عناصر الخطبة
1/لله حكمة في إنزال البلاء 2/بعض أسباب تفريج الهموم 3/الأمل في فرج الله يعزي النفوس ويهوِّن الشدائد

اقتباس

ألَا وإنه يجب الالتزامُ التامُّ بكافة الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الجهاتُ المختصةُ والتعاونُ معها على ذلك، تعاونًا على البر والتقوى، وطاعةً لولي الأمر، وتحقيقًا للمقاصد الشرعية، وأخذًا بالأسباب الوقائية، وحفاظًا على الأنفس، وحرصًا على ما فيه السلامةُ من كل داء، والنجاة من كل بلاء...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله كاشِفِ الغمِّ، ورافع البلاء، مُسدِي النعماء، أحمده -سبحانه- على السراء والضراء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، المقصود بدفع الضُرّ والبأساء، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، سيد البرَرَة الأتقياء، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمد وعلى آله وصحبه، الأئمة النجباء، وسلِّم تسليمًا كثيرًا، مادامتِ الأرضُ والسماءُ.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أيها المسلمون: صروف الليالي وتقلُّب الأيام يُعقبانِ المرءَ تبدُّلَ أحوال، ونزولَ شدائد، وحلولَ كَرْب، يتخلَّلها من الغموم والهموم ما يستحوذ على صاحبها، ويسوؤه في نفسه أو ولده أو جسمه أو صحته وعافيته، أو عِرْضه، أو ماله، أو بلده، فيضيق بها صدرُه، ويلتمِس تفريجَها وكشفَ ضُرِّها فيذكر قولَ ربه الأعلى -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْأَنْعَامِ: 17].

 

ويذكر قولَه -عزَّ اسمُه-: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الْأَنْعَامِ: 63-64]؛ فيستيقن أنه -سبحانه- المنجِي من كل كرب، الكاشف كل ضُرّ، المغِيث لكل ملهوف، فيتوجَّه إليه بالدعاء متضرِّعًا مخلصًا خاشعًا خاضعًا، مخبِتًا متحرِّيًا أوقاتَ الإجابة، مستيقِنًا إجابةَ دعوته، امتثالًا لقوله -عز وجل-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، راجيًا أن يفرِّج كربَه ويكشِفَ غمَّه ويُذهِب همَّه، ويتوسَّل إليه -سبحانه- بما كان يتوسَّل إليه به نبيُّه -صلى الله عليه وسلم- من جوامع الدعاء، كما في الحديث الذي (أخرجه الترمذي في جامعه بإسناد حسن)، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كرَبَه أمرٌ يقول: يا حيُّ يا قيومُ برحمتِكَ أستغيثُ".

 

وفي (صحيح الإمام البخاري) -رحمه الله- عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند الكَرْب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم".

 

ومن ذلك المداوَمة على دعاء نبي الله يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، فقد (أخرَج الحاكمُ -رحمه الله- في مستدركه بإسناد صحيح)، عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دعوةُ ذي النون إِذْ دعا وهو في بطن الحوت: لَا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَكَ إنِّي كنتُ من الظالمينَ، لم يدعُ بها مسلمٌ في شيء قطُّ إلا استجاب اللهُ له بها"؛ وذلك مصداقًا لقوله -سبحانه-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 88].

 

وكان من هديه -عليه الصلاة والسلام- الفزعُ إلى الصلاة عند النوائب، ففي (سنن أبي داود بإسناد حسن)، عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزَبَه أمرٌ صلَّى"؛ أي: إذا نزَل به أمرٌ مُهِمٌّ أو أصابَه همٌّ أو غمٌّ فَزِعَ إلى الصلاة؛ لأنها -كما قال أهل العلم- حصنُ المسلمِ، وملجؤه الذي يأوي إليه، والعروة الوثقى التي يعتصم بها، والحبل الممدود بينَه وبينَ ربه، وهي غذاء الروح، وبَلْسَم الجروح، ودواء النفوس، وإغاثة الملهوف، وأمان الخائف، وقوة الضعيف، وسلاح الأعزل.

