الخوارج أعداء الأمن ووحدة الأمة

عمر بن عبد الله المقبل

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/حال العرب قبل البعثة وبعدها 2/حث الإسلام على الاجتماع وتحذيره من الافتراق 3/تحريم الخروج على ولاة الأمر وبعض مفاسد ذلك 4/تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الخوارج 5/بعض صفات الخوارج 6/جريمة تفجير مسجد القديح بالقطيف 7/تنبيهات ووصايا للشباب
اهداف الخطبة

اقتباس

دعونا -أيها الأحبة- نتتبع شيئًا من الأوصاف التي وصفهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بها، الثابتة في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام، فوالذي نفسي بيده إن هذه النصوص لتزيد الإنسان يقينًا وإيمانا ببعثته عليه الصلاة والسلام، وبعظيم نصحه وشفقته، فأول هذه الصفات: أنهم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين ...

 

أما بعد:

 

فأوصيكم ونفسي -أيها المسلمون- بتقوى الله -عز وجل-.

 

أيها الأحبة: لقد بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق على حين تشرذمٍ وتفرقٍ في العرب, وفي عموم العالم.

 

بعثه الله -عز وجل- فألّف به بين القلوب, وجمع به بعد الفرقة.

 

بعثه الله بالدين الحق رحمةً للعالمين, بعثه بالعلم النافع والعمل الصالح الذي يجمع ولا يُفرّق، ويؤلِّف ولا يُشتِّت, وكان من أعظم ما منّ الله به عليه وعلى مَن معه من أصحابه -رضي الله عنهم-: أنه سبحانه وتعالى ألّف بين قلوبهم، فقال له عز وجل: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].

 

وقال الله -تعالى- مخاطبًا للصحب الكرام بعد أن وقعت بادرة نزاع يسيرة في المدينة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ) يعني في الجاهلية: (أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) نار الفرقة والتشتت والعداوة والحروب: (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) [آل عمران: 103].

 

وقال سبحانه موصيًا الصحابة في غزوة بدر، وهي وصية للأُمة في كل أحوالها: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

 

وفي سبيل تحقيق هذه اللُّحْمة, وفي سبيل تحقيق ذلكم الاجتماع جاءت النصوصُ المتوافرة بالنهي عن التفرق, وجاءت النصوص المتكاثرة المتواترة بالسمع والطاعة لمن تولى أمرَ المسلمين وإن كان توليه بالقوة، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة" [صحيح البخاري ح(693)].

 

لأنه:

 

لا يصلح الناسُ فوضى لا سَرات لهم *** ولا سَرات إذا جُهّالهم سادوا

 

وتكاثرت النصوص أيضًا بتحريم الخروج على أئمة المسلمين, وإن كانوا أئمة جورٍ وظلم, ولم يزدد المسلمون عبر القرون إلا بصيرةً بهذه النصوص العظيمة، التي لم يحصل عبر التاريخ في مخالفتها إلا الفتنُ والشرور، والدماء التي تُراق كلما وُجِد خَرقٌ وشقٌ لصف المسلمين وجماعتهم, ولقد كان من جملة ما يستعيذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُسمِعه أصحابه: تلكم الدعوة التي هي استعاذة بالله -تعالى- من الفتن, حيث قال مرةً حينما مرّ على أقبرٍ للمشركين في المدينة، فقال لأصحابه فيما قال: "تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن"، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن" [صحيح مسلم ح(2867)].

 

ومن جملة الأدعية المأثورة: "اللهم أرنا الحق حقًا، وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل".

 

قال ابن شاهين: "ومن أدعية من تقدَّم:..." فذكره [شرح مذاهب أهل السنة، لابن شاهين، ص: 36)] ولا يصح فيه حديث.

 

أيها المؤمنون: إذا ذُكر الاجتماع والافتراق تُذكر قضيةٌ خطيرةٌ جدًا، وهي قضية خرْق سياج الأمن؛ لأنه ثبت بالتاريخ والتتبع أن وجود الفرقة والتشتت ورفع السلاح والخروج على جماعة المسلمين لا يتوقف فقط عند أذى ذلك المعتدي وحده, بل يكون بوابةً -والعياذ بالله- لفتنٍ لا يعلم مآلها إلا الله -سبحانه وتعالى-, فتنٌ في الدماء, وفتنٌ في الأعراض, وفتنٌ في الأموال, وخرقٌ لسياج الأمن, الأمن الذي لا يمكن أن تقوم دولةٌ ولا أن يقوم معاشُ الناس إلا به.

 

أيها الأحبة: ولحكمةٍ يريدها الله, ولما سبق في علم الله -عز وجل- من وجود بعض الفتن؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الناصح الأمين الرءوف الرحيم بأمته، يُحذِّر هذه الأُمة من أصناف من الطوائف، يتلبسون بلبوس الدِّين, وهم من أبعد الناس عنه! يتلبسون به ليُضلوا الناسَ بأفعالهم, ويُضلوا الناس بصوَرِهم وهيئاتهم وأحوالهم, ويضلوهم بأقوالهم وما يلبسونه من الحق, وقد قال الأئمة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصح عنه شيءٌ في التحذير من فرقة من الفرق بعينها إلا في فرقة واحدة, ما هي هذه الفرقة يا تُرى؟

 

إنها فرقة الخوارج, الخوارج الذين نبتت نابتتُهم في عهده عليه الصلاة والسلام, فإنه لما رجع عليه الصلاة والسلام من غزوة من الغزوات، وبدأ قسم الغنائم، قام قائم فقال: "اتق الله يا محمد واعدل!".

 

انظر كيف استخدم هذا المجرمُ المارق هذه اللفظة، وهي: "العدل", والعدل كلمةٌ تعشقها النفوس, لكنه وظّفها لغرضٍ خبيث, فقال عليه الصلاة والسلام: "ويلك! من يعدل إذا لم أعدل وأنا يأتيني خبر السماء؟!" -صلى الله عليه وسلم-, فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله: دعني أضرب عنقه؟ قال: "لا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه" [انظر: صحيح البخاري ح(3610)، ح(4351)، صحيح مسلم ح(1063)، ح(1064)].

 

يعني من ينتسبون إليه وإن لم يكونوا صحابةً حقيقيين، بل يتدثرون باسم الإسلام وباسم التقوى، ويتدثرون بهيئات الصلاة, فيَضِل بعضُ الناس بهيئاتهم.

 

ودعونا -أيها الأحبة- نتتبع شيئًا من الأوصاف التي وصفهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بها، الثابتة في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام، فوالذي نفسي بيده إن هذه النصوص لتزيد الإنسان يقينًا وإيمانا ببعثته عليه الصلاة والسلام، وبعظيم نصحه وشفقته:

 

فأول هذه الصفات: أنهم أحداث الأسنان، أي صغار السن.

 

والثانية: سفهاء الأحلام.

 

أي: العقول، وانظروا في أولئك الذين يتبنون هذا المنهج الخطير, هذا المنهج الغالي الذي يخرج على المسلمين, ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة، يضرب بَرَّهم وفاجرَهم! انظروا في أعمارهم, وانظروا في علومهم, وانظروا في حلومهم وعقولهم.

 

الصفة الثالثة: واسمعوها -يا شباب- جيدًا: "يقولون مِن خير قول البرية", فهم حينما يريدون أن يؤصّلوا لضلالهم فيما يفعلونه من الإجرام والافتراق والخروج على جماعة المسلمين وعلى أئمتهم؛ تجدهم يستدلون بآية, وربما استدلوا بحديثٍ، أو بموقفٍ هنا أو هناك, هذه عادتهم, لكن لضلالهم وقلة علمهم يتركون مئات وآلاف النصوص من القرآن والسنة التي تنقض ذلك الأصلَ والباطلَ الذي أسَّسوه وقرّروه.

 

أما الصفة الرابعة: فيقول صلى الله عليه وسلم: "لا يجاوز إيمانُهم حناجرَهم" [الصفات الأربع هذه في صحيح البخاري ح(3611) من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-].

 

يقف هنا حدُّ الإيمان! يتردد بين الشفتين إلى الحنجرة، لم يصل بعد إلى القلب, عجبًا أهكذا هم؟! نعم, وهل هناك صفةٌ أخرى تزيدهم بيانًا؟ استمع يقول صلى الله عليه وسلم، وهي:

 

الصفة الخامسة من صفاتهم: "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم, وصيامكم إلى صيامهم, يقرؤون القرآنَ لا يجاوز حناجرهم".

 

الله أكبر, اللهم صلِ على محمد, اللهم صلِ على الناصح الأمين.

 

انظروا -أيها الأحبة- واستمعوا أيها الشباب، هؤلاء ليسوا من رواد البارات، ولا من رواد بيوت الدعارة، كلا! بل هؤلاء يُصلُّون ويصومون ويقرؤون القرآن، فقد ترى من أحدهم هيئة رجلٍ صالح كث اللحية, قصير الثوب، كما هي صفة الخارجي الذي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله يا محمد واعدل".

