عناصر الخطبة
1/ وجوب التفريق بين طاعة الله وطاعة رسوله 2/ طاعة رسول الله وامتثال أمره من أهم الحقوق 3/ حرمة الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم 4/ أهل الكتاب ووقوعهم في الغلو 5/ بدعية الاحتفال بالمولد النبوي 6/ المولد النبوي لا أساس له من التاريخ الإسلامي
اهداف الخطبة

اقتباس

وَلَقَد كَانَت حَيَاتُهُ صلى الله عليه وسلم تَطبِيقًا عَمَلِيًّا لِلتَّوحِيدِ الخَالِصِ، وَتَعلِيمًا لِصَفَاءِ العَقِيدَةِ، وَدَعوَةً إِلى سَلامَةِ القَصدِ، وَنهيًا عَنِ الشِّركِ وَالكُفرِ، وتَحذِيرًا مِنَ الغُلُوِّ فِيهِ عليه الصلاةُ والسلامُ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ أَوِ اليَمَنِ فَسَجَدَ لَهُ نهاهُ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ وقال: "لَو كُنتُ آمِرًا أَحَدًا أَن يَسجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرتُ المَرأَةَ أَن تَسجُدَ لِزَوجِهَا"، وَنهى صلى الله عليه وسلم عَنِ الانحِناءِ في التَّحِيَّةِ..

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّها النَّاسُ- ونَفسِي بِتَقوَى اللهِ جل وعلا، (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رّحمَتِهِ وَيَجعَلْ لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

أَيُّها المُسلِمُونَ: أَعظَمُ الحُقُوقِ على العِبَادِ حَقُّ اللهِ تعالى بِإِفرَادِهِ بِالعِبَادَةِ دُونَ مَن سِوَاهُ، وَبَعدَ حَقِّ اللهِ تعالى يَأتي حَقُّ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِطَاعَتِهِ وَتَصدِيقِهِ وَاتِّبَاعِهِ.

وَالأَدِلَّةُ على ذَلِكَ في الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ وَمُتَظَاهِرَةٌ، قال سُبحَانَهُ: (وَاعبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا)، وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ).

وفي حَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: بَينَا أَنا رَدِيفُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيسَ بَيني وَبَينَهُ إِلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ"، قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعدَيكَ، ثم سَارَ سَاعَةً ثم قال: "يَا مُعَاذُ"، قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعدَيكَ، ثم سار سَاعَةً ثم قال: "يَا مُعَاذُ"، قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعدَيكَ، قال: "هل تَدرِي مَا حَقُّ اللهِ على عِبَادِهِ؟" قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قال: "حَقُّ اللهِ على عِبادِهِ أَن يَعبُدُوهُ وَلا يُشرِكُوا بِهِ شَيئًا"، ثم سار سَاعَةً ثم قال: "يا مُعَاذُ بنَ جَبَلٍ"، قُلتُ: لَبَّيكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعدَيكَ، فقال: "هَل تَدرِي مَا حَقُّ العِبَادِ على اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟" قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، قال: "حَقُّ العِبَادِ على اللهِ أَن لاَّ يُعَذِّبَهُم".

وَإِذَا كان اللهُ سُبحَانَهُ قَد أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن نُفَرِّقَ بَينَ طَاعَتِهِ جل وعلا التي هِيَ تَأَلُّهٌ وعِبَادَةٌ، وَبين طَاعَةِ رَسُولِهِ عليه الصلاةُ والسلامُ التي لا تُجَاوِزُ أَن تَكُونَ امتِثَالَ أَمرٍ وَنَهيٍ وَتَصدِيقَ خَبرٍ وَاتِّبَاعَ سُنَّةٍ وَتَعزِيرًا له وَتَوقِيرًا وَإِنزَالَهُ مَنزِلَتَهُ اللاَّئِقَةَ بِهِ، دُونَ غُلُوٍّ فِيهِ وَلا إِطرَاءٍ لَهُ.

وَمَن تَأَمَّلَ كِتَابَ اللهِ جل وعلا وَجَدَ ذَلِكَ الفَرقَ فِيهِ وَاضِحًا جَلِيًّا -بِحَمدِ اللهِ-، لا يُنكِرُهُ وَلا يَعمَى عَنهُ إِلاَّ مَن أَغفَلَ اللهُ قَلبَهُ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، قال سُبحَانَهُ: (وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ)، فَانظُرْ كَيفَ جَعَلَ سُبحَانَهُ الطَّاعَةَ لَهُ وَلِرَسُولِهِ، ثم جَعَلَ الخَشيَةَ وَالتَّقوَى لَهُ وَحدَهُ. وقال تعالى: (إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأَصِيلاً).

