عناصر الخطبة
1/ عفاف بعض أهل الجاهلية 2/ الإسلام يحث على العفاف 3/ يوسف -عليه السلام- والعفاف 4/ نماذج مشرقة 5/ تعليق على منع فرنسا للحجاب واستشهاد مروة الشربيني 6/ تمكين هيئة الأمر بالمعروف من الدخول للمنتجعات البحرية بجدةاهداف الخطبة
اقتباس
أما كتاب الله فقد أكّد على فلاح أهل العفاف، فقال الحق سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [المؤمنون:1- 5]، إنه الوعد الصادق، بل القرار الأكيد بفلاح المؤمنين الفلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، فلاح الفرد المؤمن وفلاح الأمة المؤمنة، الفلاح الذي يحسّه المؤمن بقلبه ويجد مصداقه في...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: العفاف جمال في الروح، ولذة في القلب، ومن كمال المروءة، وما زال أهل العفاف شامة بين البشر على مر التاريخ.
قال عنترة بن شداد:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها
وهذا عبد الله بن عبد المطلب تدعوه امرأة للزنى فقال لها:
أمـا الحرام فالممات دونه *** والحـل لا حل فأستبينه
يحمي الكريم عرضه ودينه *** فكيف بالأمر الذي تبغينه
وقال الأعشى:
لا تقرَبنْ حرَّة ًكان سِرُّها *** عليكَ حرامًا فانكحنْ أو تأبدا
وقد بلغ العفاف ببعض أهل الجاهلية أن فضّل الموت على الزنى، فقد روى أهل الأخبار أن عبد المطلب كان لا يسافر إلا ومعه ابنه الحارث، وكان أكبر ولده، وكان شبيهًا به جمالاً وحسنًا، فأتى اليمن وكان يجالس عظيمًا من عظمائهم، فقال له: لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني، ففعل، فعشقت امرأته الحارث، فراسلته فأبى عليها، فألحّت عليه، فلما يئست منه سقته السم.
أما كتاب الله فقد أكّد على فلاح أهل العفاف، فقال الحق سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [المؤمنون:1- 5]، إنه الوعد الصادق، بل القرار الأكيد بفلاح المؤمنين الفلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، فلاح الفرد المؤمن وفلاح الأمة المؤمنة، الفلاح الذي يحسّه المؤمن بقلبه ويجد مصداقه في واقع حياته؛ والذي يشمل ما يعرفه الناس من معاني الفلاح، وما لا يعرفونه مما يدّخره الله لعباده المؤمنين، ومن صفاتهم الأكيدة العفاف.
بل لقد أمر الله -جل شأنه- الفقير الذي لا يستطيع الزواج بالعفاف فقال: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور:33]، ولم يُبِحْ لهم شيئًا من الفجور، بل منعهم حتى من مجرد إطلاق البصر في الحرام فقال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، وأمر حتى النساء بغض البصر عن الحرام، فإن المرأة قد تقع في الحرام وأوله النظرة المحرمة: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:31].
وصدق الشاعر لما قال:
نظـرةٌ، فابتسامةٌ، فسـلامٌ *** فكلامٌ، فموعـدٌ، فَلِقـاءُ
فَاتّقوا الله في قُلوبِ اَلْعَذَارَى *** فالعذارى قُلوبُهُـن هَـواءُ
وإذا ذكر العفاف برز الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليه وعلى آبائه الكرام أزكى الصلاة والتسليم-، فهو رمز العفاف، ورائد أهل العفاف إلى الفردوس، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- عن يوسف الصديق من العفاف أعظم ما يكون، فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه كان شابًّا، والشباب مركب الشهوة، وكان عزبًا ليس عنده ما يعوضه، وكان غريبًا عن أهله ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه قد يستحي منهم، وكان في صورة المملوك والعبد لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال، وكانت هي المطالبة، فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة مرة بعد مرة، وكانت في محل سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت مع ذلك تغليق الأبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله فعف لله ولم يطعها.
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين". فيا معاشر الشباب: عليكم بالعفاف إن أردتم النجاة يوم الكرب الأكبر.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لقد سمعت من رسول الله أنه قال: "كان ذو الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة، فأعطاها ستين دينارًا على أن يطأها، فلمّا قعد منها مقعد الرجل من المرأة أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟! أكرهتك؟! قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، فقال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط، فقالت: حملتني عليه الحاجة، فتركها، ثم قال: اذهبي والدنانير لك، ثم قال: واللهِ لا يعصي اللهَ ذُو الكفلِ أبدًا، فمات من ليلته، فأصبح مكتوبًا على بابه: غفر الله لذي الكفل".
وكان الإمام سفيان الثوري -عليه سحائب الرضوان- كثيرًا ما يتمثل بقول الشاعر:
تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الوزر والعارُ
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها *** لا خير في لذةٍ من بعدها النار
وقال الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى.
قال طبيب القلوب الحبر ابن القيم -رحمه الله- بعدما ذكر بعض قصص أهل العفاف: "وهذه الطائفة لعفتهم أسباب؛ أقواها إجلال الجبار، ثم الرغبة في الحور الحسان في دار القرار، فإن من صرف استمتاعه في هذه الدار إلى ما حرم الله عليه منعه من الاستمتاع بالحور الحسان هناك".
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يلبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة". فلا يجمع الله للعبد لذة شرب الخمر ولبس الحرير والتمتع بما حرم الله عليه من النساء والصبيان ولذة التمتع بذلك في الآخرة، فليتخير العبد لنفسه إحدى اللذتين، وليطب نفسًا عن إحداهما بالأخرى، فلن يجعل الله من أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها كمن صام عنها ليوم فطره من الدنيا إذا لقي الله.
