقيدة فهذا مصدر الإرهاب والإزعاج، وحاشا وكلَّا! فالأمة إذا رُّبيت على أخلاق دينها، ومناهج إسلامها فهي بعيدة كل البعد عن الإرهاب والفتن؛ لأن دين الإسلام يربي على اجتماع الكلمة، والإخلاص، والصدق، وتعاون الأمة فيما بينها؛ ومن يزعم أن المناهج الإسلامية هي السبب في الإرهاب والسبب في ..

 

 

 

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. 

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عبادَ الله: بعَث الله عبده ورسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، بعثه بشيراً ونذيراً برسالة عامة لجميع الخلق، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ:28]، بعثه الله ليجدد به ما درس من ملة الخليل -عليه السلام-، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:123]، بعثه الله بهذا الدين القويم فأكمل به الدين، وأتَمَّ به النعمة، ورضي به الإسلام دينا.

أيها المسلم: والناس حيال هذه الشريعة على أقسام ثلاثة، فمنهم مؤمن ظاهر الإيمان وباطنه، مؤمن بقلبه ولسانه، مؤمن سراً وعلانية، شرح الله صدره للإسلام فاستقام عليه، واستنار بنور الإيمان، قال تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر:22]؛ وكافر معاند، أعلن كفره وعداءه للإسلام وأهله؛ ومنافق تظاهر بالإسلام، ولكنَّ الأقوال والأعمال ضد الإسلام وتعاليمه.

وهذا الضرب من الناس، أعني المنافق، أضر على الإسلام من كافرٍ مُعْلِنٍ كفره؛ لأن هؤلاء متلبسون بالإسلام والمسلمين يعيشون بينهم، ولكن يعلم الله ما في قلوبهم من الفساد والشر، والنفاق عَمَلٌ قَلبيٌّ، ولا يعلم ما في القلوب إلا علَّامُ الغيوب، ولكن الله -جل وعلا- يُظهِر على فلتات ألسنتهم وتصرفاتهم ما يدل على نفاقهم، قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد:30].

أيها المسلمون: وإنَّ الله -جل وعلا- بيَّن في كتابه العزيز أخلاقَ المؤمنين، وصفاتِهم الحميدةَ من البِرِّ والصِّدقِ وسائرِ الأعمال؛ ليرغِّبَ الناس فيها، ويحثَّهم عليها، وأوضح أخلاق المنافقين، وبيَّن صفاتِهم وأعمالَهم؛ ليكون المسلم على حذر منها.

أيها المسلم: من أخلاق المؤمنين الصدق والإخلاص، فأهل الإيمان مخلصون لله أعمالهم، صادقون في إيمانهم، قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177]، وقال تعالى: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب:23]، وقال تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:146].

أما المنافقون فأخلاقهم متلونة، كذب وخداع وتضليل، قال الله جل وعلا: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1]، أبطنوا الكفر والضلال وتظاهروا بالإسلام، أبطنوا الشر والفساد وتظاهروا بالخير والصلاح، والله يعلم ما انطوت عليه قلوبهم من الشر والفساد.

من أخلاق المؤمنين محبة الله ورسوله، ومحبة دينه، والرضا بذلك، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285]، فهم يحبون الله ورسوله وكتابه، ويرضون بأحكامه، وتطمئن نفوسهم بذلك، يقبلون أحكام الله، ويتحاكمون إلى شرع الله، ويرضون بأحكام الله، قال -جل وعلا-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].

أما غيرهم من المنافقين فهم لا يرضون بأحكام الله، ولا يقبلونها، ويرون فيها الظلم والجور على زعمهم الباطل، وإذا دُعوا إلى أحكام الشرع رفضوا ذلك، قال -جل وعلا-: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [النور:48-50]، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء:60-61].

من أخلاق المؤمنين قناعتهم بشرع الله، ورضاهم بذلك، واعتقادهم الحق أن طريق المؤمنين هو الطريق المستقيم، والمنهج القويم، والصراط الذي هداهم الله له؛ أما غير المؤمنين فإنهم يرفضون طريقة المؤمنين، ويفضَّلون أحكام غير الشرع على الشرع، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [النساء:51-52].

من أخلاق المؤمنين أنهم أمَرَةٌ بالمعروف، ينهون عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق عظيم لهذه الأمة، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَر) [آل عمران:110]، فهم يأمرون بالمعروف، بكل ما يحبه الله ويرضاه، وينهون عن المنكر، عن كل ما يبغضه الله ويأباه، قال الله جل وعلا: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [التوبة:71]، وقال عن المنافقين: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ) [التوبة:67]، وإذا تليت عليهم الآيات وذُكِّروا أعرضوا، قال جل وعلا: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [الحج:72].

