الخلال النبوية (7) نصح النبي صلى الله عليه وسلم للناس

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: السيرة النبوية
عناصر الخطبة
1/نصح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 2/ من أساليب نصح النبي صلى الله عليه وسلم 3/ نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في أمور الدين 4/ نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في أمور الدنيا 5/ أهمية النصح حياة النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته إليها
اهداف الخطبة
تحبيب النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الناس / الترغيب في سلوك ما سلكه النبي صلى الله عليه وسلم في النصح

اقتباس

ما من شيء فيه نفع لنا إلا أخبرنا به، وحثنا عليه، ورغبنا فيه.. وما من شيء فيه ضرر علينا إلا بينه لنا، ونهانا عنه، وحذرنا منه.. ولم يُخف عن أمته شيئاً.. عزَّ عليه عنت أمته فسأل الله لها التخفيف حتى استحيا من ربه عز وجل.. وبلَّغ الأمة بلاغاً لم يُبلغه أحد مثله، لا قبله ولا بعده، وصبر في سبيل ذلك صبراً جميلاً، وصفح عن قومه صفحاً جميلاً

 

 

 

 

الحمد لله الجواد الكريم؛ منَّ علينا ببعثة خاتم المرسلين، فهدانا به إلى الإيمان واليقين (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164] نحمده حمداً كثيراً، ونشكره شكراً مزيداً؛ فنعمه علينا متتابعه، وخيراته لنا وافية (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله) [النحل:53].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يُقضى قضاء إلا بأمره، ولا يقع شيء إلا بعلمه، تبارك وتعالى في مجده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أنصح الناس للناس، وأتقاهم لله تعالى؛ عَظُمت به المنَّةُ، وتمت به النعمة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أصلح هذه الأمة قلوباً، وأقواهم إيماناً، وأزكاهم أعمالاً، وأصدقهم أقوالاً، لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يشنئوهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصي نفسي وإياكم -عباد الله- بتقوى الله تعالى في السر والعلن؛ فاتقوه حق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها الناس: كلما كان العبد أقوى إيماناً، وأكثر عبودية لله تعالى - كان أكثر نصحاً للعباد، وصدقاً معهم، وتجرداً من حظوظ النفس وأهوائها. ولما كان الرسل عليهم السلام هم أقرب البشر إلى الله تعالى، وأقواهم إيماناً به، وأكثرهم عبودية له؛ كانوا أنصح البشر للبشر، وأصدقهم معهم، وأخلصهم لهم، وكان في طاعتهم الهدى والرشاد، وفي مخالفتهم الهلاك والخسران.

دعا نوح عليه السلام قومه للتوحيد وقال لهم: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) [الأعراف:62] وقال هود عليه السلام: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف:68].

ولما لم يقبل قوم صالح عليه السلام نصحه قال لهم: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف:79] وقال شعيب عليه السلام لقومه: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف:93].

أولئك هم رسل الله تعالى صلوات ربي وسلامه عليهم، كانوا ناصحين لأقوامهم، مخلصين في دعواتهم، مبارَكين أينما حلُّوا، فهم رحمة الله تعالى للناس، وهم هدايته، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتمهم، وهو أنصح الناس لنا وإن لم نلقه ولم نسمعه ولم نره، قال الله تعالى في وصفه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].

ما من شيء فيه نفع لنا إلا أخبرنا به، وحثنا عليه، ورغبنا فيه.. وما من شيء فيه ضرر علينا إلا بينه لنا، ونهانا عنه، وحذرنا منه.. ولم يُخف عن أمته شيئاً.. عزَّ عليه عنت أمته فسأل الله لها التخفيف حتى استحيا من ربه عز وجل.. وبلَّغ الأمة بلاغاً لم يُبلغه أحد مثله، لا قبله ولا بعده، وصبر في سبيل ذلك صبراً جميلاً، وصفح عن قومه صفحاً جميلاً.

كان من نصحه صلى الله عليه وسلم أنه دعا قومه فَعَمَّ وَخَصَّ وقال لهم: " أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ من النَّارِ" وظل يكرر ذلك عليهم، حتى بلغ به أقرب الناس إليه فقال صلى الله عليه وسلم: " يا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ من النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ من الله شيئاً " رواه مسلم.

