عناصر الخطبة
1/بعض قصص من مات بسبب مرض السرطان 2/ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السرطان وبعض أسباب ذلك 3/إرادة الله -عز وجل- وقدرته فوق كل شيء 4/بشرى وتسلية للمرضى 5/بعض منح المرض وفوائده 6/شكر الله وحمده على كل حالاهداف الخطبة
اقتباس
ذلك المرض الذي لم يتهيب الملك حسين، ملك الأردن، فهاجمه في عرشه!. ولم يتهيب شيخنا العلامة العثيمين فهاجمه بين طلابه وكتبه!. إنه لم يتهيب كبيرا ولا صغيرا، ولا غنيا ولا فقيرا، ولا وجيها ولا عظيما، إلا ويهجم عليهم. بات هذا المرض، هو مرض العصر الذي نسمع به بين الفينة والأخرى. وأعجب من ذلك أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أحسن المنعمين، وأكبر المتفضلين، أحمده على جزيل النعم ، اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، ولك الثناء كله.
اللهم صل وسلم على سيد الكونين أحمد، صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه.
بلغ العلا بكماله *** كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله *** -يا سامعين لمدحه- صلوا عليه وآله
ذاك الرسول كفاه فخرا أنه **** قد خصه الرحمن بالتفضيل
فكساه بالخلق العظيم كما *** أتى في سورة تتلى من التنزيل
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله صلاة وتسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة: قبل ما يزيد عن أسبوع، وارينا الثرى جثمان فتاة لم تتجاوز الربيع الثامن عشر من عمرها، هجم عليها ذلك المرض، الذي مجرد ذكره يعكر صفو الجميع، هجم عليها المرض، ذهب أهلها بها إلى فرنسا، ثم عادت وقد جزم الأطباء بصحتها، فعاد المرض من جديد كأشرس ما يكون، لم يمهلها إلا بضعة أشهر، حتى قضى عليها، ووري جثمانها الثرى.
ذلك المرض الذي لم يتهيب الملك حسين، ملك الأردن، فهاجمه في عرشه.
ولم يتهيب شيخنا العلامة العثيمين فهاجمه بين طلابه وكتبه.
إنه لم يتهيب كبيرا ولا صغيرا، ولا غنيا ولا فقيرا، ولا وجيها ولا عظيما، إلا ويهجم عليهم.
بات هذا المرض، هو مرض العصر الذي نسمع به بين الفينة والأخرى.
وأعجب من ذلك أن جيرانا لنا في الشمال، ارتفعت نسب الإصابة عندهم بالمرض، بعد التدخل الأمريكي في بلادهم، وبعد إلقاء عشرات الآلاف، أو المئات على بلادهم، فباتت نسب الإصابة بهذا المرض تربو على ما يزيد عن عشرين بالمائة من الشعب.
يهاجم أخوة في الشمال، ويهاجم لنا أخوة في الجنوب، في جنوب الجنوب عند المضيق، آثروا أن يعتلفوا هذه النبتة الخضراء التي يسممها المزارعين، بغية تكثيرها، وبغية تعظيمها، وسرعة إنتاجها؛ بالمحرمات من الأسمدة الكيمائية، فيملئون أفواههم صباح مساء.
وسجل "اليمن" إثر ذلك أعلى نسبة للإصابة بأمراض؛ سرطان اللثة والفم.
هو هذا المرض الذي يسميه البعض خبيثا!.
ويا للعجب! كان شيخنا رحمه الله ينهى عن تسميته بالخبيث، ويقول: ليسمى بالمرض الخطير، مثلا.
ثم شاء الله وقدر أن يكون شيخنا نفسه أحد ضحايا هذا المرض.
"السرطان" الذي مجرد ذكره -كما أسلفت- يهدم اللذات، ويفرق الجماعات، ويعكر الصفو، لي معه وقفات وأي وقفات.
أولاها: أنه لا تدخل مع إرادة الله -عز وجل- ولا قدرته، فإن الأطباء الذين يزعمون لبعض المرضى أنه لم يتبقى من أعمارهم، ولا من حياتهم، إلا أياما معدودة، رأينا تدخل إرادة الله -سبحانه وتعالى- وقدرته، فبرئ من كان يظن أنه عاطب لا محالة، واستيقظ من كان يظن أنه ميت لا محالة، ويأبى الله -عز وجل- إلا أن تمضي إرادته.
قصصا سمعناها كثيرة، من أناس التجئوا إلى الله، بعضهم بقي في الحرم المكي سنتين كاملتين يلتحف سماء الحرم، ويأوي إلى أرضه، يشرب من زمزمه ومائه، يطوف حول كعبة المولى -جل وعلا- يسأل الله الشفاء والعافية، حتى شفى الله ذلك السقم، وعادات ملايين الخلايا السرطانية المتكاثرة، عادت عشرات قلة، ثم اختفت بإرادته وقدرته، وتبقى إرادة الله هي النافذة.
بشرى وتسلية لكل مصاب، ولكل مريض، هذه البشرى مفادها: حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يقول فيه: "ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له الدواء علمه من علمه، وجهله من جهله".
وجاءت الأعراب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: "تداووا، فإن الله -عز وجل- لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد، الهرم".
البلاء والابتلاء والمرض نعمة في صورة نقمة، ومنحة في إيهاب محنة، وعطية من الله أي عطية، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط".
عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب إيمانه، فإذا وجد في دين المرء صلابة زيد في بلائه".
