عناصر الخطبة
1/ بدء الإجازة الصيفية والترويح عن النفس 2/ من المظاهر السلبية للإجازة الصيفية 3/ ضرورة الاهتمام بالوقت 4/ كثرة السلبيات في الإجازات 5/ وجوب الانتباه إلى الأسرة والأبناء دينًا ودنيا 6/ المبشرات في الإجازات 7/ ماذا استثمرت في الليل والنهار؟اهداف الخطبة
اقتباس
بعض الناس أخذ من مرور المناسبات وتقلب الإجازات سُلّمًا للإفساد والفساد، والتعاون على الإثم والعدوان، والتملص من القيم والأخلاق، فبذّر ماله، وأهدر وقته، وضيّع مسئوليته، وأباح له ولذريته الحرام بحجة الترويح والاستجمام.. إن أكثر الناس -إلا من رحم الله- في الإجازات لا يقيمون للوقت اعتبارًا، ولا يعطونه اهتمامًا، ترى أحدهم يقضي وقته ويهدر نهاره وليله في ضياع ولهو وغفلة لا في أمر دنيا يشتغلون، ولا في أمر آخرة يعملون؛ يقطعون...
الحمد لله مقلب الليل والنهار لحكمٍ وأسرار، ومن ذلك عبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل عمل المؤمن مستمرًّا لا حد له ولا اقتدار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى المهاجرين والأنصار والآل الأطهار.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله؛ فتقواه تقود إلى الجنان، وتمنح رضا الرحمن وتزحزح عن النيران.
أيها المسلمون: إن الناظر إلى تقارب الزمان وسرعة مرور الليالي والأيام فاستفتاحات الشهور أصبحت كالغدو والبكور، بل السنين تمر كلمحة بصر أو سحابة مطر، والنفوس -عباد الله- عند الإجازات تتنفس الصعداء وتحب الراحة والاسترخاء، فلابد لها من ترويح وإجمام وتنقيح، وديننا دين السماحة والفطرة المعتدلة أباح الترويح والتنشيط والبسط دون إفراط أو تفريط..
وإذا حلت الإجازات كثرت التنقلات والرحلات، وهذا أمر مرغّب فيه إذا ضُبط بالضوابط الشرعية، ومن باب:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر يقع فيه
ولهذا كان حذيفة يقول: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه".
ومن هذا المنطلق استمع أيها الأخ المبارك الموفق: إن بعض الناس أخذ من مرور المناسبات وتقلب الإجازات سلمًا للإفساد والفساد والتعاون على الإثم والعدوان، والتملص من القيم والأخلاق، فبذر ماله، وأهدر وقته، وضيّع مسئوليته، وأباح له ولذريته الحرام بحجة الترويح والاستجمام.
فبهذا أيها المسلمون: من المظاهر السلبية للإجازة الصيفية تضييع الأوقات وإمضاء الساعات في الجلسات والاستراحات، وانتظار المأكولات والمشروبات..
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
إن أكثر الناس إلا من رحم الله في الإجازات لا يقيمون للوقت اعتبارًا ولا يعطونه اهتمامًا، ترى أحدهم يقضي وقته ويهدر نهاره وليله في ضياع ولهو وغفلة لا في أمر دنيا يشتغلون ولا في أمر آخرة يعملون؛ يقطعون أوقاتهم بالنوم والأحاديث والتقلب في الأسواق والمنتزهات.
ألم ترَ أنّ اليومَ أسرعُ ذاهبٍ *** وأن غدًا للناظرين قريبُ
إن بعض الناس يضيع أوقاته في الحرام فيزيد المرض علة وإجرامًا، بل ربما امتد إلى الآخرين فسادًا وإفسادًا.
أيها المسلم: أنت في هذه الأيام بين ثلاثة أيام: أمس واليوم والغد، فالأمس مضى بما فيه فعفوك ورحمتك يا رب، والغد لعلك لا تدركه (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) [لقمان: 34] واليوم الذي أنت فيه احرص على الاجتهاد فيه..
مضى أمسك الماضي شهيدًا مُعَدَّلاً *** وأعقبه يوم عليك شهيد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة *** فبادر بإحسان وأنت حميد
فيومك أن أعقبته عاد نفعه *** عليك وماضي الأمس ليس يعود
يقول ابن الجوزي: "وينبغي للإنسان أن يعلم أن أعز الأشياء شيئان: قلبه ووقته، فإذا أهمل وقته وضيّع قلبه ذهبت منه الفوائد".
قال الحكماء: "من أَمضى يومًا مِن عُمُرِه في غيرِ حَقٍّ قَضَاه، أو فَرْضٍ أدَّاه، أو مَجْدٍ أثَّله أو فعل محمود حصّله أو علمًا اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه".
ومما يشاد به ويُذكر ويُحمد على فعله ويُشكر ما يفعله بعض الآباء من البر والوفاء بالأبناء فرتبوا مع أولادهم أوقاتهم ونظموا ذهابهم وإيابهم وجعل لهم حوافز ومسابقات وجوائز، وآخرون راقبوا أولادهم عند جلسائهم ونظروا إلى رفقائهم في حلهم وأسفارهم.
ومن المظاهر السيئة جمع الصلوات بدون عذر شرعي فتجد من يسهر طوال ليله حتى إذا ما قرب بذور الفجر وضع رأسه فنام فيصليها في غير وقتها وربما جمعها مع الظهر وربما أضاف الظهر مع العصر، وهذا محرم بإجماع المسلمين (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59] فويل للمصلين الذين يصلون الصلاة في غير وقتها.
ومن المظاهر السلبية: السهر فابتلي المسلمون بالسهر إلى جزء من الليل بل ربما الليل كله بل ربما لا يعرف النوم في الليل طوال الإجازة..
وهذا علاوة على أن أنه يفوت خيرات الآخرة من الصلاة والذكر والدعاء والعبادة وفوائد البدن الصحية، لهذا جعل ربنا الليل سكنًا ولباسًا، وسكون الخلايا، وراحة البال وأخذ قسط من الراحة للنوم.
إن السهر طوال الليل خلاف السنة الإلهية والفطرة المستقيمة، ثم مما يزيد المرض علة حينما يكون السهر سببًا لفعل منكر أو ترك واجب، كأن يفوت عليه صلاة الفجر مع الجماعة أو يفوت عليه الصلاة في وقتها المحدود أو يكون السهر على الغيبة والنميمة وقول الزور والسخرية، وعلى مشاهدة الأفلام الخليعة والصور الماجنة والنساء الأجنبية وسماع الغناء والرقص والطرب.
ومن السلبيات في الإجازات: السفر إلى بلاد الكفر والزندقة والإلحاد ومشاهدة الكفر وما يغضب رب العباد، إن بعض الناس يجعل صيفيته إلى بلاد الكفر، ويسافر بنفسه أو عائلته بحجة الاستجمام أو رخص التكاليف والشراب والطعام.
والسفر بدون عذر شرعي محرم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، يقول ابن كثير على قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) [النساء: 97] فهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين؛ فهو ظالم لنفسه مرتكب حرام بالإجماع وبنص هذه الآية" انتهى كلامه رحمه الله.
وبعض من يسافر إلى تلك البلاد ينزع الحياء والعفة والحشمة، والمرأة تنزع جلبابها وتلبس بنطالها، والبعض يكون في جهة وأولاده في جهة أخرى ليمارس الفواحش كيف شاء !! فهذا عليه وزره ووزر أولاده لإهماله وتفريطه.
