عناصر الخطبة
1/ هوان الدنيا وضعف قيمتها 2/أهمية التوبة مِن المعاصِي 3/ وجوب الرجوعِ إلى الله تعالى 4/ التحذير مِن تقديم الدنيا على الآخرة.اقتباس
يا مَن تتَّقُون السَّمُومَ وتفِرُّون مِن الهَجِير.. يا مَن تجزَعُون مِن حَمرَاء القَيْظ.. وحمارَّةِ الصَّيف.. يا مَن تحتَرِزُون مِن آفاتِ الحرِّ بالقُطنِ والكَتَّان والقُمصَان، وتتحصَّنُون مِن أشعَة الشمسِ بالغِيرانِ والأكنان، والأشجار والبيُوتِ والأشخاصِ المُظِلَّة، والسفَر إلى البلدِ البارِدَة: تصَوَّنُوا مِن نارِ جهنَّم بأداءِ الواجِبات، والمُحافظَةِ على الصلواتِ، وتركِ المعاصِي والمُنكَرَات؛ فهي أحرَى أن تفِرُّوا مِن حرِّها وسَمُومِها، وتحذَرُوا مِن جَمرِها ولهَبِها.
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله لا أبغِي به بدَلًا، أحمدُه وقد أنقَذَ مِن الضَّلالةِ والرَّدَى، وأرشَدَ ووفَّقَ للخير والهُدى، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له لم يتَّخِذ صاحِبةً ولا ولَدًا، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه أشرفُ متبُوعٍ وأفضلُ مُقتدَى، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه الذين نصَرُوا الدينَ وما داهَنُوا العِدَا.
أما بعدُ.. فيا أيها المُسلِمون: اتَّقوا الله؛ فتقواه زادُ الصالِحين، وأمانُ الخائِفِين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون: الدنيا قليلٌ يفنَى، ونعيمُ الآخرة جليلٌ يبقَى.
عن المُستورِدِ بن شدَّاد -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مِثل ما يجعلُ أحدُكم إصبَعَه في اليَمِّ، فلينظُر أحدُكم بِمَ ترجِع!» (أخرجه مسلم).
الدنيا كالماءِ الذي علِقَ بإصبَعِ غامِسِها في البحر الزخَّار، والآخرةُ هي سائرُ البحر الخِضَمِّ الذي طغَت أمواجُه، وعَلَا هِياجُه. فكيف يُفرِّطُ في نعيمِ الآخرة مُفرِّط لأجلِ دُنيا دنِيَّة قد أفِدَ مِنها الترحُّل، وأزِفَ عنها التزيُّل، ولم يَبقَ منها إلا حُمَةُ شرٍّ، وصُبابةُ كدَر، وأهوالٌ عِبَر، وعُقوباتٌ غِيَر، وأرسالُ فِتَن، وتتابُعُ زعازِعٍ، وتفريطُ خلَف، وقِلَّةُ أعوانٍ في عيشٍ مَشُوبٍ بالنَّغَص، ممزُوجٍ بالغُصَص.
فاتَّقُوا الله - عباد الله -؛ فالموتُ معقُودٌ بنواصِيكُم، والدنيا تُطوَى مِن ورائِكم، ورُبَّ جِراحةٍ قَتَلَت، ورُبَّ عَثْرةٍ أهلَكَت، ورُبَّ كلِمةٍ أوبَقَت.
يا عبدَ الله: هَب الدنيا في يدَيك.. ومِثلُها قد ضُمَّ إليك، فماذا يبقَى منها عند الموتِ لدَيك؟!
في كل يومٍ عِبرةٌ بعد عِبرةٍ.. وفي الموتِ ناهٍ لو كُنتَ مِمَّن ينتَهِي، فحتَّى متى حتَّى متَى، وإلى متَى؟! لا ترعَوِي.. لا تنتَهِي.. لا تتَّقِي!
