عناصر الخطبة
1/تحذير الأنبياء والرسل أممهم من الشرك 2/بعض أنواع الشرك المنتشر في أوساط المسلمين 3/تعليق التمائم والحروز والتحذير من ذلك 4/تعليق التمائم عادة جاهلية وبعض صورها في العصر الحاضر 5/تعليم التوحيد والتحذير من تفشي الشرك في آخر الزماناقتباس
للشِّركِ باللهِ عاقِبةٌ وَخيمةٌ، وآثارٌ جَسيمةٌ؛ فإنَّه يُحبِطُ عَمَلَ كُلِّ عاملٍ. وسنسلط الضوء على نوع من أنواع الشرك الذي انتشر في أوساط المسلمين، خصوصا دول شرق آسيا وأفريقيا، ولقد دب إلى المسلمين العرب كذلك، بل دخل إلى الجزيرة العربية، وذلك لضعف الإيمان، وقلة العلم، والتقليد الأعمى، والانغماس في الدنيا، هذا الأمر هو...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها المؤمنون: إن أول واجب على المكلف هو: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله -تعالى-، وبهذا أرسل الله جميع الرسل، فالتوحيد عقيدة عظيمة يجب على المسلم أن يصفيه من كل ما يكدره، والشرك أخفى من دبيب النمل في الليلة الظلماء على الصفاة الملساء، ولهذا حذر منه الأنبياء والرسل أممهم؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث محمود بن لبيد الأنصاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ" قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "الرِّياءُ؛ يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم: اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟!".
للشِّركِ باللهِ عاقِبةٌ وَخيمةٌ، وآثارٌ جَسيمةٌ؛ فإنَّه يُحبِطُ عَمَلَ كُلِّ عاملٍ، وإنْ كان مُجتَهِدًا؛ لِفَسادِ أهمِّ شَرطٍ مِن شُروطِ العمَلِ، وهو الإيمانُ وإخْلاصُ العَمَلِ للهِ -عزَّ وجلَّ- دونَ غَيرِهِ.
عباد الله: سنسلط الضوء على نوع من أنواع الشرك الذي انتشر في أوساط المسلمين، خصوصا دول شرق آسيا، وأفريقيا، ولقد دب إلى المسلمين العرب كذلك، بل دخل إلى الجزيرة العربية، وذلك لضعف الإيمان، وقلة العلم، والتقليد الأعمى، والانغماس في الدنيا، هذا الأمر هو التعلق بغير الله، واعتقاد النفع والضر في غير الله، مثل تعليق التمائم والحروز، تعلق في العنق أو على المعصم والعضد، وربما تشد في الوسط، والبعض يعلقهما ببعض الجمادات أو الحيوانات، يعتقدون أنها تدفع الضر، أو تجلب النفع، وهذه والله شبيهة باعتقادات المشركين الجاهليين في أصنامهم، بل هي هي، فمن اعتقد أن هذه الحروز والتمائم تدفع أو تنفع بنفسها فقد أشرك شرك مشركي قريش، الشرك الأكبر، ومن اعتقد أنها سبب لذلك فهو الشرك الأصغر، وكلها من الشرك الذي لا يغفر، وصاحبه مهدد بالعقوبة التي لا تجاوز فيها إن مات ولم يتب منها، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)[النساء: 48].
أيها الناس: سنطرح بعض الأمثلة التي تنتشر في أوساط الناس، وقد يخفى حكمها على البعض، فمن ذلك وهو المنتشر بكثرة: تعليق التمائم من القلائد، والحبال، ولبس الأساور والخواتم، لعدة اعتقادات باطلة، منهم من يعتقد أن ذلك يدفع الضرر والخطر والمرض والعين والحوادث وغيرها من الآفات، ومنهم من يعتقد أنها تجلب الحظ، والرزق، والطمأنينة، وهذه والله مع أنها شرك، هي نقص في العقل، كيف تعتقد في جمادات لا تقدر عليها، والبعض يجعلها من القرآن، والصحيح أنها من المنهي عنه، فمثلا يعلق آية الكرسي مثلا، أو يكتبها على التميمة، أو يضع المصحف في السيارة لكي يتجنب الحوادث، أو يعلقها على البهيمة تقيها من العين، وهلم جرا من الاعتقادات الباطلة.
ومما ورد في النهي عن هذه التمائم، ما أخرجه أبو داود في سننه من حديث زينب امرأةِ عبد الله بن مسعود عن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرقى والتمائم والتوَلة شرك"، قالت: قلت لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف وكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً".
والمقصد أن من ابتلي بشيء من ذلك فعليه أن يفزع إلى الله ويدعوه ويتوكل عليه، فلا شفاء إلا شفاؤه.
وأخرج أحمد في سننه من حديث عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعتَ تسعة، وتركت هذا؟ قال: "إن عليه تميمة" فأدخل يده فقطعها فبايعه، وقال: "من علق تميمة فقد أشرك"، وفي حديث عبد الله بن عكيم مرفوعا: "من تعلق شيء وكل إليه".
ومن أنواع التمائم والحروز ما يسمى بالتولة، وهي نوع من عمل السحرة يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته، أو يبغض أحدهما إلى الآخر، وهو داخل في الصرف والعطف، فهو من الشرك الذي يعتمد على استمداد السحرة بالشياطين.
والبعض يعتقد حله، ويقول: إنهم يقصدون به الخير، وهذا باطل فكله من عمل الشيطان.
اللهم جنبنا الشرك صغيره وكبيره.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: كانت هذه الحروز من زمن الجاهلية، ولا تزال في قلوب البعض، وذلك لكثرة الجهل، ولقلة المنْكِر، واليوم تطورت هذه الشركيات، حتى دخلت في التقنية الحديثة، وبدأت تدخل فيها التجارة العالمية كذلك، فدخلت فيها شركات كبرى، في تصنيع أساور، وقالوا: إنها تذهب الطاقة السلبية! وقالوا: تساعد على الاتزان! وعدم السقوط أرضا! وآخرون يقولون: تشفي من الروماتيزم! ثم تطوروا وأدخلوا الناس في علم الطاقة، وما أدراك ما علم الطاقة، والبرمجة العصبية التي دخل فيه الدجل، والكذب والسحر.
ألا فاحذروا -عباد الله- من الشرك والدجالين والمشعوذين، الذين يتلونون لكم في كل يوم بلون، لنشر الشرك وجمع المال.
أيها الناس: تعلموا التوحيد، ولا تقولوا ولدنا على التوحيد، فقد دب في الناس الشرك والإلحاد، وعصفت بهم الأهواء بعد الانفتاح العالمي الذي غزا الناس في عقر دارهم، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشرك لا يزال في الأمة بل في جزيرة العرب، أخرج البخاري ومسلم من حديث أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ"، (وَذُو الخَلَصَةِ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ).
في هذا الحديث إشارة إلى ما سيحدث من الردة والرجوع إلى عبادة الأصنام، وذو الخلصة صنم كانت تعبده دوسٌ في الجاهلية.
وقد وقع هذا كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولما شاء الله -تعالى- أن يخرج الإمام الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- كانت الأصنام قد عبدت في جزيرة العرب، فجاهد في سبيل الله بحمل الناس على التوحيد، وترك الشرك، وكان مما هدم صنم ذو الخلصة بتبالة من أرض الطائف، وفي صحيح مسلم، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى".
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان"، وفي رواية: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان" قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرح الحديث: "الحي: بمعنى القبيلة".
فالحذر الحذر -عباد الله- من الشرك، بتعلم التوحيد وتعليمه للأهل والأولاد، وبكثرة الدعاء، فقد كان أبونا الخليل، يقول: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35].
اللهم جرد توحيدنا لوجهك، وأعذنا من الشرك بأنواعه.
التعليقات