عناصر الخطبة
1/ من حكمة الله وجود أئمة يدعون إلى النار 2/ منافق من الطراز الأول 3/ عبد الله بن أبي ابن سلول رائد فكرة النفاق 4/ كيف نبتت هذه الجرثومة في جسد الإسلام الأبيض 5/ حكمة وجود المنافقين بالمجتمع المدني الأول 6/ صفات السلوليين في كل زمان ومكاناهداف الخطبة
اقتباس
لم يكن رب العزة عاجزًا أن يخلِّص هذا المجتمع الطاهر من سوءات بني الأسفلين الأرذلين، ولكن حكمة الله كانت فوق المصالح الظاهرة للعينين، من أين لنا إذن أن نعرف هذه الدوافع التي ورثها منافقو زماننا من منافقي القرن الأول، لو لم يذكرها الله – تعالى - في كتابه الكريم، كادت الآيات في المنافقين أن تكون أكثر من الآيات في الكفار والمشركين، إذا سمعت...
الخطبة الأولى:
الحمد لله بارئ النسم، علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، الكريم الأكرم، منعمٍ باسط شكور صبور، ويداه تفيضان بالأعطيات، يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له، إنه بكل شيء عليم:
لو أن هذا البحر كان مدادنا *** نفـد المداد وحمده لا ينفد
لو أن نبت البيد صار يراعة *** فنيت ورب النبت باقٍ يُحمد
سبحانه ربٌ عظيم أوحد
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعالى الله عن شبه وند، وعن مثل له وعن الشريك، لا شريك في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبد الله ورسوله، بلغ رسالة الله، وجاهد في الله، حتى توفاه الله، له أياد علينا سابغةٌ، نعد منها ولا نعددها.
كل له قد منحنا الدين مكتملاً *** إلا رسول الهدى لم نوفه الدَّيْنا
شفيعنا دون كل الناس إذ سألوا *** أين الشفيع لنا ولات من أينَ
صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحبه المصطفين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
حكم الله لا تنقضي، ونعمه لا تنجلي، يخلق الخلق وما شاء فعل، له الحكمة البالغة ولو شاء لهداكم أجمعين.
إذا كانت حكمة الله اقتضت أن بعض خلق الله في إيجادهم للناس نعمة، فإن حكمته قد اقتضت أن بعضهم بُهمٌ رعاع، وفي إيجادهم لله حكمة.
إذا كانت نعمة الله تجلت في رجالٍ يهدون إلى الخير وبه يعملون، فإن حكمته قضت أن هناك أئمة يدعون إلى النار، ولمن أجابهم بها يقذفون!
أئمة النار في أرجاءها مُلئوا *** من بعد ما أشعلوا في غيرهم حطبًا
***
شياطينُ هم قد شيطنوا الناس حُسَّدٌ *** وبغضاؤهم تحبو على كل مؤمن
شياطينُ يغـوون العبـاد بخطـرة *** وأمـرهمُ للنـاس لـم يتبـينِ
عند ذكر الله تعالى لشياطين الثقلين في القرآن، قدّم شياطين الإنس على شياطين الجن؛ لأن الشيطنة في نفوسهم أعتى وأظلم، وأشدُّ تنكيلاً:
يسحقون الشيطان سحقًا وما *** الشيطان فيهم إلا أبرَّ لطيفًا
في شياطين جننـا قال ربي إن *** كيد الشيطان كان ضعيفًا
حديثنا عن رجل لا كالرجال، رجل بالمعنى المجازي، وشيطان على المعنى الحقيقي، له وجه وليس له ضميرٌ، قوالبه تبدو، ويزورُّ قلبُه:
له عينٌ تُفيضُ الشر والشررَ *** له ثغر يُفيض الكفر والخطرَ
له قلب طوى من كل خاف للخنا كدرًا
بادٍ عليه الحقدُ وجهًا أسودًا *** وهو الذي لبس القناع الأصفرَ
من رؤوس الكبر في القرن الأول، من أدعياء الضلالة فيه، يسوق الناس بعصاه إلى النفاق والشقاق والاحتراب والافتراق، إذا كانت شياطين الجن تجري من ابن آدم مجرى الدماء، فإنه يجري منهم مجرى الرؤوس.
منافق من الطراز الأول، لا يعترف بخطرات الشياطين عن بعد، بل يحرك خطراته في الناس عن قرب!! ساءه أن الناس دخلت في دين الله أفواجًا، فخشي على نفسه أن يخوض معركة معلنة مع التيار الإسلامي المحمدي ثم يخسرُها، فأعلن كفره ونفاقه!! بالله أرأيتم نفاقا يُعلن؟! نعم، كسر هذا المنافق الإجراءاتِ التقليديةَ للدخول في سلك النفاق، فلم يكفر بالله فحسب، بل خاض متزعمًا أشرس حرب دقيقة خطيرة لضرب المجتمع الإسلامي على عهد رسول الله، خاض متزعمًا حربًا طويلة المدى لكسر اللحمة الواحدة، كانت الحرب الباردةُ الخفيةُ هي أفضل الحلول لهذا المنافق والشرذمةِ القليلينَ.
يؤلب ما استطاع على نفاق *** ويكسر ما استطاع من اجتماع
شجاع إن أريد الشرَّ ماضٍ *** وما في الخير بالقرم الشجاع
هذا المنافق ومن معه بالدرك الأسفل من النار، لا جرم! فقد كانوا بالدرك الأعلى من النفاق في الدنيا، مساكين هم أهل النفاق، فليس هم الذين أظهروا كفرهم وتنفسوا صعداءهم وتمتعوا بسبيلهم، ولا هم في الآخرة من الفالحين الناجين، بل هم الخاسرون، وفي العذاب هم خالدون، مساكين هم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ويحسَبون أن الله سيخفى عليه عمل ما كانوا يعملون: (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ)، (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).
من هذا المنافق الذي كسر العروة الوثقى بكفره عندما كفر بأن محمدًا رسولُ الله، فأظهر الولاء له، وأبطن البراء منه، وآذى رسول الله أذىً شديدًا!! من هذا المنافق الذي له غدرات ما يجيش بها امرؤ على الدهر إلا افتكته ودينَه! من هذا المنافق الذي شرب النفاق صرفًا معتقًا، تمور به أعطافه ومخايله، من هذا المنافق الذي آذى الإله ورسله! وأصحابَ رسل الله في كل محفل، من هذا المنافق الذي جلب الهوان وما رأى جمع النفاق بموقف إلا هفا! من هذا المنافق الذي ضرب الصفوف ببغضه، قدحت عليه شرارة الشحناء!
من هذا الذي كلما سمع هيعة للشر طار لها، وإن يسمع الخير ظل وجهه مسودًا وهو كظيم!! من هذا المنافق الذي استحدث دين النفاق في البشرية جمعاء، بعد أن لم تعرفه في كل الحقب!! من هذا المنافق الذي رضي أن يتحمل وزرَ كلِّ منافق يأتي بعده، ما من منافق في أي زمان إلا على هذا الرجل كفل منه!!
كُتُب النفاق بوجهه مستخفيًا *** يبدي عليه غشاوة وستارًا
يا رب وجه منافق ما أظهرت *** إلا علامةُ وجهه الأوضارَ
عبد الله بنُ أبي ابن سلول، هو رائد فكرة النفاق في العالم الإسلامي من عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا العهد، دعونا نتحدث عن هذا الرجل، وفكرته التي صدرها إلى المجتمعات الإسلامية من بعده، فأصبحت أكثرُ المجتمعات رازحة تحت هذه السلاسل الشيطانية.
كان يستطيع هذا المنافق أن يُظهر عداوته للمجتمع الإسلامي، ولكنه كان لا يريد أن يخسر شيئًا من تصدره، ورصيده العلاقاتيِّ مع الناس، إذًا فالمنافقون جبناء، كان يستطيع هذا المنافق أن يدخل في دين الإسلام ظاهرًا وباطنًا، لكنه كان لا يريد أن يدخل في دين يفرض عليه ما يقيد حريته، فهو أرقى بزعمه من كل هذه القيود التي تحد من كبريائه، إذًا فالمنافقون بهت حُسَّدٌ متكبرون أغبياء، كان يستطيع هذا المنافق أن ينضم للمجتمع المسلم ظاهرًا، ثم يأوي إلى بيته، تاركاً محادة شرع الله ونبي الله، ولكنه كان لا يريد ذلك، بل يريد لهذا الدين أن لا يستحكم.
نحن قمنا هذا المقام لنفسر كيف نبتت هذه الجرثومة في جسد أبيض سليم! كيف نبتت، ثم استغلظت ثم استوت على سوقها تغيظ المؤمنين، وكيف استشرت في هذا المجتمع وفي كل مجتمع مسلم يأتي بعده.
إذا استطعنا أن نحلل فكرة النفاق، عرفنا من أين أتتنا السلوليات المعاصرة، إذا عرفنا دوافع ما يفعله ابن سلول في ذلك المجتمع المحمدي عرفنا كلَّ الدوافع التي تفعلها السلوليات التي أتت بعده، هذا المقام هو أسمى من أن ندنسه بذكر هذا المنافق الذي لا يفتر أيُّ ثغر مسلم بذكره، ولكننا أردناه جلوةً لمن أراد أن يذكر أو أراد اعتبارًا.
والله ما سلمت من هذا المنافق وأصحابِه دولةُ الإسلام، ولا نبيُّ الإسلام، ولا صحابةُ الإسلام، ما سلمت منه هذه الدولة، أفسلمت منه يوم بني المصطلق، في غزوة المريسيع، حين جهز النبي -عليه الصلاة والسلام-، لقتالهم، أفسلمت منه؟! لقد خرج هذا المنافق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكرهًا لا بطلاً، خرج لا يريد الحرب، ولكن خرج يريد الكرب وإشغالَ الصفوف المسلمة، وإلهاءَها بقشور الخلافات، وإثارة التعصبات، خرج معهم، وما أن أراد هذا الجيشُ العظيم العودة إلى المدينة، إلا وقد اختلق هذا السلولي المنافق أعظم قصة إفك في التاريخ، على من أيها المنافق؟! على أطهر فراش، وأزكى بيت، وأجلِّ زوج في البسيطة محتدًا، وأبرِّ بيت في الوجود جلالاً، قذف هذا السلولي عرض رسول الله، بزوجته الحصان الرزان التي ما هفت، يداها لشر ولا ريبة، من سلالة خير خلق الله بعد نبيها، قذف التي ما تزن بريبة، وتصبح غرثى من لحوم الغوافل، لقد خُلد القذف والقاذف، في آيات محكمات نتلوها إلى قيام الساعة ببراءة الصديقة عائشةَ -رضي الله عنها- وكِبْر هذا المنافق الأفاك.
ما سلمت دولة الإسلام من هذا الذي تولى كبر النفاق، أفسَلمت منه دولةُ الإسلام، في أضيق ظروفها التاريخية؟! لم يهزم الجيش المحمدي في أي معركة إلا في معركة واحدة، كان هذا السلولي من صناع الهزيمة في غزوة أحد، خرج المسلمون لملاقاة أعداء الله، وما دروا أن من بينهم من كتب الله أن يعمَّر في الدرك الأسفل من العداوة الشديدة لدين الله، خرج المسلمون، ضعيفة كفافهم، قليلة أزوادهم، عاريةٌ ظهورهم، في زمن هو أشد زمن تحتاج فيه هذه الدولة للإمدادات القتالية، والمساعدات الحربية، ولكن ابن سلول أبى إلا الغدر، وقد شرب الغدرَ قدمًا ففاضًا.
أخو غدرات ما تكف وغدره *** أغار بصدر اليعملات النجائب
قال هذا السلولي المنافق في يوم أحد لمن معه: "أيها الناس: والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا!! إني راجع فارجعوا". ليكون هذا المنافق طرفًا حقيقيًا في هذه الهزيمة اليتيمة في التاريخ المدني على عهد رسول الله، أفسلمت منه دولة الإسلام، ونبي الإسلام، وصحابة الإسلام!!
يتآكلـون ضغيـنة وخيـانة *** وتفيض أنفسُهم أذى ووبالاً
يتآكلـون ضغيـنة وخيـانة *** ويـرونَ لحمَ الغافلين حلالاً
وهمُ فَـراشُ السّوءِ يومَ مُلِمّة *** يتَهافَتـونَ تَعـاشِيًا وخَيـالاً
وهمُ غَرابيلُ الحَديثِ إذا دعَوا *** شراً تقطرَ منهـمُ أو سـالَ
أفسلمتم منهم دولة الإسلام!! ما سلمت، لقد اتخذتهم دروعًا، فكانوها ولكن للأعادي:
وخالتهم سهامًا صائبات *** فكـانوهـا ولكن في الفؤاد
وقالوا قد سعينا كل سعي *** لقد صدقوا ولكن في الفساد
بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا، أقول ما قلت وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل خطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على المنافقين الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسلميًا كثيرًا.
أما بعد:
لم يكن رب العزة عاجزًا أن يخلِّص هذا المجتمع الطاهر من سوءات بني الأسفلين الأرذلين، ولكن حكمة الله كانت فوق المصالح الظاهرة للعينين، من أين لنا إذًا أن نعرف هذه الدوافع التي ورثها منافقو زماننا من منافقي القرن الأول، لو لم يذكرها الله تعالى في كتابه الكريم، كادت الآيات في المنافقين أن تكون أكثر من الآيات في الكفار والمشركين، إذا سمعت تحذير الله -عز وجل- بقوله: (هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، فاعلم أنه قالها في المنافقين، وليست في سواهم من كل طائفة منحرفة.
إذا سمعت الله -عز وجل- يقول: (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ)، فاعلم أنه قالها في المنافقين أربع مرات، وقالها في الكفار مرتين!!
كانت إرادة الله فوق كل إرادة لبني البشر، حينما شاء -عز وجل- أن يزرع المجتمع المدني على عهد رسول الله بالمنافقين، كانت حكمة الله فوق كل حكمة، أن يا أيها الناس: إن المنافقين كانوا لكم عدوًا مبينًا، كانت حكمة الله -عز وجل- تجلت في جعل المجتمع المدني خليطًا من المؤمنين والمنافقين، ليميز الله الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا، فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون.
لم نكن لنعرف هذه السلولية المعاصرة، لو لم يكن في المجتمع المدنيِّ ذلك المنافقَ السلولي والشرذمةَ القليلين، لأي شيء تضل عنا معرفةُ دواخل النفاقَ المعاصر وفينا كتاب الله، وكتابه أهدى وأقوم قيلاً، لأي شيء لا نستلهم هذه العبر، وهي تتلى غُدْوة وعشيةً، آياته قد رتلت ترتيلاً!!
إن السلوليين الأُوَل قد كفونا مؤونة التمحيص، مثبتٌ غلُّهم بنص النصوص.
