عناصر الخطبة
1/ الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية 2/دعوة الإسلام إلى تيسير الزواج 3/أهمية الزواج في الإسلام 4/فوائد الزواج المبكر 5/الحث على تيسير الزواج وتزويج الأتقياء 6/مساوئ المغالاة في المهور.

اقتباس

إن كنتم تبغون الراحة لبناتكم فزوّجوهن مبكّرين من الصالحين الأتقياء، ولا تمنعكم قلة المال، فإنه ظل زائل وعارية مستردّة، على أن أرزاق أهل التقوى مباركة... أما الفاسق وإن كان غنيًّا، فقد يكون فسقه سببًا لتضييق رزقه عليه وتبديد ماله وثروته...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الذاريات: 49]، (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].

 

فقد جعل الله الزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة، ولذلك واجه الإسلام هذا الأمر بتيسير الزواج والمعاونة عليه مع تصعيب السبل الأخرى للمباشرة وإغلاقها نهائيًّا.

 

يقول الله -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ)[النور: 32- 33].

 

فقد جعل الله -تعالى- الزواج عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي فيها الحقوق والواجبات بارتباط ديني يشعر الشخص فيه بأنه يقوم بحق الآخر بأمر ديني، وتنفيذ رابطة مقدسة تعلو بإنسانية فتصبح مودة بين الزوجين عبَّر الله -تعالى- عنها بقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم: 21]، (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)[البقرة: 187].

 

وكذلك فإن الزواج هو المقوّم الأول لبناء المجتمع النظيف الذي ترفرف عليه مشاعر الألفة والأخوة الإنسانية، كما أنه وسيلة بقاء النوع الإنساني وحفظه في هذه الحياة، وهو تمديد على المسؤولية وتحمل التكاليف الاجتماعية، ومن أحجم عنه فقد فرَّ من الواجبات الاجتماعية ونزل إلى درجات الحيوانية.

 

ولذلك فلا عجب أن تكثر الآيات الكريمة والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وتيسير طريقه؛ فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاء".

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"، وقد روى قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن التبتل -أي: عدم الزواج- ثم قرأ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)[الرعد: 38]. وقال للثلاثة الذين أرادوا الانقطاع عن الحياة: " أَما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّساءَ؛ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي".

 

ولذلك كنا نجد في المجتمعات الإسلامية السالفة أن الزواج يكون مبكرًا، فكانوا لا ينتظرون حتى يتعلم الولد ويتخرج من الجامعة أو ينال أرقى الشهادات ثم يصبح موظفًا كبيرًا أو شيخًا عجوزًا ليفكّر بعد ذلك بالزواج.

 

إن الزواج المبكر إنقاذ للجنسين من غوائل التحلل والانحراف ومن زوبعة المخاوف وظلمات الطبع وتجهُّم الحياة، والأخطار السوداء التي تنغّص عيشتهم وتقضّ مضاجعهم وتُقلق راحتهم وتُهدر كيانهم وتقترض أموالهم وتحطّم مستقبلهم، يفكرون طويلاً بأمر عظيم حينما يفوتهم شرخ الشباب فلا ينفع الطارف ولا التالد بعد فواته، ويحصل هذا عندما يقف أولياء الأمور للجنسين موقف مَن يعضّ على المادة بأنيابه، ويحرص عليها أشد الحرص، هذا يؤمل المهر الغالي لابنته، وذاك يستكثر ما يدفع، وقد لا يجد له حولاً ولا طاقة على ذلك.

 

ولذلك يأمر الله -تعالى- الجماعة المسلمة أن تُعين مَن يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال؛ (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

 

وأما هدية التكريم وعنوان اللقاء التي سماها الله -تعالى- نِحْلة، أي عطية، وهي المهر والصداق الذي هو حق خالص للمرأة، وليس حقًّا لوليها أيًّا كان أبًا أو أخًا أو أُمًّا، أما المهر وهذه والنحلة فلا يجوز أن يُغالي فيها الناس حتى تكون عائقًا أمام الزواج، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "خير الصداق أيسره"، وكان يقول لمن يريد الزواج: "التمس ولو خاتمًا من حديد".