من أخلاق المؤمنين فرحهم بعز الإسلام، وانتصار المسلمين، وقوة المسلمين، وانتظام شمل المسلمين، قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم:4-5]، وغير المؤمنين المنافقون يكرهون عز الإسلام، ويفرحون بذل المسلمين، كما قال تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ) [التوبة:50].

من أخلاق المؤمنين احترام بعضهم بعضا وموالاة بعضهم بعضا وتأدبهم في ألفاظهم، قال -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، وأخبر عن المنافقين وسخريتهم بالمسلمين بقوله تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة:14]، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [التوبة:79].

من أخلاق المؤمنين حرصهم على الطاعة، وفرحهم بها، وقيامهم بها، لا سيما الصلوات الخمس، فأهل الإسلام يفرحون بها، ويؤدونها في أوقاتها، مطمئنة بها نفوسهم، يقبلونها، ويحبونها، ويفرحون بها؛ بخلاف المنافق، فإنه لا يحب الصلاة، وإن أتاها ففي كسل وخمول وعدم رغبة، قال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة:54].

من أخلاق المؤمنين موالاة المؤمنين، والوقوف مع الإيمان في السراء والضراء، ولا يقفون مع الأعداء، بخلاف المنافقين، فهم مع أعداء الأمة من اليهود والنصارى، مع أعداء الأمة في كل زمان ومكان، أقلامهم وألسنتهم وتصرفاتهم كلها ضد الإسلام وأهله، قال جل وعلا: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الحشر:11]، وقال تعالى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر:14]، فهم مع أعداء الأمة ضد الأمة وتوجهاتها وضد أخلاقها وقيمها وأمنها واستقرارها لما في قلوبهم من مرض النفاق.

ومن أخلاق الأمة الإسلامية ثباتهم على مبدئهم، وأنهم ثابتون على عقيدتهم، مستقيمون عليها، لا ينحرفون عنها؛ امتثالاً لقوله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود:112]؛ أما المنافق فَمُذَبْذَبٌ بين هؤلاء وهؤلاء، كما قال تعالى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ) [النساء:143].

ومن أخلاق المؤمنين الرحمة والمودة والتعاطف فيما بينهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثَل المؤمن في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، أما المنافقون فمُتَفَرِّقون، كما قال الله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) [التوبة:67]، فليسو أولياء، ولكن اجتمعوا على الباطل، نسأل الله السلامة والعافية.

ومن أخلاق المؤمنين المحافظة على هوية الإسلام، وعلى مبدأ الإسلام، وعلى اجتماع الأمة، وعلى عقيدة الإسلام؛ بخلاف المنافق، فهو يسعى لطمس هوية الإسلام، وتغريب الأمة، وإبعادها عن دينها، نسأل الله السلامة والعافية.

أمة الإسلام: كان سلفنا الصالح يخافون النفاق على أنفسهم، مع إيمانهم الصادق وجهادهم في سبيل الله، فعمر -رضي الله عنه- أمير المؤمنين يسأل حذيفة بن اليمان: أسألك يا حذيفة بالله! هل عدَّني لك رسول الله من المنافقين؟ قال: لا، ولا أزكِّي أحداً بعدك. كُلُّ هذا من عمرَ كان حرصاً على دينه، وخوفاً من أن يلتبس النفاق مع إيمانه، وأنه أحد العشرة المبشرين بالجنة -رضي الله عنه وأرضاه-، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أيها المسلم: إنك إذا تأملت حال المنافقين في مواقفهم، في أقلامهم وكتاباتهم، فيما يقولون وينشرون ويتحدثون، تبين لك شيء عظيم من هذا البلاء العظيم، هذا النفاق الذي تمكن في قلوب بعض الناس -ردهم الله للصواب، وهدانا وإياهم صراط الله المستقيم- تجده واضحاً في أمور كثيرة، فعندما يعرض أولئك لقضايا الأمة الإسلامية يعرضونها على غير المنهج الصحيح، وعلى غير هدى، ويحاولون بيان أنَّ قضايا الأمة لا ارتباط لها بدينها، ولا صلة لها بإسلامها، وكل هذا من الخطأ، فقضايا الأمة الإسلامية يجب أن تنبع من دينها، وأخلاق إسلامها.

