عناصر الخطبة
1/دعوة للتبكير إلى المساجد 2/من آثار التبكير إلى المساجد 3/في التبكير إلى الجمعة أجر خاصاقتباس
هل نَستشعرُ ونَحنُ ذاهبونَ إلى المَساجدِ أنَّ هُناكَ ضِيَافةً تَنتَظرُنا في جَنَّاتِ النَّعيمِ، لا نَراها اليَومَ ولكنْ تَنتَظرُ القُدومَ الكَريمَ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلعمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: عِندَما تَرى الزِّحامَ عِندَ مَدَاخلِ المَلاعبِ قَبلَ المُباراةِ بِساعاتٍ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ أبوابِ الأسواقِ في مَواسِمِ التَّخفيضاتِ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ أمَاكنِ التَّرفيهِ والألعابِ والمَهرجاناتِ، وتَرى الزِّحامَ عِندَ بَوَّاباتِ العَملِ مُشاةً وسَيَّاراتٍ وباصاتٍ، ثُمَّ تَرى الأرضَ خاويةً عِندَ أبوابِ المَساجدِ قَبلَ إقامةِ الصَّلواتِ فسَتعلَمُ أنَّ هُناكَ خَلَلاً في تَقديرِ الأمورِ وتَرتيبِ الأولَوياتِ، واسمعوا مَا قَالَهُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وكَأنَّهُ يَرى أحوالَنا: "لو يَعْلَمُ النَّاسُ ما في النِّدَاءِ والصَّفِّ الأوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عليه، ولو يَعْلَمُونَ ما في التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ"؛ يَعني لو عَلِموا مَا في التَّبكيرِ مِنَ الفَضلِ العَظيمِ، والخَيرِ العَميمِ، لاستَبقوا إليهِ ثُمَّ نَحتاجُ إلى تَنظيمِ دُخولِ المُصلَّينَ إلى المَسجدِ بالقُرعةِ، مِن شِدَّةِ الزِّحامِ عِندَ أبوابِ المَساجدِ قَبلَ الأذانِ.
مَا هو شُعورُكَ عِندَما يَقولُ المؤذنُ: اللهُ أكبرُ؟؛ فَهلْ هُناكَ شيءٌ أَكبرُ مِنَ اللهِ تَعالى يُشغلُكَ عنهُ، ومَا هو إحساسُكَ عِندَما يَقولُ المؤذنُ: حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفَلاحِ؛ أليسَ لِسانُ الحَالِ يُفتَرضُ أن يَقولَ: نَعم، ها أنا قادمٌ، بَل كَانَ مِن السَّلفِ مَن يَلومُ مَن لا يأتي إلى المَسجدِ إلا بَعدَ الأذانِ، يَقولُ سُفيانُ بنُ عُيينةَ -رَحِمَه اللهُ-: "لا تَكنْ مِثلَ عَبدِ السُّوءِ، لا يَأتي حَتى يُدعَى، ائتِ الصَّلاةَ قَبلَ النِّداءِ".
هَل سَمعتُم بِخُطُواتٍ، تَكتِبُ حَسناتٍ، وتَمحو سيئاتٍ، وتَرفعُ دَرجاتٍ، إنَّها الخُطُواتُ إلى المَساجدِ لأداءِ الصَّلواتِ، قَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَا مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً".
مَا رَأيُّكَ -أيُّها الأخُ المُباركُ الحَبيبُ-، لو عَلِمتَ أنَّ رَجُلاً صَالحاً يَدعو لكَ في ظَهرِ الغيبِ؟؛ فَكيفَ لو كانَ الدَّاعي لَكَ هُم المَلائكةُ الكِرامُ، الذينَ لَهم المَكانةُ العَظيمةُ عِندَ ذي الجَلالِ والإكرامِ، جَاءَ في الحَديثِ: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلّاهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولا يَزالُ أحَدُكُمْ في صَلاةٍ ما دامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُهُ أنْ يَنْقَلِبَ إلى أهْلِهِ إلَّا الصَّلاةُ"، يَقولُ سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ رَحِمَه اللهُ: "مَا أَذَّنَ المؤذنُ مِنذُ ثَلاثينَ سَنةٍ إلا وأنا في المسجدِ، ومَا فَاتتني صَلاةُ الجَماعةِ مِنذُ أَربعينَ سَنةٍ، ومَا نَظرتُ إلى قَفَا رَجلٍ في الصَّلاةِ"، يَعني لَمْ يُصلِّ فِي الصَّفِ الثَّاني فِي حَياتِه، وكأنَّ لِسانَ حَالِهِ يَقولُ:
تَتَلاشَى مَظاهرُ الكَونِ عِندِي *** حِينَ تَصطَفُّ للصَّلاةِ الصُّفوفُ
هل نَستشعرُ ونَحنُ ذاهبونَ إلى المَساجدِ أنَّ هُناكَ ضِيَافةً تَنتَظرُنا في جَنَّاتِ النَّعيمِ، لا نَراها اليَومَ ولكنْ تَنتَظرُ القُدومَ الكَريمَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ-: "مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أوْ راحَ، أعَدَّ اللهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّما غَدَا أوْ رَاحَ"، ولِذَلِكَ اسمعْ كَيفَ كَانوا يَنتَظرونَ الصَّلاةِ، يَقُولُ عَديُّ بنُ حَاتمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "مَا جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ إِلَّا وَأَنَا إِلَيْهَا بِالْأَشْوَاقِ، وَمَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ قَطُّ إِلَّا وَأَنَا لَهَا مُسْتَعِدٌّ".
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه.
أمَا بَعدُ: هَل لكَ دُعاءٌ تُريدُ سَريعاً أن يُستَجابَ؟، هَل لكَ حَاجةٌ تَنتَظِرُها مَنَ اللهِ عِندَ البابِ؟، فاسمعْ لِهَذا الحَديثِ يَا مَن صَدقَ النِّيةَ والاستِقامةِ، "لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ"؛ فَأَينَ الذينَ إذا خَرجوا مِن المساجدِ عَلَّقوا فيهِ قُلوبَهم، حَتى يَرجِعُوا إليها في الفَريضةِ القَادمةِ؟، أولئكَ فِي الظِّلِّ الظَّليلِ، يَومَ لا ظِلَّ إلا ظلُّ الجَليلِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: -وَمِنْهُم- رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ"، كَانَ إبراهيمُ بنُ مَيمونَ يَعملُ في صِياغةِ الذَّهبِ، وكَانَ إذا رَفعَ المِطرقةَ وسَمعَ الأذانَ لم يَردَّها.
وأَما يومُ الجُمعةِ فَهو يومُ تَقديمِ القَرابينَ، لِمنَ أتى قَبلَ أن تَطويَ المَلائكةُ الدَّواوينَ، جَاءَ في الحَديثِ: "مَن اغتَسَلَ يومَ الجُمُعةِ غُسلَ الجَنابةِ، ثم راحَ في السَّاعةِ الأُولى، فكأنَّما قرَّب بَدنةً، ومَن راحَ في السَّاعةِ الثانيةِ، فكأنَّما قرَّبَ بقرةً، ومَن راح في السَّاعةِ الثالثة، فكأنَّما قرَّبَ كبشًا أقرنَ، ومَن راحَ في السَّاعةِ الرابعة، فكأنَّما قرَّبَ دَجاجةً، ومَن راح في السَّاعةِ الخامسةِ، فكأنَّما قرَّب بيضةً، فإذا خرَج الإمامُ حضرتِ الملائكةُ يَستمِعونَ الذِّكرَ"؛ فَماذا قَدَّمَتَ اليومَ مِن قُربانٍ، يَكونُ لإيمانِكَ وحُبِّكَ بُرهانٌ؟؛ فَبَكِّروا عِبادَ اللهِ إلى الصَّلواتِ، فالنَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لَمَّا رَأى في أصحابِه تأخُّرًا، فقَالَ: "تَقدَّموا فأتمُّوا بي، وليأتمَّ بِكم مَن بَعدَكم، ولا يَزالُ قَومٌ يَتأخرونَ حتَّى يُؤخِّرَهم اللهُ عزَّ وجلَّ"، وَلِذلَكَ قَالَ إبراهيمُ النَّخعيُّ: "إذا رَأيتَ الرَّجلَ يَتهاونُ بالتَّكبيرةِ الأولى، فاغسلْ يَديكَ مِنهُ".
رَبَّنا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرياتِنا رَبَّنا وتَقبلَ دُعاء.
ربَّنا أَصلحْ أَعمالَنا وأَحوالَنا وقُلوبَنا وذُرياتِنا.
اللهمَّ إنا نَعوذُ بِكَ من زَوالِ نِعمتِك، وتَحولِّ عَافيتِكَ، وفُجاءةِ نِقمتِك، وجَميعِ سَخطِك.
اللهمَّ إنا نَعوذُ بِكَ من جَهدِ البلاءِ، ودَركِ الشقاءِ، وسوءِ القضاءِ، وشَماتةِ الأعداءِ.
اللهمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ ورُدَهم إليك رَداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتَهم على الحقِ والهُدى وألّْف بينَ قلوبِهم وَوَحدْ صفوفَهم وارزقهم العملَ بكتابِكَ وسنةِ نبيكَ.
اللهمَّ طهِّرْ المسجدَ الأقصى من رِجسِ يَهودٍ، اللهمَّ عليكَ باليَهودِ الغَاصبينَ، والصهاينةِ الغَادِرينَ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم وانتصر لعبادِكَ المستضعفينَ في كلِّ مَكانٍ.
اللهم نَسألُكَ رَحمةً تَهدِ بها قُلوبَنا، وتَجمعُ بها شَملَنا، وتُلِمُّ بها شَعثَنا، وتَصرِفُ بها الفِتنَ عَنَّا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
التعليقات