عناصر الخطبة
1/عظم مكانة الثقة بالله 2/آثار الثقة بالله 3/حال الواثقين بالله 4/مما يعين على الثقة باللهاقتباس
والثِّقَةُ بِاللهِ هِيَ حِصْنُ الأَمَان؛ مِنَ المَخَاوفِ والأَحْزَان، ومَنْ أَرَادَ الهُرُوبَ مِنْ ضِيْقِ الْهُمُومِ؛ فَلْيَخْرُجْ إِلَى فَضَاءِ الثِّقَةِ بِالله؛ فَإِنَّهُ لَا هَمَّ مَعَ اللَّهِ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: إِنَّهَا خُلاصَةُ التَّوَكُّلِ وَمَدَارُ التَّفْوِيضِ وَأَصْلُ التَّسْلِيم وَحَقِيْقَةُ الاِسْتِعَانَة؛ إِنَّهَا الثِّقَةُ بِالله، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5].
والثِّقَةُ بِدِيْنِ اللهِ تَبْعَثُ العِزَّةَ الإِسْلامِيِّة، وَتَدْفَعُ الهَزِيمَةَ النَّفْسِيَّة، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ)[آل عمران:139].
وَمِنْ عَلامَاتِ الثِّقَةِ بِاللَّهِ حُسْنُ الظَّنِّ، قال تعالى في الحَدِيثِ القُدْسِي: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ"(رواه أحمد، وصححه الألباني).
والثِّقَةُ بِاللهِ هِيَ حِصْنُ الأَمَان؛ مِنَ المَخَاوفِ والأَحْزَان، ومَنْ أَرَادَ الهُرُوبَ مِنْ ضِيْقِ الْهُمُومِ؛ فَلْيَخْرُجْ إِلَى فَضَاءِ الثِّقَةِ بِالله؛ فَإِنَّهُ لَا هَمَّ مَعَ اللَّهِ، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]؛ أَيْ كَافِي -مَنْ يَثِقُ بِهِ- كُلَّ مَا أَهَمَّهُ، قال ابنُ القَيِّم: "فَإِنَّهُ لَا أَشْرَحَ لِلصَّدْرِ، وَلَا أَوْسَعَ لَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ: مِنْ ثِقَتِهِ بِاللَّهِ، وَرَجَائِهِ لَهُ، وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ".
والثِّقَةُ بِالله جَعَلَتْ أُمّ مُوسَى تُلْقِي بِهِ في البَحْر، (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي)[القصص:7]، ولَوْلَا ثِقَتُهَا بِرَبِّهَا؛ لَمَا أَلْقَتْ بِوَلَدِهَا؛ لأَنَّهَا وَثِقَتْ بِوَعْدِ الله، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[القصص:7].
والثِّقَةُ بِاللهِ؛ تَكْبُرُ بِالصَّلاةِ، وَيصْغُرُ فِيهَا كُلُّ هَلَعٍ وَجَزَعٍ وَفَزَع، (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)[المعارج:19-22].
والْوَاثِقُ بِالرَّحْمَن، يَعِيشُ في سَكِينَةٍ وأَمَان، بَعِيْدًا عن التَّشَاؤُمِ والأَحْزَان، وَخُرَافَاتِ الكُهَّان، وَوَسَاوسِ الشَّيْطَان، قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)[البقرة:268]. قال أَبُو حَازِم: "لِي مَالَانِ لَا أَخْشَى مَعَهُمَا الْفَقْرَ: الثِّقَةُ بِاللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ".
والوَاثِقُ بِالله: تُصِيْبُهُ المُصِيْبَة: فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ الله؛ فَيَرْضَى ويُسَلِّم؛ لِأَنَّهُ يَثِقُ بِتَدْبِيرِ الله؛ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11].
والثِّقَةُ باللهِ هُوَ الجَيْشُ الَّذِي لا يُقْهَر؛ فَهَذَا مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- العَدُوُّ خَلْفَه، والبَحْرُ أَمَامَه، وأَصْحَابُهُ يُنَادُون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء:61]، فَأَجَابَهُمْ مُوْسَى جَوابَ الْوَاثِقِيْن: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين)[الشعراء:62].
وَمَنْ حَقَّقَ الثِّقَةَ بِالله اِسْتَرَاحَ مِنْ هَمَّ الرِّزْق، قال حَاتِمٌ الأَصَمُّ: "عَلِمْتُ أَنَّ رِزْقِي لاَ يَأْكُلُهُ غَيْرِي، فَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسِي".
والوَاثِقُونَ بِالله يَعْمَلُونَ بِالأَسْبَاب، وَيَتَعَلَّقُونَ بِرَبِّ الأَرْباب، قال تعالى: (نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [العنكبوت:58-59].
وَمَنْ وَضَعَ ثِقَتَهُ كُلَّهَا بِالمَخْلُوق، أَوْ تَوَكَّلَ عَلَيْه؛ خَابَ ظَنُّهُ فِيه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا؛ وُكِلَ إِلَيْه"(رواه الترمذي، وحسّنه الألباني).
والوَاثِقُونَ بِالله يَطْلُبْونَ رِضَى الحَقّ ولا يَتَعَلَّقُونَ بِالخَلْق، يَقُولُ الشَّافِعِي: "رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ؛ فَعَلَيْكَ بِمَا يُصْلِحُكَ فَالْزَمْهُ".
الوَاثِقُونَ بِالله لا يَثِقُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؛ لأَنَّ القُلُوبَ ضَعِيْفَة، والشُّبَهَ خَطّافَة، والحيُّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الْأَعْمَال بِالْخَوَاتِيمِ"(رواه البخاري).
وَالثِّقَةُ بِالله سَبَبٌ لِقَبُولِ الدُّعَاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ"(رواه الترمذي، وحسّنه الألباني).
والثِّقَةُ بِالله تَدْفَعُ إلى العَطَاء؛ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)[الليل:5-6]. قالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ أَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ سَيُخْلِفُه.
والثِّقَةُ بِالله هِيَ الحَبْلُ المَتِيْن، والحِصْنُ الحَصِيْن؛ فَمَنْ وَثِقَ بِرَبِّه؛ هَدَاهُ إِلى رُشْدِه؛ قال تعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ)[آل عمران:101]. قالَ أَبُوْ العَالِيَة: "الِاعْتِصَامُ: الثِّقَةُ بِاللهِ".
وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُوْنَ أَغْنَى النَّاسِ؛ فَلْيَكُنْ بِمَا في يَدِ اللهِ، أَوْثَقَ مِمَّا في يَدِيْهِ، قال تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ)[النحل:٩٦].
الوَاثِقُ بالله لا يَحْسُدُ أَحَدًا على حُطَامِ الدُّنْيَا؛ لأَنَّهُ يَثِقُ بَقِسْمَةِ اللهِ، وأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَة، (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ)[الرعد:26].
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
عِبَادَ الله: الثِّقَةُ بِالله تَثْبُتُ بِالْعِلْمِ والإِيْمَان وَطَاعَةِ الرَّحْمَن، وَتَهْتَزُّ بِالشَّهَواتِ والشُّبُهَات، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)[الذاريات:50]، وَتَسَلَّحُوا بِالصَّبْرِ واليَقِيْن، والفِقْهِ في الدِّيْن، (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الحج: 78].
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر
وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
التعليقات
زائر
12-11-2021جزاکم الله تعالی خیرا