عناصر الخطبة
1/ الدنيا مزرعة للآخرة 2/ حاجة اليتامى للحنو والرعاية 3/ فضل كفالة اليتيم 4/ صور كفالة اليتيم 5/ افتتاح جمعية خيرية لكفالة الأيتاماهداف الخطبة
اقتباس
تفكروا وأنتم تدخلون بيوتكم فيستقبلكم أولادكم بالبشر والسرور وهم يرددون (بابا بابا)، فيلتفون حول آبائهم، ويلقون أنفسهم في أحضانهم، فيحاطون بالأيدي، ويضمون إلى الصدور، ويقبلون على الجباه والرؤوس؛ فكم من طفل يتيم حُرم من أمه وأبيه، يقف لسانه عاجزًا عن قولها لحرمانه من أحدهما، لم يسمع هذا الطفل يومًا كلمة (يا ولدي)، ولم يستشعر في يوم من الأيام معاني العطف والرعاية والرحمة والحنان ..
الحمد لله أجزل العطاء للمحسنين، ووعدهم بالمزيد في الدنيا ويوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي أودع الرحمة في قلوب عباده المتقين، ونزعها من قلوب الطغاة والمتكبرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل في سنته: "أنفق -يا ابن آدم- ينفق عليك". صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله تعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة، وأن من تزود في الدنيا بالأعمال الصالحة وجد الثواب الكبير والعطاء الجزيل عند رب العالمين، ولقد رغب الله -جل وعلا- في الإنفاق في سبيله، وأعظم الأجر والثواب لمن بذل لوجهه وأخلص فيها، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:261]، وقال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) [البقرة:245]، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة"، فقلت: فداك أبي وأمي من هم؟! قال: "هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا، من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم". رواه البخاري ومسلم.
عباد الله: تفكروا وأنتم تدخلون بيوتكم فيستقبلكم أولادكم بالبشر والسرور وهم يرددون (بابا بابا)، فيلتفون حول آبائهم، ويلقون أنفسهم في أحضانهم، فيحاطون بالأيدي، ويضمون إلى الصدور، ويقبلون على الجباه والرؤوس، فكم من طفل يتيم حُرم من أمه وأبيه، يقف لسانه عاجزًا عن قولها لحرمانه من أحدهما، لم يسمع هذا الطفل يومًا كلمة (يا ولدي)، ولم يستشعر في يوم من الأيام معاني العطف والرعاية والرحمة والحنان، تذكروا ذلك اليتيم الذي لم يجد طعامًا وشرابًا يتلذذ به كما يتلذذ أولادنا، انظروا لذلك اليتيم وقد حرم أعظم حنان وأجل حب، حُرم ممن يدخل عليه السعادة والسرور، حرم ممن يدخل عليه بلباس العيد لكي يفرح مع أطفال المسلمين.
عباد الله: ألم نفكر يومًا في حال هؤلاء الأطفال المساكين وحاجتهم لتعويض هذا الحرمان، ألم ننظر لحالهم وهم يجلسون وقد ملأ الحزن قلوبهم، والأسى يقطع قلوبهم، ألا نتفكر في حالنا مع كلام ربنا، القائل في كتابه: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9]، فكم من يتيم ينشد من يقوم برعايته، ويسعى في مصلحته، ويمسح على وجهه ورأسه، ويخفف عنه بؤسه وحزنه، يتطلع إلى من يرعى شؤونه وحاجاته، لذلك جاء الإسلام العظيم ليمسح عن هذا اليتيم دمعة عينه، وأسى قلبه، فجاءت النصوص الشرعية تحث المسلمين على كفالتهم، والحرص على رعايتهم والإنفاق عليهم، قال تعالى في كتابه آمرًا بالإحسان إليهم وإصلاح شؤونهم وأحوالهم: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) [النساء: 36]، وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) [البقرة: 220]، وأمر أيضًا بالإقساط إليهم وعدم ظلمهم: (وَآَتُوا اليَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) [النساء: 2]، وأشار سبحانه إلى أن من أجلّ الأعمال التي تكون سببًا في الجزاء العظيم عند الله تعالى هو إكرام اليتيم.
ولقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة بكفالة اليتيم، ووجّه إلى الحرص عليها، وأشار إلى أنها من أفضل الأعمال التي تكون سببًا في مرافقته في الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئًا. رواه البخاري ومسلم. وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: "من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين". وفرّق بين أصبعيه السبابة والوسطى. رواه أحمد.
وقال: "اللهم إني أُحَرِّجُ حق الضعيفين: اليتيم والمرأة". رواه أحمد، وابن ماجه.
ومن توجيهات السلف في كفالة اليتيم قول ابن بطال: "حق على من سمع هذا الحديث -يعني قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم..." الحديث- أن يعمل به ليكون رفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك.
وكفالة اليتيم لها فضائل كثيرة؛ ومن ذلك: أنها صدقة يضاعف لها الأجر إن كانت على الأقرباء، وكفالة اليتيم والمسح على رأسه وتطييب خاطره يرقق القلب ويزيل عنه القسوة، وكفالة اليتيم تعود على الكافل بالخير العميم في الدنيا والآخرة، وكفالة اليتيم تساهم في بناء مجتمع سليم خال من الحقد والكراهية، وتسوده روح المحبة والودِّ، وكفالة اليتيم تزكي المال وتطهره وتجعله نِعْمَ الصاحب للمسلم، وكفالة اليتيم من الأخلاق العالية التي أقرّها الإسلام وامتدح أهلها، وكفالة الأيتام من أفضل الأعمال وأجلها، وأحبها إلى رب العزة -جل وعلا-، ومحبة الله لها جعل ثمنها مرافقة حبيبه -صلى الله عليه وسلم- في مكانته العالية في أعلى منازل الجنة.
ومن صور كفالة اليتيم ما يلي:
• رعايته بالولاية عليه وعلى أمواله إن كان له مال.
• رعايته بالإنفاق عليه وإطعامه وكسوته، وتوفير السكن والمأوى له.
• رعايته حال المناسبات، كرمضان، والأعياد، والإجازات، ونحو ذلك.
• القيام على رعايته وتربيته، وتقويم سلوكه، والعناية بتعليمه وتقويم أخلاقه.
فاحرصوا -بارك الله فيكم- على كفالة الأيتام، واعلموا أن كل ريال ينفق عليهم يعود أولاً عليكم بالخير والنماء والمزيد، ويعود عليهم بالسعادة والفرح والسرور، ويخرجون -بإذن الله تعالى- نبتة صالحة طيبة ينتفع بها المجتمع كله -بإذن الله تعالى-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قدوتنا وحبيبنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته واقتدى بأثره إلى يوم المزيد.
أما بعد:
فإن أمتنا الإسلامية خلال مراحل عمرها السابقة واللاحقة لتثبت حقًّا أنها أمة عظيمة لما جعل الله فيها من الخير إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ) [آل عمران:110]، ومن الأدلة على ذلك وجود رجال أفذاذ جعل الله الخير على أيديهم، والبذل سمتهم، والعطاء ديدنهم، والنظر في أمور المسلمين هدفهم، ومن هؤلاء كما نرى ونسمع عبر المشاريع الخيرية الكثيرة التي يسمع بها القاصي والداني صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود -وفقه الله- والذي غرس بيديه ثمرات يانعة عادت على أبناء وطننا الغالي بالخير العميم.
لقد جاء نبأ زيارة سموِّه التي أثلجت صدورنا، وأسعدت قلوبنا في مشروع عظيم من مشاريع الخير ارتضاه لنفسه ولأبناء وطنه، ومن هذه المشاريع قيامه بافتتاح الجمعية الخيرية لكفالة الأيتام -فرع إنسان- في محافظتنا الغالية (الزلفى)، فمشاركته في قيام هذا المشروع وفتحه الباب للجميع ليتعاونوا كل بما يريد؛ لعلمه أن الجميع يحب الاجتماع على الخير، وهذه المشاركة وهذا العطاء ينم على حرص سموه على حب البذل والسخاء، والحرص على الخير، فهذا دأبه في مملكتنا الحبيبة بصفة عامة ومحافظات منطقة الرياض بصفة خاصة.
ومثل هذه المشاريع لا يقوم بها إلا أصحاب الهمم العالية وخاصة في مثل كفالة الأيتام، وهكذا لا يقوم بالخير إلا أهله الذين جعلهم الله مفاتيح للخير، فنحمد الله تعالى أن قيض لنا ولاة أمر يحرصون على الخير لأبناء وطنهم، وإني أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يبارك لأميرنا فيما بذل ويبذل، وأن يجعله ذخرًا له في الآخرة، وأن يمنّ عليه بالعافية في الدنيا والآخرة، وأن يحفظه وإخوانه وذريته ومن يتعاون معه على الخير، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وسمو وليّ عهده، وأن يديم على بلادنا الغالية نعمة الأمن والأمان والطمأنينة والسلام، وأن يرد كيد الأشرار إلى نحورهم، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.
هذا؛ وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك، فقال -جل من قائل عليم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
التعليقات