 

وهكذا والله وصَفَه الراوي: "رجل قصير الثياب، كث اللحية" [انظر: صحيح البخاري ح(4351)، صحيح مسلم ح(1064)].

 

لكن الإسلام لا يعتبر بالمظاهر فقط, بل يعتبر بالمظهر والعمل.

 

وهنا أطرح هذا السؤال، وأدعو أحبتي ليتأملوا فيه: مَن الذين خاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم, وصيامكم إلى صيامهم؟".

 

إنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة والصحب الكرام، ليس المخاطَب بهذا المقصّرون مِن أمثالنا, ومع ذلك هم من شر الناس وأضلهم، وأبعدهم عن الصواب والهدى, ولذلك لما مرَّ بعضُ الصحابة -رضي الله عنهم- ببعض قتلى الخوارج، قال: في مثل هؤلاء أنزل الله قوله عز وجل: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

 

لما قُبِض على الخارجي عبد الرحمن بن مُلجم, وكان من الخوارج ممن قتل الناسَ وخرج عليهم قال: فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع! فلما أرادوا قطع لسانه خاف وجزع! لماذا يا هذا؟ قال: حتى لا تمر علي لحظة لم أذكر الله عز وجل فيها!.

 

وهذا هو الذي قتل مَن؟

 

قتل خيرَ الناس على وجه الأرض في ذلك الوقت! قتل أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-! فانظروا إلى الضلال كيف يبلغ بالإنسان!.

 

وأما الصفة السادسة من صفاتهم، فهي قوله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

 

أرأيتم السهم حينما يُفارق رمية القوس, هل يبقى منه شيء؟

 

كلا, ولذا اختلف الأئمةُ فيهم؛ أهم كفارٌ أم لا؟ وليس هذا مقام البحث هنا, إنما المقصود: الإشارة إلى عظيم الفتنة بهم, وأنه قد تورّط في اعتناق مذهبهم طوائفُ مِن الأمة منذ عهد الخلفاء الراشدين - وتحديدًا منذ عهد عثمان -رضي الله عنه - إلى يومنا هذا يقلون ويكثرون, يبرزون ويختفون, لكن فتنتهم بذلك عظيمة.

 

وانظروا -أيها الأحبة ويا أيها الشباب- كيف تألّبوا على أمير المؤمنين الخليفة الراشد الذي تستحي منه الملائكة! الذي زوجه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بابنتيه, الذي بُشّر في أكثر من موقف بأنه من أهل الجنة! كيف يقول قائلهم: هذه الطعنة لله! وهو جاثمٌ على صدره، كل ذلك يفعله تدينًا!.

 

ويأتي الآخر فيترصد لأمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-, ويحشوا السيفَ سمًا عدة أيام، فيرقبه وهو خارجٌ إلى المسجد فجرًا في رمضان، في رمضان يقتل إمام المسلمين وخير الناس في ذلك الزمان! فيقتله ثم يُثني عليه صاحبُه ويمدحه بقتل خير الناس في ذلك الزمان: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

 

لم ينتهِ الحديث بعد عن هذه البلية, وللحديث صلة.

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, وبسُنة خير أنبيائه.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم ليّ ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين ...

 

أما بعد:

 

فإن فتنة الخارجية واعتناق هذا المذهب الفاسد الباطل الضال الذي تورّط فيه أُناس ازدادت الفتنة بهم في هذه السنوات المتأخرة، حينما لحق فئامٌ من شباب الأُمة -ويا للأسف- بجماعات من الغلو، ديدنها ودأبها تكفير المسلمين, وتكفير أئمتهم وعلمائهم, وتكفير دعاتهم وصلحائهم, وامتهان أساليب الغدر والتفجير، والخروج على الأمن في صورٍ تكررت -وللأسف- عدة مرات, فمن ينسى مقتل بعض جنودنا في حادثة شرورة في رمضان الماضي, حينما قُتل أربعة من رجال الأمن عصر الجمعة وفي نهار رمضان؟! ومن ينسى مقتلَ بعض جنودنا أيضًا في الشمال على أيدي أُناسٍ تجاوزوا إسرائيل, وتجاوزوا نظام بشار, وتجاوزوا نظام إيران، تجاوزوا ذلك كله, ليتجهوا إلى أين؟ إلى بلاد الحرمين الشريفين, لماذا؟

 

