عناصر الخطبة
1/ تخويف الشيطانِ الإنسانَ من الفقر 2/ من وسائل علاج مشكلة ذلك التخويف الشيطانياهداف الخطبة
اقتباس
فَمَا أَمْسَكَ مَـمْسِكٌ إِلَّا لِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَضَعْفِ يَقِينِهِ بِـخَالِقِهِ، وَهَذَهِ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلْنَحْذَرْ مِنَ الِاسْتِجَابَةِ لِتَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ لَنَا بِالْفَقْرِ.
الْـخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ؛ ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى، واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عِبَادَ اللهِ: اِعْـلَـمُوا -رَحِـمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِلْبَشَرِيَّــةِ، حَذَّرَ اللهُ مِنَ اِتِّبَاعِهِ، والتَّأَثُّرِ بِوعُودِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة:268]. فَمِنْ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ أَنَّهُ يُـخَوِّفُ عِبَادَ اللهِ مِنَ الْفَقْرِ؛ فَتَقُودُهُمْ وَسَاوِسُهُ إِلَى الْمَعَاصِي وَالْفَحْشَاءِ.
دَلّاهُمُ بِغُرورٍ ثُمَّ أَسلَمَهُم *** إِنَّ الخَبيثَ لِمَنْ وَالاهُ غَرَّارُ
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَقْوَى أَسْلِحَةِ الشَّيطَانِ عَلَى الإِنْسَانِ التَّخْوِيفَ مِنَ الفَقْرِ، فَإِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ الإِنْسَانِ هَذَا الْـخَـوْفُ؛ بَطَرَ الـحَقَّ، وَتَكلَّمَ بِالْـهَوَى.
وَوَعْدُ الشَّيْطَانِ لِلْعِبَادِ بِالْفَقْرِ إِذَا أَنْفَقُوا لَيْسَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَلَا نُصْحًا لَـهُمْ، وَلَا مَـحَبَّةً لَـهُمْ كَي يَبْقَوْا أَغْنِيَاءَ، بَلْ لَا شَيْءَ أَحَبّ إِلَيهِ مِنْ فَقْرِ الْعِبَادِ وَحَاجَتِهِمْ، وَإِنَّـمَا وَعْدُهُ لَـهُمْ بِالْفَقْرِ بِسَبَبِ بُغْضِهِ لَـهُمْ، وَخَوْفِهِ مِنْ أَنْ يَرْضَى رَبُّـهُمْ عَنْهُمْ.
فَمَا أَمْسَكَ مَـمْسِكٌ إِلَّا لِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَضَعْفِ يَقِينِهِ بِـخَالِقِهِ، وَهَذَهِ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلْنَحْذَرْ مِنَ الِاسْتِجَابَةِ لِتَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ لَنَا بِالْفَقْرِ.
عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ وَسَائِلُ كَثِيـرَةٌ لِعِلَاجِ مُشْكِلَةِ تَـخْوِيفِ الشَّيْطَانِ لِلْعِبَادِ مِنَ الْفَقْرِ، وَمِنْ هَذِهِ الْوَسَائِلِ:
الثِّقَةُ فِي وَعْدِ اللهِ، وَاِجْتِنَابُ وَعْدِ الشَّيْطَانِ: فَعَجَبًا -وَاللهِ- مِـمَّنْ يَسْمَعُ لِـنُصْحِ الْعَدُوِّ الْمُبِيـنِ، وَيَتْـرُكُ وَعْدَ الرَّحْـمَنِ الرَّحِيمِ، القَائِلِ -سبحانه-: (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].
فَاللهُ يَعِدُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالفَضْلِ وَالعَطَاءِ، وَلِـمَ لَا؛ وَهُوَ الْوَاسِعُ الْعَلِيمُ؟! وَفَضْلُهُ أَنْ يُعْطِيَ عَبْدَهُ الْـمُنْفِقَ أَكْثَرَ مِـمَّا أَنْفَقَ وَأَضْعَافَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الآخِرَةِ، أَو فِيهِمَا مَعًا؛ فَهَذَا وَعْدُ اللهِ، وَذَاكَ وَعْدُ الشَّيْطَانِ، فَلْيَنْظُرِ الْعَبْدُ الْبَخِيلُ الشَّحِيحُ، وَكَذَلِكَ الْمُنْفِقُ السَّخِيُّ: أَيّ الْوَعْدَيْنِ عِنْدَهُ أَوْثَقُ؟ وَإِلَى أَيِّهِمَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ وَتَسْكُنُ نَفْسُهُ؟ لَا رَيْبَ أَنَّهُ وَعْدُ الْـحَقِّ -تَبَارَكَ فِي عُلَاهُ-: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء:122].