وبالغ في نُصحه لأمته، ورحمته بهم، وخوفه عليهم؛ حتى شُبِّه بالنذير العُريان الذي خرج يصيح بقومه، ويصرخ فيهم؛ ينذرهم الغُزاة، وهو -صلى الله عليه وسلم- بنصحه يدفع الناس عن النار، وكثير منهم يأبون إلا الوقوع فيها، يقول صلى الله عليه وسلم : " إنما مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَتْ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فيه فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فيه " رواه الشيخان.

وبلغ من نصحه صلى الله عليه وسلم للناس، ورحمته بهم، وحرصه عليهم - أنه يكرر النصح والموعظة والإرشاد؛ حتى خاطبه ربه سبحانه بقوله: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف:103] وقال عز وجل له: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [النحل:37].

إن قلبه كاد أن ينقطع أسىً على تكذيب المكذبين، وإعراض المعرضين، حتى سلَّاه الله تعالى وسرَّى عنه؛ فهل يَبْلُغ أحد في نصحه للناس، وخوفه عليهم ما بلغ أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ؟!.

يخاطبه ربه سبحانه فيقول: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ) [الحجر:97] ويشتد حزنه أسىً على قومه، ونصحاً لهم فيأمره ربه عز وجل بالصبر، وينهاه عن الحزن (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِالله وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [النحل:127] وفي آية أخرى (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل:70].

إنه -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يوصل لهم الإيمان؛ لينجوا من العذاب، ويود إقناعهم بالهداية بأي طريق كان، ولكن التوفيق للهداية لا يملكه إلا الله تعالى، وما على الرسول إلا البلاغ، واشتدَّ ذلك عليه، وضاق صدره به، وعظم حزنه عليهم؛ حتى قال له ربه عز وجل: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ الله يَجْحَدُونَ) [الأنعام:33].

وبيَّن سبحانه له أن الهداية بيده وحده لا شريك له (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ) [الأنعام:35].

يا لهذا الحرص العظيم على هداية الناس ونفعهم، ودفع العذاب عنهم، حتى عَظُم به همه، واشتد حزنه، وضاق صدره، وكاد أن يهلك حسرة عليهم؛ فقال له ربه عز وجل: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [فاطر:8] وخاطبه سبحانه بقوله: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف:6] وفي آية أخرى (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء:3]؛ يقول الطبري رحمه الله تعالى في معنى الآية: " لعلك يا محمد قاتل نفسك ومهلكها إنْ لم يؤمن قومك بك ويصدقوك على ما جئتهم به، والبخع: هو القتل والإهلاك في كلام العرب ".

وبيَّن له ربه عز وجل أنه مُبَلِّغٌ مُذَكِّر، ولا سبيل له إلى هدايتهم (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) [الغاشية:22] وفي آية أخرى (وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام:107].

هكذا كان نصحه صلى الله عليه وسلم لمن لم يؤمن به من أمته يريد هدايتهم؛ فكيف كان نصحه صلى الله عليه وسلم بمن آمنوا به؟! لقد بلغ في ذلك المنتهى حتى لا يفيه وصف حقه، ولا تبلغ كلمات مقدار نصحه صلى الله عليه وسلم لنا؛ بآبائنا هو وأمهاتنا والناس أجمعين.

كيف وقد جعل نفسه صلى الله عليه وسلم والداً لأمته، والوالد أشد ما يكون نصحاً لولده، ورحمة بهم، وشفقة عليهم، ولا كلام في ذلك أبلغ من كلام الله تعالى حين قال سبحانه: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب:6].

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ " رواه أبو داود.

أعطاه ربه عز وجل دعوة يستجيب له فيها كما أعطى النبيين قبله، فقدم صلى الله عليه وسلم أمته على نفسه، وادخر لهم دعوته؛ فدلوني على من يُعطى دعوة واحدة مستجابة فيجعلها لغيره؛ أفلا يكون ذلك منتهى النصح، ونهاية الرحمة والشفقة؟!

روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يوم الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إن شَاءَ الله من مَاتَ من أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِالله شيئاً " رواه الشيخان.

خَيَّرُه ربُه عز وجل في أمته فاختار ما هو خير لها وقال لأصحابه رضي الله عنهم: " إنه أتاني اللَّيْلَةَ آتٍ من ربي فخيرني بين أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أمتي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ " رواه أحمد.

ومن نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته أنه دلهم على ما ينفعهم في الدين، وما يقربهم إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة، ووصاهم بها؛ كما وصى رجلاً بأن لا يغضب، وقال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ من كل شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قبل أَنْ أَنَامَ " رواه الشيخان.