ومن الآثار السلبية للإجازة الصيفية: الإسراف في المطاعم والمشارب والحلويات والمأكولات، والتبذير في إقامة حفلات الزوجات والولائم وربنا يقول: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) ويقول (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الإسراء: 27]، فعليك بالاقتصاد والعمل على وفق قول الحق: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
ومن الآثار السلبية: السفر في الداخل أو الخارج لأجل متعة الحرام، والمتاجرة في الذنوب والآثام، وأخذ الحرية كما يزعم فيفعل ما يشاء فيسافر لأجل رؤية النساء والمعاكسات ومشاهدة المراقص والخنا، والزواج المؤقت وهو زواج المتعة المحرمة، أو الزواج بنية الطلاق وذلك محرم لما فيه من المفاسد والشقاق..
فتجد هناك كالمكاتب العقارية يوجد فيها كل أنواع النساء، وربما كان للزوجة الواحدة عدة أزواج، وربما كان فيها مرض وسوء مزاج، ولا خُلق ولا عدة، ولا حصانة ولا عفة، فتخرج من هذا وتذهب إلى ذاك !!
ومن الآثار المنتشرة: خروج المرأة المتبرجة إلى الأسواق والحدائق والمنتزهات، والدعوات والمناسبات، ولا شك أن الخروج بحشمة وستر وحجاب ووقار غير ممنوع، وإنما المصيبة إذا خرجت متبرجة كما هو المشاهد في الأسواق والمنتزهات..
أخرّت النقاب وأخرجت الساق وبدت الأعناق، ولبست البنطال أمام مرأى من الرجال فتجد من ضعف إيمانها يكثر حديثها وخروجها خضوعها وتبرجها وإظهار محاسنها..
وفي المناسبات تذهب بعض النساء بلباس لا تلبسه ربما أمام زوجها أظهرت أكثر مما سترت، ولبست الثياب الشفافة والقصيرة والضيقة، وكذا لا ننسى الصغيرات ولباسهن الفاتن القصير.
ومن الآثار إخوة القرآن: عدم التفقه في الدين في الأسفار، فمن الناس من يسافر ولا يفقه بدائيات دينه وأصول عقيدته، فلا يفقه الجمع بين الصلاتين، ولا يعرف التيمم والمسح على الخفين، والواجب أن يصحب معه ما يعينه ويفقهه من مكتوب أو مسموع، فتجد بعض الناس لا يضع قدمه على راحلته إلا وقد علم جهته ومخرجه وذهابه ومسكنه.. بل ربما أخذ خريطة لتدله على بُغيته في سفره وفي مسائل دينه وما يحتاجه في سفره قليل الباع قصير الذراع.
ولهذا من العجب تسمع من مكث في فندقه أو شقته وهو يصلي إلى غير القبلة، وآخر يمسح ولا يعرف المدة، وثالث يجمع بدون مبرر شرعي، ورابع لا يعرف مدة قصره وجمعه..
ومن الآثار السلبية في الإجازة الصيفية: ضياع شريحة كبيرة من شبابنا وتضييع أوقاتهم الثمينة بين الجلوس على الأرصفة أو التفحيط والإزعاج أو المعاكسات، وكثير من الشباب أصبح همزة وصل لجلساء السوء في أوقات الإجازة، فتعلم المعاكسات وشرب الدخان والمخدرات واختلط بالمردان وربما مارس فاحشة اللواط..
فانتبهوا لأولادكم من رفقاء السوء؛ فهم سم قاتل وبلاء فاحش، فكم ولغ من ولغ في شراك الدخان والمخدرات، وتعلّم المعاكسات والسرقات..
وكذا مما ينبغي التنبيه عليه تثقيف الوعي لشبابنا.. إن بعض الشباب لا يبالي بقطع الإشارة وإيذاء المارة، ورفع صوت المزامير، وإيذاء النساء والكبير والصغير، فلهذا آثاره السيئة في حوادثنا، فكم من شاب وأسرة راحت ضحيتهم في خضم هذه الحوادث والكوارث..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه..