يقولون بزعمهم: نطهرها أولًا ثم نلتفت على أولئك ثانيًا! أي ضلال بعد هذا الضلال, أي جُرم بعد هذا الجرم, ولم تنته جرائمُهم بعدُ حتى وقعت الفاجعةُ الكبيرة التي مرت على أسماع الكثير، وشهدتها البلاد، وأشغلت الرأي العالمي؛ وهي التفجير الذي وقع في قرية: القديح بالقطيف في الأسبوع الماضي, وإن هذا الجرم الشنيع لا أظن عاقلًا - فضلًا عن مسلم - يحتاج إلى التدليل على ضلاله وعلى فساده، وأنه فعلٌ مجرمٌ شنيعٌ في كل قانون، وفي كل نظام - فضلًا عن شريعة السماء, فضلًا عن شريعة الله, بل عن اليهودية والنصرانية - لا يمكن أبدًا أن تُبيح فعلًا كهذا, والله لو كان هذا التفجير وقع في زريبة غنم, أو حظيرة دجاج؛ لكان جرمًا كبيرًا, فكيف به وهو يستهدف أُناسًا في مصلاهم, ويستهدف أُناسًا آمنين, هذا لو وقع على يهود أو نصارى مستأمنين لكان جريمةً عظيمة, وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتل الذمي -أي اليهودي والنصراني الذي له عهدٌ وأمان-: "من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما".

 

فكيف بقتل أناس ينتسبون إلى القبلة مهما اختلفنا معهم عقديًا فهم آمنون! وفي بيت الله يصلون؟!

 

إنه لجرمٌ عظيم, ومع مرارته وشدته وكراهيتنا لما وقع إلا أنه يمكن أن ننظر إلى مثل هذا الحدث بمنظارٍ نتفاءل من وراءه خيرًا؛ وهو أن ينكشف ضلالُ هذا المسلك لأولئك الشباب الذين ما زالوا يُحسنون الظن بهؤلاء الخوارج الضلال, الذين صاروا مطية لبعض الاستخبارات الخارجية, صاروا مطية لأعداء الإسلام, صاروا مطية لأُناسٍ أكبر أحلامهم أن يقوِّضوا اجتماعنا, وأن يقوِّضوا الأمن في بلدنا, صاروا مطيةً لأُناسٍ من أهم وأكبر أهدافهم تمزيق وحدة هذه البلاد.

 

فيا أيها الشباب: تنبهوا وتعقلوا، وافتحوا عقولكم وتبصَّروا, انظروا ماذا فعل أولئك بإسرائيل؟ ماذا فعلوا بالنظام النصيري؟ ماذا فعلوا بإيران التي تُحرك أمثال هذه الجماعات الغالية؟

 

والتي ربما انخرط فيها أُناس سذج، صغارٌ في السن، صغارٌ في العقل؛ ظنًا منهم أن هذه جماعاتٌ تُقيم دولةً إسلامية، لا والله!.

 

وإن من أعظم ما يُحزن الإنسان: حينما تصدر القوائم مُعلنةً أن شبابًا صغارًا في السن أعمارُهم من الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين، كل هؤلاء جُندوا وفُخخت رؤوسهم! لماذا؟ هل ليقاتلوا اليهود؟ لا, ليدفعوا بغي الدولة المجوسية؟ لا, بل ليقوضوا بنيان دولةٍ أكرمها الله وشرفها بحماية الحرمين الشريفين.

 

فيا عباد الله: هذه بلدٌ ليست كالبلاد؛ فإذا -لا قدّر الله- خُرق فيها سياجُ الأمن، فالمتضرر من ذلك ليس السعوديون فحسب, بل جميع المسلمين في العالم! لو انخرق سياج الأمن -لا قدر الله- فمن الذي يستطيع أن يذهب إلى مكة آمنًا كما يفعل الآن؟ ومن الذي يستطيع أن يذهب إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يحصل الآن؟

 

تبصروا -أيها الشباب- وانظروا عمن تأخذون دينكم, وانظروا لهؤلاء الذين يتسترون خلف المُعرفات في تويتر, وفي الفيس بوك, وفي غيرها من مواقع التواصل -أبو فلان الفلاني, وفلان الفلاني- لا يذكرون أسمائهم الصريحة, أليسوا على حقٍ كما يزعمون؟ أليسوا يدْعون إلى دولة إسلامية كما يزعمون؟ لماذا يتسترون؟ لماذا يختفون؟ لماذا يعملون في الخفاء؟ لماذا وجّهوا سهامهم إلى بلد إسلامية؟

 

إنها فتن, ولا يُنجي منها إلا الاعتصامُ بحبل الله, ولزومُ جماعة المسلمين, والسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا, وتفويت الفرصة على كل من يريد أن يُشتت شمل هذه البلاد, بزعم ماذا؟ أن هؤلاء عندهم شركيات, وعندهم ضلالات!.

