الجهاد في سبيل الله تعالى (1)

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ المنزلة العظيمة للجهاد 2/ ثمرات الجهاد 3/ المفاسد الناجمة عن تعطيل الجهاد 4/ الأسباب السامية للجهاد 5/ مصاحبة الجهاد للعدل والرحمة 6/ أسباب تعطيل الجهاد 7/ الجهاد بالمال
اهداف الخطبة

اقتباس

الحديث عن الجهاد والمجاهدين حديث طيب عذب، يحبه المؤمنون؛ فهو يشعرهم بالفخار، ويذكرهم مواطن العز والإباء. والمؤمن المستقيم على إيمانه حياته كلها جهاد، يجاهد نفسه، ويجاهد الشيطان والهوى، ويجاهد أرباب المنكرات والفجور. وإذا كان كذلك كان حرياً وحقيقاً أن يلتحق بميدان الجهاد العظيم؛ جهاد الكفار، الذي لا يعدله من النوافل شيء، فهو أفضل الأعمال بعد الفرائض ..

 

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المؤمنون: الحديث عن الجهاد والمجاهدين حديث طيب عذب، يحبه المؤمنون؛ فهو يشعرهم بالفخار، ويذكرهم مواطن العز والإباء. والمؤمن المستقيم على إيمانه حياته كلها جهاد، يجاهد نفسه، ويجاهد الشيطان والهوى، ويجاهد أرباب المنكرات والفجور. وإذا كان كذلك كان حرياً وحقيقاً أن يلتحق بميدان الجهاد العظيم؛ جهاد الكفار، الذي لا يعدله من النوافل شيء، فهو أفضل الأعمال بعد الفرائض.

ولقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله"، وفي رواية قال: "الجهاد سنام العمل" أخرجه البخاري والترمذي.

وسئل -عليه الصلاة والسلام-: أي الناس أفضل؟ فقال: "مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله" متفق عليه.

قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لا أعلم شيئاً من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد"، وقال أيضاً: "ليس يعدل لقاء العدو شيء"، وذكر له أمر الغزو فجعل يبكي ويقول: "ما من أعمال البر أفضل منه".

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: "كنت عند منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر -رضي الله عنه- وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -وهو يوم الجمعة- ولكن إذا صليتُ الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:19] رواه مسلم.

ثم بين الله تعالى أن منزلة المجاهدين أعلى فقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التوبة:20-22].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجَر الأسود".

ما كانت هذه المنزلة العظيمة للجهاد إلا لأن الجهاد به يُحمى الذمار، وتحفظ الديار، ويُنشر الإسلام؛ وبالجهاد يكون المسلمون أعزة، ترتفع هاماتهم، وتشمخ أنوفهم، ويذل الكفر وأهله، ويُملي المسلمون شروطهم، ويفرضون إرادتهم؛ فأقوالهم تنفذ، وإشاراتهم تفهم، وتستجيب الأمم لمطالبهم، ويتسارع الناس إلى إرضائهم.

بالجهاد والقوة يندحر عدو المسلمين، وترتعد فرائص المنافقين؛ وبالجهاد يهاب البعيد والقريب، ويكبت العدو، ويفرح الصديق؛ وبالجهاد تؤمن السبل، وتحفظ الأعراض، وتسلم العقول، وتحقن الدماء، ويسود الأمن والأمان؛ لأن الناس إذا أذعنوا لدين الله تعالى ساد الأمن بينهم.

فإن قيل: كيف تحفظ الدماء بالجهاد، والجهاد قتال ودماء؟ فالجواب: إن الجهاد الشرعي يقابل فيه المسلم الكافر، فإن قتل المسلم غفر له مع أول قطرة تسيل من دمه، ورأى مقعده من الجنة، فدمه محفوظ، يجيء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك. وإن كان المقتول كافراً حربياً فحقه القتل في شريعة الله تعالى؛ لصده عن سبيل الله، وحربه على المسلمين، فهو عضو فاسد في البشرية يتحتم قطعه، وبقطعه يرتدع غيره من الكفار الحربيين عن حرب الإسلام والمسلمين.

وإذا علت راية الجهاد في الأرض تحقق العدل، وبسط الأمن وفاضت الأرزاق، وقوي المسلمون، وانتشرت الدعوة إلى الإسلام؛ حتى يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

والضد بالضد، فإذا عطل المسلمون شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى عم الفساد أرجاء الأرض، وانتشر الظلم بين الناس كلهم، المسلم منهم والكافر؛ لأنه لا عدل إلا في الإسلام. وإنما ينتشر الظلم والبغي والعدوان إذا حكم الناس بغير شريعة الإسلام التي شرعها الله تعالى، وهو خالق البشر، وأعلم بما يَصْلُح لهم، ويُصْلِحهم.

فبتعطيل الجهاد يضعف المسلمون، ويستباح حماهم، وترخص دماؤهم، وتنتهك أعراضهم، وتُنهَب ثرواتهم، وترمل نساؤهم، وتيتم أطفالهم، ويهان دينهم، وتكون الذلة والمسكنة مضروبة عليهم، كما هو الحال في الأزمنة المتأخرة التي عطلت فيها شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى؛ إذا استباح أهل الكفر شعوباً مسلمة في مشارق الأرض ومغاربها، فهتكوا الحرمات، وأمعنوا في الظلم والاعتداء، وبالغوا في البغي والعدوان والفساد، ولا نصير من المسلمين لأولئك المستضعفين؛ لأن الذلة مضروبة على الجميع.

إن تعطيل الجهاد في سبيل الله تعالى يسبب ضياع الحقوق، وانقلاب المفاهيم، وانتكاس الموازين؛ فينقلب الظلم عدلاً، والباطل حقاً، ويصبح المعتدي محقاً، ويهان القرآن، ويُعَظَّمُ الكفرُ وأهلُه؛ مما يكون سبباً في نزع البركات، وتنزّل العقوبات، وحلول النقمات.

إن العالم الكافر بشرقه وغربه لا يعرف إلا مبدأ القوة، ولا يؤمن حتى يرى السلاح، ولا يخضع إلا إذا سالت الدماء، حينها يفي الكافرون بالعهود، ويحافظون على المواثيق؛ وبغير ذلك ستظل العهود تنكث، والمواثيق تُنقض، والذمم تخفر، ويزداد الظلم، ويكشف المنافقون أقنعة الخفاء؛ إذ لا حاجة للاستخفاء ما دام المسلمون أذلة ضعفاء.

بل إن تعطيل الجهاد يكون سبباً في ظلم الكفار بعضهم لبعض، وما انتشر العدل وعم أرجاء الأرض إلا في الأزمان التي هيمن فيها المسلمون، وحُكِمَ فيها بشريعة الإسلام بين الناس، حتى كان الكفار يفضلون حكم المسلمين على حكم بني جنسهم ولونهم ودينهم الذين كانوا يظلمونهم، بينما كان المسلمون يعدلون فيهم، ويحفظون لهم حقوقهم، ويوفون عهودهم.

ولا أدل على ذلك من فرح كثير من الشعوب النصرانية بفتوح المسلمين؛ لأنها خلصتهم من استعباد القياصرة، وظلم الرهبان لهم، ولما حاصر العثمانيون القسطنطينية قال زعيمها الديني: "إنه خير لنا أن نرى العمامة في مدينتنا القسطنطينية من أن نرى فيها تاج البابوية".

إن تاريخ المسلمين الطويل في الجهاد، وأخبارهم في الفتوح، تحكي تاريخاً شريفاً، وأفعالاً نزيهة؛ جيوش جرارة جابت الأرض شمالاً وجنوباً، وفتحت بلدانها شرقاً وغرباً، فما ذكر في ذلك الكم الهائل من المعارك والانتصارات والفتوح أن المسلمين في حروبهم كانوا يهتكون الأعراض، أو يقتلون الأطفال والشيوخ، أو يتلفون الزروع والثمار، أو يدمرون البيوت والمعابد. ما كانوا يفعلون ذلك، فحروبهم غاية في العدل والرحمة والرأفة، لم يدفعهم إلى القتال أحقادٌ دفينة، أو أهداف دنيئة، حتى ينتقموا من الناس.

إنهم يقاتلون لأن الله تعالى أمرهم بالقتال؛ لنشر دينه، وإعلاء كلمته، وبسط العدل بين الناس؛ فهم في حروبهم يعظمون حرمات الله تعالى، وينطلقون في جهادهم من قول الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [البقرة:193]، ولقد سار المسلمون على هذا المنهج الرباني في حروبهم منذ جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعبر تاريخهم الطويل.

لقد كان المشركون سبباً في هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهجرة أصحابه بما مارسوه عليهم من أذىً وتعذيب، وقتل وتجويع، وحصار الشِعب مشهور، وتعذيب بلال وخباب وآل ياسر رضي الله عنهم معروف، ووداع النبي -صلى الله عليه وسلم- لمكة محفوظ، ولما عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة فاتحاً عفا عن أهلها الذين آذوه وقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

ولما دخل الصليبيون بيت المقدس أثناء الحكم العبيدي الباطني انتهكوا الحرمات، وقتلوا الشيوخ والصبيان؛ حتى بلغ عدد من قتلوا في المسجد الأقصى زهاء سبعين ألف مسلم. وبعد ثنتين وتسعين سنة من ذلك فتحها صلاح الدين -رحمه الله- تعالى فأشار عليه بعض قادته بأن يفعل بالنصارى مثل الذي فعلوا بالمسلمين؛ لكنه آثر العفو عنهم؛ مما كان سبباً في إسلام كثير منهم.

إنه العدل والرحمة التي لا توجد إلا في الإسلام، ولا توجد في القوانين الوضعية، ولا الهيئات والمنظمات الدولية، فهل يعي ذلك العالم في وقت انتشر فيه البغي والفساد، وعمَّ الظلم أرجاء الأرض، وعلا أهل الباطل على أهل الحق؟.

نسأل الله تعالى فرجاً من عنده، وعزاً للإسلام وأهله، وذلاً للكفر وأهله، اللهم انصر المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الإخوة في الله: إن الجهاد في سبيل الله تعالى خير للبشرية كلها، فالمسلم ينشر دين الله، ويقيم حكم الإسلام بين الناس، والكافر يعيش في عدل الإسلام، لا يُعتدى عليه ولا يُظلم، ما دام ملتزماً أحكام أهل الذمة. فدين الإسلام أعدل لليهود والنصارى من أديانهم المحرفة؛ لكن، لما تُرِك الجهاد تضررت البشرية كلها؛ فالمسلم يخشى أن يفتن في دنيه، والكافر يشكو من ظلم الأقوياء.

إن تعطيل الجهاد سببه الركون إلى الدنيا، وثمنه ذلاً لا يُرفع إلا به؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" أخرجه أحمد وأبو داود. كلمات قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أربعة عشر قرناً وهي تقع الآن، وتقع كلما ركن المسلمون إلى الدنيا.

واستمِعوا -رحمكم الله تعالى- إلى هذه الآيات التي تحث المؤمنين على الجهاد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:38-40].

أتدرون -رحمكم الله- متى نزلت هذه الآية؟ (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)؟ إنها ما نزلت في وقت الهجرة، ولا بعدها مباشرة كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما نزلت بعد تسع سنوات من الهجرة، بعدما انصرف المسلمون من تبوك، وأحسوا بثقل الجهاد، وشدة وطأته، وكثرة تبعاته؛ خاصة وأنهم كانوا في حر شديد، وقطعوا مفاوز بعيدة؛ فأخبرهم الله تعالى أنه سينصر نبيه إذا لم ينصروه، كما نصره بالهجرة، ونصره في بدر، وما بعدها من غزوات؛ فالله تعالى ليس محتاجاً إلى أحد من خلقه في نشر دينه، ونصر عباده، ولكنه يبتلي عباده فينظر كيف يعملون.

هو القادر سبحانه على أن يقهر الكفر وأهله، وأن يبيد خضراءهم، وينهي حضارتهم؛ كما أهلك عاداً وثمود، وفرعون ذي الأوتاد، وإرم ذات العماد، وقوم نوح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، فأين هم الآن؟ وأين حضارتهم؟ بقيت بعض آثارهم شاهدة عليهم بالبأس والشدة؛ لكن بأس الله تعالى أخذهم، وقوته غلبتهم (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]، (وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) [آل عمران:4].

وما نحن فيه -يا معشر المؤمنين- بلاء لنا، يبتلينا الله لينظر هل نغضب لدينه، وننصر عباده، أم نأكل، ونتمتع، وننام، وننسى! (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:4-8].

فعودوا إلى الله تعالى أيها المسلمون، وأصلحوا أنفسكم وبيوتكم، ومن وليتم أمرهم؛ فهذه هي الخطوات الأولى لجهاد النفس والشيطان، ومن ثم جهاد الكفار.

إن من دلائل محبة الجهاد الجهادُ بالمال، والنفقة على المجاهدين، وتجهيز الغزاة في سبيل الله تعالى، وإغاثة المنكوبين من المسلمين في أرجاء المعمورة على أيدي اليهود والنصارى والوثنيين، وإن إخوانكم المسلمين المستضعفين يستصرخونكم لنجدتهم وعونهم بالمال والمتاع؛ لتخفيف معاناة الأرامل واليتامى والمشردين، فأعينوهم على نوائبهم أعانكم الله، وأجيبوا صرخاتهم بما منّ الله به عليكم من فائض الأموال، فذلك باب من الشكر عظيم تُحفظُ به الأموال والأولاد، ويُدفع به البلاء، ويطفئ غضب الجبار -جل وعلا-.

وصلُّوا وسلِّموا على نبينا محمدٍ كما أمركم بذلك ربكم.

 

  

 

المرفقات
الجهاد في سبيل الله تعالى (1).doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life