عناصر الخطبة
1/شمولية الإسلام لكل ما يصلح أحوال البشر 2/أهمية الصحة ووجوب المحافظة عليها3/صور من اهتمام الإسلام بالصحة والتحذير مما يفسدها 4/ التحذير من بعض الأمراض الوبائية وطرق الوقاية منها.

اقتباس

وَقَدْ سَبَقَ الْإِسْلَامُ النَّاسَ أَجْمَعَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهَا تَنْقُلُ الْعَدْوَى، بَلْ سَبَقَ مُنَظَّمَاتِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةَ وَغَيْرَهَا لِمَا يُسْمَّى الْآنَ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ.. وَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى فَالْمَضْمُونُ وَاحِدٌ...

الخُطْبَةُ الْأُولَى:

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الدِّينُ الْكَامِلُ الَّذِي اهْتَمَّ بِأَتْبَاعِهِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَبِأَرْوَاحِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَاعْتَنَى بِصِحَّتِهِمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُزِيلُونَ النَّجَاسَاتِ عَنْ أَبْدَانِهِمْ، وَوَسَائِلَ ذَلِكَ وَأَوْلَوِيَّاتِهِ، فَعَنْ سَلْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -قَالَ: قِيلَ لَهُ: "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟! قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ. لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينِ، أَوْ أَنْ نسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمَنِ اسْتَعْرَضَ الْأَحْكَامَ فِي الْإِسْلَامِ تَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ الْعَجَبِ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذَا الدِّينَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ؛ فَقَدْ نَهَى الْإِسْلَامُ عَنْ تَلْوِيثِ الْأَمَاكِنِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ-:"اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلاثَةَ: الْبُرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نَهَى عَنِ التَّخَلِّي فِي الْمَوَارِدِ".

 

 وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِمَوَارِدِ الْمِيَاهِ وَالطُّرُقِ؛ لِمَا تُحْدِثُهُ تِلْكَ الْقَذَارَاتُ مِنْ أَضْرَارٍ بِهَا؛ فَإِلْقَاءُ النَّجَاسَاتِ فِي الْمِيَاهِ الرَّاكِدَةِ أَوِ الدَّائِمَةِ يُصِيبُ النَّاسَ بِأَمْرَاضٍ خَطِيرَةٍ، وَمِنْ أَخْطَرِهَا الْبِلْهَارْسِيا الَّتِي أُصِيبَ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ سِتِّمِائَةِ مِلْيُونِ إِنْسَانٍ، وَسَبَبُهَا الْأَوَّلُ قَضَاءُ الْحَاجَاتِ فِي الْمِيَاهِ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، فَقَضَاءُ الْحَاجَاتِ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ يَتَعَرَّضُ فَاعِلُوهُ لِلسَّبِّ مِنَ النَّاسِ وَلَعْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَضَرُّوا بِهِمْ.. وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ.

 

وَمِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُسْلِمِ أَنَّهُ أَمَرَهُ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِناءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. وَعَلَّمَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ كَيْفَ يَسْتَنْجي أَحَدُهُمْ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مُسْلِمٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ.

 

وَمِنْ عِنَايَةِ الْإِسْلَامِ بِصِحَّةِ الْمُؤْمِنِ أَنَّه شَرَعَ التَّدَاوِيَ وَالْعِلَاجَ، وَأَكَّدَ أَنَّه لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ، فَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "الْهَرَمُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنَ التَّدَاوِي، وبَيَّنَ لَهُمُ الْمَشْرُوعَ وَالْمَمْنُوعَ، وَمَا جُعِلَ شِفَاؤُهُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ.

 

وَمِنِ اعْتِنَاءِ الْإِسْلَامِ بِصِحَّةِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ شَرَعَ الْاِسْتِحْمَامَ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَاتِ عَنِ الْأَجْسَادِ، بَلْ يَقَعُ الْعَذَابُ عَلَى مَنْ تَسَاهَلَ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِهِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ حِينَمَا مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ بِأَنَّهُمَا لَيُعَذَّبانِ "وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِسَنَدِ صَحِيحٍ: "كَانَ أحَدُهُمَا لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ"، وَفِي رِوايَةٍ صَحِيحَةٍ: "فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ"، وَفِي رِوايَةٍ صَحِيحَةٍ "لَا يَتَوَقَّى مِنْ بَوْلِهِ".