لا خـير فيمـن لا يـراقب ربـه *** عنـد الهـوى ويخـافه إيمـانًا
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى *** يـخشـى إذا وافى المعاد هوانا
وذكر ابن القيم طائفة يمنعهم كرم طباعهم وشرف نفوسهم وعلو همتهم من الوقوع في الفواحش، وذكر قصة لإحدى العفيفات وقد سُئِلتْ: "ما منعك من فلان؟! فقالت: منعني من ذلك خوف العار، وشماتة الجار، ومخافة الجبار، وإن بقلبي أضعاف ما بقلبه".
وقال عفيف ذو مروءة:
وإني لمشتـاقٌ إلى كـل غـايةٍ *** مـن المجدِ يكبو دونها المتطاولُ
بذولٌ لمالي حين يبخل ذو النُّهى *** عفيفٌ عن الفحشاءِ قرمٌ حُلاحِلُ
عباد الله: إن من أفجر الفجور وأعظم الجناية وأخس الأعمال أن يستطيل المرء على زوجة جاره أو بناته، وروى عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟! قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟! قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك"، قلت: ثم أي؟! قال: "أن تزني بحليلة جارك". قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
وقد تقدّم معنا شعر عنترة بن شداد الجاهلي الكافر، وقال غيره مادحًا:
لا يُتبـع الجيرانَ رفةَ طرفهِ *** ويتـابع الإحسـان للجيرانِ
عفُّ السريرةِ والجهيرةُ مثلُها *** فإذا استُضم أراك فتك طعانِ
وفي الحديث الصحيح قال -صلى الله عليه وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟! قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه"، وأي شيء أعظم ممن يتسلط على عرض جاره، وتبًّا ثم تبًّا لمن كان أهل الجاهلية أعف منه وأكرم منه!!
قال ابن القيم -عليه سحائب الرضا والغفران-: "حقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلاً حتى يعلم سلامتها وآفاتها، وما توصل إليه تلك الطريق من سلامة أو عطب، وهذان السبيلان هلاك الأولين والآخرين، بهما وفيهما من المعاطب والمهالك ما فيهما، ويفْضِيانِ بصاحبهما إلى أقبح الغايات وشر موارد الهلكات، ولهذا جعل الله -سبحانه وتعالى- سبيل الزنى شر سبيل: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]، فإذا كانت هذه سبيل الزنا فكيف بسبيل اللواط التي تعدل الفعلة منه في الإثم والعقوبة أضعافها وأضعاف أضعافها من الزنى، فأما سبيل الزنى فأسوأ سبيل، ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار، يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا، ثم يعودون إلى موضعهم، فهم هكذا إلى يوم القيامة كما رآهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه، ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها".
وأختم هذه الخطبة بقول الإمام الشافعي -رضي الله عنه-:
عفُّوا تعفَّ نساؤكم في المَحرَمِ *** وتَجَنَّبوا ما لا يليـقُ بمسـلمِ
إِن الـزِّنا دَيْـنٌ فإِن أقرضْتَه *** كان الوفا من أهلِ بيتك فاعلمِ
من يَزنِ يُزنَ به ولـو بجدارهِ *** إِن كنْـتَ يـا هذا لبيبًا فافهمِ
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
فيا عباد الله: وفي الوقت الذي تخرج فيه المرأة الأوروبية عارية إلا من قطعة صغيرة على عورتها؛ يهاجم الرقيع اللقيط ابن اللقيط الذي لا يعرف أباه، ولعل نصف سكان فرنسا سقوه يوم كان في رحم أمه الخبيثة، ساركوزي يهاجم الحجاب ويريد منعه في بلاد ثورة الحرية والديمقراطية! ألا لعنة الله عليه وعلى كل من أعانه أو رضي.
وفي مشهد آخر تُذبح شبيهة سمية الصديقة ألا وهي العفيفة مروة الشربيني -عليها رحمة الله- بسبب تمسكها بحجابها، تلك المرأة التي حصلت على أعلى الشهادات في الصيدلة وزوجها عالم في هندسة الوراثة، ولكنها دافعت عن حجابها حتى قتلها الألماني المأفون الزنيم، فرفعها الله في الآخرة شهيدة كما رفعها في الدنيا بعلمها، وقد شاهد العالم كيف استقبل الشعب المصري جثمانها الطاهر ورفعوها في رؤوسهم فخرًا بها، وفي مثلها يصدق قول الشاعر:
علوٌّ في الحياة وفي الممات *** فحق أنتِ إحدى المعجزات
عباد الله: من أجل العفاف فقط فخر الشعب المصري بكل أطيافه بهذه المؤمنة، واستقبل جثمانها، وكم مرة أتت مروة إلى مصر ولم يخرج لها إلا أهلها، ولكن لما استشهدت من أجل عفافها حُق لكل مسلم أن يفخر بها.
أخيرًا: من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فكل الشكر والتقدير لسمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز للقرار الذي أصدره بتمكين هيئة الأمر بالمعروف من الدخول جميع المنتجعات البحرية في محافظة جدة، وذلك للحد من التصرفات غير اللائقة التي تمارس بداخلها، إضافة إلى إنشاء مقر دائم للهيئة في مدينة "درة العروس"، وما هي بدرة ولا تدخلها عروس، فجزاه الله خيرًا، وعسى أن يشمل القرار كل المنتجعات في جميع مناطق المملكة.
التعليقات