عناصر الخطبة
1/التربية الخلقية مكانتها وحقيقتها 2/أسس ومقومات التربية الخلقية 3/تنبيه وتوجيه للآباء والمربين.

اقتباس

وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ، وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِلْأَخْلَاقِ مَكَانَةً عَظِيمَةً فِي حَيَاةِ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ وَالشُّعُوبِ، وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَهَا الْإِسْلَامُ قِيمَةً إِيمَانِيَّةً مُرْتَبِطَةً بِعَقِيدَةِ الْفَرْدِ وَصِلَتِهِ بِرَبِّهِ، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَجَعَلَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- تَرْبِيَةَ الْخَلْقِ وَتَزْكِيَةَ نُفُوسِهِمْ بِالْأَخْلَاقِ وَالْفَضَائِلِ مِنْ أَهْدَافِ الرِّسَالَاتِ وَالنُّبُوَّاتِ، فَقَالَ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الْجُمُعَةِ:2]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" وَفِي رِوَايَةٍ: "صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"(السِّلْسِلَةُ الصَّحِيحَةُ لِلْأَلْبَانِيِّ).

 

وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ أَدْرَكَ أَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْبِعْثَةِ تَرْبِيَةَ الْأَتْبَاعِ وَالنَّشْءِ تَرْبِيَةً خُلُقِيَّةً؛ حَيْثُ إِنَّ غَايَتَهَا الِارْتِقَاءُ بِالطَّبَائِعِ الْإِنْسَانِيَّةِ حَتَّى تُصْبِحَ فِي أَعْلَى مَدَارِجِ الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ، إِلَى جَانِبِ تَخْلِيصِ النَّفْسِ مِنْ سَيْطَرَةِ سُلْطَانِ الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ، لِتَكُونَ الْفَضَائِلُ؛ كَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ، وَالْحَيَاءِ وَالْحِلْمِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَكَفِّ الْأَذَى وَنَحْوِهَا؛ مُثُلًا عُلْيَا تَقُودُ مَسِيرَتَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَتُوَجِّهُ سُلُوكَهُ وَتَصَرُّفَاتِهِ فِي كُلِّ الظُّرُوفِ وَالْأَحْوَالِ؛ إِلَى جَانِبِ أَنَّ التَّرْبِيَةَ الْخُلُقِيَّةَ لِلطِّفْلِ تَجْعَلُ مِنْهُ إِنْسَانًا سَوِيًّا فِي مُجْتَمَعِهِ وَمُؤَثِّرًا فِي مُحِيطِهِ، وَتُكْسِبُهُ الرَّاحَةَ النَّفْسِيَّةَ، وَتَمْنَحُهُ السَّعَادَةَ، وَتَحْمِيهِ مِنَ الِانْحِرَافَاتِ السُّلُوكِيَّةِ، وَهِيَ سِيَاجٌ يَمْنَعُهُ مِنَ اقْتِرَافِ الْجَرِيمَةِ، وَيَكُونُ بِهَا قُرَّةَ عَيْنٍ لِوَالِدَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

وَيُقْصَدُ بِالتَّرْبِيَةِ الْخُلُقِيَّةِ؛ إِكْسَابُ الطِّفْلِ مَجْمُوعَةَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ، وَالسُّلُوكِيَّاتِ الْإِيجَابِيَّةَ، وَالْقِيَمَ الْعَظِيمَةَ، وَتَنْمِيَتُهَا فِي نَفْسِهِ، وَتَوْجِيهُهُ لِمُمَارَسَتِهَا فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ بِقَنَاعَةٍ وَرِضًا، إِلَى جَانِبِ تَعْرِيفِهِ بِضِدِّهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الْمَشِينَةِ، وَتَحْذِيرِهِ مِنْهَا، وَبَيَانِ خَطَرِهَا عَلَى دِينِهِ وَنَفْسِهِ وَمُجْتَمَعِهِ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَحَتَّى تُؤْتِيَ التَّرْبِيَةُ الْخُلُقِيَّةُ ثِمَارَهَا لَابُدَّ مِنَ ارْتِكَازِهَا عَلَى أُسُسٍ وَمُقَوِّمَاتٍ أَشَارَ إِلَيْهَا أَهْلُ الِاخْتِصَاصِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:

أَنْ يَكُونَ الْوَالِدَانِ قُدْوَةً حَسَنَةً، فَالطِّفْلُ يَتَعَلَّمُ بِعَيْنَيْهِ قَبْلَ أُذُنَيْهِ، وَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ وَالْمُرَبِّي قُدْوَةً، وَلِذَلِكَ أَوْصَى عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ مُعَلِّمَ وَلَدِهِ قَائِلًا: "لِيَكُنْ أَوَّلُ إِصْلَاحِكَ لِوَلَدِي إِصْلَاحَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ عُيُونَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا صَنَعْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَ!".

 

وَمِنْهَا: دَيْمُومَةُ الْوَعْظِ وَالْإِرْشَادِ وَالنُّصْحِ وَالْمُتَابَعَةِ لِلْأَبْنَاءِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، لِأَنَّنَا لَا نَتَعَامَلُ مَعَ آلَةٍ، بَلْ مَعَ نَفْسٍ بَشَرِيَّةٍ تَتَقَلَّبُ وَتَتَغَيَّرُ حَسَبَ الْمَوَاقِفِ وَالظُّرُوفِ الْمُحِيطَةِ بِهَا وَالْأَوْضَاعِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تَعِيشُهَا، وَلَابُدَّ مِنْ رَبْطِ هَذَا النُّصْحَ وَالتَّوْجِيهَ بِالثَّمَرَةِ وَالنَّتَائِجِ الطَّيِّبَةِ، قَالَ لُقْمَانُ -وَهُوَ يَعِظُ ابْنَهُ-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لُقْمَانَ: 17-18].

 

وَمِنْ أُسُسِ التَّرْبِيَةِ الْخُلُقِيَّةِ: تَعْلِيمُهُمْ أُصُولَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، وَكَيْفِيَّةَ اكْتِسَابِهَا، وَالْأَجْرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهَا عِنْدَ اللَّهِ؛ فَتَتَوَلَّدُ فِي نُفُوسِهِمُ الرَّغْبَةُ وَالْخَشْيَةُ وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ، (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ:19]؛ إِلَى جَانِبِ بَيَانِ أَثَرِهَا فِي حَيَاتِهِمْ؛ مِنَ الرَّاحَةِ وَالْقَبُولِ وَالذِّكْرِ الْحَسَنِ، وَهَذَا الْأَمْرُ يَأْتِي عَنْ طَرِيقِ الْقِرَاءَةِ لِكُتُبِ الْأَخْلَاقِ وَالسِّيَرِ، وَسَرْدِ الْقِصَصِ وَالْحِوَارِ وَالْمُنَاقَشَةِ، وَمُشَاهَدَةِ الْبَرَامِجِ النَّافِعَةِ، وَحُضُورِ دُرُوسِ الْعُلُومِ الْمُفِيدَةِ، وَاسْتِثْمَارِ الْأَحْدَاثِ وَالْمَوَاقِفِ وَالْمُنَاسَبَاتِ، مَعَ تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ وَبَيَانِ خَطَرِهَا وَعَوَاقِبِهَا وَأَثَرِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ.

 

وَمِنْهَا: اخْتِيَارُ الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ لِأَبْنَائِنَا، وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَمْ مِنْ رَفِيقٍ وَصَدِيقٍ أَوْرَدَ صَاحِبَهُ الْمَهَالِكَ، وَأَوْرَثَهُ مَسَاوِئَ الْأَخْلَاقِ، وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ رَفِيقِ السُّوءِ وَجَلِيسِ السُّوءِ فَقَالَ: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ؛ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِحُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَقَدِيمًا قِيلَ:

عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

 

وَمِنْ هَذِهِ الْأُسُسِ وَالْمُقَوِّمَاتِ الدُّعَاءُ: فَنَلْجَأُ إِلَى اللَّهِ وَنَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَرْزُقَنَا وَأَبْنَاءَنَا حُسْنَ الْخُلُقِ، وَيَصْرِفَ عَنَّا سَيِّئَهُ، وَقَدْ كَانَ الْمُرَبِّي الْأَعْظَمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: "... اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَكَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالْأَهْوَاءِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ جَمِيعًا أَنَّ التَّرْبِيَةَ الْخُلُقِيَّةَ أَمَانَةٌ سَوْفَ نُسْأَلُ عَنْهَا، وَمَسْؤُولِيَّةٌ لَابُدَّ مِنَ الْقِيَامِ بِهَا؛ لِمَا لَهَا مِنْ أَثَرٍ فِي تَجْسِيدِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ فِي النُّفُوسِ؛ حَيْثُ إِنَّهَا تُعَدُّ مِنْ رَكَائِزِ الدِّينِ، وَطَرِيقًا إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ، وَهِيَ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَالْأَخْلَاقُ سِيَاجٌ نَحْمِي بِهِ أَطْفَالَنَا وَأَبْنَاءَنَا مِنَ الِانْحِرَافَاتِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، إِلَى جَانِبِ أَنَّ تَقَدُّمَ الْأُمَمِ وَالشُّعُوبِ مُرْتَبِطٌ بِعِظَمِ الْأَخْلَاقِ وَعُلُوِّ قَامَتِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِمْرَارِيَّةَ التَّرْبِيَةِ الْخُلُقِيَّةِ ضَرُورَةٌ تُمْلِيهَا ظُرُوفُ الْعَصْرِ الْمُتَغَيِّرَةُ وَالْمُتَجَدِّدَةُ.

إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: لِنَحْرِصْ عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا عَلَى الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالْآدَابِ الْفَاضِلَةِ، وَنَتَعَهَّدُهُمْ بِالرِّعَايَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، وَنَسْتَعِينُ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ؛ فَفِي ذَلِكَ سَلَامَةٌ وَنَجَاةٌ لَنَا وَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6].

 

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَالصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ، وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى.

 

أَيُّهَا الْآبَاءُ الْكِرَامُ: لِيَعْتَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالتَّرْبِيَةِ الْخُلُقِيَّةِ حَتَّى نَجْنِيَ خَيْرَاتِهَا الْوَارِفَةَ وَثِمَارَهَا الْبَاسِقَةَ، وَنَسْعَدَ فِي ظِلَالِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهِ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
d8cjqVvPaycnMQ0od2ucU0RjFVFnltutf1ScE342.doc
nbo8eWIN9w7xrkuVB9w4MSkHFDvPVhr6mIX18FgY.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life