إخوتي في الله ومما يبشر في الإجازات تلكم الإيجابيات والحسنات عند كثير ممن وفقهم الله للطاعات، فحافظوا على أوقاتهم، ونظموا حياتهم، وأصلحوا أعمالهم لاسيما مع الأولاد ومشاركتهم الأفعال الجميلة والأعمال الحسنة، فتعاون الجميع على الطاعة وسد الفراغ والطاقة..
ومن البشائر أمة الخير والبشائر: زيارة بيت الله الحرام ومسجد رسوله سيد الأنام وكذا السفر لمناطق هادفة وأجواء هادئة..
ومن المظاهر الحسنة -أعطاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة-: الدعوة إلى الله، والحرص على فئة الشباب واحتوائهم، والانضمام حولهم وسد فراغهم، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي على الحق والهدى وصلاح المعشر.
ومن المظاهر الحسنة وفقنا الله لكل حسنة: التواصل الاجتماعي، وتبادل الزيارات، وحضور المناسبات، وسلامة الصدر لاسيما للوالدين والأقارب.
ومن الحسنات في الإجازات: قيام مجموعة من العلماء وطلبة العلم الأوفياء بوضع دورات ومحاضرات ودروس وكلمات ونشاط دعوي، وتجول في البلاد، وفتح دورات قرآنية ودور علم نسائية وبرامج ومسابقات واحتواء للفراغ والطاقات.
ومن المظاهر الجميلة والمحاسن الإيجابية: تلكم الزوجات للشباب والفتيات تحصينًا للفروج وغضًّا للأبصار وسكنًا وقرارًا، وتكاثرًا لأمة الرسول المختار، وحفاظًا على النفس وصونًا لها.. نسأل الله أن يجمع بينهما في خير ويحفظهما من كل شر وضير، وأن يبارك لهما وعليهما ويسعدهما في أسرتهما.
وكذا من المحاسن: وضع برامج للتعليم والرقي وثقل المواهب ودورات تدريبية، ومنها أن بعض المسافرين يمثل جميل الأخلاق، ويطبق صفات أهل الإسلام، فيتعامل مع الآخرين وكأنه يتعامل مع نفسه.
ومما يذكر: أن المرء يربط سفره بسفر الآخرة وأنه اليوم مسافر ويعود ويأتي اليوم الذي يسافر ولا يعود:
سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولابد من زاد لكل مسافر
ولابد للإنسان من حمل عدة *** ولاسيما إن خاف صولة قاهر
وكذا ربط الأهل والأولاد في التقلب في البلاد وأخذ العبرة.
ومن الإيجابيات لمن لم يتمكن من السفر ما يقوم به رب الأسرة المقيمة في البلد باستشعار المسئولية والقيام على من تحت يده بالتربية والتعليم والتحفيظ والتكريم.
أخي المسلم: المسلم لا تنقطع عبادته ولا ينقضي عمله إلا بموته، فداوم على الأعمال وتقرب إلى الله ذي الجلال، ورتب وقتك ونظم حياتك، واجعل لك في المناسبات مناسبات، وفي الإجازات مواهب وقدرات، واجعل لكل يوم ورقة عمل توقع عليها آخر النهار ماذا استثمرت في الليل والنهار؟
فالترتيب والتنظيم حليفه النجاح والسعادة والتكريم، واجعل لك وردًا يوميًّا قراءة وعبادة صلاة وقربة برًّا وصلة، إحسانًا وعبادة، وتشييع جنازة وعيادة، وإصلاح أسرة، ومساعدة ذي فقر ومسكنة، وإعانة لكل متزوج ومتزوجة، فلن تجد سرورك إلا في خاتمة عملك وانتهاء إجازتك وانقضاء أيامك، فعند الصباح يحمد القوم السرى.
ولكل بر سرور في الدنيا والأخرى، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، وفي كل خير (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]، فاجعل الإجازات إنجازات والعُطَل جدًّا وعملاً.
هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين..
التعليقات