عناصر الخطبة
1/ الإسلام دين السماحة واليسر 2/أهمية الإحسان إلى الخلق في المعاملات 3/ضوابط شرعية في البيع والشراء 4/نصائح ووصايا للتاجر المسلم 5/ضرورة الصدق في البيع والشراء 6/الترغيب في التسامح في المعاملات 7/قصة في الصدق في البيع.اقتباس
حسن التعامل في البيع والشراء, وذلك بأن يتحلى كل من البائع والمشتري بالسَّماحة واللين أثناء البيع، ولا يتشدَّد كل منهما مع الآخر في المساومة في السعر وكثرة الجدل فيه، بل يتسامحان، فلا يبخس المشتري حقّ البائع، فيُطالب بإنزال السعر فوق طاقة البائع، أو يلح عليه بشيء قد يضره، وكذا البائع لا يضر بالمشتري، فيغالي بسعره أو نحو ذلك...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الفضل والامتنان، جعل الجزاء من جنس العمل، فقال: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه الله إلى جميع الإنس والجان, فبلّغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده بالمال والنفس وبالحجة والسنان، صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين آمنوا به وهاجروا وجاهدوا، والذين آووا ونصروا؛ حتى ظهر دين الله على سائر الأديان, ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم العرض على الملك الديان، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم، وأدوا فرائضه عليكم، وأحسنوا إلى خلقه لعلكم تفلحون.
عباد الله: لقد تواترت النصوص الشرعية على أن دين الإسلام هو دين السماحة في جميع تفاصيله وتعاملاته، وقد دعانا ديننا الإسلامي الحنيف إلى بذل المعروف وإقامة الإحسان في كل شيء، ابتداء من الإحسان إلى الرب تعالى، وانتهاء بالحيوانات وما هو دونها قال اللَّه تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة: 215]، فقد أثنى الشرع الحنيف على من كان سمحًا في البيع والشراء والاقتضاء؛ لأنها غالبًا ما تكون في أمور مالية محببة إلى قلب الإنسان، وسرعان ما يعتري ذلك خلاف.
عباد الله: الإحسان إلى العباد موضوع مترامية أطرافه, يحوي كافة علاقة العبد بالغير عمومًا، ولكن الذي يهمنا في هذه الخطبة هو حسن التعامل في البيع والشراء, وذلك بأن يتحلى كل من البائع والمشتري بالسَّماحة واللين أثناء البيع، ولا يتشدَّد كل منهما مع الآخر في المساومة في السعر وكثرة الجدل فيه، بل يتسامحان، فلا يبخس المشتري حقّ البائع، فيُطالب بإنزال السعر فوق طاقة البائع، أو يلح عليه بشيء قد يضره، وكذا البائع لا يضر بالمشتري، فيغالي بسعره أو نحو ذلك مما قد يؤدي لاستغلاله، وخلاصة الأمر أن يكون تعاملهما مبنيًّا على السماحة واللين.
إخوة الإسلام: لقد أرشد الإسلام أتباعه إلى تحري المصداقية، والأمانة والورع والدقة في البيوع وغيرها من الأحكام التجارية، وأحاط ذلك بسياج من الضوابط الشرعية في بيع الإنسان وشرائه. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام" [البخاري (2059)].
وحذر الإسلام من كثرة الحلف لترويج البضائع وتنفيق السلع، فعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-: "أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أَعطى بها ما لم يُعطِ ليوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 77] [البخاري (2088)].
ولدرء الخلاف وتجنيب كل من المشتري والبائع الضيم والبخس, فقد وضع الإسلام ضوابط في البيع والشراء تحفظ حق الجميع، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" [البخاري (2140)].
وحذر من أن ينافس المسلم أخاه ويبيع على بيعه، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يبيع بعضكم على بيع أخيه" [البخاري(2139)].
أيها الإخوة: السماحة في البيع والشراء موضوع ورد في دعوة الأنبياء والرسل من قبل, وأولوه اهتمامًا، كما قال تعالى: (وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود: 85].
كما لاقى اهتمامًا كبيرًا من نبينا -عليه الصلاة والسلام- ومساحة واسعة من شمولية دعوته؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم الله رجلاً سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" [البخاري(2076)]، وفي رواية للترمذي: "غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، وسهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى" [ابن ماجه (2203) وصححه الألباني].
ولقد صار هذا الطرح هديًا نبويًّا تربويًّا فيه خير كثير، تربى عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن اقتفى أثرهم، فلعبت التجارة دورًا عظيمًا في انتشار الإسلام، ودخول طوائف عديدة فيه بواسطة حسن تعامل أرباب التجارة في تجارتهم، كما أدى هذا الخلق إلى سلامة المجتمع الإسلامي من أمراض النفس الداخلية.
لقد أرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حسن أداء ما على الإنسان من حقوق للآخرين، فعَنْ أبي هُريرة، -رضي الله عنه-، أَنَّ رجُلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتَقاضَاهُ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحابُهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دعُوهُ؛ فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مقَالاً" ثُمَّ قَالَ: " أَعْطُوه سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ" قالوا: يا رسولَ اللَّهِ لا نَجِدُ إلاَّ أَمْثَل مِنْ سِنِّهِ، قال: "أَعْطُوهُ فَإنَّ من خَيْرَكُم أَحْسنُكُمْ قَضَاءً" [البخاري (2306)]، وحث على أهمية أن يعطي الإنسان ما عليه ويرجح الميزان، ولا يطفف على الناس ولا يبخسهم حقهم فعَنْ جابرٍ، -رضي الله عنه-، أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "اشْتَرى مِنْهُ بَعِيرًا، فَوَزَنَ لَهُ، فَأَرْجَحَ" [مسلم (115)].
عباد الله: قال الله -تبارك وتعالى-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:1 - 6]، إن من يخالط الناس ويتلمس معاملاتهم يجد أن التطفيف انتشر فيما بيننا ليس في الموازين فقط، بل في العلاقات الاجتماعية والأعمال والمكاسب، فكثير من الناس يريد أن يأخذ أكثر مما يعطي بل وأكثر مما يستحق, ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله السلامة والعافية.
أيها الإخوة: أحسب أن هذا النوع من التربية مفقود في واقعنا المعاصر، حيث صار أمرًا اعتياديًّا أن يتطور شراء سلعة بسيطة إلى خلاف، يقدر ثمن معالجته أضعاف ثمن السلعة نفسها، والسبب غياب السماحة بين البائع والمشتري, وبالتالي فإننا بحاجة إلى الاقتداء بهذا الهدي النبوي أولاً، ثم تربية الأبناء على هذا الهدي النبوي عمليًّا بممارسته أمامهم سواء كنا بائعين أو مشترين.
ومن ضوابط هذه المعاملة لأهميتها ولتبيين أحكامها وتسيير حركتها بمصداقية وشفافية وسهولة ويسر؛ وليضفي ذلك إلى تجارة رابحة ومعاملة مباركة، حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أوْ قال: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا" [البخاري(2079) واللفظ له، ومسلم(1532)].
فلا تظن أبدًا أن إنسانًا يكون سمحًا في العطاء وأن الله يضيق عليه في الرزق، فهذا لا يكون أبدًا -إن شاء الله-، فالجزاء من جنس العمل، فالإنسان الذي يشحّ ويبخل يضيق الله -تبارك وتعالى- عليه، حتى وإن كان رزقه أمام الناس واسعًا لكنه في خوف على المال يستشعر الفقر ويتوجس ضياعه.
