عناصر الخطبة
1/كثرة اجتماعات الناس ومناسباتهم 2/ذم المبالغة والتكلف في المناسبات 3/حرمة الإسراف والتبذير والتجاوزات الشرعية 4/الحث على إسقاط التكلف في جميع الأمور.اقتباس
إن الإنسان كلما أسقط التكلفَ عن نفسه، كلما رجح عقلُه، وزاد إيمانُه، واكتملت مروءتُه، فهينئاً لمن يسَّر على الناس حِملهم، ولم يشقَّ عليهم في ضيافتهم، وهنيئاً لمن يسَّر النكاح على الشباب والفتيات، وجنَّبَ نفسَه ومجمعَه عواقبَ التبذيرِ وغوائلَه
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
يكثر في هذه الأيام اجتماعات الناس، وتتزاحم المناسبات فيها، اجتماعاتٌ عائلية، ولقاءاتٌ عامة، واحتفالات وزيجات، وهي مظاهر رائعة؛ تُسعد الروح وتُظهر مدى تآلفِ الناس وتحابِهم، وفيها من الخير الكثير الذي لا يخفى.
ومع كثرة هذه اللقاءات الاجتماعية، فلابد أن يكون فيها ما يحتاج لتنبيه وتوجيه، والموفَّق مَن استجاب لأمر الله وأمر رسوله، فمن المظاهر الطارئة المزعجة في هذه اللقاءات، المبالغةُ والتكلفُ في الملبس والمطعم والمركب، فأصبح المقصِدُ في الحضور التباهيَ والتفاخر، وليس التواصلَ والتآخي، فاختفى -على إثر هذا التكلف- روحُ هذا الاجتماعات وجمالُها وثمرتُها، وأصبحت ثقيلةً على النفوس، بعيدةً عن الوصول لغايتها التي وضعت لأجله.
هذا وإن الشارع الحكيم، قد وضع المنهجَ الصحيحَ لهذه الاجتماعات، وبيَّن الطريقَ الموصل إلى هدفها، والمقصِد منها؛ فقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- الناسَ في مثل هذه المناسبات، إلى البعد عن التكلف والرضى باليسير، حتى في أعظم المناسبات، وهي حفلاتُ الزواج وتوابُعها، فقال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة"، وقال -عليه الصلاة والسلام- لعبد الرحمن بن عوف لما تزوج: "أولم ولو بشاة"، ووليمة العرس تُقدّر بحال الزوج، ولا يُكلّف فوق طاقته، وإن كان مقتدرًا فله أن يولم بما شاء، مع مراقبة حرمةِ الإسراف والتبذير والتجاوزات الشرعية، حتى لو كانت أعرافاً متوارثة.
فالأعراف المحمودة، هي التي تكون موافقةً لمقاصد الشرع وتوجيهاته، وإن كانت مخالفة لشرع الله، فالخير كل الخير في البعد عنها وعن أهلها.
ونهجه -صلى الله عليه وسلم- في الدعوات: الاستجابةُ لها، ويأمرُ من يُدعى إليها أن يستجيبَ لها، حتى لو كانت دعوةً متواضعة، وذلك لدفع ما يكون في النفس من علوّ وتكبر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو دعيتُ إلى ذِراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذِراعٌ أو كُرَاعٌ لقبِلت"، وقال: "إذا دعيتم إلى كُراع فأجيبوا".
ولا ينبغي للمرء أن يجعل مكانته عند الناس مقترنةً بما يقدم له من طعام وشراب، فهذا من ضعف العقل ودناءة النفس، بل إن العاقل هو الذي يحب ألا يتكلفَ له الناس، وأن يضعوا له ما تيسر لهم.
معشر المؤمنين: إن المرء حينما يرى تكلُّف الناس في كماليات حياتهم، وركوبَهم السهلَ والحَزَنَ في سبيل الحصول عليها، من فُرُش وثيرة، وتحف أنيقة، ثم يتذكر حال رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-، مأكلَه وملبسَه، وفرشَه ومركبَه، ليعلم علماً قاطعاً، بالسبب الذي أبعد السعادةَ عن هؤلاء المتكلفين، ذلك أن السعادةَ كلَّ السعادة، والهناءَ كلَّ الهناء، هو بالتأسي بمن هو أهل للتأسي والاقتداء؛ ذلك النبي الخاتم، الذي أُمرنا بالاقتداء به، إن أردنا السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة؛ (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21]، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يمقت الكبر والتعالي، ويحب التواضع والتبسط، ويتواضع للصبية ويسلم عليهم.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون الهدي فيتبعون أحسنه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
وبعد: فيا معشر المسلمين: إن الإنسان كلما أسقط التكلفَ عن نفسه، كلما رجح عقلُه، وزاد إيمانُه، واكتملت مروءتُه، فهينئاً لمن يسَّر على الناس حِملهم، ولم يشقَّ عليهم في ضيافتهم، وهنيئاً لمن يسَّر النكاح على الشباب والفتيات، وجنَّبَ نفسَه ومجمعَه عواقبَ التبذيرِ وغوائلَه، ولم يَنْسَقْ وراء آراءِ السفهاء والجهال، فحفظ الأموال ولم يبدِّدها، وأعان على نشر الخير والبركة.
والمجتمعات بطبعها تتغير ولا تقبل التوقف، فإن تصدَّرَ أهلُ العقل والرأي، وبادروا بالتغيير إلى الخير والصلاح، فسينفع الله بجهودهم، وإن قصروا، فسيبادرُ غيرُهم للتغيير إلى ما يضر في الدين والدنيا، وكم نفع الله بمبادرات نافعة، فتحت أبواباً من الخير والهدى والصلاح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"(رواه مسلم).
والخير باقٍ في هذه الأمة، وهي أمة مباركة مرحومة، فمن بذل جهده يريد الخير والصلاح، فسيثمر جهدُه ولو بعد حين، نسأل الله أن يصلحنا ويصلح لنا ويصلح بنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات