عناصر الخطبة
1/من صور الفساد المالي 2/التستر التجاري وحكمهاقتباس
مِنْ أَبْوابِ الفَسَادِ الماليِّ المُعَاصِر: التَّسَتُّرُ التِّجَارِي فَلا يَجُوزُ لِصَاحِبِ العَمَل تَشْغِيلُ الْعَمَالَةِ غَيْرِ النِّظَامِيَّةِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ اسْتُقْدِمُوا لَه، وإِيوَائهمْ، وَالتَّسَتُّر عَلَيْهِم؛ فَإِنَّ في هذا مُخَالَفةٌ لِلْشَّرْعِ والنِّظَام، وَإِخْلالٌ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
أَيُّهَا المُسْلِمُون: يَكْبُرُ ابْنُ آدَم، ويَكْبُرُ مَعَهُ اِثْنَان: حُبُّ المال، وَطُوْلُ الأَمَل.
وَمِنْ أَجْلِ المال: تَضْعُفُ الدِّيَانَة، وَتَضْمَحِلُّ الأَمَانَة، وَيَزْدَادُ حِرْصُ الناس؛ فَلاَ يُشْبِعُهُمْ شَيْءٌ، فَيَتَخَوَّضُونُ في مَالِ اللهِ بِغَيِر حَقٍّ، وَيَدْخُلُونَ في أَبْوَابٍ مِنَ الفسادِ المالي والتجاري.
وَمِنْ أَبْوابِ الفَسَادِ المالي: التَّعَامُلُ بالرِّشْوَةُ، والاختلاس، والتزوير، والغِشِّ، والخيانة؛ فَأَمَّا الرِّشْوَة فَإِنَّ الرَّاشِي يَدْفَعُ الرِّشْوَةَ لِلْمُرْتَشِي؛ لِيَمْنَحَهُ ما لَيْسَ مِنْ حَقِّه؛ وقد "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِي وَالمُرْتَشِي"(رواه أبو داود وصححه الألباني)؛ فهِيَ مِنْ كَبَائِرِ الذنوب، وما نَتَجَ عَنْهَا مِنْ مَالٍ أو مَنْفَعَة؛ فَهُوَ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ! و"كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ؛ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ"(رواه أحمد).
وَمِنْ صُوَرِ الفَسَادِ المالي: اخْتِلاَسُ المَالِ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ المَالِ العَامِّ، أَمْ مِنْ أَمْوَالِ الشَّرِكَاتِ والمُؤَسّسات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ"(رواه البخاري) .
وَأَمَّا التَّزْوِيرُ فَهُوَ تَغْيِيرُ الحَقِيقَةِ بِقَصْدِ الغِشِّ، وَيَسْرِي فِي الأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ، وَالمُعَامَلاتِ الرَّسْمِيَّةِ ونحوها، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ التي تُقْتَطَعُ بها الحقوق، أو يُعَاقَبُ بِهَا أبرياء، أو يُدافَعُ بِهَا عَنْ مُجْرِمِيْن، وهذا مِنْ كَبَائِرِ الذنوب؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟" قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ"، وَجَلَسَ - وَكَانَ مُتَّكِئًا - فقال: "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ الرَّاوِي: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ! (رواه البخاري ومسلم).
وَأَمَّا الغِشُّ والخِيَانَة فَهِيَ الأَصْلُ الجَامِعُ لِكُلِّ فَسَادٍ ماليٍّ وإِدَارِي، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"(أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني)
عِبَادَ الله: لا يَغُرَنَّكَمْ بَرِيقُ المالِ الحَرَام؛ فَإِنَّ مآلَهُ إلى الَمحْقِ والزَّوَال، ثُمَّ الحِسَابِ والعِقَاب! (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَمَّا بَعْدُ: مِنْ أَبْوابِ الفَسَادِ الماليِّ المُعَاصِر: (التَّسَتُّرُ التِّجَارِي).
فَلا يَجُوزُ لِصَاحِبِ العَمَل تَشْغِيلُ الْعَمَالَةِ غَيْرِ النِّظَامِيَّةِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ اسْتُقْدِمُوا لَه، وإِيوَائهمْ، وَالتَّسَتُّر عَلَيْهِم؛ فَإِنَّ في هذا مُخَالَفةٌ لِلْشَّرْعِ والنِّظَام، وَإِخْلالٌ بالأَمْن، وَأَكْلٌ لِلْمالِ بالباطل، وَرُبَّمَا سَلَكَ بَعْضُهُمْ الطُّرَقَ الْمُلْتَوِيَةَ لِكَسْبِ الْمَعَاشِ، أو امْتَهَنَ مِهْنَةً غَيْرَ مِهْنَتِهِ، وَأَضَرَّ بِغَيْرِه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).
وَيَنْبَغِي على العَامِلِ وصَاحِبِ العَمَل أَنْ يَعْلَمَ أنَّ كُلَّاً مِنْهُمَا مَسْؤُوْلٌ عَمَّا تَحْتَ يَدِه، وَمَسْؤُوْلٌ عَنْ أَداءِ الحقوقِ التي عليهِ يومَ القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(أخرجه البخاري ومسلم).
كَمَا يَجِبُ على العَامِلِ وصَاحِبِ العَمَل أَنْ يُوْفُوا بالعهود، ولا يُخِلُّوا بالشروط، ولا يَتَحَايَلُوا على الشَّرْعِ والنِّظَام؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ"(أخرجه أبو داود).
وَلَنْ يَبْقَى لَلإنسان فِي الدُّنْيَا بَعْدَ مَوْتِهِ إِلا عَمَلُهُ الصَّالِح، وَلَنَا عِبْرَةٌ وَعِظَةٌ فِي عُظَمَاءَ وَأَغْنِيَاءَ، جَمَعُوا مَالًا عَظِيمًا، ومَلَئُوا الدُّنْيَا ضَجِيْجًا، دُفِنُوا بِأَكْفَانِهِمْ كَمَا يُدْفَنُ الفُقَرَاءُ، ولم يَأْخُذُوا مِنَ الدنيا شيئًا، وَبَقِيَ عَلَيْهِمْ حِسَابُ مَا جَمَعُوا!
خُـذِ الـقَـنَاعَـةَ مِـنْ دُنْيَاكَ وَارْضَ بِهـا *** لَـوْ لَـمْ يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ الـبَــدَنِ
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر.
وَصَلَّىَ اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّد، وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.
التعليقات