عناصر الخطبة
1/ أهمية العدل في المجتمعات 2/ سمات الحاكم العادل 3/ سمات السياسة في الإسلام 4/ خطورة نفاق الحكام 5/ خطورة استبداد المسئولين في بلادهم.اهداف الخطبة
اقتباس
السياسة في الإسلام تقوم على الوضوح التام والصراحة المطلقة؛ فالأهداف واضحة، والأوامر واضحة، والوسائل واضحة، والمسار واضح، فلا وجود فيها لما يسمى بالسياسة في معناها الحديث الذي هو إجادة فن الكذب والتدليس واللف والدوران للوصول إلى أهداف غير مشروعة أو حتى مشروعة. السياسة الإسلامية سياسة أبية لا تؤلّه الحاكم ولا تعتقد فيه العصمة، ولا تجيز له فعل كل ما يريد وإنما تقومه وتأخذ على يديه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتأطره على الحق أطراً وتطيعه طاعة مقيدة بعدم المعصية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل و..."، إلخ فهذا الحديث المشهور ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- من يظلهم الله بظله يوم تقرب الشمس من رءوس الخلائق قدر ميل فلا ظل يومئذ إلا ظله وذكر الأول منهم فقال إمام عادل أي حاكم عادل يسوس الناس بالعدل ويحكم بين الناس بالعدل ممتثلاً لقول الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58].
الحاكم العادل هو الذي يعتقد أن الحكم تكليفاً وليس تشريفاً والرئاسة مغرماً وليست مغنماً ويعلم أنه ليس إلا خادماً يخدم الناس ويسهل لهم أمورهم محسناً إليهم محافظاً على حقوقهم حريصاً على تعزيز كرامتهم ساعياً في تلبية حوائجهم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة" (رواه مسلم).
ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم أيضاً: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
عباد الله: إن السياسة في الإسلام تقوم على الوضوح التام والصراحة المطلقة؛ فالأهداف واضحة، والأوامر واضحة، والوسائل واضحة، والمسار واضح، فلا وجود فيها لما يسمى بالسياسة في معناها الحديث الذي هو إجادة فن الكذب والتدليس واللف والدوران للوصول إلى أهداف غير مشروعة أو حتى مشروعة.
السياسة الإسلامية سياسة أبية لا تؤلّه الحاكم ولا تعتقد فيه العصمة، ولا تجيز له فعل كل ما يريد وإنما تقومه وتأخذ على يديه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتأطره على الحق أطراً وتطيعه طاعة مقيدة بعدم المعصية يقول أبو قبيل رحمه الله: "خطبنا معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا، والفيء فيؤنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا. فلم يردَّ عليه أحد".
فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يردَّ عليه أحد. فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام رجل ممَّن شهد المسجد فقال: كلا، بل المال مالنا، والفيء فيؤنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا.
فلما صلى أمر بالرجل فأُدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس! إني تكلمت في أول جمعة فلم يردَّ عليَّ أحد، وفي الثانية فلم يردَّ علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سيأتي قوم يتكلمون فلا يُرَدُّ عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة»، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلمَّا ردَّ هذا عليَّ أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم. (رواه الطبراني وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
فالحاكم أو الأمير في السياسة الشرعية إنما هو في الحقيقة أجير عند الناس كما قال أبو مسلم الخولاني، -رحمه الله- عندما دخل على أحد الولاة فقال له: السلام عليك أيها الأجير! فقال الناس: الأمير يا أبا مسلم! ثم قال: السلام عليك أيها الأجير! فقال الناس: الأمير! فقال الوالي أو الأمير: دعوا أبا مسلم هو أعلم بما يقول.
فقال له أبو مسلم الخولاني -رحمه الله-: "إنما مثلك مثل رجل استأجر أجيراً فولاه ماشيته، وجعل له الأجر على أن يُحسِن الرعية، ويوفر جزازها وألبانها، فإن هو أحسن رعيتها ووفر جزازها وألبانها حتى تلحق الصغيرة، وتسمن العجفاء؛ أعطاه أجره وزاد من قِبَله زيادة. وإن هو لم يُحسِن رعيتها، وأضاعها حتى تهلك العجفاء، وتعجف السمينة، ولم يوفر جزازها وألبانها؛ غضب عليه صاحب الأجر، فعاقبه ولم يعطه الأجر".
فرضي الله عن الصحابة الأجلاء الذين بينوا لنا منهج التعامل مع الولاة والأمراء والحكام فهو منهج واضح يبين مدى معرفتهم بحقوقهم السياسية الشرعية التي ليس فيها غموض ولا ضبابية ولا تملق ولا نفاق ولا مجاملة للحاكم.