اقرأنْ اقرأنْ فآيات ربي *** ليس تخفى لكل قلب حريص
***
أو يخفى بنو سلولَ جميعًا *** لست إني إذًا من المبصرين
السلوليون في كل زمان ومكان، فاسدون، مفسدون، مجرمون، معتدون، مبعدون، جاهلون، خائبون، فاسقون، بربهم كافرون، لا يستحي السلولي أن يلبس أنضر جلباب، وإن كان قلبه طاويًا على النكت السوداء، والشحناء والبغضاء، أفعى صحراء، وثعبان ماء، وحيةٌ رقطاء:
حـذار حـذار منهم إنهم *** شرك الردى وقرارة الأكدار
كم مزدهٍ بغرورهم قد قلبَّوا *** ظهـر الأمور له وقدح النار
السلوليون، يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ينشرون الرذيلة، ويقتلون الفضيلة، لا يرعوون في إفساد الناس، ينشرون التحلل والبغي وظلم العباد: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
السلوليون يكرهون الإسلام، ولكنهم يختفون تحت اسمه عند الحاجة، ويعلنون كفرهم إن تولت، مسلمون إن كان لكم فتح من الله، (وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)، لهم ألف قناع وقناع، إذا كشف القناع الأصفر لبسوا الأحمر، وإذا كشف الأحمر لبسوا الأخضر، لهم لبوس لكل هوى، ونسب بكل زمان، حالهم كقول القائل:
يومًا يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن *** وإن لقيت معديًا فعدناني
السلوليون: يجتمعون دومًا لإسقاط حل الإسلام في الأرض، ويتآمرون دومًا لإسقاط أهل الإسلام، اجتمع السلولي الأول يومًا مع أصحابه: فقال قولة لخناء غدت مثلاً، تتلى إلى يوم بعث الناس في الحشر، يقول ابن سلول: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ)، أهو الأذل؟!
أنت الأذل وربك المتعالي *** يا صاحب النكراء والأغلال
من ذا تكون أهيان بنَ بيانِ!! يا طامر بن طامر، يا صلعمةَ بن قلعمة:
اذهب فأنت طليق عرضك إنه *** عرض عززت به وأنت ذليل
السلوليون لا يريدون اجتماع الأمة على رب واحد، ومنهج واحد، ودين واحد، ورجلٍ يقودهم بكتاب الله، بل يهتبلون أيَّ فرصة للغدر بهذا الاجتماع، وفي أحُد بها الخبر اليقين.
كلما احتاجتهم أمة الإسلام، يكونون لها أول الضاربين ولكن من الخلف، شاهدوهم في كل زمان ومكان، من خذل إخواننا إلا هم، من سلط العدو عليهم إلا هم، من كسَّر الشوكة الإسلامية إلا هم:
خذلوا القريب وقربوا البعداء *** نصبوا النفاق على القلوب لواء
السلوليون لا يحبون سلامةَ الصفوف، وجمعَ الكلمةِ المتحدةِ، واللحمةَ الواحدة، بل يبتغون شَرْذَمَة أي عضو متصل، وإثارةَ الفوضى والأقاويل، وتشتيتَ الجهود عن المقصد الأصلي:
إن يسمعوا ريبة طاروا بهـا فرحًا *** منا ومـا سمعوا من صالح دفنوا
صـم إذا سمعـوا خيرًا ذكرنا به *** وإن ذكـرنا بسوء عندهم أذنوا
إِنْ يَعْلَمُوا الخَيْرَ يُخْفُوهُ وإِنْ عَلِمُوا *** شَرًّا أَذاعُوا وإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا كَذَبُوا
يخرج المؤمنون إلى جهاد الكفار، ثم يفاجؤون بهذا المنافقِ السلولي وقد أشغلهم عنه بقولة الإفك في أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين، ليس عجبًا أن يكون هذا السلولي الأوَّل هو العقل المدبر لفكرة (مسجد الضرار)، وهو مسجد النفاق الأول، أسسه السلوليون، ليكون مقرَّهم السري الذي تصدر منه الفتن، وتصنع فيه الأراجيف.
إن من نعم الله -عز وجل- لذاك المجتمع، عدم تمكُّن المنافقين منه، ولو تمكنوا لكاشفوهم الأفئدة، كما كاشفها بنو أيامنا، ولاستطارت العيون عن كل حقد مضمر، حقدًا على البغضاء منصوبًا، ومجزومًا على الأمراض علامة جزمه العلة، وكلما اشتدت شوكة الإسلام في عهد ظهرت تقيتهم فيه، وعكسه بعكسه.