إلى كَم تمادَى في غُرورٍ وغَفلةِ *** وكَم هكذا نومٌ متَى يومُ يقظَتِي
لقد ضاعَ عُمرٌ ساعةٌ مِنه تُشتَرَى *** بمِلئِ السمَا والأرضِ أيَّةَ ضَيعَتِي
أفَانٍ بباقٍ تشتَرِيهِ سَفاهَةً *** وسُخطًا برِضوانٍ ونارًا بجنَّةِ
أأنتَ صَدِيقٌ أم عدُوٌّ لنفسِهِ *** فإنَّكَ تَرمِيهَا بكُلِّ مُصِيبَةِ
لقد بِعتَها حُزنِي عليك رخِيصةً *** وكانَت بِهذا مِنك غيرَ حَقيقَةِ
أيها المُسلمون:
الدهرُ ذُو عِبَر.. يجرِي بها قدَر.. مُلكٌ يُنزَع.. وعافِيةٌ تُرفَع.. وبلاءٌ يقَع.. وكلُّ مخلُوقٍ فإلى الفناء.. وكلُّ مُلكٍ فإلى انتِهاء.
ولا يدُومُ غيرُ مُلكِ البارِي *** سبحانه مِن ملكٍ قهَّارِ
مُنفَرِدٌ بالعِزِّ والبقاءِ *** وما سِواهُ فإلى انقِضاءِ
فما لِلعُيُونِ ناظِرةٌ ولا تُبصِر؟! وما لِلقلوبِ قاسِيةٌ ولا تُفكِّر؟! وما لِلنُّفُوسِ ناسِيةٌ ولا تذكُر؟! أغراهَا إنظارُها وإمهالُها.. أم بشَّرَها بالنجاةِ أعمالُها.. أم لم يتحقَّق عندها مِن الدنيا زوالُها.. أم شمَلَت الغفلةُ فاستحكَمَ على القلوبِ أقفالُها؟!
يا مَن فسَحَ لنفسِهِ المُدَّة.. ومدَّ لها المُهلَة.. أنَسِيتَ أننا بشَر.. يلُفُّنا قَدَر.. ونحن في سفَر.. نمضِي إلى حُفَر.. الموتُ يشمَلُنا.. والحشرُ يجمَعُنا.. فحتَّى متى لا ترعَوِي وتنتَهِي؟! حتَّامَا سمعُك لا يَعِي لمُذكِّرٍ.. وصَمِيمُ قلبِك لا يَلِينُ لعاذِلِ!
ألم يَأْنِ أن تخشَع.. وأين التهجُّدُ؟! أفِي سَنةٍ كنَّا أم القلبُ جَلمَدُ.. تيقَّظْ أخِي واحذَر وإياك ترقُدُ.
أترقُدُ يا مغرُورُ والنَّارُ تُوقَدُ *** فلا حَرُّها يُطفَى ولا الجَمرُ يخمُدُ
فطُوبَى لمَن نفعَتْه التذكِرة.. وأيقَظَتْه العِظَة.. فجَدَّ ولم يغفُلْ.. وشمَّرَ ولم يغتَرَّ.. وبادَرَ ولم يُسوِّف.. وأخَذَ الحَيطَة.. وهجَرَ إخوانَ السُّوء.. وأنابَ وتابَ.
ويا خسارَةَ مَن حجَبَه هواهُ.. وأغواهُ شيطانُهُ وأرداهُ.. فما ازدادَ إلا غفلةً وقسوةً وعلُوًّا واستِكبارًا، (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].
وأستغفِرُ اللهَ فاستغفِرُوه، إنه كان للأوابِين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا بالِغًا أمَدَ التمامِ ومُنتهَاه، حمدًا يقتَضِي رِضاه، ويُوجِبُ المَزِيدَ مِن زُلفاه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهَ وحدَه لا شريك له شهادةً نرجُو بها عفوَ ربِّنا ورُحماه، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونبيُّه وصفِيُّه ونجِيُّه وولِيُّه ورضِيُّه ومُجتبَاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، ومَن استَنَّ بسُنَّته واهتَدَى بهُداه.