وصاحب البذل وصاحب يوسع الله -سبحانه وتعالى- عليه في الرزق؛ حتى وإن كان رزقه ضيقًا, ولكنه يعطيه في قلبه غنى يشعر من خلاله أنه أغنى الخلق، فإذا اشترى الشيء دفع فيه ثمن ما يماثله فلا يكثر من الجدال ولا المماكسة، ولكن ليس المعنى أن يُخدع في الشراء فإنه إذا خدع مرة لن يخدع كل مرة، ولكن المقصد أن يعطي الثمن الذي تستحقه هذه السلع دون بخس ودون زيادة.
وهنا الدِّين يعلمنا اليسر والسهولة والسماحة في البيع والشراء، في قوله: "سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى" [ابن ماجه (2203) وصححه الألباني]. واقتضى أي: طلب القضاء أي رد ما له من قروض أو حقوق عند الآخرين، فمن حق المؤمن أن يطلب ما له عند الناس, ولكن إذا طلب فليكن طلبه بسماحة وبسهولة، فإذا وجد الإنسان الضعيف الفقير يتسامح معه، فإن كان معه مال دفعه وإلا صبر عليه قليلاً.
وهذا نداء لمن منَّ الله عليه ووسّع عليه, وصار تاجرًا يملك ويبيع للخلق ما يحتاجون إليه -أيها التاجر المسلم-؛ ينبغي أن يظهر تسامحك في البيع والشراء والإحسان إلى الناس في صور مختلفة, كتخفيض السعر لذي الحاجة لسلعة لا يمتلك ثمنها كاملاً, أو إمهاله وقتًا لأداء حقها، أو إعطائه المزيد حتى تتم له الكفاية، وتظهر السماحة في عدم استغلال من يبيع مضطرا, بل اشترى منه البضائع بسعر السوق الجاري ولا تستغل حاجته وتبخس الثمن، ومن السماحة انتظار المدين المعسر، وإعطاؤه فرصة أو أكثر، حتى يرتب أموره، ويقدر على الوفاء بالتزامه.
ومن كثر إقراضه للناس مع الصبر عليهم تضاعف أجره، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أقرض ورقًا (أي مالاً) مرتين كان كعدل صدقة مرة" [البيهقي في السنن الكبرى (11271) وصححه الألباني].
والأجر العظيم هو الحافز الذي يجعل الإنسان المؤمن في راحة إذا لم يحصل على ماله المستدان، فإذا دفع لك عن عجز منه المال بعد مدة طويلة فقد كسبت هذا الأجر كله من الكريم، وليس معنى ذلك أن الإنسان إذا ماطله آخر ليس من حقه أن يرفع عليه دعوى في المحكمة ويحاكمه، بل هذا من حقه، ولكن ينظر هذا الإنسان هل هو معسر أم موسر؟.
فإذا كان موسرًا ومماطلاً فيستحق أن يعاقب, فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مطل الغني ظلم" [البخاري (2287) ومسلم (1564)]، والمطل: المماطلة التي هي التأخير، وهذا مثل كثير من التجار تراه يستلف من هذا ويستلف من هذا ومعه مال، ولكنه يريد أن يوفر ماله في التجارة ويريد أن ينمي رأس ماله من مال الناس، ثم يؤخر أموال الناس، وكل ذلك من أجل أن يحصل على أرباح ويكسب منها.
فإذا أخذ إنسان منك دينًا ولديه القدرة على سداده فمن حقك أن تقاضيه، وهذا مستحق بنص حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيُّ الواجدِ يُحِلّ عرضه وعقوبته" [أبو داود (3628) وحسنه الألباني]، ويحل عرضه يعني يقال عنه: إنه ظالم، وأنه يأكل أموال الناس، ويحل عقوبته أي: بأن يقاضيه عند الحاكم، ويستحق العقوبة، ولو أنه صبر فإن ربنا يقول: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [الشورى:43].