بنو سلول لا يمانعون أن يستخدموا الدين لإحياء أيِّ فكرة تقوم على ضرب التيار الواحد، فهم دخلوا الإسلام في الأصل لقطع جذور الإسلام، بنو سلول لا يمانعون أن يحلفوا الأيمان المغلظة على ما يقولون، فأهون الأشياء عندهم يمين، يشترون بها أي شيء، يرضون الناس بسخط الله: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ).
بنو سلول لا يمانعون أن يطمئنوا قلوب الجماهير على شرعية ما يفعلون، وسيحلفون لكم ثم سيحلفون، إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون.
بنو سلول لا يجدون حرجًا حتى في تحالفهم مع اليهود، بل يقدمون ولاءهم وحبهم لليهود دون المؤمنين.
بعد غدر يهود بني النضير برسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-، أراد النبي إجلاءهم، فقام عبدالله بن أبي السلولي بتحريض حلفائه اليهود على قتال رسول الله وعدم الاستسلام له بالرحيل، ثم وعدهم بالنصرة والمساعدة، فأعلنوا الحرب، وانتهى بهم الأمر إلى الجلاء من المدينة!!
جبنـاءُ أفاكـون ليس لديهمُ *** عهد وثيـق فالعهود شراءُ
جُبْن عن الهيجاء إن نادت بهم *** وهمُ إذا ما قد خلوا زعماء
لا عجب:
وإذا ما خلا الجبان بأرض *** طلب الطعن وحده والنزالَ
(أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
المنافقون قوم بهت، أذلةٌ على الكافرين، أعزةٌ على المؤمنين، يجاهدون في سبيل الشيطان ولا يخافون لومة لائم، إلا لائم القوة، يستهزئون من المؤمنين في كل مقام به يذكرون، لا ضير، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
حين بلغت القلوب الحناجر في عهد رسول الله في غزوة الخندق، وبينما النبي -عليه الصلاة والسلام- يحفر الخندق، إذ اعترضت صخرة عظيمة، فشكا الصحابة إلى رسول الله هذه الصخرة العظيمة التي كسَّرت معاولهم، فلما جاء -عليه الصلاة والسلام- ضرب الصخرة ثلاث ضربات، في كل ضربة كان النبي يبشر أصحابه بفتوحات عظيمة في الشرق والغرب، ومع تلك المشاعر المختلطة بالفرح والحزن، اهتبل السلوليون هذه الفرصة للسخرية من أهل الإيمان، وقالوا: أيعدنا محمد بالفتح، وما يستطيع أحدنا أن يذهب لقضاء حاجته من الخوف؟! ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا:
ظهر النفاق على اللسان وجاهرت *** بالكفر أفئـدة تفح فحيـحًا
السلولين في كل مكان وزمان ليس يخفون على الله، وإن اختفوا على خلق الله، وقد وسم الله جباه المنافقين بأوسمة لا تزال ترى إلى قيامة القيامة، لم هذا الحديث عن هذه الطغمة الفاسدة؟! كي نحذرهم: (هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، لم هذا الحديث؟! كي نجاهدهم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)، لم هذا الحديث؟! كي لا نطيعهم في مكرهم: (وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ). لم هذا الحديث؟! كي نسأل الله العافية.
إياك والأمن من النفاق، قال الحسن البصْري: "ما خافَه إلاَّ مؤمن، ولا أمِنَه إلا منافق".
ولا كنت أقْوى إيمانًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد أدرك ابن أبي مليكة ثلاثين من أصْحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كلهم يخاف النِّفاق على نفسه.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة *** وإلا فإني لا إخالك ناجيًا
اللهم إنّا نعوذ بك من النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، اللهم إنّا نعوذ بك من النفاق وأهله، اللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
اللهم صل وسلم...
التعليقات