عندما ينظر هؤلاء إلى الشريعة الإسلامية ينظرون إليها نظر القصور والنقص، ويقولون شريعة مضت ومضى زمنها، وليست مؤهلة لأن تقود البشرية، وإنما الأمة بحاجة إلى إحداث نظم جديدة تحل محل هذه الشريعة. وهذا كله من الزيغ والضلال؛ فإن الله أكمل هذا الدين وجعله دينا كاملاً باقياً للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فمَن زعم نقصاً في هذا الدين، أو عدم كمال فيه، أو عدم تطابقه بالواقع، أو عدم قدرته لحل المشاكل، فإما أن يكون قصوراً في علمه، وإما أن يكون نفاقاً في قلبه، يتصور ويظنُّ الباطل والضلال حقاً، نسأل الله السلامة والعافية.

عندما ينظرون إلى مناهج الأمة يزعمون أن مناهج تعليمها إذا ارتبطت بالإسلام والعقيدة فهذا مصدر الإرهاب والإزعاج، وحاشا وكلَّا! فالأمة إذا رُّبيت على أخلاق دينها، ومناهج إسلامها فهي بعيدة كل البعد عن الإرهاب والفتن؛ لأن دين الإسلام يربي على اجتماع الكلمة، والإخلاص، والصدق، وتعاون الأمة فيما بينها؛ ومن يزعم أن المناهج الإسلامية هي السبب في الإرهاب والسبب في الفساد فهذا تصورٌ خاطئ، وضعف بصيرة، وقلة حياء.

إذا نظروا إلى قضية المرأة نظروا إليها نظرة سيئة، يريدون من المرأة أن تكون سافرة، وأن تكون مختلطة بالرجال، وأن يُنزع الحياء منها، يُنزع جلباب الحياء والخوف من الله من نفسها، ويصيِّرونها كالمرأة الغربية في انحلال أخلاقها، وانحطاط قيمها وكرامتها، هكذا يسعى من لا دين له ومن لا خوف عنده من الله، يغيظه أن يرى المسلمة متمسكة بحجابها، بدينها، بأخلاقها، بعقيدتها؛ يريدون الفصل بينها وبين دينها، يريدونها امرأة لا ترتبط بدين ولا خلق ولا قيم، وهذا كله من المغالطات، نسأل الله السلامة والعافية.

أيها المسلم، أيها الكاتب، أيها الناشر، اتق الله فيما تقول واعلم أن الله محاسبك عن كل لفظة خطَّها قلمك، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، وفي الحديث "إن العبد ليتكلم الكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتم الله بها سخطه إلى يوم يلقاه".

يا أيها المنتقد تعاليم الشريعة، بدعوى حرية الرأي، وحرية النشر، اتق الله فيما تقول، واحذر أن تكون داعياً إلى الضلال من حيث لا تشعر، احذر أن تكون داعياً للضلال من حيث لا تشعر، واعلم أن الأمة إنما عزها وكرامتها في تمسكها بدينها، واجتماعها على ذلك؛ وأن شقاءها وذلها إنما هو بعدها عن دينها، كما قال تعالى: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:123-124]. فلنسخِّر أقلامنا وكتاباتنا وما ننشر وما نقول في خدمة هذا الدين، ونصر قضايا الأمة، على أسس من هذه العقيدة السليمة، والأخلاق القويمة.

يا من تظاهروا بالإيمان وموالاة أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كل المسلمين يحبون رسول الله ويحبون آل بيته، ويترضون عنهم، ويرون لهم قدراً وقيمة، قال تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى:23]؛ ولكن، نقول لهؤلاء: اعلموا أن ديننا دين حق وهدى، أكمله الله وأتمه؛ فأولئك الذين رفضوا الإسلام بدعوى أن هناك إماماً غائباً سيأتيهم، ويصحح أوضاعهم، ويقيم لهم شرعاً -كما يزعمون-، كل هذه من المغالطات والأكاذيب، فديننا كامل بإكمال الله له، أكمله الله، وأتم به النعمة، ورضيه لنا دينا؛ ومحمد -صلى الله عليه وسلم- بلَّغَ رسالاتِ الله، وما قبضه الله إلا وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.

فمن زعم أن ديننا ناقص، وأن هناك وهماً وشخصاً غائباً يأتي ليصحح ديننا، وليقيم إسلامنا، وليدلنا على الطريق، كل هذا كذب، وكل هذا افتراء، وكل هذا ضلال؛ إن ديننا الإسلام دين حقٍّ، بلَّغَه رسول الله أصحابَه، وبلغه أصحابُه مَن بعدهم، وتوارثته الأمة الإسلامية خلفاً عن سلف، دين محفوظ بحفظ الله، كتاب الله حفظه الله من أيدي العابدين، كما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، وهذا المصحف بأيدينا أجمع عليه المسلمون إجماعاً قطعياً، ومن زعم نقصه أو أن فيه نقصاً أو نحو ذلك فهذا ضلال مبين.

