عناصر الخطبة
1/الدين النصيحة 2/إخلاص النصيحة من حق المسلم على المسلم 3/أنواع النصيحة 4/نماذج من النصيحة الفردية والنصيحة الجماعية 5/أسس ومهارات النصيحة 6/صيام يوم عاشوراء.اقتباس
إن النصيحة سلوك حضاري وشعور عظيم وتعاون على البر وتكاتف وصلة وحُسن خُلق، ومودة صادقة لا تصدر إلا عن قلب سليم وشخص كريم جواد حكيم وخاصة عندما تُبْذَل لوجه الله الكريم دون انتظار عائد...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه ولا ترك شرًّا إلا حذَّرنا منه.
ونعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم وشركه وهمزه ونفخه ونفثه ووسوسته، ونعوذ بالله من شرور جنوده أجمعين.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أما بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسوله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. ولا أمنَ بلا ايمان ولاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ.
عباد الله: في الحديث الصحيح عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدِّين النصيحة"؛ قلنا: لِمَن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"(رواه مسلم).
عباد الله: إن الدين عند الله الإسلام؛ قال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آل عمران: 19].
عباد الله: إن للمسلم على المسلم حقوقًا، وأن من أعظمها وأهمها على الإطلاق نُصْحه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "حق المسلم على المسلم ستٌّ"، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحك فانصَح له، وإذا عطس فحمِد الله فشمِّته، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعه".
عباد الله: إن للمسلم قدوات عظيمة كالنجوم يقتدي بهم في فكره وشعوره وسلوكه وهم الأنبياء، وإن الأنبياء كانوا ناصحين مخلصين، تدبروا هذه الآيات من القرآن العظيم: قال نوح -عليه الصلاة والسلام-: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 62]، وقال هود -صلى الله عليه وسلم- لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)[الأعراف: 68].
عباد الله: إن النصيحة سلوك حضاري وشعور عظيم وتعاون على البر وتكاتف وصلة وحُسن خُلق، ومودة صادقة لا تصدر إلا عن قلب سليم وشخص كريم جواد حكيم وخاصة عندما تُبْذَل لوجه الله الكريم دون انتظار عائد.
عباد الله: إن النصيحة نوعان: نصيحة خاصة ونصيحة عامة. وإن من المفيد أحيانًا نصح العامة بهدف نصح الفرد، وأحيانًا يفيد نصح الفرد بهدف نصح الجماعة من الناس، وكل ذلك وارد في سُنة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وإليكم نماذج مشرقة من سلوك محمد -صلى الله عليه وسلم- في النصح الفردي:
1- قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: "يا علي! لا تُتْبِع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة"(رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وحسنه الألباني).
2- قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبدالله بن عمر! كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"(رواه البخاري).
3- قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: "يا معاذ! والله إني أحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعِنِّي على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك"(رواه أبو داود، وصحَّحه الألباني)، وهذا من هديه -صلى الله عليه وسلم- في نصح الفرد بهدف تعليم العامة.
ومن النماذج المشرقة في هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- نصح العامة بهدف تعديل سلوك البعض ومن ذلك:
1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بالُ أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟! مَن اشتَرَط شرطًا ليس في كتاب الله، فليس له، وإن اشتَرَط مائة مرة"(رواه البخاري).
2- عن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما بالُ أقوامٍ يرفَعون أبصارَهم إلى السماءِ في صلاتهم؟!"، فاشتد قولُه في ذلك حتى قال: "لينتَهُنَّ عن ذلك، أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم"(رواه البخاري).
بارك الله لي ولكم وللمسلمين في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأعزنا بالإسلام، وفضلنا على كثير من العالمين تفضيلاً، وجعل لنا نورًا نمشي به في الأرض.
الحمد لله الذي جعلنا في هذا البلد الأمين الذي يحكم بالدين ويخدم الحرمين ودستوره مستمد من القرآن والسنة، وشعبه يدين بالإسلام ويعتز به وينفّذ مبادئه وإرشاداته ويدعو لها غيره.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه.
عباد الله: إن النصيحة مهارة يجب التدرب عليها وإتقانها؛ لأن إتقان النصيحة من الحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن التي أمرنا لله بها في قوله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[النحل: 125].
عباد الله: إن للنصيحة قوانينا وأسسًا مهمة جدًّا يجب علينا الإلمام بها ومنها:
1- يجب على الناصح إن يتعلم العلم من مصادره الموثوقة.
2- يجب أن يقصد بالنصح وجه الله.
3- يجب على الناصح أن يكون قدوة حسنة؛ فلا يخالف قوله عمله ونيته. قال الله –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 2].
ويقول الحكيم:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا *** كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا *** أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها *** فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي *** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ *** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
4- يجب على الناصح أن يكون حكيمًا صادقًا، أمينًا كريمًا، جوادًا صبورًا، حليمًا واثقًا مبتسمًا، وفيًّا عادلاً، رحيمًا ألوفًا، رؤوفًا خدومًا.
5- يجب أن يكون الناصح رفيقًا ليّنًا، قال الله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران: 159].
وعن أُمّنا عائشة -رضي الله عنها-: أَن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ"(رواه مسلم).
6- يجب على الناصح أن يهتم بالمظهر والطيب والنظافة.
7- يجب على الناصح أن يختار الوقت المناسب للنصيحة.
8- يجب أيضًا أن يتدرج في النصيحة.
9- يجب التعرف على شخصية المنصوح وقيمه ومستواه العلمي وقناعاته ومعتقداته وأهدافه واحتياجاته ومكانته الاجتماعية وحالته الصحية.
10- يجب أيضًا أن يختار الناصح طريقة النصح فردية أو جماعية معلنة أو سرية.
11- يجب على الناصح أن يتعرف على ظروف المنصوح الفكرية والشعورية والجسدية والبيئية والاقتصادية والمعرفية والاجتماعية.
12- يجب على الناصح أن يختار الوسيلة المناسبة لتوصيل النصيحة؛ إما مسموعة أو مكتوبة أو مرئية.
13- يجب على الناصح أن يهيئ المنصوح لاستقبال النصيحة.
14- يجب على الناصح أن يختار المكان المناسب.
15- يجب على الناصح أن يختار النصيحة المناسبة ولغتها وطولها ونوعها ومراحلها.
16- يجب على الناصح أن يختار أسلوب النصح المباشر أو غير المباشر.
17- يجب على الناصح أن يقيس أثر النصيحة على المنصوح ويستمر ويكرر، ويمكن أن يغير في الأسلوب والظروف حتى يتحقق الهدف.
18- على الناصح ألَّا يدخل عامل الزمن في معادلة النصيحة؛ فقد تتأخر الاستجابة وقد استمر نبي الله نوح -صلى الله عليه وسلم- ألف سنة إلا خمسين عامًا.
19- يجب على الناصح أن يعلم تمام العلم أن مهمته فقط هداية الإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج؛ أما هداية التوفيق فهي من الله وحده. قال الله -تعالى-: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 272].
20- يجب أن يحافظ الناصح على صحته النفسية عندنا تقاومه البيئة أو يرفض المنصوح أو يلقى صعوبات في سبيل نصحه، وعليه أن يتدبر قول الله -تعالى- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فاطر: 8].
21- يجب على الناصح أن يستعين بالله ويسأله التوفيق والسداد ويدعو للمنصوح بالهداية.
عباد الله: أذكركم وأذكر نفسي بصيام التاسع والعاشر من شهر الله المحرم وهي يومي الأربعاء والخميس القادمين، والمسلم يصومهما شكرًا لله -سبحانه وتعالى- لأن الله أنقذ نبيه موسى -صلى الله عليه وسلم- وقومَه من فرعون وقومِه في يوم عاشوراء، وقد ورد في فضل صيام يوم عاشوراء حديث صحيح عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(رواه مسلم).
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
عباد الله: إني داع فأمنوا.. تقبل الله منا ومنكم فلعلها تكون ساعة استجابة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم المرسلين، وأقم الصلاة.
التعليقات