 

وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ خَمْسًا مِنَ الْفِطْرَةِ وَجَعَلَ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادَ -أَيْ إِزَالَةَ شَعْرِ الْعَانَةِ- وَتَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفَ الْإِبِطِ، وَقَصَّ الشَّارِبِ. وَمِنْ عِلَلِ ذَلِكَ أَنَّهَا مَوْطِنُ اجْتِمَاعِ الْقَاذُورَاتِ، وَرَأَى الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا لَمْ يُهَذِّبْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ -يَعْنِي أَنِ اخْرُجْ- كَأَنَّهُ يَعْنِي إِصْلَاحَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَفَعَلَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّه شَيْطَانٌ؟!"(رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَحِينَمَا رَأَى الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيابٌ مُتَّسِخَةٌ قَالَ: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟"(رَوَاهُ أَبُو داوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

وَمِنْ حِرْصِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصِّحَّةِ: التَّحْذِيرُ مِنَ الْأَوْبِئَةِ الَّتِي قَدْ تُصِيبُ النَّاسَ، وَمِنْ هَذَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: "أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ -وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرِضُهُ عَلَيْهِ". وَمَا هَذَا الْأَمْرُ إلَّا حِرْصًا مِنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَايَةِ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْبِئَةِ، وَمِنْ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْحَشَرَاتِ.

 

وَمِنْ حِرْصِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَصْحَابِهِ أَنَّه حَثَّهُمْ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ، وَأَرْشَدَهُمْ لِمُجَانَبَةِ الْمُصَابِينَ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعَ الرَّجُلَ الْمَجْذُومَ ثَمَّ قَالَ: "إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ: "وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ"، وَ"نَهَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُوْرَدَ مُمَرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ".

 

وَمِنْ مَعَانِي الْحَدِيثِ أَلَّا يُورِدَ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ عَلَى الْإِبِلِ الصِّحَاحِ؛ لِسُرْعَةِ انْتِشَارِ الْعَدْوَى بَيْنَهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَوَانَاتِ هِيَ فِي الْغَالِبِ الَّتِي تَنْتَقِلُ مِنْهَا الْفَيْرُوسَاتُ وَالْأَوْبِئَةُ وَالْحُمَّى خَاصَّةً لِلْبَشَرِ.. فَهَذِهِ الْفَيْرُوسَاتُ وَمَرَضُ الكُورُونَا وَغَيْرُهَا انْتَقَلَتِ الْعَدْوَى فِيهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ إِلَى الْبَشَرِ -وَاللهُ أَعْلَمُ-.

 

وَقَدْ سَبَقَ الْإِسْلَامُ النَّاسَ أَجْمَعَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهَا تَنْقُلُ الْعَدْوَى، بَلْ سَبَقَ مُنَظَّمَاتِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةَ وَغَيْرَهَا لِمَا يُسْمَّى الْآنَ بِالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ.. وَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُسَمَّى فَالْمَضْمُونُ وَاحِدٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا).

 

وَمِنْ عِلَلِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ يَعِيشُ فِي سَلَامَةٍ فَلَا يُعْرِّضْ نَفْسَه لِلْخَطَرِ، أَمَّا مَنِ ابْتُلِيَ بِأرْضٍ فِيهَا هَذِهِ الْأَمْرَاضُ فَلَا يَخْرُجْ مِنْهَا لِعِلَلٍ مِنْ أَهَمِّهَا أَنَّه قَدْ يَنْقُلُ الْعَدْوَى لِبُلْدَانِ أُخْرَى، وَقِيلَ إِنَّهُ يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْعِلَلِ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ- حينما خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَأُخْبِرَ بِالطَّرِيقِ أَنَّ وَبَاءً قَدْ وَقَعَ بِأرْضِ الشَّامِ اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ اسْتَشَارَ الْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا فِي آرَائِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ نَصَحَهُ بِالاِسْتِمْرَارِ، وَبَعْضُهُمْ أَشَارَ عَلَيْهِ بألَّا يُوقِعَ النَّاسَ فِي هَذَا الْوَبَاءِ. ثُمَّ دَعَا مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ وَبِألَّا يُقْدِمَ النَّاسَ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى الرُّجُوعِ، ثُمَّ أَقَبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ حَيْثُ كَانَ مُتَغيِّبًا فأَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوَبَاءِ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"؛ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِجُمْلَتِهَا تَدْعُو لِتَجَنُّبِ الْمُلَوِّثَاتِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لَهَا. فَدِينُنَا دِينٌ عَظِيمٌ.. رَزَقَنَا اللَّهُ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَالْعِلْمَ بِالتَّنْزِيلِ.