إن ديننا ليس مربوطاً بشخصيات وهمية لا حقيقة لها، ديننا كامل ولله الحمد، بلَّغَه محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه، وبلغه أصحابُه مَن بعدهم، ونحن سائرون على هذا الدين القويم، فمن ادعى أن هناك نقصاً في الدين، وقصوراً في الدين، إلى أن يأتي ذلك الغائب الوهمي الذي يعلق عليه أولئك آمالهم كما يزعمون، فكل هذا ضلالٌ وزيغٌ وبُعدٌ عن طريق الله المستقيم.

فلنكن -إخواني جميعاً- أهل إسلام صحيح، نتمسك بديننا، ونوالي أولياء الله، ونحب أصحاب رسول الله، وندعو لهم بالرحمة والرضوان، كما بلغونا شرع الله، ونقلوا لنا دين الله. إن هؤلاء يسخِّرون إعلامهم للهجوم على الإسلام، وعلى عقيدة المسلمين، وعلى أمن الأمة، وعلى سلامتها، تحت ستار موالاة أهل بيت رسول الله، وكل ذلك كذب وخطأ، فأصحاب رسول الله وآل بيته مع الأمة المسلمة في عقيدتها وانتظامها، وليس لهم بهؤلاء صلة، وإنما هؤلاء مفترون كاذبون دجالون، يريدون الباطل، ويريدون للأمة أن يُتسلَّطَ عليها، وهم مع كُلِّ عَدُوٍّ يناوئ الأمة، ويُفْسِدُ شأنَها، ويسفك دماءها؛ فالحذرَ الحذرَ من أولئك! ولنعتقد أن دين الإسلام دين حق كامل، ليس بحاجة إلى هؤلاء وآرائهم الضالة، نسأل الله السلامة والعافية.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ،

أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى. اتقوا الله في إسلامكم، اتقوا الله في إيمانكم، اتقوا الله في أقوالكم وأعمالكم، انصروا الله في أقلامكم -أيها المسلمون-، وانصروا الله في أفعالكم؛ وما منا أحد إلا على ثغر من ثغور الإسلام، فاللهَ اللهَ أن يُؤتى الإسلام من قِبَلِه!.

فيا أيها الكاتب! ويا أيها الناشر! ويا أيها المتحدث! كن جندياً لله، كن مخلصاً لله في أقوالك، خُطَّ بيمينك ما ينصر الحق، ويخذل الباطل، ويبين الحق؛ خط بيمينك ما فيه عز للإسلام وأهله، قابل هذا الإعلام الجائر الضال الزائغ الذي يريد تفريق الأمة وإذلالها، والتسلط على رموزها السابقة، على أصحاب رسول الله، قابلهم بالرد على هذه المفتريات الباطلة، والآراء الشاذة التي يريدون بها الحط من قدر أولئك القوم السابقين الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

هؤلاء أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- محبتهم دين، وموالاتهم دين، وبغضهم نفاق، نعوذ بالله من سوء الحال، ونسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة عليه، إنه على كل شيء قدير، نسأله أن يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يجمع كلمة الأمة، ويوحد صفوفها، ويعيذها من شرور أنفسها والشيطان؛ نسأله أن يبصر الأمة في واقعها، وأن تعود إلى رشدها، وأن تجتنب هذه الفتن والمصائب والبلايا، التي -وللأسف الشديد- سُفكت فيها دماء الأبرياء، وانتُهكت فيها الأعراض، ونهبت فيها الأموال، وعاث الناس في دمائهم، تحت شعارات باطلة، وآراء ضالة، نسأل الله أن يوحد كلمة الأمة على الحق والهدى، وأن يجمع قلوبهم على طاعته، وأن يحقن دماءهم، ويحفظ بلادهم، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ؛ وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذّ شذَّ في النار؛ وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك، يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُرْ عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح وُلاةَ أمرِنا، اللهم وفِّقْهُم لما فيه صلاح الإسلامِ والمُسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً ونصيراً، اللهم أعِنْه وامنحه الصحة والسلامة والعافية، اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبد العزيز لكل خير، اللهم سدده في أقواله وأعماله، اللهم وفق النائب الثاني وأعِنْه على مسئوليته إنك على كل شيء قدير.

اللهم أعذنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجمع كلمة المسلمين على طاعتك، ووحد صفوفهم، واربط على قلوبهم، وأعنهم على مصالح دينهم ودنياهم إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].

اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين، اللَّهمَّ أغثنا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم، واشكروه على عُموم نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 

 

المرفقات
الفرق بين أخلاق المؤمنين وأخلاق المنافقين.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life