عناصر الخطبة
1/الإسلام دين العلم والمعرفة 2/ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته 3/ تحريم صوم يوم الشك 4/ دخول الشهر لا يعتدّ فيه بعلم الفلك 5/ مسألة اختلاف المطالع.اهداف الخطبة
اقتباس
ويكثر الخلاف والجدل في هذه المسألة كل عام ويُثار الخلاف والطعن في العلماء والسخرية منهم, وهذا فعل الجهال الذين لا يفقهون, فيبدأ الخلاف من اليوم التاسع والعشرين في شعبان؛ لأن فيه ليلة التحري لرمضان, وقد يرى الناس الهلال وقدر لا يروه وقد يُغمُ عليهم؛ فيقع الإشكال عند الجهال, وربما أراد بعضهم صيام يوم الشك المحرم صومه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله جعل القمر نورا وقدره منازل لنعلم عدد السنين والحساب, وجعل الشمس ضياء وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى, لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون, أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل عطائه وسابغ فضله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته, جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير, ليس كمثله شيء وهو السميع البصير, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته, صلى الله عليه وعلى آله خير آل وصحبه أفضل الصحب والأحباب, وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عزّ وجل-، فهي المنقذ يوم لا منقذ، وهي المعين يوم فناء العوين، وقلة النصير, (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيها المؤمنون: إن ديننا دين العلم والمعرفة فأكثر آيات القرآن (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ), (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ), (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا), (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9], بل رفع منزلة العلماء (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].
إذا تقرر ذلك فأقول ونحن مقبلون على رمضان تغمرنا مسائل فقهية وعلمية منها مسألة فقهية أجمع عليها أهل السنة وسبروا أغوارها, وهي مسألة دخول شهر رمضان قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة: 189], والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". وقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له".
وقال ابن عباس جاء أعرابي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنه رأى الهلال، فقال له: "أتشهد ألا إله إلا الله" قال: نعم، "وأني رسول الله"، قال: نعم، قال: فصام وأمر الناس بصيامه". وقال ابن عمر: "تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته, فصام وأمر بصيامه", فعند الرؤية البصرية المجردة يجب أن نصوم إذا شهد مسلم معروف عدالته وحسن بصره.
قال ابن رشد: "فإن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين. وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان إنما الرؤية لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
ويكثر الخلاف والجدل في هذه المسألة كل عام ويُثار الخلاف والطعن في العلماء والسخرية منهم, وهذا فعل الجهال الذين لا يفقهون, فيبدأ الخلاف من اليوم التاسع والعشرين في شعبان؛ لأن فيه ليلة التحري لرمضان, وقد يرى الناس الهلال وقدر لا يروه وقد يُغمُ عليهم؛ فيقع الإشكال عند الجهال, وربما أراد بعضهم صيام يوم الشك المحرم صومه, فعن عمار ابن ياسر -رضي الله عنهما- أنه قال: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم". و ذهب جمهور العلماء إلى تحريم صوم يوم الشك.
أيها الأحبة: لنعلم أن أول القواعد أسسها النبي في دخول الشهور وحسابها, أننا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب, فمنع الحساب في القطع بمسألة دخول الشهر وخروجه، فقال في الحديث الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر, هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين".
ولقد أجمع علماء الأمة على أن دخول الشهر لا يعتدّ به بعلم الفلك، وإنما يعتد به برؤية العين المجرَّدة أو جهاز التلسكوب، وهو المسبار الفضائي؛ لأن الحساب قد يُخطئ, فنقل ابن عبد البر الإجماع على عدم قبول الحساب الفلكي في دخول الشهر, قال ابن باز -رحمه الله-: "لا يجوز اعتماد الحساب"، وبذلك قال أهل العلم الذين يعتد بأقوالهم, وقال ابن عثيمين -رحمه الله-: "فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان، ولكن لم ير الهلال، فإنه لا يصام؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية". انتهى كلامه رحمه الله .
ولنعلم -عباد الله- أن ديننا لا يمنع العلم, وإنما هذه المسألة قد وردَ فيها نص شرعي، وهو اعتماد الرؤية وثبوتها من الشاهد, وفي هذا الشريعة الإسلامية توسع المدارك, واتساع بقعة اليُسر في الأحكام.
