عناصر الخطبة
1/خطوات عملية لطيفة عند أول لقاء بين الزوجين 2/قوامة الرجل على زوجته بين التفلت والتعنت 3/من خطوات الزواج الناجح 4/أهمية الصبر بين الزوجين إلا فيما يخالف الشرع والعرضاقتباس
القِوَامةُ لَيستْ قَائمةً عَلى الظُّلمِ والتَّسَلُّطِ والإجحَافِ، وإنما قائمةٌ على العَدلِ والرَّحمةِ والإنصافِ، فَهي للرَّجلِ بِما فَضَّلَهُ اللهُ -تَعالى- مِن الخَصائصِ والصِّفاتِ، وبِما أنفقَ مِنَ المَهرِ وسَائرِ مَا يَحتَاجُهُ الأهلُ مِن نَفَقاتٍ، فَيَأمرُ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذَي أَنْزَلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، سُبْحَانَهُ خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْـلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، حَثَّ عَلَى الزَّوَاجِ وَرَغَّبَ فِي تَيْسِيرِ الطُّرُقِ المُوْصِلَةِ إِلَيْهِ وَالأَسْبَابِ، وَحَاطَهُ بِجُمْـلَةٍ مِنَ الفَضَائِلِ وَالآدَابِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ الطَّيِّبِينَ، وَرَضِيَ اللهُ عَمَّنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، أَمَّا بَعْدُ:
وأخيراً يَدخلُ الزَّوجُ مَعَ زَوجتِهِ إلى عِشِّ الزَّوجيةِ، بَعدَ رِحلَةٍ طَويلةٍ من الاختيار إلى العُرسِ، فَكيفَ يَبدأُ؟.
مُلاطفةُ الزَّوجةِ بِجَميلِ ورَقيقِ الكَلامِ، وإزالةُ الرَّهبةِ بِتَقديمِ عَصيرٍ أو خَفيفِ الطَّعامِ، تَقُولُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُا-: كُنْتُ صَاحِبَةَ عَائِشَةَ الَّتِي هَيَّأَتْهَا وَأَدْخَلَتْهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي نِسْوَةٌ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا عِنْدَهُ قِرًى إِلَّا قَدَحًا مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَةَ فَاسْتَحْيَتْ الْجَارِيَةُ فَقُلْنَا: لَا تَرُدِّي يَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْهُ، فَأَخَذَتْهُ عَلَى حَيَاءٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ.
ويَبدأُ حَياتَهُ الزَّوجيةَ بالدُّعاءِ، رَجاءَ البَركةَ والتَّوفيقَ والبَقاءَ، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فلِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا ولْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ"، وإن صَلَيَّا رَكعتينِ وهِيَ خَلفَهُ كَما أَوصى بِذلكَ الصَّحابةُ -رَضِيَ اللهُ عَنهم- فَهو نورٌ عَلى نُورٍ، ثُمَّ يُوصيها بِطاعةِ اللهِ -تَعَالى-، ويَحثُّها على صِلةِ أهلِهِ وأهلِها، ويَذكرُ لَها ما يُحبُّ وما يَكرهُ.
وإذا أردتَ أن تُحافظَ في بيتِكَ على السَّعادةِ والاستقرارِ، فاجعلْ فِيهِ نَصيباً وافراً من القُرآنِ والأذكارِ، وتَخلَّصْ فِيهِ مِن قَنواتِ الفِسقِ والأشرارِ، فالبيتُ الذي يُذكرُ فيهِ اللهُ لا يَكونُ للشَّياطينِ فِيهِ قَرارٌ.
أيَّها الزَّوجُ: وأنتَ في أيَّامِكَ الأولى السَّعيدةِ، لا تَنسَ مَسئوليَتَكَ الكُبرى الجَديدةَ، يَقولُ تَعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)؛ فلا بُدَّ لِكُلِّ بَيتٍ يَنشِدُ الاستقرارَ والسُّرورَ، مِن قَائدٍ وَاحدٍ يَستَلمُ زِمامَ الأمورِ، فهَذهِ القِوَامةُ والرِّعايةُ سَتُسألُ عَنها فَهيَ مَقامُ تَكليفٍ لا تَشريفٍ، (كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).
القِوَامةُ لَيستْ قَائمةً عَلى الظُّلمِ والتَّسَلُّطِ والإجحَافِ، وإنما قائمةٌ على العَدلِ والرَّحمةِ والإنصافِ، فَهي للرَّجلِ بِما فَضَّلَهُ اللهُ -تَعالى- مِن الخَصائصِ والصِّفاتِ، وبِما أنفقَ مِنَ المَهرِ وسَائرِ مَا يَحتَاجُهُ الأهلُ مِن نَفَقاتٍ، فَيَأمرُ أهلَهُ بالمَعروفِ ويَنهَاهُم عَن المُنكرِ، ويُؤدِبُهم ويَرعَاهُم ويَحمِيهُم ويَصونُهُم، ويُنفقُ عَليهم ويَقومُ بِمصَالحِهم، وتأملَوا قَولَهُ -تَعالى-: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)؛ فَكُلَما أنفقَ الزَّوجُ والأبُّ عَلى بَيتِه كُلما كَمُلَتْ لَهُ القِوَامةُ، وكُلَما نَقَصَتْ نَفَقتُه كَلَما نَقُصَتْ قِوامَتُه عَلى أهلِ بَيتِهِ، فإيَّاكُم وأموالَ نِسائكم.
فَأخبروني اليومَ عَن القِوامةُ وقَد فُتِحَ فِيهِ المَجالُ، وَظهَرَ عَلى الوَاقعِ مَا لم يَخطرْ بالبالِ، فَما هَذهِ العباياتُ الغَريبةُ المُثيرةُ لانتباهِ الرِّجالِ، التي لَم تَعُدْ صَالحةً لإخفاءِ الزِّينةِ والجَمالِ، ومَا هذِه الوجوهُ المَكشوفةُ بِحُجَّةِ خِلافِ الفُقَهاءِ، وما هَذا الاختلاطُ الغَريبُ بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ، في الأعمالِ وفي كُلِّ مَكانٍ ولِقاءٍ، حَتى سَقَطَتْ الكُلفَةُ وذَهبَ الحَياءُ، وما هَذهِ المَقاطعُ التي كَشَفَتْ السُّتورَ، وأظهَرَتْ المَستورَ، فيَا أيُّها الأبُ، ويا أيُّها الزَّوجُ، إلى أينَ؟، ومن المَسئولُ؟، ألم تَعلَموا أنَّ أولَ فِتنَةِ بَني إسرائيلَ كَانتْ في النِّساءِ.
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ *** وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسَائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفروه، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حَمداً كَثيراً طَيباً مُباركاً فيه كَمَا يُحبُّ رَبُّنا ويَرضى، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ مُحمداً عَبدُه ورَسولُه، صَلى اللهُ وسَلمَ وبَاركَ عَليهِ وعَلى آلِهِ وصَحبهِ ومن تَبعَهم بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، أَما بعدُ:
ومِن خُطُواتِ الزَّواجِ النَّاجحِ عَدَمُ المُبالغةِ في طَلبِ الكَمالِ، حَيثُ أنَّ كِلا الزَّوجينِ قَد رَسمَ صُورةً في الخَيالِ، فيَظهَرُ مَع الأيامِ النَّقصُ البَشريُّ فَتتَحطَّمُ الآمالُ، واسمع إلى نَصيحةِ أعظمِ ناصحٍ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً –أي لا يُبغُضُها- إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"؛ فإذا كَرِهَ مِنهَا سِرعةَ الغضبِ، فَقد يَرضى مِنها سِرعةَ الرِّضا، وإذا كَرِهَ مِنهَا سُوءَ الَّطبخِ، فَقد يَرضى مِنهَا الحياءَ والسِّترَ، وإذا كرِهَ مِنها كَثرةَ الكَلامِ، فقد يرضى منها القناعةَ بالقليلِ، وهَكذا يَكرهُ شَيئاً، ويَرضى عَن شَيءٍ آخرَ.
فاصبروا على عيوبِ زوجاتِكم إلا في تركِ الصَّلاةِ والشَّرفِ، قِيلَ لأبي عثمانَ النيسابوريِّ -رحمَه اللهُ تعالى-: ما أرجى عَملٍ عِندَكَ؟ -أيْ: العملِ الذي ترجو به النَّجاةَ يَومَ القِيامةِ-، قالَ: كُنتُ في صَبوتي يَجتهدُ أهلي أن أتزوجَ فآبى، فجاءتني امرأةٌ فقالتْ: يا أبا عثمانَ إني قد هَويتُكَ، وأنا أسألكُ باللهِ أن تتزوجَني، فأَحضَرَتْ أَبَاها، وكَانَ فقيرًا، فَزوَّجَني وفَرِحَ بذلك، فلما دَخَلتْ إليَّ، رأيتُها عَوراءَ عَرجاءَ مُشوَّهةً، وكَانتْ لمحبتِها لي تمنعُني من الخروجِ، فأقعدُ حِفظًا لقَلبِها، ولا أُظهرُ لها من البُغضِ شَيئًا، وإني على جَمرِ الغَضَا من بُغضِها، فبقيتُ هكذا خمسَ عشرةَ سنةً حتى ماتتْ، ولا زَالَ في المَوضوعِ خُطبةٌ إن شاءَ اللهُ -تَعَالى-.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ الأزواجَ والزَّوجاتِ، وأصلِحْ ذَاتَ بينِهم، وألِّفْ بينَ قُلوبِهم، اللَّهُمَّ طَهِّرْ أَعمالَنا من الرِّياءِ، وقُلوبَنا من النِّفاقِ، وأَلسنَتَنا من الكَذبِ، وأَعينَنا من الخِيانةِ، إنَّكَ تَعلمُ خَائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصَّدورُ، إلهَنا ليسَ لَنا في الوُجودِ إلهٌ غَيرُكَ فيُدعى، ولَيسَ لَنا في الكَونِ رَبٌّ غَيرُكَ فَيُرَجَى، اللَّهُمَّ أصلحْ أَحوالَ المسلمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ أصلحْ نِساءَ المسلمينَ، وَزَينْهُنَّ بالحياءِ والعَفافِ والحِجابِ والحِشمةِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللَّهُمَّ اعتقْ رِقَابَنا ورِقَابَ آبائنا وأُمهاتِنا من النَّارِ، اللَّهُمَّ عَلَّامَ الغُيوبِ، اغفرْ الذُّنوبَ، واسترْ العُيوبَ، وأَغِثْ المَكروبَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في دُورِنا، وأَصلحْ ولاةَ أُمورِنا، اللَّهُمَّ أَحينا سُعداءَ، وتَوَّفَنا شُهداءَ، واحشُرنا مَعَ الأنبياءِ، لا إلهَ إلا أنتَ سُبحانَكَ إنَّا كُنَّا مِنَ الظَّالمينَ.
التعليقات