 

وإن الإسلام وإن لم يجعل للمهر حدًّا أعلى لا يجوز للإنسان أن يتجاوزه؛ إلا أن الله -تعالى- لم يفرض علينا ذلك ولم يرغب فيه، ولذلك رأينا عمر الفاروق يقول على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أيها الناس: ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، والمهور فيما بينهم أربعمائة فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها".

 

أيها الآباء: كم من الناس الذين يردّون خاطبًا لبناتهم لأنه غير قادر على تحقيق أمنياتهم في المهر من المال الكثير المبذول والأثاث الفاخر والحفلات والولائم العظيمة التي لا يُراد بها إلا الرياء وظهور الترف أمام الآخرين، فيردّون بذلك خاطبًا صالحًا لفقره، وهو الذي سيحفظ عِرْضهم ويحنو عليه، ولكنهم يقبلون غير الصالح لغناه غير حاسبين للمستقبل ولا ليوم لقاء الله.

 

وكم من الناس يسعون للمال فلا يزيدهم الله إلا فقرًا! ويسعون للمكانة الاجتماعية والوظيفة والشرف ولا يزيدهم الله إلا ذلاً!

 

أيها الآباء: إن الرجل الصالح ولو كان فقيرًا أو معدمًا لا يؤذي زوجه ولا يهينها، وصلاحه سبب في أن يبارك الله له في رزقه وزوجته، ولو لم يكن في الصالح التقي إلا أن يطعم زوجته حلالاً ويحفظ عليها دينها وشرفها لكفى.

 

أما الفاسق وإن كان غنيًّا، فقد يكون فسقه سببًا لتضييق رزقه عليه وتبديد ماله وثروته فينكشف حاله وتسوء عِشْرته.

 

نفعني وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الآباء والأولياء: إن كنتم تبغون الراحة لبناتكم فزوّجوهن مبكرين من الصالحين الأتقياء، ولا تمنعكم قلة المال، فإنه ظل زائل وعارية مستردّة، على أن أرزاق أهل التقوى مباركة، فقد سأل رجلٌ الحسنَ البصري -رحمه الله- عمن يزوج ابنته؟ فقال: "عليك بصاحب الدين؛ فإنه إذا أحبها أكرمها، وان أبغضها لم يهنها".

 

وها هو سعيد بن المسيب سيد من سادات التابعين، يختار لابنته طالب علم فقير، ويُفضّله على ابن الخليفة عبد الملك في الزواج، وكم كان غلاء المهور سببًا في حرمان كثير من الذكور والإناث من الزواج إذ أصبح حصنًا أمنع من عُقاب الجو، فوجدوا منه عذابًا، وكم كانت هذه الحال سببًا في الجرائم وفشو الزنا وانتشار القبيح وقتل الكرامات وقبر الشرف، وكانت سببًا لانتهاك الأعراض وتضييع الحرمات.

 

ولا أحد يستطيع أن يقول: هل المهر الكثير أو غلاء المهور حرام؟ لن نقول هذا؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا)[النساء: 20]؛ فقد يكون ذلك مقدار المهر للقادر عليه الذي وسَّع الله عليه رزقه، فله أن يبتغي النكاح الحلال بما شاء من المهر، ولكن هل يجوز تغلية المهر على المتعفف النظيف حتى ينصرف بهذا الغلاء عن الزواج؟! وقد يفسد بعد الصلاح، أو ينزل عند الرغبة، فيدفع المهر الغالي الذي يستنزف ثروته ويجعله فقيرًا يرزح تحت أعباء الديون؟

 

وهل من النظر والمصلحة للبنات أن يضيّق أمر زواجهم بالمغالاة المهور لينفق في الزخارف والرقائق، ثم يصيرا إلى حياة تُخفي التعاسة وتُكِنّ الفقر، وكلما طلبت الزوجة من زوجها شيئًا أو متاعًا، يقول لها: مهلاً، مهلاً حتى أسدّد الديون التي كان بسببك.

 

فعلي الناس أن يفعلوا ويدركوا أن المغالاة في المهور سبب لتقليل الزواج الذي به الصيانة والحصانة، فتشيع الفاحشة ويفشو المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life