فَجَعَلَ الإِيمَانَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَجَعَلَ لِرَسُولِهِ التَّعزِيرَ وَالتَّوقِيرَ، وَأَفرَدَ نَفسَهُ بِالعِبَادَةِ وَهِيَ التَّسبِيحُ بُكرَةً وَأَصِيلاً. وقال تعالى: (وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلاَلَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ).

 

وقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحبِبْكُمُ اللهُ وَيَغفِرْ لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا)، وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لما يُحيِيكُم)، وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا)، وقال تعالى: (فَليَحذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: "لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ".

وَبِالجُملَةِ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَقَد بَيَّنَتِ النُّصُوصُ المُتَقَدِّمَةُ وَغَيرُها أَنَّ حَقَّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم الإِيمَانُ بِهِ وَاتِّبَاعُهُ وَطَاعَتُهُ، وَتَحكِيمُهُ وَرَدُّ مَا يُتَنَازَعُ فِيهِ إِلَيهِ، وَالرِّضَا بِحُكمِهِ وَالتَّسلِيمُ لَهُ، وَتَعزِيرُهُ وَتَوقِيرُهُ وَنَصرُهُ، وَالصَّلاةُ عَلَيهِ وَالتَّسلِيمُ، وَمَحَبَّتُهُ وَتَقدِيمُهُ على النَّفسِ وَالأَهلِ وَالمَالِ.

ولا شَكَّ أَنَّ أَهَمَّ تِلكَ الحُقُوقِ وَأَعظَمَهَا وَالذي هُوَ في الحَقِيقَةِ نَاتِجُهَا وَثَمَرَتُهَا وَلُبُّها وَالدَّلِيلُ وَالبُرهَانُ على الصِّدقِ فِيهَا - إنما هو طَاعَتُهُ وَامتِثالُ أَمرِهِ، وَذَلِكَ الحَقُّ هُوَ أَعظَمُ حُقُوقِ الرُّسُلِ التي جَعَلَهَا اللهُ لهم مِن لَدُنْ نُوحٍ إلى محمدٍ عليهم الصلاةُ والسلامُ، قال سُبحَانَهُ: (وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذنِ اللهِ)، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الرُّسُلُ تَقُولُ لأقَوَامِهَا، فَكَانَ كَثِيرٌ مِنهُم يَقُولُ لِقَومِهِ: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ)، فَجَعَلُوا التَّقوَى للهِ وَحدَهُ، وَجَعَلُوا لهم أَن يُطَاعُوا.

وَِمن هُنَا -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- فَإِنَّهُ لا يجوزُ لأَحَدٍ أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وهُوَ مُحسِنٌ وَلا يَحِلُّ لِمُؤمِنٍ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ - أَن يَأتيَ فَيَزعُمَ أَنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا فَوقَ هَذَا، مُدَّعِيًا أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَيُجِلُّهُ وَيُوَقِّرُهُ، كَمَا يَفعَلُهُ بَعضُ مَن بُلُوا بِإِحيَاءِ البِدَعِ وَإِمَاتَةِ السُّنَنِ، مِنَ الذينَ يُقِيمُونَ في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ مَا يُسَمَّى بِالمَولِدِ النَّبَوِيِّ، حَيثُ يُنشِدُونَ الأَشعَارَ الشِّركِيَّةَ، وَيَتَغَنَّونَ بِالمَدَائِحِ الكُفرِيَّةِ، وَيَستَغِيثُونَ بِالرَّسُولِ، وَيَسأَلُونَهُ قَضَاءَ الحَاجَاتِ، أَو يَرجُونَهُ لِشِفَاءِ الأَمرَاضِ أَو تَفرِيجِ الكُرُبَاتِ، أَو أُولَئِكَ الذين يَستَقبِلُونَ قَبرَهُ وَيَطلُبُونَهُ الشَّفَاعَةَ لهم أَو يَتَوَسَّلُونَ بِهِ.

وَلَقَد كَانَت حَيَاتُهُ صلى الله عليه وسلم تَطبِيقًا عَمَلِيًّا لِلتَّوحِيدِ الخَالِصِ، وَتَعلِيمًا لِصَفَاءِ العَقِيدَةِ، وَدَعوَةً إِلى سَلامَةِ القَصدِ، وَنهيًا عَنِ الشِّركِ وَالكُفرِ، وتَحذِيرًا مِنَ الغُلُوِّ فِيهِ عليه الصلاةُ والسلامُ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ أَوِ اليَمَنِ فَسَجَدَ لَهُ نهاهُ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ وقال: "لَو كُنتُ آمِرًا أَحَدًا أَن يَسجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرتُ المَرأَةَ أَن تَسجُدَ لِزَوجِهَا"، وَنهى صلى الله عليه وسلم عَنِ الانحِناءِ في التَّحِيَّةِ.

وَنهى أَصحَابَهُ أَن يَقُومُوا خَلفَهُ في الصَّلاةِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَلَمَّا قال لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئتَ قال صلى الله عليه وسلم: "أَجَعَلتَنى للهِ نِدًّا؟! بَل: مَا شَاءَ اللهُ وَحدَهُ"، وَقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "لا تَتَّخِذُوا قَبرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيثُمَا كُنتُم؛ فَإِنَّ صَلاتَكُم تَبلُغُني"، وَقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "اللَّهُمَّ لا تَجعَلْ قَبرِي وَثَنًا يُعبَدُ، اِشتَدَّ غَضَبُ اللهِ على قَومٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبِيَائِهِم مَسَاجِدَ"، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مَن كَانَ قَبلَكُم كَانُوا يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِني أَنهاكُم عَن ذَلِكَ"، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: "لا تُطرُوني كَمَا أَطرَتِ النَّصَارَى ابنَ مَريم، فَإِنما أَنَا عَبدٌ، فَقُولُوا: عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ".

أَيُّها المُسلِمُونَ: إِنَّ الغُلُوَّ في الأَنبِيَاءِ وَالصَّالحِينَ وَرَفعَهُم فَوقَ مَنَازِلِهِمُ التي أَنزَلَهُمُ اللهُ إِيَّاهَا أَمرٌ قَد وَقَعَ في أُمَّتَيِ الغَضَبِ وَالضَّلالَةِ: اليَهُودِ والنَّصَارَى، أُولَئِكَ الأَشقِيَاءُ الذين أَمَرَنَا اللهُ أَن نَدعُوَهُ في كُلِّ رَكعَةٍ مِن صَلاتِنَا أَن يُجَنِّبَنَا طَرِيقَهُم، قال سُبحَانَهُ: (قُل يَا أَهلَ الكِتَابِ لاَ تَغلُوا في دِينِكُم غَيرَ الحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهوَاءَ قَومٍ قَد ضَلُّوا مِن قَبلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)، وقال تعالى: (يَا أَهلَ الكِتَابِ لاَ تَغلُوا في دِينِكُم وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقِّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلى مَريَمَ وَرُوحٌ مِنهُ)، وقال جل وعلا: (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللهِ ذَلِكَ قَولُهُم بِأَفوَاهِهِم يُضَاهِئُونَ قَولَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللهِ وَالمَسِيحَ ابنَ مَريَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبحَانَهُ عَمَّا يُشرِكُونَ).

وَلَمَّا أَمَرَنَا اللهُ سُبحَانَهُ أَن نَسأَلَهُ في كُلِّ صَلاةٍ أَن يَهدِيَنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الذِينَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ المُغَايِرِينَ لِلمَغضُوبِ عَلَيهِم وَلِلضَّالِّينَ - كان ذَلِكَ ممَّا يُبَيِّنُ أَنَّ العَبدَ يُخَافُ عَلَيهِ أَن يَنحَرِفَ إِلى هَذِينِ الطَّرِيقَينِ، وَقَد وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخبرَ بِهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَيثُ قال: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن كَانَ قَبلَكُم حَذوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، حتى لَو دَخَلُوا جُحرَ ضَبٍّ لَدَخَلتُمُوهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَن؟!".

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعلَمُوا أَنَّ مَا يَفعَلُهُ بَعضُ الرَّافِضَةِ المَخذُولِينَ أَوِ الصُّوفِيَّةِ المُخَرِّفِينَ مِن غُلُوٍّ في أَهلِ البَيتِ عَامَّةً أَو في رَسُولِ اللهِ خَاصَّةً - إِنما هُوَ أَمرٌ مُحدَثٌ مُبتَدَعٌ مُختَرَعٌ، لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ وَلم يَرضَهُ رَسُولُهُ، وَلم يَفعَلْهُ مَن أُمِرنَا بِاتِّبَاعِهِم وَالأَخذِ بِسُنَّتِهِم مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ وَالصَّحَابَةِ المَرضِيِّينَ، وَلم يَصنَعْهُ أَحَدٌ مِن أَهلِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ، وَإِنما هُوَ أَمرٌ جَاءَت بِهِ دَولَةُ العُبَيدِيِّينَ المُسَمَّاةُ زُورًا وَبُهتَانًا بِالدَّولَةِ الفَاطِمِيَّةِ، فَاحذَرُوا مِن ذَلِكَ وَكُونُوا مِنهُ عَلَى مَنَاعَةٍ، وَحَافِظُوا عَلَى عَقِيدَتِكُم، وَأَخلِصُوا للهِ تَوحِيدَكُم وَقَصدَكُم.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ).

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ: وَاعلَمُوا أَنَّ أَصدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيرَ الهَديِ هَديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ المُحدَثَاتُ البَدَائِعُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يَقُولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَن أَحدَثَ في أَمرِنَا هَذَا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ"، وفي رِوَايَةٍ: "مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

وَإِنَّ مَا يُقِيمُهُ بَعضُ الجُهَّالِ في الثَّاني عَشَرَ مِن شَهرِ رَبيعٍ الأَوَّلِ مِن كُلِّ عَامٍ ممَّا يُسَمُّونَهُ عِيدَ المَولِدِ النَّبَوِيِّ لَهُوَ مِن جُملَةِ الأَعمَالِ المُحدَثَةِ المَردُودَةِ، وَالتي لَو كَانَت خَيرًا لَسَبَقَنَا إِلَيهَا سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ، فَإِنَّهُم كَانُوا أَشَدَّ مِنَّا مَحَبَّةً لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَعظِيمًا لَهُ، وَهُم عَلَى الخَيرِ أَحرَصُ وَإِلى البِرِّ أَسبَقُ، وَلَكِنَّهُم عَلِمُوا أَنَّ مَحَبَّتَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ وَتَعظِيمَهُ في مُتَابَعَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَمرِهِ وَإِحيَاءِ سُنَّتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَنَشْرِ مَا بُعِثَ بِهِ وَالجِهَادِ عَلَى ذَلِكَ بِالقَلبِ وَاليَدِ وَاللِّسَانِ، فَعَمِلُوا بِذَلِكَ وَسَارُوا عَلَيهِ.

ثُمَّ إِنَّ عِيدَ المَولِدِ مَعَ كَونِهِ بِدعَةً مُحْدَثَةً مُنكَرَةً فَلا أَسَاسَ لَهُ صَحِيحًا مِنَ التَّارِيخِ، إِذْ لم يَثبُتْ أَنَّ وِلادَتَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَت في تِلكَ اللَّيلَةِ، بَل لَقَدِ اضطَرَبَت أَقوَالُ المُؤَرِّخِينَ في ذَلِكَ عَلَى أَقوَالٍ سَبعَةٍ لَيسَ لِبَعضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى رُجحَانِهِ عَلَى الآخَرِ، إِلاَّ أَنَّ بَعضَ المُعَاصِرِينَ حَقَّقَ أَنَّهُ كَانَ في اليَومِ التَّاسِعِ مِن شَهرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَمَهمَا يَكُنْ مِن أَمرٍ فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ جَعلُ يَومِ وِلادَتِهِ مُنَاسَبَةً وَلا عِيدًا.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّنَا لم نَتَعَرَّضْ لِهَذِهِ البِدعَةِ بِالحَدِيثِ عنها لأَنَّهَا مَوجُودَةٌ في بِلادِنَا، فَإِنَّ بِلادَنَا وَللهِ الحَمدُ في أَكثَرِ أَجزَائِهَا لا تَعرِفُها وَلا تَعمَلُ بها، وَلَكِنَّنَا بُلِينَا في هَذَا الزَّمَانِ بِقَنَوَاتٍ ضَالَّةٍ مُضِلَّةٍ فَاتِنَةٍ مَفتُونَةٍ، تَنقُلُ مِثلَ هَذِهِ البِدعِ مِن بَعضِ أَجزَاءِ العَالمِ الإسلامِيِّ عَلَى أَنَّهَا مُنَاسَبَاتٌ إِسلامِيَّةٌ، وَقَد يُصَادِفُ هَذَا قَلبًا خَالِيًا مِنَ العِلمِ وَالبَصِيرَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّهُ الحَقُّ وَمَا هُوَ بِالحَقِّ.

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، وَانتَبِهُوا لِذَلِكَ، وعَلَيكُم بِالسُّنَنِ وَاحذَرُوا البِدَعَ، وَاطلُبُوا العِلمَ الشَّرعِيَّ وَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ، فَإِنَّ مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: (يَرفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ).

 

 

 

المرفقات
1014.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life