عناصر الخطبة
1/الإنسان اجتماعي بطبعه 2/وجوب انتقاء صحبة صالحة 3/أسس بناء الصحبة الصالحة 4/خطورة صحبة أصدقاء السوء 5/صحبة السوء وفساد الأخلاق 6/شتان بين عشرة السوء ورفقة الخير 7/تنبيهات بخصوص صحبة البنات.اقتباس
وإن أخوف ما يخافه المرء: صحبة شريرة تصدّه عن ذِكْر الله، وتُبعده عن الطريق القويم، وتجعله في متاهات الضياع والأخلاق الفاسدة الهابطة، ولا عجب إذن أن تكثر في هذا توجيهات الإسلام وتحذيراته من قرناء السوء ورفاق الشر والفساد...
الرفقة الصالحة وأثرها في الفرد
الخطبة الأولى:
أما بعد: أيها المسلمون: شاء الله -تعالى- أن يجعل في الإنسان نزوعًا إلى مخالطة الآخرين والعيش معهم، فجعله -تعالى- اجتماعيًّا بطبعه، لا يستطيع أن يعيش بمفرده منعزلاً عن الآخرين، ولو استطاع ذلك فرد واحد لما استطاع سائر الناس أن يتابعوه على ذلك.
هذا في أمور الدنيا وحوائجها، فضلاً عن أمور الدين والشريعة؛ إذ من فرائض الإسلام وأحكامه ما لا يمكن تأديته إلا بالمخالطة مع الناس وتعاونهم كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين وتشييع الجنائز وعيادة المريض، وتعلُّم أمور الدين وتعليمها.
وإذا كان هذا أمرًا واقعيًّا وضرورة حتمية؛ فإن من واجب العاقل أن يعرف من يخالط ويقارن فيختار لذلك صحبة طيبة صالحة تُذكِّره بالله إذا نسي، وتقوّم اعوجاجه إذا اعوج وتنصح له إذا استنصحها.
إنها العلاقة التي تقوم على أساس الحب في الله والبغض في الله؛ فالمسلم لا يحب الشخص إلا لطاعته لربه ومسارعته لمرضاته، ولا يبغضه إلا لعصيانه ومخالفته أمر ربه، وكلما اشتدت محبة المسلم لربه اشتدت محبته لأحباب الله حتى تصير موالاة ونصرة وذبًّا عنهم بالنفس والمال.
وما دام المسلم يحب في الله ويبغض في الله؛ فمن البديهي أنه يختار للصحبة والرفقة أناسًا مطيعين لله قائمين بحقوق العبودية له، فهم نِعْم الرفيق له ونِعْم الإخوة، يشتد ارتباطه بهم، ويعتز بهم ويحافظ على أُخوتهم، ويرفض مصاحبة وموادة العصاة والفساق المُعْرضين عن لله والمستهترين بدينهم وخلقهم؛ (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)[النجم: 29]، (اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[الكهف: 28].
وإن أخوف ما يخافه المرء: صحبة شريرة تصدّه عن ذِكْر الله وتُبعده عن الطريق القويم، وتجعله في متاهات الضياع والأخلاق الفاسدة الهابطة، ولا عجب إذن أن تكثر في هذا توجيهات الإسلام وتحذيراته من قرناء السوء ورفاق الشر والفساد، قال -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)[الفرقان: 27-29].
وقال أيضًا: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)[ق: 27]، وقال -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف: 76].
وفي توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه ما يحثّ على هذا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل"، ورُوِيَ عنه -عليه السلام-: "إياك وقرين السوء فإنك به تُعرَف"(وهو ضعيف).
وإذا كان الأمر كذلك فينبغي الابتعاد عن البيئة الموبوءة الفاسدة؛ كي لا يتعدى الفساد إلى الأبرياء؛ وقد قيل: "لا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره".
وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن لا يصاحب الإنسان إلا مؤمنًا صالحًا؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".
ولا نجد أبلغ في التعبير وأدق في التصوير من قوله -تعالى- في تصوير أثر البيئة في تربية الطفل وتنشئته: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف: 58].
وكم كنا نجد من الأولاد والشباب والكبار أناسًا عفَّت ألسنتهم عن البذيء، وعفَّت جوارحهم عن الآثام، واستقامت أخلاقهم وسلوكهم، حتى إذا ما قُيِّض للواحد منهم صاحب الشر والميوعة والانحلال تأثَّر به لا محالة، وانحرف معه، وإن كان لا يريد في أول أمره انحرافًا، ولكنَّ الصحبة لا بد أن تؤثر، والصاحب -كما يقولون- ساحب.
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإن عشرة السوء تفسد الأخلاق الحميدة.
وشتان بين عشرة السوء ورفقة الخير فيما تأتي به كل واحدة منهما، وقد شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- الصاحب الخيّر ببائع المسك، والشرير بنافخ الكير، فقال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك –يعطيك-، أو تشتري منه، أو تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة".
فما أجدرنا أن نبحث لأنفسنا عن صحبة مؤمنة صالحة ليكتسب كل واحد منها ما ينمّي شخصيته ويقومها، من الإيمان المشرق والعلم النافع والأدب السامي والخُلق القويم والرفيع، ولتكن هذه الصحبة ملازمة لكل الأحوال والأطوار، صحبة طيبة في الحي أو البلد، وصحبة طيبة في المدرسة وفي العمل وفي المسجد وفي الرحلات والأسفار.
فيا أخي المسلم:
تمسك إن ظفرت بذيل حر *** فإن الحر في الدنيا قليل
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فيا فوز المستغفرين؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: وإذا كان الولد شديد التأثر بالبيئة التي حوله وبالرفقة الصالحة أو السيئة، فإن البنت أشد تأثرًا بذلك لما جُبِلَت عليه من عاطفة فياضة، وبما تتأثر به من أمنيات ومغريات، وبما تنساق إليه من فتنة المدنية الحديثة وزينة الحياة الدنيا ومظاهرها الخادعة، فسرعان ما تتنكب عن الحق، وتتكيف مع البيئة، وتميل مع الهوى وتجاري التيار بدون رادع من دين أو زاجر من ضمير أو احتكام لعقل أو نظرة للعواقب.
ولأجل هذا وجب على المسلم أن يكون أكثر اهتمامًا بالبنت من الذكور؛ مخافةَ أن تتزعزع في إيمانها أو تتحلل في أخلاقها، أو أن تنزلق في متاهات الرذيلة.
وإذا ما تهيَّأ لأولئك الأولاد جميعًا من الذكور والإناث ملاحظة واعية مستمرة من الوالدين وتربية قويمة لأخلاقهم، وصحبته طيبة صالحة مؤمنة، فإننا نرجو بذلك أن يكونوا من الأثر الباقي للإنسان بعد موته؛ "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
ولعل هذا أيضًا يُعدّ سبيلاً للنجاة من النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
التعليقات