وروى بُرَيْدَةُ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَمَّرَ أَمِيرًا على جَيْشٍ أو سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ معه من الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا؛ رواه مسلم.

ولذا استحق صلى الله عليه وسلم أن تشهد له الأمة جمعاء بأنه نصح لأمته نصحاً أعظم النصح، فاستشهد على نصحه صحابته رضي الله عنهم في أكبر جمع وأفضله يوم عرفة حين خطب الناس، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: " وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قد بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فقال: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى الناس: اللهم اشْهَدْ اللهم اشْهَدْ "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ رواه مسلم.

ولا نقول إلا كما قال الصحابة رضي الله عنهم: نشهد أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قد بلغ وأدى ونصح؛ فجزاه الله تعالى خير ما جزى نبياً عن أمته، ونُشهد الله تعالى وملائكته على شهادتنا، وكفى بالله شهيداً.

وأقول ما تسمعون وأستغفر...

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [آل عمران:131-132]

أيها المسلمون: لم يَقْصِرْ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نصحه لأمته على أمور الدين وما يتعلق بالآخرة فحسب، بل بذل نصحه للناس في أمور الدنيا؛ فنصح للقريب والبعيد، وللرجال والنساء، وللكبار والصغار، وللرعاة والرعية.

وأراد رجل أن يتصدق بماله كله ويُفقر نفسه وأهله وولده فمنعه صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ نصحاً له وقال: " ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عليها فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ فَإِنْ فَضَلَ عن أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ فَإِنْ فَضَلَ عن ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا، يقول فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ " رواه مسلم.

ومن نصحه صلى الله عليه وسلم للنساء أنه أوصى بهن الرجال فقال صلى الله عليه وسلم: " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ " رواه الشيخان.

ولما طُلقت فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وخطبها مُعَاوِيَةُ بن أبي سُفْيَانَ وَأَبَو جَهْمٍ رضي الله عنهم نصح لها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " أَمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ عَصَاهُ عن عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ له، انكحي أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، قالت: فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قال: انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ الله فيه خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ " رواه مسلم.

وكما نصح صلى الله عليه وسلم للنساء فإنه كذلك نصح للرجال؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: كنت عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً من الأَنْصَارِ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ " قال: لا، قال: " فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فإن في أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شيئاً "رواه مسلم.

ومن نُصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أنه رباهم على النصح للناس، وحثهم عليه، ورغبهم فيه؛ لينالوا حسنة الدنيا والآخرة، فجعل الدين كله في النصح؛ كما في حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ولائمة الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " رواه مسلم.

وبايعهم صلى الله عليه وسلم على النصح للمسلمين؛ كما في حديث جَرِيرِ بن عبد الله رضي الله عنه قال: بَايَعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم على إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ؛ متفق عليه.

وجعل النصح من حقوق المسلم على المسلم؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ سِتٌّ... وذكر منها: وإذا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ له " رواه مسلم.

وشدد صلى الله عليه وسلم في نصح الرعية للراعي فقال صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لله وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ فإن دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ من وَرَائِهِمْ " رواه ابن ماجه، كما شدَّد صلى الله عليه وسلم على الراعي أن ينصح لرعيته فقال صلى الله عليه وسلم: " ما من عَبْدٍ يسترعيه الله رَعِيَّةً فلم يَحُطْهَا بنصحه إلا لم يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " رواه الشيخان.

وكان من نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته أنه دعا لمن رفق بهم، ودعا على من شقَّ عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: " اللهم من وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي شيئاً فَشَقَّ عليهم فَاشْقُقْ عليه وَمَنْ وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي شيئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " رواه مسلم.

فحري بالمسلم أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في بذل النصح لإخوانه المسلمين، والحرص على هداية الناس أجمعين؛ فإن التأسي به صلى الله عليه وسلم دليل على محبته، ومحبته صلى الله عليه وسلم سبب لنيل شفاعته، والورود على حوضه، ومرافقته في الجنة؛ فقد قِيلَ له: " الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يحلق بِهِمْ قال صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ مع من أَحَبَّ " متفق عليه.

وصلوا وسلموا على نبيكم...

 

 

 

المرفقات
الخلال النبوية (7) نصح النبي صلى الله عليه وسلم للناس.doc
الخلال النبوية (7) نصح النبي صلى الله عليه وسلم للناس - مشكولة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life