وَاللهُ يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَـخْذلُ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الوَاسِعُ العَلِيمُ؛ وَاسِعُ الْعَطَاءِ، عَلِيمٌ بِـمَنْ يَسْتَحِقُّ فَضْلَهُ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ عَدْلَهُ؛ فَيُعْطِي هَذَا بِفَضْلِهِ، وَيَـمْنَعُ هَذَا بِعَدْلِهِ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وَمِنْ وَسَائِلِ عِلَاجِ التَّخْوِيفِ بِالْفَقْرِ: الاِسْتِعَاذَةُ بِاللِه مِنَ الْفَقْرِ: فَالَّذي خَلَقَ الْفَقْرَ هُوَ الله، وَالَّذِي يُعيذُكَ مِنْهُ هُوَ اللهُ، وَكَانَ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ مِنَ الْفَقْرِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ" رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
فَالاسْتِعَاذَةُ بِاللِه مِنَ الْفَقْرِ، وَالإِيـمَانُ بِأَنَّ الْغِنَـى وَالْفَقْرَ بِيَدِهِ -عَزّ وجلّ-؛ مِنْ تَوْحِيدِهِ -جَلَّ وَعَلَا-، كَمَا قَالَ -سبحانه-: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) [النجم:48]، وَهُوَ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِـمَنْ يَشَاءُ، رَزَقَنَا اللهُ وَإيَّاكُمْ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِهِ!.
وَمِنَ الْوَسَائِلِ كَذَلِكَ: الدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَسَعَةِ الرِّزْقِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَلإِخْوَانِهِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، حَيْثُ دَعَا -صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِكَثْرَةِ الْمَالِ، وَالْوَلَدِ، وَالْبَـرَكَةِ؛ فَقَالَ: "اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَالدُّعَاءُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ، مَعَ الاسْتِعَاذَةِ باللهِ مِنَ الْفَقْرِ، مِنَ الإِيـمَانِ بِاللِه، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ.
وَكَذَلِكَ، عَلَى الْعِبَادِ التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ؛ فَإنَّ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ حَقًّا فَإنَّ اللهَ يَكْفِيهِ أَمْرَهُ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]؛ فَإِنَّ الذِي أَعْطَاكَ وَجَعَلَكَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالإِنْفَاقِ قَادِرٌ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي عَطَائِهِ لَكَ، فَخَزَائِنُهُ مَلأَى، وَلَا ُيُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، فَمَنْ لَـمْ يُعْجِزهُ الْعَطَاءُ الأَوَّلُ؛ فَلْن يُعْجِزهُ الاِسْتِـمْرَارُ فِي الْعَطَاءِ.
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِـيُّ، -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-، أَصْحَابَهُ مِنَ الْـخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: "آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا" رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
فَالْـمُوحِّدُ بِاللهِ لَا يَـخَافُ مِنَ الْفَقْرِ، وَخَزَائِنُ رَبِّهِ مَلأَى، وَقَدْ وَعَدَهُ أَنْ يُغْنِيَهُ مِنْ فَضْلِهِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:28]، وَالْعَيْلَةُ: الْفَقْرُ: وَمَا يَدْرِي الْفَقِيـرَ مَتَـى غِنَاهُ؟!.
فَإِذَا خِفْتُمُ الْفَقْرَ يَا عِبَادَ اللهِ، وَاِنْقِطَاعَ الرِّزْقِ، وَكَسَاد التِّجَارَةِ؛ فَإِن اللهَ يُعَوِّضُكُمْ عَنْهَا؛ فَإِنَّ فَضْلَهُ وَاسِعٌ، وَرِزْقَهُ وَرَحْـمَتَهُ ظَاهِرَةٌ؛ فَيُنَزِلُ الْقَطْر، وَتُـخْصِبُ الأَرْضُ بِأَمْرِهِ، وَتَأَمَّلُوا قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، وَقَوْلَهُ -تَعَالَى-: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22].
قُلْ للَّذِي مَلأَ التَّشَاؤُمُ قَلْبَهُ *** وَمَضَى يُضيِّقُ حَوْلَنَا الآفَاقَا
سِرُّ السَّعَادَةِ حُسْنُ ظَنِّكَ بِالَّذِي *** خَلَقَ الْـحَيَاةَ وَقَسَّمَ الأَرْزَاقَا
فَالْوَعْدُ يَكُونُ أَكْثَرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا فِي الْـحَالِ، وَرِزْقٌ فِي اْلَغيْبِ لِبَعْضِ الْعِبَادِ، لَا يَـخْطُرُ لَـهُمْ فِي الْبَالَ، فَمَا شَاءَ اللهْ كَانَ، وَمَا لَـمْ يَشَأْ لَـمْ يَكُنْ؛ فَاللهُ عَلِيمٌ بِـمَا يَكُونُ مِنْ مُسْتَقْبَلِ أَمْرِكُمْ فِي الْغِنَـى وَالْفَقْرِ وَغَيْـرِهِـمَا، حَكِيمٌ فِيمَا يَشْرَعُهُ لَكُمْ، وَيُقَدِّرُهُ عَلَيْكُمْ. فَثِقُوا يَا عِبَادَ اللهِ بِرَبِّكُمُ الْكَرِيـمِ.