فلما احتك العرب بالأمم الأخرى وترجمت كتب الشرق والغرب ودخل الروم والفرس في الإسلام انتشر المفهوم الخاطئ للسياسة فوصل الحكام إلى هذه الدرجة من الاستعلاء والاستهتار بالشعوب لأنهم لم يسمعوا منهم كلمة لا ولم يعرفوا إلا المتزلفين الذين ينفذون أوامرهم بلا نقاش ويطيعونهم بلا تردد ويوهمونهم أنه لولا هم لكانت البلاد في فوضى وخراب فاستأثر هؤلاء الحكام بالسلطة وضحوا بحقوق الشعب ونهبوا مقدرات الدولة ولعبوا بمستقبل الأجيال وأصروا على البقاء في كراسي الحكم وإن كره من كره وقُتل من قتل يقول محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أنَّ ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "إنَّا ندخل على سلطاننا فنقول لهم خلاف ما نتكلَّم إذا خرجنا من عندهم. فقال: كنا نعدها نفاقاً!!"
يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- معلقاً على قول ابن عمر: "فالواجب على من دخل على السلاطين من الأمراء والوزراء والرؤساء والملوك أن يتكلم بالأمر على حقيقته يبين لهم الواقع سواء كان الناس على استقامة أو على اعوجاج أو على حق أو على باطل، ولا يجوز للإنسان أي إنسان أن يدخل على الأمير أو على الملك أو ما أشبه ذلك ثم يقول: الناس بخير الناس وأحوالهم مستقيمة، الناس اقتصادياتهم جيدة، الناس أمنهم جيد وما أشبه ذلك وهو كاذب. هذا حرام خداع... فالواجب البيان أما النفاق والمداهنة فهذه لا تجوز" شرح رياض الصالحين 1 / 1915 بتصرف.
فهؤلاء الحكام اليوم ما كانوا ليفعلوا بنا كل هذا لولا جهلنا نحن بحقوقنا الشرعية التي كفلها الله لنا والتي من أهمها محاسبة هؤلاء الحكام وكفهم عن الظلم والفساد والمحسوبية فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتته ثياب من اليمن فوزّعها على المسلمين فأعطى كل مسلمٍ ثوبًا – فلما كان يوم الجمعة لبس عمر ثوبه وثوب ابنه عبدالله ثم قام فخطب الناس وعليه ثوبان "ثوبه وثوب ابنه"، فبدأ في الخطبة فقال: أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي -رضي الله عنه- من وسط المسجد، وقال: والله لا نسمع ولا نطيع!! فتوقف عمر عن الخطبة واضطرب المسجد، فقال عمر: ما لك يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين وتُلبسنا ثوبًا ثوبًا ونسمع ونطيع؟!
فقال عمر: يا عبد الله بن عمر! قمْ فأجب سلمان، فقام عبد الله بن عمر فقال: هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان -رضي الله عنه-، وقال: الآن قلْ نسمعْ، وأمرْ نطعْ، فاندفع عمر يتكلم" (إعلام الموقعين لابن القيم 2/ 180).
فلم ينقل عن أحد من الصحابة في ذلك الموضع أنه قال لسلمان اسمع وأطع خليفة المسلمين وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فالصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يفهمون هذا الكلام بالمعنى المتداول اليوم يقول الله جل جلاله وعز كماله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58]، ويقول سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
الخطبة الثانية:
إن الناس سئموا من هذه الأوضاع المتردية وسئموا من الفساد والعبث ونهب الثروات وانتهاك الحقوق وتكريس حالات الإقصاء والاستلاب وممارسة السياسات الظالمة المهينة التي استحوذت على الثروات النفطية، وحرمت أهلها من حقوقهم في الانتفاع بعائدات تلك الثروات، وحرمتهم من فرص العمل التي توفرها الشركات الاستكشافية المنتجة للنفط والمجيء بعمالة فنية وعضلية ومقاولين من غير أبناء البلد.
إضافة إلى ما أحدثته تلك الشركات من جرائم وتلويث للبيئة وإفساد للمخزون المائي وتلويثه ورمي المخلفات الملوثة وما يترتب على ذلك من تفش للأمراض والأوبئة التي راح ضحيتها عدد من أبناء تلك المناطق التي تقع فيها هذه الآبار وفتكت بمواشيهم وأراضيهم الزراعية ومراعيهم السمكية ومختلف مظاهر الحياة والخصب في قراهم ومناطقهم وهذا جرم عظيم وفساد مبين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" (رواه البخاري)، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "ومعنى يتخوضون في مال الله بغير حق، أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل".
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
التعليقات