التهليلات أدبار الصلوات

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/منزلة الأذكار الشرعية والأدعية المأثورة 2/بعض الأذكار المشروعة في أدبار الصلوات والتأمل في معانيها 3/معنى "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ"

اقتباس

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -عِبَادَ اللَّـهِ-: إِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ عَنِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَابٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ لِتَرْسِيخِ التَّوْحِيد، وَتَجْدِيدِ عَهْدِ الْإِيمَان، وَتَثْبِيتِ الْعَقِيدَة، وَتَقْوِيَةِ الصِّلَةِ بِاللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا-. وَفِيهَا اعْتِرَافٌ وَإِقْرَارٌ بنِعَمِ اللَّـهِ الْمُتَوَالِيَةِ، وَآلَائِهِ الْمُتَتَالِيَةِ، وَفِيهَا شُكْرٌ لِلَّهِ -عز وجل- وَحَمْدٌ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ. وَفِيهَا لُجُوءٌ إِلَى اللَّـهِ -عز وجل-، وَاعْتِمَادٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ. وَفِيهَا تَوْحِيدُ اللَّـهِ -عز وجل-، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْخُلُوصُ مِنْهُ. وَفِيهَا الْإِقْرَارُ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا. وَمَنْ كَانَ ذَا عِنَايَة بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ فِي أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ؛ فَإِنَّهُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -عِبَادَ اللَّـهِ-: اتَّقُوا اللَّـهَ -تَعَالَى- حَقَّ تَقْوَاهُ، وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ رَبَّهُ يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -عِبَادَ اللَّـهِ-: إِنَّ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ عَنِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَابٌ عَظِيمٌ مُبَارَكٌ لِتَرْسِيخِ التَّوْحِيد، وَتَجْدِيدِ عَهْدِ الْإِيمَان، وَتَثْبِيتِ الْعَقِيدَة، وَتَقْوِيَةِ الصِّلَةِ بِاللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَفِيهَا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- اعْتِرَافٌ وَإِقْرَارٌ بنِعَمِ اللَّـهِ الْمُتَوَالِيَةِ، وَآلَائِهِ الْمُتَتَالِيَةِ، وَفِيهَا شُكْرٌ لِلَّهِ -عز وجل- وَحَمْدٌ لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ.

وَفِيهَا -عِبَادَ اللَّـهِ- لُجُوءٌ إِلَى اللَّـهِ -عز وجل-، وَاعْتِمَادٌ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ.

وَفِيهَا -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-: تَوْحِيدُ اللَّـهِ -عز وجل-، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْخُلُوصُ مِنْهُ.

وَفِيهَا -عِبَادَ اللَّـهِ- الْإِقْرَارُ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا.

وَمَنْ كَانَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- ذَا عِنَايَة بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ فِي أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ الْإِقْرَارُ وَالاعْتِرَافُ بِأَنَّ اللَّـهَ -عز وجل- وَحْدَهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا، وَأَغْنَى وَأَفْقَرَ، وَأَطْعَمَ وَأَسْقَى، وَأَلْبَسَ وَأَكْسَى، وَهَدَى وَأَضَلَّ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -عِبَادَ اللَّـهِ-: وَهَذِهِ وَقْفَةٌ مَعَ ذِكْرٍ عَظِيمٍ يَتَكَرَّرُ مَعَ عِبَادِ اللَّـهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ تَكَرُّرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَكْتُوبَاتِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّـهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- كَانَ يُهَلِّلُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ  يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، وَقَالَ رضي الله عنه: "كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ".

وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ: "سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّـهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه- وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- يُهَلِّلُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.." فَذَكَرَ هَذَا الذِّكْرَ الْمُبَارَكَ.

 

وَفِي هَذَا -عِبَادَ اللَّـهِ- عِنَايَةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ- بِتَعْلِيمِ النَّاسِ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ وَالدُّعَاءَ الْمَأْثُورَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا سِيَّمَا مِنْ خِلَالِ هَذَا الْمِنْبَرِ الْمُبَارَكِ: مِنْبَرِ الْجُمُعَةِ.

 

 أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ -عِبَادَ اللَّـهِ-: وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ التَّهْلِيلَاتُ الْمُبَارَكَاتُ الَّتِي كَانَ يُهَلِّلُ بِهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ تَثْبِيتَ التَّوْحِيدِ وَتَقْرِيرَهُ، وَالتَّمْكِينَ لَهُ فِي فُؤَادِ الْمُسْلِم، وَتَوْسِيعَ مِسَاحَتِهِ وَمَكَانَتِهِ فِي الْقَلْبِ.

 

وَفِي هَذَا الذِّكْرِ -عِبَادَ اللَّـهِ- تَكَرَّرَ التَّهْلِيلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأُتْبِعَتْ كُلُّ تَهْلِيلَةٍ بِتَقْرِيرِ مَعْنَى التَّهْلِيلِ وَتَثْبِيتِ مَدْلُولِهِ، وَالتَّأْكِيدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَقْصُودِهِ، وَذِكْرِ الْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى وُجُوبِ تَوْحِيدِ اللَّـهِ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ، فَفِي التَّهْلِيلَةِ الْأُولَى -عِبَادَ اللَّـهِ- قَالَ عَقِبَهَا: "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فَقَوْلُهُ: "وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ" تَأْكِيدٌ لِلتَّوْحِيدِ بِرُكْنَيْهِ؛ فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: "وَحْدَهُ" تَأْكِيدٌ لِلْإِثْبَاتِ، وَفِي قَوْلِهِ: "لَا شَرِيكَ لَهُ" تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ، وَعَلَيْهِمَا قِيَامُ التَّوْحِيدِ. وَفِي قَوْلِهِ: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ذِكْرٌ لِبَرَاهِينِ التَّوْحِيدِ وَدَلَائِلِهِ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِأَنْ يُعْبَدُ وُيُخْلَصَ الدِّينُ لَهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

 وَبَعْدَ التَّهْلِيلَةِ الثَّانِيَةِ -عِبَادَ اللَّـهِ- قَالَ: "وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ" فَقَوْلُهُ: "وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ" ذِكْرٌ وَبَيَانٌ لِمَعْنَى التَّوْحِيدِ وَتَفْسِيرٌ لِـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ"، فَـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ" مَعْنَاهَا وَمَدْلُولُهَا أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ، وَقَوْلُهُ: "لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ" ذِكْرٌ لِبَرَاهِينِ التَّوْحِيدِ وَدَلَائِلِهِ؛ فَالْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ وَحْدَهُ الَّذِي لَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ.

 

وَعَقِبَ التَّهْلِيلَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ: "مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" مُنَبِّهًا بِذَلِكَ وَمُقَرِّرًا أَنَّ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ" لَا تَنْفَعُ قَائِلَهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا إِلَّا إِذَا أَخْلَصَ الدِّيــنَ لِلَّهِ، قَالَ اللَّـهُ -تَعَالَى-: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[غَافِر: 65]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5].

 

وَبِهَذَا يُعْلَمُ -عِبَادَ اللَّـهِ- أَنَّ كَلِمَةَ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ"، وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي هَذَا الذِّكْرِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَوَاتُ اللَّـهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- لَيْسَتْ كَلِمَاتٍ لَا مَعْنَى لَهَا أَوْ أَلْفَاظٍ لَا مَدْلُولَ لَهَا، بَلْ هِيَ كَلِمَاتٌ مُشْتَمِلَاتٌ عَلَى أَعْظَمِ الْمَعَانِي، وَأَجَلِّ الْمَقَاصِدِ، وَأَعْظَمِ الْمَطَالِبِ، وَأَنْبَلِ الْأَهْدَافِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَيْنَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ تَحْقِيقِ التَّوحِيدِ مِمَّنْ تَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لَكِنْ دُونَ وَعْيٍ مِنْهُمْ لِمَقْصُودِهَا وَدُونَ مَعْرِفَةٍ مِنْهُمْ بِمَدْلُولِهَا؟!

 

وَلِهَذَا تَرَاهُمْ -مَعَ قَوْلِهِمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ- يَفْزَعُونَ إِلَى غَيْرِ اللَّـهِ وَيَلْجَئونَ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَذَاكَ يَفْزَعُ إِلَى قَبْرٍ، وَآخَرُ يَلْجَأُ إِلَى ضَرِيحٍ، وَثَالِثٌ يَتَعَلَّقُ بِحَجَرٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَزِعِينَ إِلَى غَيْرِ اللَّـهِ، مُلْتَجِئِينِ إِلَى غَيْرِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَأَيْنَ هُمْ مِنْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ"، وَدَلَالَاتِهَا الْعَظِيمَةِ وَمَقْصُودِهَا الْمُبَارَكِ أَلَا وَهُوَ: تَوْحِيدُ اللَّـهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ؟!

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصَفَاتِكَ الْعُلْيَا، وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّـهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تَجْعَلَنَا أَجْمَعِينَ مِنْ أَهْلِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ" حَقًّا وَصِدْقًا، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا عَلَيْهَا، وَتَوَفَّنَا عَلَيْهَا، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلَامِنَا مِنَ الدُّنْيَا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ".

 

أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّـهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَظِيمِ الْإِحْسَانِ وَاسِعِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالامْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللَّـهِ: اتَّقُوا اللَّـهَ -تَعَالَى-.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الذِّكْرِ الْعَظِيمِ الْمُبَارَكِ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ" اسْتِعَانَةٌ تَامَّةٌ بِاللَّـهِ وَاعْتِمَادٌ تَامٌّ عَلَيْهِ وَلُجُوءٌ إِلَيْهِ وَحْدَهُ، فَـ "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ" كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ وَالْتِجَاءٍ إِلَى اللَّـهِ -عز وجل-، وَإِقْرَارٌ مِنَ الْعَبْدِ بِضَعْفِهِ وَافْتِقَارِهِ، وَأَنَّهُ لَا حَوْلَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ أَوْ قِيَامٍ بِعِبَادَةٍ إِلَّا إِذَا أَعَانَهُ اللَّـهُ وَوَفَّقَهُ وَسَدَّدَهُ، يَقُولُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ الشَّخِّيرِ -وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ رَحِمَهُ اللَّـه تَعَالَى-: "لَوْ أَنَّ قَلْبِي أُخْرِجَ وَجُعِلَ فِي يَدِيَ الْيُسْرَى وَجِيءَ بِالْخَيْرَاتِ وَجُعِلَتْ فِي يَدِيَ الْيُمْنَى لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُوْلِجَ شَيْئًا مِنْهَا فِي قَلْبِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّـهُ يَضَعُهُ".

فَالْعَبْدُ -عِبَادَ اللَّـهِ- فَقِيرٌ إِلَى اللَّـهِ -عز وجل-، لَا غِنَى لَهُ عَنْ رَبِّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَهُوَ فِي حَاجَةٍ إِلَى رَبِّهِ فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ وَجَمِيعِ شُؤُونِهِ، لَا غِنَى لَهُ عَنْهُ سُبْحَانَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

 

وَلِهَذَا -عِبَادَ اللَّـهِ- يَنْبَغِي عَلَى المسلم الذي يُرَدِّدُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ أَنْ يَكُونَ تَرْدَادُهُ لَهَا عَنْ فَهْمٍ لِمَعْنَاهَا، وَتَحْقِيقٍ لِمَقْصُودِهَا.

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَعَاكُمُ اللَّـهُ- عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّـهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ؛ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ الْفَارُوق، وَعُثْمَانَ ذِي النُّورَيْن، وَأَبِي الْحَسَنَيْنِ عَلِيٍّ. وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا.

اللَّهُمَّ انْصُرْ مَنْ نَصَرَ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ شُرُورِهِمْ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ.

 

اللَّهُمَّ وَآتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى.

 

اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ.

اللَّهُمَّ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَزْوَاجِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَوْقَاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اكْتُبْ لِبَنَاتِنَا وَأَبْنَائِنَا النَّجَاحَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالتَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

رَبَّنَا إنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

المرفقات
8My58zq2ty9HrzdBe0RLwMIHWp9AohpeISxCtplw.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life