عناصر الخطبة
1/أهمية العلم النافع 2/شدة الحاجة إلى تعلم العلم النافع 3/أهمية تعلُّم العلم وتعليمه 4/من صفات طالب العلم 5/من أهم ثمرات العلم النافع.

اقتباس

تقبل ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والنور، وانفع الناس بما أكرمك الله به، فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، تذكّر فضل العلم النافع، وفضل العالِم الذي نفعه الله بعلمه، وفضل...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، خلق فقدّر ودبّر فيسّر، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإنه لا طريق إلى معرفة الله، وإلى الوصول لرضوانه والفوز بجناته، إلا بالعلم النافع، الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتَدى في ظلمات الجهل والشكوك، ولهذا سمَّى الله كتابه نورًا، لأنه يُهتدى به في الظلمات الحسية والمعنوية؛ قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة: ١٥ – ١٦]، وقال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ)[التوبة: ٣٣]؛ فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح.

 

وفي صحيح البخاري عن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدين"، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة".

 

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ مثل ما بعثني الله -عز وجل- به من الهدى والعلم، كَمثل غيث أصاب أرضًا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشْب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مَثُل مَن فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به، فعلِم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

 

فيا أخي المسلم: كن أرضًا نقية طيبة، تقبل ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والنور، وانفع الناس بما أكرمك الله به، فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، تذكّر فضل العلم النافع، وفضل العالِم الذي نفعه الله بعلمه، وفضل طالب العلم، حتى تكون نشيطًا في تقبُّل هذا الهدى، وقويًّا في الصبر على تحصيله، وحتى تكون جادًا في تعلُّم العلْم وتعليمه، بصدق وإخلاص.

 

وتذكَّر ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، والسلف الصالح، في الإيمان والعمل والابتلاء، وما عليه أعداء الإسلام من صدٍّ عن دين الله وكيد له، وما سجّل عليهم من مثالب وفضائح شنعاء، منها ما هو يقرأ في كتاب الله، ومنها ما هو في خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، ومنها ما بيَّنه العلماء.

 

واعلم -رحمك الله- أن من صفات طالب العلم: أن يكون صموتًا عما لا يعنيه، متذللاً لربه، متواضعًا لعباده، متورعًا، متأدبًا، لا يبالي ظهر الحق على لسانه أو لسان غيره، لا ينتصر، ولا يفتخر، ولا يحقد، ولا يحسد، ولا يميل به الهوى إلى زينة الدنيا، يُقيِّد العلْم بالحفظ والكتابة، ويجتنب المعاصي، ويجني ثمار العلم بالتطبيق، وفي الأثر: "من عمل بما علم ورَّثه الله علم ما لم يعلم"؛ قال -تعالى-: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)[مريم: ٧٦] وقال في آية أخرى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)[محمد: ١٧].

 

قال بعض السلف: "كنا نستعين على حفظ العلم: بالعمل به"، وقال بعضهم: "العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، ومثّل بعض العارفين للإيمان الذي هو من أهم ثمار العلم النافع وحفظه من الشيطان، بأنه كبلدة لها خمسة حصون: اليقين، ثم الإخلاص، ثم أداء الفرائض، ثم السنن، ثم حفظ الآداب، فما دام يحفظ الآداب، أي بالعمل والتطبيق، ويتعاهدها، فالشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب؛ طمع الشيطان في السنن، ثم في الفرائض، ثم في الإخلاص، ثم في اليقين.

 

 فاحفظوا -يا عباد الله- الآداب علمًا وعملاً، لكي تحفظوا بقية الحصون التي حفظها سبب لحفظ الإيمان، وابذلوا الجهد في الوصول إلى أعلى مراتب العلم بمباشرة المعلوم وإدراكه الإدراك التام، فإن ذلك هو حق اليقين، ومن ذلك قول حارثة -رضي الله عنه- "أصبحت مؤمنًا حقًّا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟" قال: عَزَفْتُ نفسي عن الدنيا وشهواتها، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عَرفْتَ فالزم، عبد نوّر الله بالإيمان قلبه"؛ فإلى هذا العلم، وإلى هذا الإيمان، وإلى هذا النور -أيها المسلمون-، فلنعمل ولنؤمن ونتنور.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر:٩]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا نعمته، وجعل أُمتنا خير أمة، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي خصّه الله بجوامع الكلِم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين ساروا على نهجه وقبلوا ما جاء به، من نور وحكمة، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فما أعظمها من بشرى للمؤمنين من الله حقًّا، وما أحلاه من قول حين يسمع المؤمنون ويتلون قوله -تعالى-: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[البقرة: ٢٥٧]، وما أتعسها من حال الكفار، حين يسمعون أو يتلون قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: ٢٥٧].

 

 وقد سمَّى الله الوحي الذي أنزله على محمد -صلى الله عليه وسلم- نورًا، لما يحصل به من الهدى، وسمَّاه روحًا لما يحصل به من حياة القلوب، فقال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى: ٥٢]، فلنتمسك -يا عباد الله- بهذا الهدى وهذا النور، ونحيي قلوبنا بذلك، والحذر الحذر ممن يصد عن هذا الهدى ويدعو للخروج منه إلى الظلمات، وما أكثرهم.

 

 اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا.

 

اللهم ذكِّرنا منه ما نسينا، وعلَّمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا.

 

اللهم اجعلنا ممّن يُحِل حلاله ويُحرِّم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، ويتلوه حق تلاوته، يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلوى عافية، يا حي يا قيوم.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life