كَذَلِكَ، عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرْضَى بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَيُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155]، فَقْدْ يُفْقِرُ اللهُ الْعَبْدَ لاِخْتِبَارِهِ وَاِبْتِلَائِهِ، وَلِذَا؛ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَلَّا يَنْدَمَ عَلَى أَمْرٍ مَضَى، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يـُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد:22-23].
فَعِنْدَمَا تَأْتِي الْـهزَّاتُ الاِقتصَادِيَّةُ؛ وَهِيَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ؛ فَهُنَاكَ مَنْ يَنْدَمُ عَلَى أَنَّهُ اِشْتَـرَى بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ، مَعَ هُبُوطِ الأَسْعَارِ؛ فَعَلَيْهِ أَلَّا يَيأسَ عَلَى مَا فَاتَ؛ فَإِنَّ هَذَا بِتَدْبِيـرِ الْعَلِيمِ الْـحَكِيمِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَفْرَحُ بِأَنَّهُ بَاعَ بِضَاعَتَهُ بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ قَبْلَ اِنْـخِفَاضِ الأَسْعَارِ؛ فَعَلَيْهِ أَلَّا يَفْرَحَ، وَأَلَّا يَعْزُوَ ذَلِكَ لِذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ؛ فَالأَمْرُ كُلُّهُ بِتَدْبِيـرِ الْعَلِيمِ الْـحَكِيمِ. فَلَا يَيأس الْمُشْتَـرِي بِسِعْرٍ مُرْتَفِعٍ، وَلَا يَفْرَح الْبَائِعُ بِالسِّعْرِ الْمُرْتَفِعِ؛ فَالأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللهِ، فَإِنَّ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ؛ يَـحْمِي مِنَ الْفَقْرِ، بِرَحْـمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِـمِيـنَ.
وَكَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْوقَايَةِ مِنَ الْفَقْرِ: الْيَقِيـنُ بِأَنَّ الرِّزْقَ بِيَدِ اللهِ؛ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُوقِن أَنَّ رِزْقَهُ مَكْتُوبٌ، وأَنَّ أَجَلَهُ مَـحْدُودٌ، وَجَاءَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: "فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَمُوتَ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَلَا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ" رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَمِنَ الأَسْبَابِ: الْعَمَلُ وَالسَّعْيُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ؛ فَمْنْ أَسْبَابِ الاِبْتِعَادِ عَنِ الْفَقْرِ الْعَمَلُ وَالكدْحُ، وَالسَّعْيُ فِي الأَرْضِ لِكَسْبِ الرِّزْقِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) [الملك:15]، وقَالَ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَحَذَّرَ الإِسْلَامُ مِنَ الْكَسَلِ فِي الْعَمَلِ وَالاِكْتِفَاءِ بِسُؤَالِ النَّاسِ؛ فَقَالَ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسْبَابِ عِلَاجِ خَوْفِ الْفَقْرِ: الصَّدَقَةُ وَالإِنْفَاقُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-: "وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا" رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
فَلْيَعْلَمْ كُلُّ مَنْ يَـمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَقْرِ أَنَّ ذَلِكَ الْمَنْعَ هُوَ سَبَبٌ لِلْفَقْرِ لَا سَبَبٌ لِلْغِنَـى، وَالَّذِي يَبْخلُ وَلَا يَتَصَدَّقُ مَـخَافَةَ الْفَقْرِ؛ إِنَّـمَا يَـحْرِمُ نَفْسَهُ، وَيُعَرِّضُهَا لِلْعَذَابِ فِي الدَّارَيْنِ.
وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ، -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
كَذَلِكَ مِنْ وَسَائِلِ عِلَاجِ مُشْكَلَةِ الْـخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ: الاِقْتِصَادُ فِي الْمَعِيشَةِ، وَعَدَمُ الإِسْرَافِ، فَعَلَى الْـمُسْلِمِ أَنْ يَقْتَصِدَ فِي الإِنْفَاقِ، وَأَلَّا يَكُونَ مِنَ الْمُبَذِّرِينَ: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِيـنِ) [الإسراء:27]، وَقَدْ أَرْشَدَنَا -سبحانه- إِلَى الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى للإِنْفَاقِ؛ فَقَالَ -سبحانه-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
كَذَلِكَ، عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَبِالشُّكْرِ تَزِيدُ وَتَدُومُ النِّعَمُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
وَمِنْ وَسَائِلِ الْـحِمَايَةِ مِنَ الْفَقْرِ: كَثْرَةُ الذِّكْرِ وَالاِسْتِغْفَارِ، قَالَ -تَعَالَى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10-12].
اللَّهُمَّ...
التعليقات
زائر
17-04-2022الله اكبر