فالمعسر الأولى أن تصبر عليه –أخي الكريم- لتؤجر من الله -سبحانه-, ولعل الله يرزقك خيرًا من ذلك ويرزقه فيرد عليك مالك، وتدبر ما صح عن عثمان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أدخل الله -عز وجل- رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا الجنة" [النسائي (4696) وحسنه الألباني]، فرحمه –سبحانه- وجزاه الجنة على ذلك؛ لأن فيه يسرًا وسهولة ولينًا إذا اشترى السلعة أو باعها, وإذا كان قاضيًا، أي: يقضي بالحق ويطلب رد ماله إليه، كما أنه أمين في الأمانات والودائع وحقوق الناس، فإذا حان وقتها ردها إلى أصحابها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58].
نسأل الله أن يرزقنا السماحة والصبر، وحسن الخُلق مع عباده، إنه جواد كريم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده وهو للحمد كله، جل –سبحانه- عن الشبيه والمثيل، وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أكرم خلق الله وأجودهم وأسخاهم, صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الكرام الميامين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: والصدق في البيع والشراء وحسن التعامل فيه لا يخيب صاحبه أجرًا، ولا يُبخَس ربحًا, ولا أقل من أن يجني ثمار حسن تعامله في الدنيا، ناهياك عما يظفر به من ثواب الآخرة، ولعلنا نشير إلى بعض من تلك العطايا ونعرج إلى قليل منها؛ رجاء أن يكون ذلك حافزًا للمسلم في تجارته.
عباد الله: إن السماحة مع الآخرين تقربك من عفو الغني الرحيم الكريم، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسمح يسمح لك" [مسند أحمد (2233) وصححه الألباني].
كما أن الصدق والسماحة في البيع والشراء يحرّم صاحبه عن النار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان هينًا لينًا قريبًا حرمه الله على النار" [الحاكم في المستدرك (435) وصححه ووافقه الذهبي والألباني].
والتيسير على الناس باب واسع لمغفرة الله وعفوه عن العبد، فعن أبي قتادة، -رضي الله عنه- أنه طلب غريمًا له، فتوارى عنه ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "من سره أن ينجيه الله من كُرَب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه" [مسلم (1563)].
وصاحب المعروف لا يضيع معروفه بين الله والناس، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله علية وسلم-: "كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه" [البخاري(3480) ومسلم(1562)].
وتأمل معي ثواب التيسير والصبر على الناس، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله" [مسلم (3006)].
وسوف يحاسب الله الميسرين على خلقه حسابًا يسيرًا، فعن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حُوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرًا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال الله -عز وجل-: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه"[مسلم(1561)].
أيها الإخوة: يحكى أن رجلاً من الصالحين كان يوصي عماله في المحل بأن يكشفوا للناس عن عيوب بضاعته إذا وجدت، وذات يوم جاء يهودي فاشترى ثوبًا معيبًا، ولم يكن صاحب المحل موجودًا. فقال العامل: "هذا يهودي لا يهمنا أن نُطلعه على العيب". ثم حضر صاحب المحل فسأله عن الثوب فقال: "بعته لليهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم أطلعه على عيبه"، فقال: "أين هو؟" فقال: "لقد رجع مع القافلة، فأخذ الرجل المال معه ثم تبع القافلة حتى أدركها بعد ثلاثة أيام".
فقال لليهودي: "يا هذا، لقد اشتريت ثوب كذا وكذا وبه عيب، فخذ دراهمك وهات الثوب". فقال اليهودي: "ما حملك على هذا؟". قال الرجل: "الإسلام، إذ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من غشنا فليس منا"[مسلم(43)]". فقال اليهودي: "والدراهم التي دفعتها لكم مزيفة، فخذ بها ثلاثة آلاف صحيحة، وأزيدك أكثر من هذا بأنني: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله".
فما أجمل الصدق والسماحة في البيع والشراء، والتيسير في معاملة الخلق، فاتقوا الله عباد الله، وحسنوا أخلاقكم مع الخلق ما استطعتم، واعلموا أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
التعليقات