 

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ خُطَبَ الْجُمُعَةِ فِي الْإِسْلَامِ شُرِعَتْ لِحِكَمٍ، مِنْهَا مَا هُوَ تَعَبُّدِيٍّ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ بَيَانٌ لِنَفْعِ النَّاسِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ، وَقَدْ حَذَّرَتْ وَزَارَةُ الصِّحَّةِ مِنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَالْفَيْرُوسَاتِ وَالْحُمَّى، وَمِنْهَا حُمَّى الكُورُونَا الَّتِي هِيَ أَعَلَمُ النَّاسِ بِهَا بِحُكْمِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْمَنُوطَةِ بِهَا.. وَهِيَ تُحَذِّرُ بِعِلْمٍ، وَتَذْكُرُ الْوَسَائِلَ لِلْوِقَايَةِ مِنْهَا -بِعَوْنِ اللهِ وَفَضْلِهِ- فِي كَافَّةِ وَسَائِلِ الْإعْلَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ؛ حِرْصًا عَلَى سَلَامَةِ النَّاسِ، وَحِمَايَةً لَهُمْ وَلِأَوْلَادِهِمْ، خَاصَّةً الصِّغَارَ الَّذِينَ تَسْرِي بِهِمُ الْأَمْرَاضُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

 

 وَمَا جَاءَتْ بِجَدِيدٍ مِنَ الْحَثِّ عَلَى غَسْلِ الْأَيْدِيْ قَبْلَ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِ الْبَعْضِ مُتَعَلَّقَاتِ الْغَيْرِ، خَاصَّةً الْمَرْضَى؛ لِسُرْعَةِ انْتِقالِ الْعَدْوَى.. وَالْحِرْصِ عَلَى طَهْيِ الْحَلِيبِ وَغَلْيِهِ مِنْ بَابِ الْحَيْطَةِ وَالْحَذَرِ، وَلِأَنَّهُ أَدْعَى لِلنَّجَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ الْمُعْدِيَةِ. وَذَكَرَتْ وَسَائِلَ التَّعَامُلِ مَعَ الحَيَوَانَاتِ، خَاصَّةً بَهَائِمَ الْأَنْعَامِ.

 

فَعَلَى النَّاسِ أَلَّا يَسْتَهِينُوا بِمِثْلِ هَذِهِ التَّحْذِيرَاتِ، وَأَلَّا يَتَكَلَّمُوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ يُصَدِّقُوا بَعْضَ وَسَائِلِ الْإعْلَامِ، وَبَعْضَ أَقَاوِيلِ المُرْجِفِينَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ، أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ مَصَالِحَ لِبَعْضِ الشَّرِكَاتِ الصِّحِّيَّةِ مِنْ أَجَلِ بَيْعِ مُنْتَجَاتِهَا.. فَيُصَدِّقُ بَعْضُ النَّاسِ كَلَامَهُمْ فَيُقَدِّمُونَهُمْ عَلَى أَصْحَابِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ، وَلَوْ زَارُوا الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَرْضَى لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ ضَرُّوا غَيْرَهُمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنَ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا)[الإسراء:36].

 

عِبَادَ اللهِ: عَلَيْكُمُ الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي لَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحَيْطَةِ وَالْحَذَرِ مَنْهَجٌ شَرْعِيٌّ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)[النساء:71] لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

 

حَمَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

المرفقات
الصحة-في-الإسلام.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life