تقول أمكم عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها-: "ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وهذا ابن مسعود، كما في البخاري وغيره يقول: "دخلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ليوكع وعكا شديدا، قال: قلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديد؟ قال: "إني أوعك كما يوعك الرجلين منكم" قال: يا رسول الله ذلك أن لك أجرين؟ قال: "نعم".
من يرد الله به خيرا يصب منه.
وفي الأثر: أن رجلا جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: يا رسول الله إني لأمرض؟ قال: "لست منا".
نحن نوعك ونصاب ونمرض لنستشعر عظيم نعمة الله -سبحانه وتعالى-.
ولذلك في الحديث في صحيح الجامع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو يعلم أهل العافية في الدنيا ما لأهل البلاء لتمنوا أن يقرضوا بالمقاريض".
المرض ابتلاء، والله -تعالى- يقول: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:35].
قال بعضهم: "لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام، ولا جزع اللئام".
لكن هذا الابتلاء في طياته فوائد، في طياته كنوز، ومنن ورحمات، وألطاف ينزلها الله -عز وجل- على عباده؛ ليس إلا، من أقلها: تكفير السيئات، وحط الخطايا، وغسل العبد من ذنوبه، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله بها من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".
وعن أبي هريرة أن المطيبة الأفواه بالصلاة والسلام عليه قال: "ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".
يكفر الذنوب، ويرفع الدرجات؛ مصداق الحديث الصحيح: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ؛ فَمَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا".
لذلك، كان بعض السلف يفرحون بالبلاء إذا حل أشد من فرحهم بالنعمة إذا نزلت.
أما في العمى، فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ربه: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته بهما الجنة".
الله الله! ما أعظم الجزاء.
ألا إن من أعظم فوائد المرض: إنكسار العبد بين يديه، يقبل به المدبر على الله، ينكسر به العزيز الشامخ بأنفه بين يدي الله، يفتقر به الغني الناظر في عطفيه بين يدي الله -تعالى-، قال الله: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الأنعام:42].
يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "مصيبة تقبل بها على الله خيرا من نعمة تنسيك ذكر الله".
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15].
يقول الإمام ابن القيم: "لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد -من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب- ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا"
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
قال الفضيل بن عياض: "إنما جُعلت العلل ليؤدَّبَ بها العباد.
ليس كُلُّ مَنْ مَرِضَ مات!
يجري القضاء وفيه الخير نافلة *** لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرح أو نابه ترح *** في الحالتين يقول: الحمد لله
يروى أن الخليل إبراهيم، قال لله -تعالى-: "يا رب ممن الداء؟ قال:مني".
قال إبراهيم:" ممن الدواء؟ قال الله: مني قال: فما بال الطبيب؟ قال: رجل أرسل الدواء على يديه".
ألا وإن من عظيم نعم الله علينا، من فوائد الابتلاء والمرض: أنه سبب وفرصة لنيل الشهادة.
مرضى السرطان الذين قضوا نحبهم في هذا المرض، طهرهم الله -عز وجل- مدة المرض والإصابة به تساقط شعور رؤوسهم، ربما تساقط حتى حجبهم، ربما ذهب شعرهم، لكننا لم نعلم أن مع هذا، ذهبت معه الخطايا والأوزار والسيئات، والجرائم والكبائر والصغائر، وزيادة على ذلك، كان فرصة لهم لنيل مرتبة عظيمة لا ينالها إلا من إلا من ركب ذروة سنام الإسلام، إنها مرتبة الشهادة.
إذا كنتم تظنون أن الشهادة لا تكون إلا في القتل في ميادين الجهاد، فإن النبي يجيبكم قائلا "إذاً شهداء أمتي قليل".
ثبت عنه في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله".
وزاد في بعض الروايات: أنهم سبعة.
إذاً هي فرصة لنيل هذه الشهادة، وهنيئا لموتانا الذين ذهبوا بداء البطن، بمرض البطن، أي أصابهم السرطان في باطن أجسادهم، نحسبهم عند الله من الشهداء.
من فوائد المرض: أنه فرصة للمشي في خراف الجنة، فرصة لعيادة المولى -جل وعلا-، كيف تكون عيادته؟
"يقول الله -تعالى-: عبدي مرضت فلم تعدني؟ قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين! قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما إنك لو عدته لوجدتني عنده".
ولا يقف الفضل عند هذا الحد، بل ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي".
أدعوكم وأدعو نفسي أن نخرج من صلاة الجمعة، ثم نستحضر مرضانا، فنكتسب تشييع سبعين ألف ملك.
أسألكم بالله! هل رأيتم في مواكب الدنيا عند ملوكها ورؤسائها ووجهائها وشيوخ قبائلها أن رجلا عظيما شيعه سبعون ألفا من أفراد أسرته أو مملكته أو حاشيته أو حرسه؟!
أما لو أنك عدت مريضا مصبحا، شيعك سبعون ألف ملك، يستغفرون لك، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان في خريف الجنة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والمواعظ والذكر الحكيم.
أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، طوبى للمستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إنعامه، والشكر له على تفضله وامتنانه، ولا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد وعلى آله وصحابته وإخوانه.
الحمد لله في النعماء، والحمد لله في البلواء، الحمد لله في السراء، والحمد لله في الضراء.
نعم، الحمد لله الذي لا يحمد على سراء وضراء إلا هو، الحمد لله الذي لا يذكر في المكروه في الحمد إلا هو جل جلاله.
التعليقات