عناصر الخطبة
1/ عمر يتمنى رجالاً كأبي عبيدة 2/ نماذج من الرجولة الفريدة 3/ المعنى الحقيقي للرجولة 4/ مثالين للرجولة في الأمم السابقة 5/ كيف تنمي عوامل الرجولة في شخصيات أولادنااهداف الخطبة
اقتباس
لرجل أعزّ من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجودُه عزيزًا في دنيا الناس، حتى قال رسول الله: "إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة". الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات، ومحور الإصلاح. أعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحةُ إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج للتعليم والتربية، فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه ..
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤًا وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟! فقال عمر: "ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله".
رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيرًا بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفذها؛ إنها تحتاج إلى الرجال.
أيها المسلمون: لرجل أعزّ من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجودُه عزيزًا في دنيا الناس، حتى قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة". رواه البخاري.
الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات، ومحور الإصلاح.
أعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحةُ إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج للتعليم والتربية، فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه، وأنشئ ما شئت من لجان فلن تنجز مشروعًا إذا حُرمتَ الرجل الغيور!!
ذلك ما يقوله الواقع الذي لا ريب فيه.
إن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم، وإنجاز المشروعات ليس في تكوين اللجان بقدر ما هو في حماسة القائمين عليها.
فلله ما أحكم عمر حين لم يتمنَّ فضة ولا ذهبًا، ولا لؤلؤًا ولا جوهرًا، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوز الأرض، وأبواب السماء.
معاشر المسلمين: إن رجلاً واحدًا قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفًا، ورجلاً قد يزن شعبًا بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
يعد بألف من رجال زمانه *** لكنه في الألمعية واحد
حاصر خالد بن الوليد "الحيرة"، فطلب من أبي بكر مددًا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي، وقال: "لا يهزم جيش فيه مثله"، وكان يقول: "لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل"!!
ولما طلب عمرو بن العاص -رضي الله عنه- المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد".
معاشر المسلمين: ولكن ما الرجل الذي نريد؟!
هل هو كل من طَرَّ شاربه، ونبتت لحيته من بني الإنسان؟! إذن فما أكثر الرجال!
إن الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير، ولكنه ذو لحية وشارب.
وكم من غلام في مقتبل العمر، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه.
مر عمر -رضي الله عنه- على ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبي مفرد في مكانه -هو عبد الله بن الزبير- فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟! فقال: "يا أمير المؤمنين: لم أقترف ذنبًا فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك!".
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسن منك، فقال: "يا أمير المؤمنين: لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة".
أولئك لعمري هم الصغار الكبار، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار؟! وليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية، فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـامُهُمْ) [المنافقون:4] ومع هذا فهم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) [المنافقون: 4]، وفي الحديث الصحيح: "يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة"، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: (فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَزْناً) [الكهف: 105].
كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- نحيفًا نحيلاً، فانكشفت ساقاه يوماً -وهما دقيقتان هزيلتان- فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أتضحكون من دقة ساقيه؟! والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد".
ليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته، ودينه، وأمته.
الرجولة بإيجاز هي قوة الخُلُق وخُلُق القوة.
إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال.
ولن تترعرع الرجولة الفارعة، ويتربى الرجال الصالحون، إلا في ظلال العقائد الراسخة، والفضائل الثابتة، والمعايير الأصيلة، والتقاليد المرعية، والحقوق المكفولة. أما في ظلام الشك المحطم، والإلحاد الكافر والانحلال السافر، والحرمان القاتل، فلن توجد رجولة صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حُرِم الماء والهواء والضياء.
ولم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسوله العظيم، من رجال يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، لا يغريهم الوعد، ولا يلينهم الوعيد، لا يغرهم النصر، ولا تحطمهم الهزيمة.
أما اليوم، وقد أفسد الاستعمار جو المسلمين بغازاته السامة الخانقة من إلحاد وإباحية، فقلما ترى إلا أشباه الرجال، ولا رجال.
تعجبنا وتؤلمنا كلمة لرجل درس تعاليم الإسلام السمحة الشاملة فقال في إعجاب مرير: "يا له من دين لو كان له رجال!!".
وهذا الدين الذي يشكو قلة الرجال يضم ما يزيد على ألف مليار مسلم، ينتسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "غثاء كغثاء السيل"، أو كما قال الشاعر:
يثقلون الأرض من كثرتهم *** ثم لا يغنون في أمر جلل
أيها المسلمون: وماذا يغني عن الإسلام رجال أهمتهم أنفسهم، وحكمتهم شهواتهم، وسيرتهم مصالحهم، فلا وثقوا بأنفسهم، ولا اعتمدوا على ربهم، رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف، أو كما قيل: يجمعهم مزمار وتفرقهم عصا!
أما والله لو ظفر الإسلام في كل ألف من أبنائه برجل واحد فيه خصائص الرجولة، لكان ذلك خيرًا له وأجدى عليه من هذه الجماهير المكدسة التي لا يهابها عدو، ولا ينتصر بها صديق:
فليت لي بهمُ قومًا إذا ركبـوا *** شنوا الإغارة فرسانًا وركبانًا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم *** في النائبات على ما قال برهانًا
أيها المسلمون: إن الرجل الواحد قد ينقذ الموقف بمفرده بما حباه الله من الخصائص الإيمانية والمواقف الرجولية التي ربما عملها بمفرده، وفي القرآن الكريم في قصة موسى حين قتل القبطي، تجد قول الله تعالى: (وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) [القصص: 20]، وفي سورة يس في قصة أصحاب القرية إذ جـاءها المرسـلون تجـد قـوله تعالى: (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) [يس: 20].
وفي سياق هاتين القصتين تجد أن النص يبرز كلمة "رجل"، وهي تعني شخصًا مفردًا، فهو رجل واحد ينقذ الموقف بخصائصه الذاتية والإيمانية، ولا يستـوحش من غربته بين أهله أو تفرده في طبقـته، فيحيط موسى علمًا بالمؤامرة الدنيئة التي يحيكها القصر الفرعوني للقضاء عليه وعلى دعوته، ويقترح عليه الحل، وهو الخروج من قريته والفرار بنفسه.
وفي قصـة "يـس" يعلن أمام الملأ نصرة المرسلين ويدعو إلى اتباعهم، متحديًا بذلك رؤوس الضلالة، صارخًا به في وجه الجمهور التابع.
معاشر المسلمين: وعلى رغم أهمية العمل الجماعي والعمل المؤسسي، وأهمية التعاون على البر والتقوى، والتناوب في أداء فروض من الكفايات، إلا أن الواقع كثـيرًا ما يفتـقر إلى الفردية، خاصة في مثل فترات الضياع التي تمر بها الأمم وتوشك أن تأتي على وجودها وتميزها، حيث لا يبقى ثَمَّ جهة مسؤولة بعينها عن اكتـشاف المواهب أو عن تحديد الأدوار، وهذا هو الحال الذي يعيشه المسلمون الآن في كـثير من بلادهم، هنا تبرز الحاجة إلى تكثيف المبادرات الفردية من الداعية، والتي لا بد أن تسد بعض النقص، وأن تتلاقى يومًا ما على خطة راشدة يكون فيها للمسلمين فرج ومخرج.
ليس هذا تقليلاً من أهمية تضافر الجهود وتكاتفها، ولا تهوينًا من شأن المبادرات الجماعية التي آتت وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولكنه تأكيد على الدور الفردي المساهم في إيجادها، وعلى الدور الفردي الذي لا يقف عندها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة وعصيان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلاة الله وسلامه على أشرف المرسلين.
أما بعد:
فيا عباد الله: فإنّ مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم، ولمعرفة حلِّ هذه المشكلة وتداركِ الأجيال القادمة التي تعقد الأمة عليهم خناصرها لابد من الإجابة عن السّؤال التالي: كيف ننمي عوامل الرّجولة في شخصيات أولادنا؟!
إن موضوع هذا السؤال هو من المشكلات التّربوية الكبيرة في هذا العصر، وهناك عدد من الحلول الإسلامية والعوامل الشرعية لتنمية الرّجولة في شخصية الطّفل، ومن ذلك ما يلي:
التكنية: أي: مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرةِ بأمّ فلان، فهذا ينمّي الإحساس بالمسؤولية، ويُشعر الطّفل بأنّه أكبر من سنّه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحسّ بمشابهته للكبار، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكنّي الصّغار؛ فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَال: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَحسبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ: مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟!"، وهو طائر صغير كان يلعب به. رواه البخاري.
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قالت: أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ -الخميصة ثوب من حرير- فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟! فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ: "ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ". فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ -وفيه إشارة إلى صغر سنّها-، فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي"، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: "يَا أُمَّ خَالِدٍ: هَذَا سَنَاه". وَسَنَاه بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ. رواه البخاري.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: أخذه للمجامع العامة وإجلاسُه مع الكبار؛ وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن القصص في ذلك: ما جاء عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ...". الحديث. رواه النسائي، وصححه الألباني في أحكام الجنائز.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الأطفال: تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين؛ لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير.
وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير: "أنه كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم". وقوله: "يُجهز"، أي يُكمل قتل من وجده مجروحًا، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تعليمه الأدب مع الكبار، ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِير، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِيرِ". رواه البخاري.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس، ومما يوضّح ذلك الحديث التالي: عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ: "يَا غُلامُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟!"، قَال: مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. رواه البخاري.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الأطفال: تعليمهم الرياضات الرجولية؛ كالرماية والسباحة وركوب الخيل، وجاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: "كَتَبَ عُمَر -رضي الله عنه- إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ". رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل: تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث؛ فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب ونحو ذلك مما يخص النساء.
ومما ينمي الرجولة في شخصية الطفل:
تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين، وعدم احتقار أفكاره، وتشجيعه على المشاركة، وإعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته، وذلك يكون بأمور مثل:
إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِم". رواه مسلم.
ومثل استشارته وأخذ رأيه، وأيضًا توليته مسؤوليات تناسب سنّه وقدراته، وكذلك استكتامه الأسرار، ويصلح مثالاً لذلك حديث أَنَسٍ –رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ: فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟! قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟! قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- أَحَدًا". رواه مسلم. وفي رواية عن أَنَس قال: انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا غُلامٌ فِي الْغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَار -أَوْ قَالَ إِلَى جِدَار- حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ". رواه أبو داود.
وعن ابْن عَبَّاسٍ –رضي الله عنه- قال: كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الْغِلْمَانِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِنَبِيِّ اللَّه –صلى الله عليه وسلم- خَلْفِي مُقْبِلاً، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- إِلا إِلَيَّ، قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَار، قَالَ: فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي فَأَخَذَ بِقَفَايَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً -ضربه بكفّه ضربة ملاطفة ومداعبة-، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ". قَالَ: وَكَانَ كَاتِبَهُ، فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ". رواه الإمام أحمد في مسند بني هاشم.
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال، منها:
تعليمه الجرأة في مواضعها، ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة.
الاهتمام بالحشمة في ملابسه، وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء.
إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة، وقد قال عمر -رضي الله عنه-: "اخشوشنوا؛ فإنّ النِّعَم لا تدوم".
تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ.
هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال، ذكرها فضيلة الشيخ محمد المنجد -حفظه الله- في مطوية خاصة بذلك.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة، ويعافُ فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، وتقال فيه كلمة الحق، يا سميع الدعاء.
التعليقات