أما بعدُ.. فيا أيها المسلمون: اتَّقُوا الله؛ فإن تقوَاه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلَى نَسَب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون: يا مَن تتَّقُون السَّمُومَ وتفِرُّون مِن الهَجِير.. يا مَن تجزَعُون مِن حَمرَاء القَيْظ.. وحمارَّةِ الصَّيف.. يا مَن تحتَرِزُون مِن آفاتِ الحرِّ بالقُطنِ والكَتَّان والقُمصَان، وتتحصَّنُون مِن أشعَة الشمسِ بالغِيرانِ والأكنان، والأشجار والبيُوتِ والأشخاصِ المُظِلَّة، والسفَر إلى البلدِ البارِدَة: تصَوَّنُوا مِن نارِ جهنَّم بأداءِ الواجِبات، والمُحافظَةِ على الصلواتِ، وتركِ المعاصِي والمُنكَرَات؛ فهي أحرَى أن تفِرُّوا مِن حرِّها وسَمُومِها، وتحذَرُوا مِن جَمرِها ولهَبِها.
تفِرُّ مِن الهَجِيرِ وتتَّقِيهِ *** فهلَّا مِن جهنَّمَ قد فَرَرتَا
ولَستَ تُطِيقُ أهوَنَها عذابًا *** ولو كُنتَ الحَدِيدَ بِها لذُبْتَا
فلا تَرضَ المعايِبَ فهِيَ عارٌ *** عظِيمٌ يُورِثُ الإنسانَ مَقتَا
أيها المُسلمون: إنَّكم في عصرِ فِتنٍ تَتْرَى، وشُرورٍ تَتوالَى، فِتَنٍ يُرقِّقُ بعضُها بعضًا، قد ثَارَ نَقْعُها وآلَمَ وَقْعُها، في حياةٍ صاخِبَة تأخُذُ كلَّ مَن استشرَفَ إليها إلى الوراءِ في عقيدتِهِ وأخلاقِهِ، وتُرجِعُه القَهقَرَى في فِكرِه وسُلُوكِهِ.
فأيقِظُوا القلوبَ مِن مراقِدِ غفَلَاتِها.. واعدِلُوا بالنُّفُوسِ عَن موارِدِ شَهَواتِها، واحتَمُوا بظِلالِ الكتابِ والسنَّة، واعلَمُوا أنكم في أيامِ مُهَل، مِن ورائِها أجَل، يحُثُّها عجَل.
فمَن لم ينفَعْه حاضِرُه، فعازِبُه عنه أعوَز، وغائِبُه عنه أعجَز، وإنه لا نومَ أثقَلُ مِن الغفلَة، ولا رِقَّ أملَكُ مِن الشَّهوَة، ولا مُصِيبةَ كمَوتِ القلبِ، ولا نَذِيرَ أبلَغُ مِن الشَّيبِ، ولا مَصِيرَ أسوَأُ مِن النَّار، (كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 32- 37].
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادِي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمَن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى جميعِ الآلِ والأصحابِ، والتابِعِين لهم بإحسانٍ، وارضَ عنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّاب.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيتِه للبرِّ والتقوَى، اللهم وفِّق ولِيَّ عهدِه لما فِيه صلاحُ العباد والبلاد يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجِدَ الأقصَى مِن رجِسِ يهُود، اللهم طهِّر المسجِدَ الأقصَى مِن رجِسِ يهُود، اللهم انصُر أهلَنا في فلسطين على اليهُود الغاصِبِين، اللهم انصُر أهلَنا في فلسطين، اللهم انصُر المُجاهِدِين المُرابِطِين على أبوابِ الأقصَى على الصَّهايِنةِ المُعتَدين يا رب العالمين.
اللهم انصُر أهلَ السنَّة والجماعة على أهل الشِّرك والوثنِيَّة والبِدعة والخُرافة يا رب العالمين.
اللهم ألِّف بين قلوبِ المُسلمين، وأصلِح ذاتَ بينِهم، وقِهِم شرَّ الاختِلافِ والفُرقةِ والتنازُعِ يا ربَّ العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، وفُكَّ أسرانا، وانصُرنا على من عادانا يا رب العالمين.
اللهم اجعَل دعاءَنا مسمُوعًا، ونداءَنا مرفوعًا، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
التعليقات
محمودالتركي
12-09-2017أيها الشيخ لماذا لاتسرد الأحاديث والآيات حتى يكون الإقبال كثير جزاك الله خير