عناصر الخطبة
1/خطر التسويف 2/من أدوية التسويفاقتباس
فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ؛ فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بالتَّدَبُّر؛ لاشْتَغَلُوا بِهَا عْنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا...
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ رَأْسُ مَالِ المَفَالِيْس، وَجُنْدٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيْس؛ إِنَّهُ التَّسْوِيْف!
فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْلِحَةِ الشَّيْطَان التَّسْوِيْفُ والخُذْلان، قال تعالى: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ)[النساء:117-119].
قال ابنُ كَثِير: "(وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ): أَيْ أُزَيِّنُ لَهُمْ تَرْكَ التَّوْبَةِ، وَأَعِدُهُمُ الْأَمَانِيَ، وَآمُرُهُمْ بِالتَّسْوِيفِ!".
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيْف: نَبْذُ الْكَسَلِ، وَالتَّشْمِيرُ بِالْجِدِّ والعَمَل؛ قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آلعمران:133]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ"(رواه مسلم:118).
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيف: ذِكْرُ المَوْت، والْمُبَادَرَةُ بالتَّوْبَة قَبْلَ هُجُومِ الْمَنِيَّة، وَفَوَاتِ الأُمْنِيَةِ! ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ؛ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع"(رواه ابن ماجه:4171، وحسنه الألباني). قال ابنُ الجَوْزِي: "وَهَذَا نِهَايَةُ الدَّوَاءِ لهذا الدَّاء؛ فَإِنَّهُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لا يَبْقَى إلى صَلاةٍ أُخْرَى؛ جَدَّ وَاجْتَهَد!".
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيْف: تَقْصِيرُ الأَمَل! لِأَنَّ طُوْلَ الأَمَلِ يَبْعَثُ على التَّكَاسُلِ والتَّسْويفِ، وَرُبَّما اخْتَطَفَهُ الأَجَل، قَبْلَ إِصْلاحِ العَمَل، قال تعالى: (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ)[الحديد:16].
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيفِ: الاِلْتِجَاءُ إِلَى الله؛ فَإِنَّ مِنْ أَدْعِيَةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ"(رواه البخاري ومسلم). قال النَّوَوي: "أَمَّا الْعَجْزُ: فَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الخَير، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ، وَالتَّسْوِيفُ بِهِ، وَكِلَاهُمَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَاذَةُ مِنْهُ".
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيف: تَرْكُ الأَمَانِي؛ فَالأَمَانيُّ تُخَدِّرُ الهِمَم، وَتَدْفَعُ النِّعَم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "العَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ"(رواه الترمذي وحسنه).
قال ابنُ القَيِّم: "الْمُتَمَنِّي: مِنْ أَعْجَزِ النَّاسِ وَأَفْلَسِهِمْ، فَإِنَّ التَّمَنِّيَ رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ، وَالْعَجْزُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَلَا يَرْضَى بِالْأَمَانِيِّ عَنِ الْحَقَائِقِ؛ إِلَّا ذَوُو النُّفُوسِ الدَّنِيئَةِ السَّاقِطَةِ!".
وَمِنْ أَدْوِيَةِ التَّسْوِيْف: تَرْكُ الإِصْرَارِ، عَلَى المَعَاصِي والأَضْرَار؛ قال تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران:134].
قال القُرْطُبِي: "الْإِصْرَارُ هُوَ التَّسْوِيفُ، وَالتَّسْوِيفُ أَنْ يَقُولَ: "أَتُوبُ غَدًا"، وَهَذَا دَعْوَى النَّفْس، كَيْفَ يَتُوبُ غَدًا، وغدًا لَا يَمْلِكُهُ!"، قال الْحَسَن: "إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ؛ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكِ وَلَسْتَ بِغَدِكَ".
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
عِبَادَ الله: مِنْ كَمَالِ العَقْل تَرْكُ التَّسْوِيف، والنَّظَرُ في العَوَاقِب، قال العُلَماء: "مَنْ لا يَسْتَعِدُّ لما يَجُوْزُ وُقُوْعُه؛ فَلَيْسَ بِكَامِلِ العَقْل، مِثلَ: أنْ يَغْتَرَّ بِشَبَابِه، ويُسَوِّفَ التَّوْبَة، فَرُبَّما أُخِذَ بَغْتَةً؛ فَإِنَّ الزَّمَانَ يَنْقَضِي بالتَّسْوِيف، وَيَفُوْتُ المَقْصُود".
وَمَنْ تَمَادَى في تَسْوِيْفِ الخَيْر فَقَدْ يُعَاقَبُ بِحِرْمَانِه، قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[الأنفال:24].
قال ابنُ القَيِّم: "اللهُ يُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَ لَهُ بَابًا مِنَ الْخَيْرِ فَلَمْ يَنْتَهِزْهُ، بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ عُقُوبَةً لَهُ! فَمَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إِذَا دَعَاهُ؛ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ فَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِجَابَةُ بَعْدَ ذَلِكَ!".
فَقَصِّرُوْا الأَمَل، وَبَادِرُوا بِالعَمَل، قَبْلَ حُلُولِ الأَجَل! (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[المنافقون:11].
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر
وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
التعليقات