الثبات على الدين

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/دلائل أهمية الثبات على الدين 2/ أثر الفتن على الثبات 3/ من أسباب الثبات على الدين
اهداف الخطبة
تنبيه الناس إلى أهمية الثبات / تعليم الناس أسباب الثبات على الدين

اقتباس

مجاهدة النفس عن الهوى ومنعها عن الالتفات عن الصواف من الهدى - من الثبات على الدين، ولا تتم سلامة القلب مطلقاً حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض الإخلاص ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.

أيها المسلمون: أسبغ الله على العباد نعماً ظاهرة وباطنة، واصطفى نعمة هي أَنفَسُ النعم وأعلاها .. منحها لمن يشاء من عباده، وحرم منها الكثير وهم يتمنونها.. قال -عز وجل- (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ) [الحجر:2].

وهي أكثر النعم عرضة للزوال، قال -عليه الصلاة والسلام-: " القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء " رواه الترمذي.

وكان يعقوب -عليه السلام- يوصي أولاده بالحفاظ عليها (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [البقرة:132].

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه أن يديمها ويقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "رواه أحمد.

ومن دعاء الراسخين في العلم: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ".

وكل مسلمٍ مأمورٌ بالدعاء في صلاته بالحفاظ عليها؛ إذ بها سعادة الدارين، قال -تعالى-: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) [الفاتحة:6].

قال ابن القيم -رحمه الله-: " العبد لا يستغني عن تثبيت الله له طرفة عين ".

والله -سبحانه- أمر عباده أن يسألوه الثبات على الهداية.. " يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم " رواه مسلم.

والفتن كثيرة كالمطر قد تُزيل تلك النعمةَ.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر " متفق عليه.

وهي تزعزع قلوب العباد إلا من رحم الله، ومن استشرف إليها أخذته، والحي لا تؤمن عليه فتنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: " تُعرضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأيُّ قلبٍ أَُشربها نكتت فيه نكتة سوداء " رواه مسلم.

وقد تخرج المرء عن دينه في يومه.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَض ٍمن الدنيا " رواه مسلم. قال النووي -رحمه الله-: " هذا لعِظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب ".

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يتعوذ من الفتن في صلاته ويقول: " وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات " متفق عليه، وأمر أمته بالتعوذ منها، فقال: " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " رواه مسلم.

وفتنة النساء إن لم تُحذر زلَّت بالرجل القدمُ.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " ما تركت بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء " متفق عليه.

ولما كانت الفتنة بهن عظيمةً أمرهن الله بالقرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لضرورة أو حاجة؛ فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام، وبُعدٍ عن الاختلاط بالرجال، قال ابن القيم -رحمه الله-: " ولا ريب أن تمكين النساء من الاختلاط بالرجال أصل كلِّ بليةٍ وشرٍّ، وهو أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ".

والمال فتنة هذه الأمة قد يدخل المرء في الدين وقد يخرجه منه، والعدل أن يؤخذ من حِلِّه ويُجعَلَ في اليد لا في القلب، ويُنتفع به في مرضات الله.

وتتبُّعُ المتشابه من الأحكام، والأخذ بالرخص في الحلال والحرام، والتحايل لارتكاب المحرم - مفسد للدين، قال الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ) [الشورى:15]. قال سليمان التيمي -رحمه الله-: " لو أخذتُ برخصة كل عالم اجتمع فيَّ الشر كله ".

والتهاون بصغائر الذنوب هلاك للعبد.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " إياكم ومحقراتِ الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " رواه أحمد.

والبعد عن الله بالعصيان والتقصير في الواجبات من أسباب الغواية.. قال -جل شأنه-:.. (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ.. ) [الصف:5].

والعجب بالعمل والنفس معصية قد يعاقب عليها بالتحول عن الثبات.. يوسف -عليه السلام- استعان بالله وحده في العصمة من الزلل فعُصِم.. (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ) [يوسف:33 – 34].

والاستعجال في رؤية ثمرة الخير يورث الفتور ثم الانقطاع، والواجب الإخلاص ومداومة العمل، واليأس من إصلاح مجتمع لظهور الخطايا فيه عجز في النفس، بُعثَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وحول الكعبة أصنام وأوثان فما صده ذلك عن نُصح قومه، ومع كثرة الفتن وتغير الأحوال تظهر الحاجة أشدَّ إلى الثبات على الدين، وذمَّ الله من يضعف تمسكه بالدين عند فتنة ظهرت، أو معصية فشت.. قال -جل شأنه-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج:11].

وتلاوةُ كتاب الله والإكثار من ذكره ثباتٌ على الدين: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:102].

ومن أكثر من الطاعات وابتعد عن السيئات كان أشد ثباتاً.. قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء:66].

والمداومةُ على العمل الصالح يُقوِّي الإيمانَ.. قال -عليه الصلاة والسلام-: " إن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِمَ عليه " رواه مسلم.

قال النووي -رحمه الله-: " ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة ".

ومجالسة العلماء تحيي القلوب وتحث على العمل، والصاحب الصالح معينٌ على الخير..إن ضعُف صاحبُه عن الطاعة قواه، وإن زلت قدمه لمُحرَّمٍ نهاه.. قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) [التوبة:119].

وفي قصص الأنبياء رفعٌ للهمم ووثوقٌ باليقين.. قال -تعالى-: (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ..) [هود:120].

والرضا بالمكتوب من المصائب والمتاعب ركنٌ من الدين به الطمأنينةُ والسرور، والمؤمن أصبرُ الناس على البلاء وأثبتُهم على الدين في الشدائد، وأرضاهم نفساً في الملمات.

والقناعة بما قسم حسنُ ظنٍّ بالله يورثُ التعلقَ به والتمسكَ بدينه.. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " قد أفلح من أسلم ورُزِق كفافاً، وقنَّعه الله بما آتى " رواه مسلم.

والإيمان يخرق كما يخرق الثوب، وتجديده بالتوبة في كل وقت وحين، ورجاءُ ما عند الله من النعيم يحجم النفس عن اتباع الهوى، والدعاء أمر لازم على كل مسلم، وصفاء التوحيد وتعليمه أعظم سبب في الثبات على الدين.. أصحاب الكهف لما قاموا: ( فقالوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً) [الكهف:14]، قال الله عنهم: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) [الكهف:14].

والإكثار من نوافل العبادات من الصلاة والصدقة والعمرة، والإحسان إلى المحاويج يحفظ من الفتن.. في الحديث القدسي: " ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها " رواه البخاري.

ومن حفظ جوارحه حسُنَت خاتمته على الدين.. قال القرطبي -رحمه الله-: " سوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلُح باطنه ما سمع بهذا ولا علم به، وإنما تكون لمن كان له فساد العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، ومن تمسك بالدين ثبَّته الله في مدلهمات الأمور.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون َ).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.

أيها المسلمون: مجاهدة النفس عن الهوى ومنعها عن الالتفات عن الصواف من الهدى - من الثبات على الدين، ولا تتم سلامة القلب مطلقاً حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض الإخلاص ..، والسعيد من هداه الله وثبته على الدين حتى الممات؛ فأخلصوا لله أعمالكم واسألوا ربكم الثبات على دينه واستعيذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعلِ اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201]، (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8]، اللهم اصرف عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وثبتنا على هذا الدين حتى الممات (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].

اللهم وفق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك ياذا الجلال والإكرام.

عباد الله:(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، (ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
 

 

 

 

المرفقات
691.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life