اقتباس
إن ما يدعو بعض شبابنا لهذه التصرفات الخاطئة -هداهم الله-؛ هو ضعف الإيمان في قلوبهم وانعدام الحياء من صدورهم؛ فالمؤمن الحق من أمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم، وهذا الصنف لا يبالي في دماءٍ سفكوها، ولا أرواح أزهقوها ولا جوارح عطلوها وجعلوا أهلها رهائن..
ظاهرة ابتلي بها بعض شبابنا اليوم؛ كم أزهقت من أرواح! وكم أيقظت من نائمين! وكم أخافت من آمنين! وكم أتلفت من أموال! فهل عرفتموها -أيها الأخيار-؟
إنها ظاهرة التفحيط التي هي أبرز أسباب حوادث السيارات وعرقلة السير في الطرقات جهلاً وغروراً وكبرياء وطغيانا.
إن هذه الظاهرة –يا عقلاء- تنافي المقاصد التي صنعت من أجلها المركبات وهي نوع من العبث والسفه، ويكفيها قبحا أنها تلقي بأيدي أهلها وغيرهم إلى الإعاقة أو التهلكة التي حذر الله منها؛ فقال: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]، وقال جل في علاه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].
إن التفحيط لا يقتصر ضرره على أصحابه ممارسيه بل كثيرا ما يتعدى إلى إزهاق حياة غيرهم ومصادرة أرواحهم؛ فمنهم من مات والبعض الآخر يعيش معطلة قواه وقليل من يسلم بسبب هذه التصرفات الهمجية، ناهيك عن مفاسد التفحيط وآثاره السيئة الأخرى، كإتلاف الأموال وإهدارها، وذلك من التبذير الذي نهى الله عنه بقوله: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:26-27]؛ فالإنفاق في المعصية تبذير، وصاحبه أخو للشيطان، وعونٌ للشيطان على نفسه.
ومن مفاسد التفحيط وأخطاره؛ أنه يعين على الالتقاء بالمنحرفين في أخلاقهم وسلوكهم؛ فما يخلص مدمن التفحيط من شر إلا وقع في شر أعظم منه، إنهم يدلونه على سرقة مركبات المسلمين؛ فيأخذونها ثم يفحطون بها حتى يتلفونها ثم يلقونها بعد ذلك دون حياء أو خجل.
آه كم جلب هؤلاء المفحطون على أسرهم من الحزن والبلاء جراء هذه التصرفات الرعناء؛ إما في أنفسهم أو بسبب جنايتهم على الغير، وكم عطل المفحطون الطريق وأخافوا المارة وضيقوا السبيل وأتلفوا الممتلكات والخدمات وتسببوا في وقوع الخِنَاقة بين الناس بسبب هذا التصرف القبيح.
أيها المسلم: إن ما يدعو بعض شبابنا لهذه التصرفات الخاطئة -هداهم الله-؛ هو ضعف الإيمان في قلوبهم وانعدام الحياء من صدورهم؛ فالمؤمن الحق من أمِنَهُ الناس على دمائهم وأموالهم، وهذا الصنف لا يبالي في دماءٍ سفكوها ولا أرواح أزهقوها ولا جوارح عطلوها وجعلوا أهلها رهائن الأسرَّة ولا على أموال أتلفوها؛ دون خوف من الله وخجل من ذي سلطان أو حياء من الخلق.
كذا الفراغ الدائم سبب في نتوء هذه الظاهرة القبيحة؛ فكم قتلوا من أوقات عظمت عليهم أن يسخروها في طاعة الله ورسوله، أو في السعي الطيب والكسب الحلال، وإنما عمروا أوقاتهم بهذه المجازفات وشغلوها بهذه المغامرات؛ تفحيط بالليل وبالنهار وغيرها من القبائح التي سببها الفراغ وجناه على أبنائنا.
ومن الأسباب كذلك: جلساء السوء وأصحاب اللهو الذين يحببونك في السيئة، ويرغبونك فيها دون مبالات بمآلاتها واعتبار لنتائجها، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين شبه جليس السوء بنافخ الكير، كما روى عنه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال عنه: "ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة".
ومنها: غفلة الآباء وقلة مراقبتهم لأبنائهم؛ فلقد كان الواجب على الآباء ملاحظة هذا الأمر، وزجر من يمارس هذه التصرفات الشنيعة، وقصرهم على الخير وشغلهم بما ينفع. وعدم قيام الآباء بذلك إنما هو ضياع للأمانة التي استرعاهم الله عليها؛ فالكل راع ومسؤول عن رعيته، قال -صلى الله عليه وسلم-: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
ومن ذلك -أيضا-: الجهل والفراغ والجدة؛ وهذه لا ريب من أعظم أسباب فشو ظاهرة التفحيط وانتشارها، وصدق الشاعر:
إن الشباب والفـراغ والـجـدة *** مفسدة للمـرء أي مـفـسـدة
أيها المسلمون: لا سبيل للسلامة من هذه الظاهرة، إلا بمعالجتها ووضع الحلول المناسبة والواقعية لها؛ وسنقف مع أهم العلاج؛ فمن ذلك: توعية شبابنا التوعية الشرعية والقانونية بمخاطر هذه الظاهر، وتذكيرهم بحرمة الدماء والأموال، وأن الله حرم قتل النفس بغير حق، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
ومن العلاج تعاون الآباء والجيران والإخوان وغيرهم على محاربة هذه الجريمة، والأخذ على أيدي أولئك السفهاء وإبلاغ الجهات المختصة لمحاسبتهم.
كما أن من العلاج تفعيل دور وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، من خلال إقامة البرامج التوعوية لمحاربة هذه التصرفات الخاطئة ومناقشتها دائما والتعريف بأخطارها الصحية والنفسية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، وتزويد الشباب حولها بالثقافة السليمة والتوعية النافعة؛ لتخليصهم من هذه المخاطرات.
كما أن على رجال التربية والتعليم واجبا كبيرا في تثقيف الطلاب بمساوئ هذه الظاهرة؛ فمتى تعاون المجتمع كله على محاربة ذلك انتشرت الفضيلة وضيق على مظاهر القبح والسوء والرذيلة.
ومن لم تنفعه تلك الحلول والأدوية التوعوية وجب على رجال الأمن القيام بمهمتهم تجاه أصحاب هذه الظاهرة والأخذ على أيدي أولئك المتهورين وحملهم على الذوق والانضباط، ومنعهم من هذه الممارسات الخاطئة؛ من أجل سلامة أرواحهم وصيانة أرواح غيرهم والحفاظ على المال العام والخاص؛ وحينها سنجد مجتمعا آمنا وهادئا ومستقرا.
عباد الله: إن التعاون على الخير مطلوب منا جميعاً والتكاتف لمحاربة الشر مهمتنا جميعا، قال الله: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]،.
أيّها المفحط: كُفَّ أذاك عن المسلمين قبل أن يُقضَى بينك وبينهم يومَ لا ينفع مال ولا بنون، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما المفلس؟" قالوا: "المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع"، فقال: "إنّ المفلسَ من أمّتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وقيام وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مالَ هذا وسفك دمَ هذا أو ضربَ هذا، فيُعطى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فنِيت حسناته قبل أن يَقضيَ ما عليه أخِذ من خطاياهم فطُرحت عليه فطُرح في النّار" (رواه مسلم).
فلنتق الله في أرواح العباد وأموالهم وأمانهم واستقرارهم؛ فذلك أعظم عند الله حرمة من الكعبة الشريفة، وقد جاء في غاية المرام للإمام الألباني -رحمه الله-: "أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- نظر إلى الكعبة؛ فقال ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة منك".
خطباؤنا الكرام: أنتم الأمل في التذكير بأسباب هذه الظاهرة وآثارها المؤلمة على الأرواح والأموال، فلكم دور مهم وهو جزء من الحل والعلاج؛ وهو بيان الحق في كيفية التعامل الحسن في قيادة المركبات وبسط مساوئ هذه الظاهرة المجتمعية (التفحيط) ومخاطرها وحث الآباء والعقلاء ومساعدة الجهات المختصة على وجوب محاربة هذه الظاهرة والمشاركة في علاجها.
سائلين المولى أن يهدي شباب المسلمين إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، إن ربي سميع قريب.
التعليقات