 

يا أخي: هب أنهم يهودٌ أو نصارى! ألم يكن اليهود موجودين في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ألم يكونوا موجودين في عهد عمر؟ من الذي قتل عمر؟

 

إنه غلامٌ مجوسي, لم يُخرجهم عمر من المدينة إلا حينما خفروا العهد, فكيف بأُناسٍ ينتسبون إلى القبلة؟ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته".

 

لقد مر على هذه البلد قرون قبل أن تتأسس هذه الدولة، وكذا في العراق وفي الشام ما زال المسلمون يتعايشون مع اليهود ويتعايشون ومع النصارى ومع الرافضة، والتعايش هذا لا يعني الإقرار بما هم عليه من ضلال! ولا ما هم عليه من كفر؛ بل التعايش شيء والدين والولاء والبراء شيء, ثم لو قُدِّر أن هناك أخطاء؛ فإن الذي يُصححها أو يقوم ويحمل لواء الشريعة فيها هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس وآحادهم, وإلا لأصبحت الأمورُ فوضى، كل من قُتل قَتل, وكل من سُرق ماله قَطع يد السارق! بل هذه أمورٌ أُنيطت بمن ولاه الله الأمر, فإن أقامها فله الأجر العظيم, وإن قصّر فيها فعليه وزر ذلك، لكن هذا لا يبيح أبدًا أن يمارس أفرادُ الناس شيئًا من هذا.

 

أيها الأحبة: أطلتُ وطال المُقام؛ لأن الجرح عظيم, والبلاء كبير, والفتنة عظيمة, وهذه نارٌ تريد أن تُحرق كثيرًا من شبابنا, وهذا يُحتم علينا أن تكون آذاننا مفتوحة, وأعيننا كذلك, وأن نتابع ونراقب أبناءنا, وأن نكون أيضًا واعين، وعلى مستوى الحدث, وأن نكون أعظم عونٍ لمن ولاه الله الأمر على حفظ الأمن, وعلى أيضًا توعية شبابنا بمثل هذه الأخطار, وبمثل هذه الفتن, فوالله؛ لئن يلقى الإنسانُ ربَّه -أيها الشباب- شاربًا للخمر, أو واقعًا في بعض الموبقات فيما بينه وبين الله خيرٌ له من أن يَلقى الله بمحجمة دم لا تحل له, أو يلقى الله -عز وجل- وقد سبب زعزعةً للأمن, وأن يكون سببًا في فتنةٍ من القتل والقتال لا يعلم مداها إلا الله -عز وجل-!.

 

فاحذروا -أيها الشباب- وخذوا دينكم عن العلماء العدول الثقات, واحذروا من دعوات التلبيس التي يُصدرها هؤلاء المجاهيل خلف معرّفات تويتر، وغيرها.

 

احذروا منهم حينما يزهدونكم في علمائكم الذين شابت لحاهم في الإسلام.

 

احذروا منهم فإنك أن تأخذ دينك عن عالمٍ عُرف بالعلم والتعليم والفتيا والديانة خيرٌ من أن تأخذ دينك عن مجهول لا تدري ما هو, وقد يكون الذي يدير المُعرف -وهذا شيءٌ ثابت- أُناس يعملون لاستخبارات أجنبية, وفي كل يوم تتكشف الأخبارُ عن حقيقة هذه الجماعات الغالية, وكيف استثمرها العدو؛ مستغلًا العاطف الديني الموجود عند الشباب, كيف يستثمرها العدو في تفخيخ الرؤوس وتفريق جماعة المسلمين.

 

يا أيها الشاب الأريب اللبيب: إنك لا تملك إلا نفسًا واحدة, فاحذر أن تنفلت هذه النفسُ في طريقٍ مُظلم كهذا الطريق.

 

احذر أن تذهب نفسُك وأن تلقى الله، وقد قتلت أناسًا، أو سببت فتنة أو فُرقة بين المسلمين، ليست لك إلا نفسٌ واحدة فاحفظها، فليس هناك مجالٌ للمراجعة إن ذهبت هذه النفس.

 

اسأل الله -عز وجل- أن يهدي شباب المسلمين, اللهم اهد شباب المسلمين, اللهم اهد شباب المسلمين, واحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم من أرادهم بسوءٍ اللهم أشغله بنفسه, اللهم من أرادهم وأراد بلادنا وأمننا وولاتنا وعلماءنا بسوء -وسائر بلاد المسلمين- اللهم أشغله بنفسه.

 

 

 

المرفقات
الخوارج أعداء الأمن ووحدة الأمة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life