 

ومِنْ أعظمِ ما يُرجى لتفريج الكربة ورفع الشدة عند البلاء الإيمانُ بالله -تعالى- والمسارَعةُ إلى مرضاته، وقوة اللُّجْأ إليه، وصِدْق التوكل عليه، وحُسْن الثقة به، والإيمان برسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتباع سُنَّته، واقتفاء أثره، وتقديم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعينَ، والإكثار من الدعاء والإلحاح فيه، ومن الاستغفار والصدقة وتلاوة القرآن، والتوبة، والمداوَمة على قول: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، فقد ثبَت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في (سنن أبي داود والترمذي بإسناد صحيح)، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قال: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرض ولا في السماء لم يضرَّه شيءٌ حتى يصبح، ومن قال: بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمِه شيءٌ في الأرض ولا في السماء لم يضرَّه شيءٌ حتى يُمسِيَ"، ومن ذلك المداوَمة على هذا الدعاء في الصباح والمساء.

 

ألَا وإنه يجب الالتزامُ التامُّ بكافة الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الجهاتُ المختصةُ والتعاونُ معها على ذلك، تعاونًا على البر والتقوى، وطاعةً لولي الأمر، وتحقيقًا للمقاصد الشرعية، وأخذًا بالأسباب الوقائية، وحفاظًا على الأنفس، وحرصًا على ما فيه السلامةُ من كل داء، والنجاة من كل بلاء، واعتمادًا وتوكُّلًا في كل ذلك على خالق الأرض والسماء، القائل -سبحانه-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يُونُسَ: 107].

 

نفعني الله وإياكم بهَدْي كتابِه، وبسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافة المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخِرين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ فيا عبادَ اللهِ: إن ممَّا يُعَزِّي النفوسَ عند نزول الشدائد، وحلول المحن، ويصرِف عنها موجةَ الألم لفواجعها ونكباتها، الأملَ في فَرَجِ اللهِ القريبِ، والثقة في رحمته وعدله؛ إذ هو -سبحانه- أرحم الراحمين، ومن رحمته لعباده أنه لا يتابِع عليهم الشدائدَ، ولا يُكرِثُهم بكثرة النوائب، بل يُعقِب الشدةَ بالسعة، والابتلاءَ بالرحمة وسابغ النعماء، كما قال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6]، فقد تكرَّر اليسرُ بعد العسر مرتينِ، ولن يغلِب عسرٌ يسرينِ، وحيثما وُجِدَ العسر على تنوُّع ألوانه، واختلاف دروبه، وُجِدَ إلى جانبه يسرٌ يُنَفِّس الكربةَ، ويَجْبُر القلبَ، ويواسِي الجراحَ، ويُنسي الآلامَ، ويُذهِب الأحزانَ خاصةً حين يلجأ المؤمنُ في شدته وبلائه إلى ربه، ويسأله -سبحانه- أن يبدِّله من بعدِ شدتِه رخاءً، ومن مجالِب أحزانه وبواعِث همِّه فرجًا ويسرًا وعافيةً، فاتقوا الله -عباد الله- واستيقِنوا بالفرج القريب من الله الرحيم الرحمن، فما الشدائد والابتلاءات والمحن إلا خطوةٌ على الطريق إلى تحسين الأحوال، وقفزةٌ إلى رخيِّ العيشِ، وبلوغِ الآمالِ، مع ما فيها من تمحيص وتكفير للسيئات ورفع للدرجات.

 

ألَا واذكروا على الدوام أن الله -تعالى- قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خير الورى، فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة والتابعينَ، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، والتابعينَ ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معَهم بعفوكَ وكرمكَ وإحسانكَ يا خيرَ مَنْ تجاوَز وعفَا.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وَاحْمِ حوزةَ الدين، ودَمِّرْ أعداءَ الدين، وسائرَ الطغاة والمفسدينَ، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّدْ صفوفَهم وأصلِحْ قادَتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.

 

اللهم انصر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّكَ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعبادَك المؤمنين المجاهدين الصادقين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيئ له البطانة الصالحة، ووفِّقْه لما تحب وترضى يا سميع الدعاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، يا مَنْ إليه المرجِع يومَ المعاد، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنتَ خيرُ مَنْ زكَّاها، أنتَ ولِيُّها ومولاها، اللهم إنَّا نعوذ بكَ من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفجاءة نقمتِكَ، وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام، اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام، اللهم قنا واصرف عنا كل داء ووباء وبلاء، اللهم اصرف عنا كل داء ووباء وبلاء، اللهم اصرف عنا كل داء ووباء وبلاء، يا رب العالمين.

 

اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالَنا، واختم بالصالحات أعمالَنا، ربَّنا ظلمَنا أنفسَنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات
الفرج-بعد-الشدة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life