فشروط دخول رمضان هي: إما أن يتم الشهر ثلاثين يوما, أو يشهد شاهد عدل, وفي الحديث قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غُم عليكم فأتموا ثلاثين، فإن شهد شاهدان مسلمان، فصوموا وأفطروا".
ودخول رمضان الراجح أنه يعتد بشهادة الرجل الواحد, وأما في خروجه فيعتدّ بشاهدة الرجلين, وشرطهما أن يكونا عدلَين, قال ابن عبد البر في [التمهيد]: "أجمع العلماء على أنه لا يقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان", ونقل الإجماع ابن رشد في البداية والشوكاني عن النووي في شرح مسلم, على أنه لا تقبل شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان.
إخوة الدين: ومن المسائل التي يكثر الجدل حولها في دخول الشهور مسألة اختلاف المطالع من بلد إلى بلد, لقد افترق العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
فالقول الأول هو أن تجمع الأمة على رؤية واحدة في كل العالم, وهذا هو ما رجحه شيخنا ابن باز -رحمه الله-.
والقول الثاني هو أن يراه أهل بلد فيتبعهم من حولهم من البلدان القريبة والمجاورة لهم, فمثلا أهل الجزيرة كلهم برؤية واحدة, وأهل الشام برؤية واحدة, ونحو ذلك وهذا القول رجحه ابن عثيمين.
والقول الثالث: هو أن يكون لكل دولة مطلعها, فتعتدّ هي برؤية هلالها ولا تعتد بهلال غيرها.
وروي عن عكرمة أنه قال: "لكل أهل بلد رؤيتهم", وهو مذهب القاسم, وسالم, وإسحاق, لما روى كريب, قال: "قدمت الشام, واستهلَّ عليَّ هلال رمضان, وأنا بالشام, فرأينا الهلال ليلة الجمعة, ثم قدمت المدينة في آخر الشهر, فسألني ابن عباس, ثم ذكر الهلال, فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيناه ليلة الجمعة, فقال أنت رأيته ليلة الجمعة؟ قلت: نعم, ورآه الناس, وصاموا وصام معاوية, فقال: لكن رأيناه ليلة السبت, فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه. فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معقباً على حديث كريب عن ابن عباس: "ويمكن أنه أراد بذلك هذا الحديث العام يعني قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه"، لا حديثاً خاصاً بهذه المسألة، وهو الأقرب عندي". انتهى كلامه.
وقال في فتوى له بعد أن حكى الاختلاف: "فالصواب في هذا -والله أعلم- ما دل عليه قوله: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون", فإذا شهد شاهد ليلة الثلاثين من شعبان أنه رآه بمكان من الأمكنة، قريب أو بعيد، وجب الصوم, والذي ينبغي اعتماده هو ما حكاه القرطبي عن شيوخه، أنه إذا رآه أهل بلد، لزم أهل البلاد كلها، ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الإجماع، قال: لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعي الرؤية فيما بَعُد من البلدان كخراسان والأندلس، وذلك لأن الإجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة". أ.هـ. يريد بالجماعة أبا حنيفة ومالكا وأحمد بن حنبل -رحمهم الله-.
فهذا القول هو الصواب في المسألة، كما يتبين من عموم قوله: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، وما ذكره شيخ الإسلام والشوكاني وغيرهما فيه مقنع لمن أراد الحق, وهو اختيار صديق حسن خان.
قال العلامة الألباني -رحمه الله-: "وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هو معلوم، ولكنه يتطلب شيئاً من اهتمام الدول حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله -تبارك وتعالى-. وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك، فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم على نفسه، فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت، لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد، كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين -والله المستعان-".
أيها المسلمون: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فإذا ثبت هذا لنا فلنترك الخلاف والجدال والطعن في علماء الأمة, ولنحمد الله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي الإسلام لنا دينا, فلننبذ الخلاف ولنشكر رب البشرية ونصلي على خير البرية محمد بن عبدالله.
التعليقات