عناصر الخطبة
1/ النهي عن الحسد وذمه 2/ الآثار السلبية الناتجة عن الحسد 3/ بداية الحسد ومروره على العصوراهداف الخطبة
اقتباس
دفع كفار قريش إلى حسد بني هاشم لما بعث منهم -عليه الصلاة والسلام-، فقد قال قائل من قريش وهو الأخنس بن شريق: "كنا نتسابق وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا؛ حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا فرسي رهان، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمتى ندرك هذا؟"
أما بعد: أيها المسلمون: لقد أمر الإسلام أهله بكل ما فيه خير وبر ونفع وإسعاد، ونهاهم عن كل ما فيه شر وإثم وضرر وفساد، أمرهم بمكارم الأخلاق وأفاضل الأمور، ونهاهم عن سيئها ورذيلها.
وهناكم خصلة شيطانية ذميمة، وخلة يهودية دنيئة؛ جاء الإسلام بالنهي عنها. ألا وهي الحسد، يقول تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [النساء:54] ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه-: "لا تحاسدوا" أي لا يحسد بعضكم بعضاً.
والحسد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه والنهي عنه هو: تمني زوال ما أنعم الله به على عبد من نعمة دين أو دنيا، ويشتد إثم ذلك ويعظم شره إذا سعى الحاسد في زوال النعمة عن المحسود بقول أو بفعل، بقول: كالكذب والتأليب عليه، أو بفعل: كمعاكسته في الأمور، وإظهار أخطائه وسيئاته على وجه التنقص والهدم، لا على وجه الإصلاح والبناء.
ولا غرو أن ينهى عن الحسد؛ فالحسد أول ذنب عصي الله به، وأول عامل في ضلال الإنسانية وشقائها، فقد حسد إبليس -لعنه الله- آدم عليه السلام، لما روى آدم وفاق على الملائكة بأن الله خلقه بيده وأشهد له ملائكته وأسكنه بجواره، وعلمه أسماء كل شيء، ومنعه حسده أن يسجد لآدم، فامتنع فحقت عليه وعلى من تبعه اللعنة تترى إلى يوم القيامة.
فاتقوا الله -معشر المسلمين-، وتجنبوا الحسد؛ فإنه لوخيم العاقبة، شديد النكاية، يحرق القلوب، ويولد فيها الشحناء والعداوة والبغضاء، ويأكل الحسنات كما تأكل النار العشب، كما أخبر بذالكم الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه-.
ما وجد في أمة إلا وأوردها أشر موارد العطب، وأصدرها أفظع مصادر الهلاك، ما وجد في أمة إلا وأذهب ريحها وفرقها شياعاً، ما وجد في أمة إلا وأعمى قلوبها عن فهم الحق وأصم آذانها عن سماعه وأخرس ألسنتها عن النطق به، لا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا عجب -أيها الإخوة-، فقد دفع بإبليس إلى أن يزين لآدم ولزوجته في الأكل مما نهيا عنه، ولا زال بهما حتى أوقعهما في المعصية، دفع بأحد ابني آدم هابيل لما أن قرَّب هو وأخوه قابيل قرباناً؛ فتقبل قربان هابيل لتقواه، ولم يتقبل قربان قابيل، إلى أن يقتل أخاه حسداً وظلماً، فجر عليه حسده الإثم العظيم إلى يوم القيامة.
فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وغيره: "ما قتل قتيل إلا كان على ابن آدم كفل منه؛ لأنه أول من سنَّ القتل"، دفع بأخوة يوسف إلى أن يعقوا أباً، ويقطعوا رحماً؛ بإلقائهم أخاهم يوسف في البئر حسداً وظلماً (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف:8]
ودفع بكثير من أهل الكتاب الذين يعرفون نبوة محمد وصفته في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم إلى أن يجحدوا نبوته حسداً للعرب، لما بعث -صلى الله عليه وسلم- (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109]
دفع كفار قريش إلى حسد بني هاشم لما بعث منهم -عليه الصلاة والسلام-، فقد قال قائل من قريش وهو الأخنس بن شريق: "كنا نتسابق وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا؛ حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا فرسي رهان، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمتى ندرك هذا؟".
ويقول أبو جهل -لعنه الله-: "إني لأعلم أن محمداً صادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة؛ فماذا يبقى لسائر قريش؟". وصدق الله العظيم: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام:33]
وهكذا كان مبلغ الحسد بأهله، وهكذا كانت آثاره على أهله. وكيف لا يكون كذلكم وأشر من ذلكم، وهو اعتراض على الله في حكمه وقضائه وإعطائه ومنعه؟!
فاتقوه -عباد الله- وجانبوا الحسد، وعالجوه إذا وقع بقلب أحدكم بذكر فضائل ومحاسن المحسود، وبذلكم تسلمون من أخطاره وأضراره، فإنه -وأيم الله- لعناء وشقاء في الدنيا، وحسرة وندامة في الآخرة.
وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات