عناصر الخطبة
1/حديث عظيم 2/ علامة من علامات النبوة 3/ استسقاء الإمام والخطيب يوم الجمعة 4/آداب الاستسقاء 5/ من أحكام نزول المطر 6/حكم الجمع بين الصلاتين بسبب الأمطار.اقتباس
الاستسقاء إِنَّمَا يكون بالقلب أولاً، ثُمَّ بالجوارح من الأعمال والأقوال ثانيًا، مع صدق اللجأ إليه -سُبْحَانَهُ-، وحُسْن الثقة به، وكمال الاعتماد عليه؛ فإنَّه الَّذِي بيده ملكوت كل شيء، وهو الَّذِي يُغيِّر حال العِباد من حالٍ إِلَى حال، فلا تلتجئ في ذلك إِلَى غيره...
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ الحَمْدُ للهِ الَّذِي أعاد مواسم الخيرات عَلَى عباده تترى، فلا ينقضي موسمٌ إِلَّا ويعقبه آخر مرةً بعد أخرى، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها الفلاح وَالنَّجَاة، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، أولي المكرمات، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خادم النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: "بينما رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يخطب الجمعة، إذْ دخل أعرابيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يغيثنا، فرفع النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يديه إِلَى السماء، وما زال يستسقي ربه.
قَالَ أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "فخرجنا، فوالله ما في السماء من قزعة، فما هي إِلَّا أن ظهرت سحابةٌ من وراء سلع"، وهو أقرب الجبال إِلَى مسجده في المدينة -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، "حَتَّى إذا توسطت انتشرت، فمُطرنا سبتًا"؛ أي: أننا لم نرَ الشَّمْس سبتًا، في مطرٍ وديم، "حَتَّى إذا جاءت الجمعة الأخرى دخل ذلك الأعرابي، أو غيره، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هلك المال، وانقطعت السبل"، ولم يقل: وجاع العيال، هلك المال لكثرة السيول، وانقطعت السبل بجريان الأودية بهذه المياه، "فادعُ الله أن يُمسِك عنَّا، فتبسَّم -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فرفع يده إِلَى السماء، قائلاً: "اللَّهُمَّ حَوَالَينَا وَلاَ عَلَينَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ".
حديثٌ عظيمٌ -يا عباد الله- يدلُّ عَلَى علامةٍ من علامات النُّبُوَّة، بإجابة الله -جَلَّ وَعَلَا- دعوة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- باستسقائه.
والحديث أصلٌ في استسقاء الإمام والخطيب يوم الجمعة، ورفع يديه إِلَى المساء، وتأمين المصلين معه عَلَى ذلك.
وفيه من الحِكَم أَيضًا: أن الله -جَلَّ وَعَلَا- قريبٌ يُغيّر أحوال عباده "يعجب ربنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من قنوط عباده وقُرب غِيَرِه"؛ قاله -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، قنوطهم أي: استبعادهم أن ينزِل عليهم من الله الرحمات، "وقُرب غِيَرِه" أي: قُرب تغيير حالهم من حالٍ إِلَى حال، إذا صدقوا في لجئهم والتجائهم إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وفي الحديث من الحِكَم أَيضًا: أنه أجاب دعوة هذَا الأعرابي لمَّا كلمه في أمرٍ مُلهِف وهو يخطب الجمعة؛ ولهذا أخذ الفقهاء من ذلك قاعدة: أنه يجوز كلام المأموم مع الخطيب حال خطبة الخطيب أثناء الخطبة يوم الجمعة، إذا كان ذلك لحاجة، أما لغير حاجة؛ فإنَّ هذَا الكلام من اللغو، وكذا كلام المأمومين حال خطبة الإمام بعضهم مع بعضٍ من اللغو، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من قَالَ لأخيه: أنصِت، والإمام يخطب؛ فقد لغا، ومن لغا؛ لا جمعة له"(أخرجاه في الصحيح).
وفي الحديث من الحِكَم أَيضًا: أنه أجاب السائل إِلَى طلبته في أول أمره، ولم يُجبه إِلَى طلبته مرة ثانية، لمَّا دعا الله أن يمسِك عنَّا، فلم يجبه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذلك، وَإِنَّمَا أجابه إِلَى دفع الضرر الناشئ من كثرة المطر، فَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "اللَّهُمَّ حَوَالَينَا وَلاَ عَلَينَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ"، وَهذَا ما يُسمَّى عند العلماء بـ"دعاء الاستصحاء"؛ إذا خاف النَّاس من كثرة المطر به ضررًا عليهم.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28].
اللَّهُمَّ أولِنا من خيرك ورحماتك، اللَّهُمَّ إنَّك خير محمودٍ عَلَى أفعالك، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم وأحبَّهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ الاستسقاء إِلَى الله -جَلَّ وَعَلَا- إِنَّمَا يكون بالقلب أولاً، ثُمَّ بالجوارح من الأعمال والأقوال ثانيًا، مع صدق اللجأ إليه -سُبْحَانَهُ-، وحُسْن الثقة به، وكمال الاعتماد عليه؛ فإنَّه الَّذِي بيده ملكوت كل شيء، وهو الَّذِي يُغيِّر حال العِباد من حالٍ إِلَى حال، فلا تلتجئ في ذلك إِلَى هؤلاء المحللين الجويين، ولا إِلَى غيرهم، واجعلك لجأك إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، صادقًا بذلك من قلبك، مؤمنًا موحدًا لربك، وذلك بدعائه والابتهال إليه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
واعلموا -عباد الله- أنَّ من أحكام نزول المطر: أنه إذا كثُر هذَا المطر، وخيف عَلَى النَّاس في المشقة؛ جاز لهم جمع الصلاتين، جمع المغرب مع العشاء، وذلك لظلمة اَللَّيل من جهة، وكثرة الأمطار والدحض والمياه الَّتِي يخوضون بها من جهة أخرى.
واعلموا أنَّ الجمع بين الصلاتين جمعٌ بلا قصر، فيصلي المغرب ثلاثًا، والعشاء بعدها أربعًا، وَهذَا من تشوُّف الشَّرِيعَة لإقامة الجماعة، ولكن لا تُقصر الرباعية؛ لأن القصر خاصٌّ في صلاة السفر إذا كانت مسافته ثمانين كيلاً فأكثر، وذلك من حدود عامر بلده إِلَى منتهاه الَّذِي يريد أن ينتهي إليه، وبشرط أن يكون السفر سفر طاعة أو سفرًا مباحًا، لا سفر معصيةٍ أو سفر خروج عَلَى جماعة المسلمين.
واعلموا -عباد الله- أن الجمع بين الصلاتين إِنَّمَا شُرع لإقامة الجماعة وتشوُّفًا من الشارع إليها، واعلموا أن الجمع يكون أَيضًا للمريض إذا كان في صلاته في كل وقتٍ في وقتها مشقةً عليه؛ جاز له الجمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمعًا كذلك كالمطر من غير قصر، أم القصر فإنَّه في حال السفر خصوصًا.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.
اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.
اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.
اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات