عناصر الخطبة
1/ الحذر وأخذ الحيطة من علامات الفطنة 2/ الشباب والإجازة 3/ إهمال الآباء للأبناء مفسد لهم 4/ صلاح الولد أعظم ذخيرةاهداف الخطبة
اقتباس
وأكثرُ الفِتيان والفَتَيات صغار أغرار يُخدَعون ويُستجَرُّون، فعلى الأولياء أن يأخُذوا لهذه الإجازاتِ مزيدًا من التحفُّظ والتيقُّظ، والرعايةِ والعِناية، والحَزمِ والحَذَر، ويحفَظوا أولادَهم من أهلِ الفُحشِ والطَّيش، والسوءِ والفُجُور، ويتكلَّفُوا لبناتِهم من الحِراسةِ والحِمايةِ والرَّقابة ما يصُونُهنَّ من المخاوِف والمكارِه، ويحميهِنَّ من الأعيُن الشَّرِهَة، والنَّظراتِ الوَقِحة، والأقوالِ المُهينة، والنفوسِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله آوَى مَنْ إلى لُطفِه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوَى بإنعامه من يَئِسَ من أسقامه الدَّوَا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه كان على الخيرِ والهُدى، ومن عصاه كان في الغِوايةِ والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: الحذرُ والاحتِرازُ، وأخذُ الحَيطةِ قبل وقوعِ المكروه، واجتِنابُ التهاوُن صريحُ الفِطرة، ودليلُ الفِطنة، ومن غلبَ عليه الحَذَر، واستعمَلَ الحَزمَ، وتيقَّظَ وتحفَّظَ، سلِمَ وأمِنَ، ولا أمانَ مع الإهمال، ولا سلامةَ مع الاستِرسال.
ومن الشبابِ والفَتَيات من يطيشُ لحظةَ الفراغ، ويستبِدُّ به الفرحُ بالإجازة، وتأخُذه الرغبةُ في الترويحِ والتنفيسِ فيقتحِمُ كلَّ مكان، ويضربُ كلَّ طريق، يُغريهِ كلُّ من يُلاقيه، ويستهوِيه كلُّ من يُوالِيه.
والعدُوُّ يلتمِسُ الغِرَّة، ويلمَحُ الغفلةَ، ويُذكِي العُيون، وينصِبُ الأبصار، ويرصُدُ ويُلاحِظ ليفترِسَ طُعمتَه، ويقتنِصَ نقُذَتَه.
وأكثرُ الفِتيان والفَتَيات صغار أغرار يُخدَعون ويُستجَرُّون، فعلى الأولياء أن يأخُذوا لهذه الإجازاتِ مزيدًا من التحفُّظ والتيقُّظ، والرعايةِ والعِناية، والحَزمِ والحَذَر، ويحفَظوا أولادَهم من أهلِ الفُحشِ والطَّيش، والسوءِ والفُجُور، ويتكلَّفُوا لبناتِهم من الحِراسةِ والحِمايةِ والرَّقابة ما يصُونُهنَّ من المخاوِف والمكارِه، ويحميهِنَّ من الأعيُن الشَّرِهَة، والنَّظراتِ الوَقِحة، والأقوالِ المُهينة، والنفوسِ الدَّنيئة.
والصارِمُ الحَصيفُ لا يتقاعَسُ عن حِمايةِ شرَفِه، ولا يتوانَى عن صِيانةِ عِرضِه؛ فعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاهُ حفِظَ أم ضيَّع، حتى يسألَ الرجُلَ عن أهلِ بيته". أخرجه ابنُ حِبان.
وعلى الفتاةِ المُسلِمة أن لا تخضعَ بقولِها، أو ترققَ في لفظِها، أو تتميَّعَ في صوتِها، أو تتكسَّرَ في كلامِها ومِشيَتها، حتى لا يطمَعَ فيها القَذَرَةُ الفجَرة، والفسَقَةُ المَكَرة.
والفتاةُ الواعِيةُ لا تُسلِمُ نفسَها للفضيحةِ والعارِ، فتُراسِلُ غريبًا عنها يلعبُ بعواطِفِها، أو تخلُو بأجنبيٍّ فيُلطِّخُ شرفَها، ويُدنِّسُ عِرضَها.
والفتَى الحازِمُ لا يُخالِطُ من فسَدَ من الصِّبيان، ولا يُجالِسُ من انحرفَ من الشَّبابِ والفِتيان، ومن استرسَلَ في صُحبَةِ الفسَقَة سقطَ في هُوَّة الرَّدَى، ووقعَ في حفائرِ العِدَى.
وكم تورَّطَ من فتًى وفتاة في شِراكِ أهلِ الفواحِشِ والرَّذِيلة ومُروِّجي المُخدِّرات بسبب الاستِرسالِ والإهمال، وقلَّة التيقُّظ والتحفُّظ.
قال إبراهيم الحربيُّ: "فسادُ الصِّبيان بعضُهم من بعضٍ".
وقال ابن القيم: "وأكثرُ الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم".
وما أكثر العوائِدِ القبيحة التي سرَت وفشَت بين الفِتيان والفَتَيات بسبب المُخالَطة والمُجالَسَة والمُجانَسة، وترك الحَذَر، وضعفِ الحَزمِ، ولا ينجُو إلا من حَذَر. ومن تركَ الحَذَر وقعَ في الخَطَر.
حمانا الله وإياكم وذرياتِنا من شرِّ الأشرار، وكيدِ الفُجَّار، وشرِّ طوارِقِ الليلِ والنهار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيمَ الحليمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرَّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، أحمدُه حمدًا يُوافِي ما تزايَدَ من النِّعَم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الفتنِ وتدفعُ النِّقَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً وسلامًا دائِمَيْن مُمتدَّيْن إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فقد نجَا من اتَّقى، وضلَّ من قادَه الهوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون: صلاحُ الولد أعظمُ ذَخيرة، وأجلُّ غنيمة، والأدبُ وسيلةُ إلى كل فضيلة، فبادِروا إلى تأديبِ أطفالِكم، ورِعايةِ أولادِكم، وصونِهم عن القبائِحِ والرَّذائِل، وشَغلِهم بما ينفعُهم في دينِهم ودُنياهم، وائذَنوا لهم باللَّعِب المُباح، واللَّهوِ المشروع، وأحسِنوا مُصاحبَتَهم، وأدِيموا مُراقبَتَهم، واحذَروا التَّوانِيَ والتَّراخِي، وعامِلُوهم بالعطفِ واللُّطفِ، والرحمةِ والشَّفقَةِ والإحسانِ.
وحافِظوا على استقرارِ أُسرِكم، واحذَروا الطلاقَ والفِراقَ إلا ما اقتضَته الضرورةُ؛ فإن الطلاقَ بابٌ عريضٌ لانحرافِ الأولادِ وفسادِهم.
وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة أصحاب السنَّة المُتَّبَعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المُسلمين.
التعليقات